العرس أو الزواج:
من المعتاد بين الناس أن ينقل جهاز العروس إلى بيت الزوج قبل ليلة العرس، وتزيين حجرة العروس بواسطة أقربائها. وتزين العروس وترتدي الملابس النظيفة والجديدة، وهكذا الرجل، وبعد ذلك تؤخذ العروس إلى بيت الزوج مع جمع من أقربائها وأقرباء الزوج بفرح وترديد للأناشيد السارة، ومراسيم خاصة عند الشعوب المختلفة، وليس الإسلام مخالفا لهذه التشريفات بل يؤيدونها إن لم يكن فيها فعل غير مشروع.
قال رسول (ص) لزوجاته عند عرس الزهراء(ع): "زين الزهراء وعطرناها وافرشن حجرتها لنأخذها إلى بيت زوجها".
وقال لبنات عبد المطلب ونساء المهاجرين والأنصار: "سايرن الزهراء إلى بيت زوجها ورددن الأناشيد وانشرن السرور ولا تقلن مالا يرضي الله تعالى".
وإن كان الزوج متمكنا ماليا فليحسن أن يقيم وليمة في تلك الليلة ويدعو لها أقربائه وأصدقائه وجيرانه وبعض الفقراء والمساكين. وتستحب الوليمة للعرس، وقد جاء التأكيد عليهما في قول الرسول(ص) لعلي (ع) عند زواج الزهراء(ع): "يا علي! يجب إعداد وليمة في الزواج". ففي الزواج يشعر الزوجان بالشخصية والعظمة وأنما مرفعا الرأس أمام الأصدقاء والأقرباء ويعلنان ابتداء حياتهما الجديدة بتلك الحفلة. وبالأخص النساء فهن يعرن اهتماما أكبر لهذه المراسيم ويعتبرنها دليلا على المحبة، وعدمها إهانة لهن. ومن الضروري ذكر بعض الأمور:
أولا: لا تخرجوا عن الاعتدال في حفلات الزواج، اجتنبوا التشريفات الزائدة والإسراف والتبذير، فليس من الصحيح إقامة حفلات العرس في نواد وفنادق راقية وغالية الثمن، والأفضل إقامة حفلات معتدلة وصرف الباقي من المال في سبيل الخير، ومنه لتزويج الفتيات والفتيان الفقراء والمحتاجين؟ وبهذا تسرون قلوب عباد الله، ولذلك أثر في مستقبل حياتكم.
ثانيا: احذروا وقوع عمل مخالف للشرع في أعراسكم. لا تبدءوا الحياة الجديدة بأفعال مخالفة للشرع. لا مانع من ترديد الأناشيد والأشعار والتصفيق والضحك والمزاح ولكن اجتنبوا الغناء والموسيقى المحرمة واختلاط النساء بالرجال. ولتراعي النساء الحجاب الإسلامي في كل الأحوال ولا يظهرن أمام الرجال الأجانب حاسرات الرأس والوجه. وبالأخص العروس. وأوصي العريس أن لا ينظر إلى النساء غير المحارم.
في غرفة العرس:
ليلة العرس ليلة حساسة جدا. في هذه الليلة يصبح الفتى زوجا والفتاة زوجة، ويبدءان حياتهما الجديدة، ويفترقان عن الأبوين ويستقران. ويصلان إلى أمنيتهما وهي اللذة المشروعة. وعلى الزوجين شكر الله الذي رزقهما هذه النعمة العظيمة، فقد حصلا على المعين العطوف والأنيس والمواسي. وحصلا على زوج وبيت وحياة زوجية وما أحسن أن يبدءا حياتهما الجديدة باسم الله وطلب العون منه. ومن المستحب أن تتوضأ العروس قبل ذلك، وتدخل غرفة العرس وهي على وضوء. قال الرسول(ص) لعلي(ع): "عندما تدخل العروس إلى بيتك، انزع حذاءها لتجلس، ثم أغسل رجليها، ثم رش الماء في أطراف المنزل.فإن فعلت ذلك أبتعد الفقر عن دارك ودخله الغنى، وتنزل الرحمة والبركة من الله على رأس العروس. وتصان من الابتلاء بمرض الجنون والجذام والبرص"
ويستحب للزوج أن يطلب من زوجته أن تصلي ركعتين لله، ويصلي هو أيضا، وبحمد الله بعد الصلاة، ويصلي على النبي وآله، ثم يرفع يديه بالدعاء ويقول:
"اللهم ارزقني ولدا وأجعله تقيا زكيا ليس في خلقه زيادة ولا نقصان وأجعل عاقبته إلى الخير".
وبعد إتمام الصلاة والدعاء، ليتحدثا معا ويأنسا بعضهما. وليكن حديثهما حلوا، وليعلما أنها ليلة فرح وسرور وزفاف. ليلة إظهار العشق الحب والعلاقة والوفاء والإخلاص. ليلة تخلد فيها الذكريات الحلة أو المرة، الجميلة أو الحزينة.

الخطبة:
تكون الخطبة بواسطة الرجل أو أقربائه وأصدقائه، والأفضل أن تقوم بواسطة الأقرباء، لأن ذلك احتراما لهم ويسبب الألفة بين الأسرتين. إضافة إلى ذلك فهي أكثر شرفا واعتبارا وأهيب للرجل. إن خطبة الرجل للمرأة هي طبقا لقوانين الخلقة ويستهجن خلافها. فالرجل هو المديد دائما والمرأة مراده، أو الرجل هو الطالب والمرأة مطلوبة. فالطلب والعشق مراد من الرجل، ومن المرأة الحياء والدلال. ومن الرسوم المعتادة في الخطبة أن يقدم الرجل خاتما أو لباسا أو مجوهرات للمرأة، وهذه سنة حسنة، لأنها تترك أثرا طيبا في نفس المرأة، وتعتبر ذلك دليلا على صدق الرجل وحبه، وبذلك تشعر برفعة شخصيتها فيزداد حبها وعلاقتها به. وفي هذه المراسيم يجلب الرجل الحلويات إلى بيت العروس، وهذا أيضا يؤثر في إيجاد المحبة، وبعد ذلك تقوم أسرة العروس في المقابل بتقديم ساعة أو خاتم أو لباس ومقدار من الحلويات إلى العريس.
وبذلك يصبح الرجل خطيب المرأة، ويعد أحدهما الآخر بأن يكونا زوجين في المستقبل القريب، وذلك بإجراء مراسيم العقد.
وفي مرحلة الخطوبة وقبل إجراء الخطبة والعقد، لا تكون البنت محرما للرجل، ولا يحق لهما شرعا التمتع والتلذذ ببعضهما، وعليهما أن ينتظرا إجراء العقد. وليعلما بأن مرحلة الخطوبة مرحلة حساسة وقد تؤدي لكوارث بسبب عدم الاهتمام، وتتبدل علاقة الحب إلى يأس. ويجب أن يكون الارتباط بين الأسرتين مستمرا. ويحسن بالشاب أن يقدم هدية للفتاة بين الحين والآخر, وإذا سافر يتصل بخطيبته بواسطة الرسائل أو الهاتف ويسألها عن حالها ويجلب لها هدية من السفر. وعلى البنت وأسرتها أن تقابله بالمثل وبذلك تظهر وفاءها وحبها.
ليس لأيام الخطوبة ثبات واستحكام لازم، وقد تتعرض للانحلال والتزلزل بسبب حوادث بسيطة، فيجب على الشاب والشابة وأسرتيهما أن يراقبوا أقوالهم وأفعالهم لئلا تسبب الانحلال والفراق.
إن الشاب والفتاة لم يتزوجا شرعا في مرحلة الخطوبة، لكنهما تعاهدا على ذلك، وعليهما الوفاء بعهدهما، فيجب على الشاب أن لا يفكر أبدا في فتاة أخرى سوى خطيبته، وعلى الفتاة أن تغض طرفها عن كل الشباب، وتنتظر الزواج من خطيبها.
كونوا أوفياء بالعهد الذي اتخذتموه عن الخطوبة، ولا تلغوا هذا العهد المقدس بأعذار جزئية وصغيرة. وإن جاءكم خطيب آخر فلا تقبلوه وأجيبوا بالنفي،فأنتم بشر وعليكم الوفاء بالعهد.
ويمكنكم إلغاء الخطوبة لو كان لديكم عذر موجه ومنطقي، وذلك لو أحس الشاب أو الشابة من خطيبه أنه فاقد لأحد أو بعض الموازين الضرورية والمهمة للزواج. كأن يكتشف أن طرفه المقابل غير ملتزم بالأحكام الشرعية الإلهية، أو أنه سيئ الخلق، أو شارب للخمر، أو مقامر، أو تارك للصلاة، أو مدمن للمواد المخدرة، أو سارق ومجرم. فمن البديهي أن هكذا زواج لا يقترن بالسعادة والهناء، فما أحسن أن ينحل منذ البداية. وفي هذا الفرض يكون من الضروري فسخ الخطوبة لدفع الضرر.
وفي هذه الحالة أيضا يجب حل المسألة بشكل سلمي مع مراعاة الأخلاق والمقررات الإسلامية، واجتناب الهتك والسب والحقد والإيذاء.
ومن الجدير بالذكر أن الهدايا التي تعطى قبل صيغة العقد تتعلق بالشخص المهدي نفسه ويجوز له المطالبة بها وإرجاعها؛ لأن الهدية كانت معلقة بالزواج ولأنه لم يقع الزواج فيمكن استردادها. وهذا يختص بالهدايا التي تبقى وتدوم كالخاتم والملابس والمجوهرات وأمثالها، ويمكن المطالبة بها ويجب على الآخر إعطاؤها. لكن الأشياء التي لا تبقى كالحلويات والفواكه، لا يمكن إرجاعها ويجب أن لا يطالب بها. وعلى أية حال يجب العفو في هكذا موارد ولا يجب التشديد، فإن تحمل الأضرار الصغيرة أفضل من تحمل الصعاب المؤلمة.

الخطوبة:
اعتاد بعض الناس على أن يخطبوا الولد والبنت سن الزواج، أو يخطبوهما منذ الطفولة أو الرضاعة. لم تقرأ صيغة العقد في مراسيم الخطوبة. بل يتم ذلك بتبادل خاتم الخطوبة والملابس والحلويات. وفي هذه المراسيم يقرر والدا البنت والولد أن يزوجوهما في الوقت المناسب. وتتم هذه المراسيم لكي يحفظ الشاب والشابة من الزواج من غيرهما، وهنا يطرح هذا السؤال: هل أن الخطوبة سنة جيدة أم لا؟
برأيي أنه لا إشكال في الخطوبة لو كانت في سني الزواج في حالة أن الفتاة والفتى يتمتعان بالنضج والوعي الكافيين، ويمكنهما معرفة المصالح والأضرار التي تصيبهما، وبشرط التحدث مع البنت والولد ورضاهما. ولكن لو خطب الصبي والصبية في مرحلة الطفولة أو بداية الشباب والفتوة وأريد تزويجهما في السنين القادمة، فأنا لا أرجح ذلك، ولا أرى صلاحا فيه؛ لأن الفتى والفتاة لا يتمتعان بنمو ورشد كاف في سني الطفولة، ولا يمكنهما تشخيص منافعهما ومصالحهما، ولعلهما لا يرتضي أحدهما الآخر بعد أن يكبرا، وعند الزواج، ولكن بما أنهما كانا في مرحلة الخطوبة لسنين متعددة فلا يجرأ آن على الرفض وفسخ الخطوبة، إضافة إلى ذلك فإنهما يواجهان مخالفة الوالدين والأقرباء الشديدة. وبالتالي فإنهما مجبران على حياة مملوءة بالعذاب والمرارة والألم، ويؤدي ذلك عادة إلى الطلاق، والمسؤول عن كل هذه الآلام والتعاسة هما الوالدان اللذان خطبا الولد والبنت في زمن الطفولة وقبل بلوغهما العقلي.

المهر:
من المسنون أن يقدم عند الزواج سيئا لزوجته، يسمى في الاصطلاح مهرا وصداقا. فكما تكون الخطبة في جهة الرجل، فالمهر يقدم للمرأة من جانبه أيضا. والرجل هو الذي يذهب إلى المرأة ويخطبها ويبدي لها المحبة لا العكس، ولإثبات صدقه وجلب اهتمام المرأة يجب أن يقدم لها شيئا بوصفه مهرا، ليست المرأة سلعة تشترى حتى تباع بواسطة المهر، بل هي محبوبة الرجل وعليه لإثبات صدقه والسيطرة على قلبها أن يقدم لها مقدارا مما يملك. لا تصغر ولا تحتقر شخصية الرجل بالخطبة وإعطاء المهر، بل إن هذا يلازم الرجولة. ولو إن المرأة قامت بهذا العمل تتزلزل شخصيتها. تتمتع المرأة بجمال ونعومة وجاذبية خاصة تجعل الرجل أسيرا وعاشقا لها وتجذبه عتبة دارها لخطبتها.
أدركت المرأة بإلهام فطري أنها محبوبة الرجل وأن عزتها وحرمتها في أن لا تضع نفسها مجانا تحت اختياره بل تجعل نفسها أكثر محبوبة بواسطة إظهار الدلال وعدم الحاجة. فالمرأة ظمآنة للمحبة والعطف وتحب رجلا يحبها من صميم قلبه، وتعتبر المهر دليلا على صدق كلامه. ليس المهر مبلغا للتعامل، بل هو من علائم صدق الرجل، ولهذا يسمى صداقا. لا تبيع المرأة نفسها بالمهر، بل تختبر صدق الرجل في إظهاره للعشق والعلاقة بهذه الوسيلة فيرتاح بالها، وهذه هي فلسفة المهر.
منقول