كما أن التهريب قد يقع فعلاً بإدخال البضاعة أو إخراجها من إقليم المملكة، وقد يقع حكماً بأن يكون سلوك الجاني من شأنه أن يجعل إدخال البضاعة أو إخراجها وشيك الحدوث. لذلك فإننا تناولنا عند الحديث عن أنواع التهريب الجمركي ثلاثة موضوعات، هي: جريمة التهريب الضريبي، جريمة التهريب غير الضريبي وجريمة التهريب الحكمي.


المبحث الثاني
الركن المعنوي في جريمة التهريب الجمركي
الاتجاه السائد في التشريعات الجنائية الحديثة أن ماديات الجريمة لا تنشئ مسؤولية ولا تستوجب عقاباً ما لم تتوافر إلى جانبها كل العناصر المعنوية التي يتطلبها كيان الجريمة ذاته، والركن المعنوي إرادة إجرامية ناتجة عن اتجاهها الآثم إلى مخالفة القانون، أي تحقيق ماديات غير مشروعة3
ولاتجاه الإرادة الجمركية صورتان رئيسيتان: العقد الجرمي وبه تكون الجريمة عمدية، والخطأ وبه تكون الجريمة غير عمدية. وهذا النموذج المعنوي ركن من أركان الجريمة إذا تخلف لا تقوم الجريمة والركن المعنوي ضروري لقيام الجريمة إلا إذا نص المشرع صراحة على خلاف ذلك، وهو ما يعبر عنه بأنه لا جريمة بدون نية.
ويجمع الفقه على تعريف القصد الجنائي بأنه "إرادة الإضرار بمصلحة قانونية محمية بقانون يفترض علم الكافة به" وقد جرت العادة على وصف هذا الركن المعنوي في القانون بالقصد العام، بالمقابلة للقصد الخاص، وهو قصد أكثر تميزاً ولا يتطلبه القانون إلا للعقاب على بعض جرائم معينة والقصد الجنائي يتكون من عنصرين هما العلم والإرادة ويختلف الفقه حول الدور الذي يلعبه كل من العنصرين في تكوين القصد.
فقد ذهبت نظرية العلم إلى القول بأن القصد هو إرادة الفعل تعطي الفعل دلالته الإجرامية، وهي بذلك تستبعد إرادة النتيجة من عداد عناصر القصد.
أما نظرية الإرادة فتضيف إلى إرادة الفعل والعلم بالنتيجة إرادة هذه النتيجة وكل واقعة ذات أهمية في إسباغ الصفة الإجرامية على الفعل4ونحن بدورنا نؤيد الذي يقول أنه على الرغم من تطلب هذين العنصرين فإن أهمية الإرادة تزيد على أهمية العلم إذ ليس العلم متطلباً لذاته، ولكن باعتباره مرحلة في تكوين الإرادة، وشرطاً أساسياً لتصورها، والقانون لا يحرم النشاط النفسي إلا إذا كان يتجه اتجاهاً ثابتاً إلى غاية غير مشرعة5
ويعرف القصد الخاص بأنه نية انصرفت إلى غاية معينة، أو دفعها إلى الفعل باعث خاص6
وقد ثار خلاف كبير في الفقه الجمركي حول مدى استلزام توافر القصد الجنائي الخاص في جريمة التهريب، فاتجه البعض إلى أن جريمة التهريب جريمة عمدية تقوم على القصد العام دون حاجة إلى توافر القصد الخاص7
بينما ذهب البعض الآخر إلى أنه جريمة التهريب ذات قصد خاص، فلا يكفي أن يعلم المهرب بأنه يرتكب فقل التهريب، وإنما يتعين أن يكون الدافع لذلك رغبته في التخلص من الرسوم الجمركية8
ونحن نرى أنه يجب أن يتوافر في جريمة التهريب الضريبي الحقيقي عنصري العلم والإرادة. فينبغي أن يحيط الجاني علماً بكل واقعة ذات أهمية قانونية في تكوين الجريمة، وأهم واقعة تقوم بها الجريمة هي الفعل الذي يأتيه الجاني ويتمثل في سلوكه الإجرامي، وتترتب على الفعل النتيجة التي يتمثل فيها الاعتداء على الحق الذي يحميه القانون.
ويربط بين الفعل والنتيجة مجموعة من الوقائع تقوم عليها علاقة السببية. كما يتعين أن يتوافر لدى الجاني إرادة ارتكاب الجريمة وذلك بأن يقع النشاط المادي من شخص مميز ولديه حرية الاختيار.
وعى ضوء ذلك فإن تبين انتفاء العلم لدى الجاني بأن كان لا يعلم بوجود البضاعة الممنوعة بداخل حقيبته فأدخلها أو أخرجها منها، فإن عنصر العلم ينتفي وبذلك لا تكتمل أركان الجريمة كما يتحقق العلم إذا تبين أن المهرب الحائز لبضاعة لم يسدد عنها الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى قد تجاوز بفعله الخط الجمركي عنصر لازم للعلم بالجهة التي أناط بها القانون تحصيل الرسوم الجمركية.
أما العلم بقانون الجمارك ونصوص التهريب الجمركي فهو علم مفترض لا سبيل إلى نفيه بحسب الأصل كما يعتبر علماً مفترضاً في هذه الحال كل ما يتعلق بقوانين الاستيراد والتصدير والقواعد الخاصة بحظر استيراد سلع معينة أو تصديرها.
أما بالنسبة لجرائم التهريب الضريبي فإن القصد الجنائي العام بعنصريه العلم والإرادة هو المطلوب توافره، فيجب أن يحيط الجاني علماً بعناصر الواقعة الإجرامية المؤثمة وأن يتجه نشاطه الإجرامي صوب ارتكاب الجريمة على النحو الموصوف بالنموذج الإجرامي للواقعة كما ورد نص التجريم هذا فيما يتعلق بجريمة التهريب الحكمي غير الضريبي أما بالنسبة للتهريب الحكمي الضريبي والذي يلزم لقيامه توافر القصد الخاص متمثلاً في قصد التخلص من الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى.
وعلى ضوء ما تقدم فإننا نجد أنه لابد للمشرع الجمركي أن يتدخل تدخلاً حاسماً في مسألة القصد الجنائي في جرائم التهريب الحقيقي والحكمي وغير الضريبي. حيث اختلف الفقهاء فيما بينهم في تحديد القصد الجنائي الذي يتطلبه المشرع فالبعض ذهب إلى أن المطلوب هو القصد الجنائي العام بعنصريه العلم والإرادة.
بينما ذهب جانب آخر من الفقه إلى أن القصد المطلوب هو القصد الجنائي الخاص، فلا يكفي أن يعلم المهرب بأنه يرتكب فعل التهريب بل لابد أن يكون للمهرب صد خاص بأن يكون الدافع إلى سلوك المهرب هو رغبته في التخلص من الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى.