الفرع الثاني
رأي الفقه في الرجوع في القرار المنعدم

مما تقدم نجد أن القرار المنعدم معيب بوجوده ولا يولد أي أثر قانوني ولا يدخل النظام القانوني من أي باب لأن عيبه جسيم وهذا العيب الجسيم يمنع سريانه ويلغي وجوده ويلغي صفته الإدارية ولا يمكن أن يحدث أي تعديل ولو تعديل مؤقت في النظام القانوني. وكانت أراء الفقهاء على النحو التالي:
حيث قال (دوجي): "في حالة غصب السلطة نكون أمام قرار منعدم يمكن إلغاءه أو الرجوع فيه في كل وقت".
وقال ستاسينو بولوس: "إن القرار المنعدم لا يمكن أن ينتج أثر قانونياً وليس هناك حاجة لإنهائه لأنه عدم.
إلا أن هذا القول يعطي الإدارة الحق في تجاهل القرار المنعدم، صحيح أن الأفراد لا يقرون إنعدام القرار من عدمه وأن الجهة التي تقرر إنعدام القرار دائماً هي القضاء، إن حق الأفراد في الطلب من الإدارة أو القضاء الرجوع في القرارات المنعدمة هو حق ثابت، على الرغم من أنه لا يمكنهم أن يقروا وحدهم إنعدام القرار أو وجوده حتى لو ظهر أن جسامة العيب تفرض عدم إطاعته، أو المعارضة في تطبيقه، فالأصل أن تكون القرارات الإدارية سليمة حتى يثبت العكس، وليس للفرد أن يمارس دور الحكم وحده على تصرفات الإدارة.



المطلب الثاني
تأسيس الفقه لحرية الإدارة في الرجوع في القرار المنعدم

هناك إتجاهين فقهيين في تأسيس حرية الإدارة في الرجوع في القرار المنعدم.
الإتجاه الأول: يرى أن القرار المنعدم لا يمكن أن يصبح نهائياً وأن الرجوع فيه مطلقاً.
الإتجاه الثاني: يأخذ بفكرة الحقوق المكتسبة ويعتبر القرار المنعدم قراراً لا ينشأ حقاً، وبالتالي يحق الرجوع فيه دائماً.

أولاً: إستحالة صيرورة القرار المنعدم نهائياً
إن إكتساب القرار الإداري الصفة النهائية تعني تحصينه من كل طعن ويكون الرجوع بمرور الميعاد المقرر للطعن. وبعدم إمكانية منازعته قانونياً أو عدم إمكانية الرجوع فيه إدارياً. والقرار المنعدم لا يكتسب هذه الصفة، فهو لا يرتب أي أثر قانونياً منذ صدوره والطعن فيه غير مقيد يميعاد. ويمكن للإدارة الرجوع فيه دائماً. وكذلك للقضاء الحق في إصدار الحكم بإنعدامه، كما انه لا يولد حقاً من أي نوع كان منذ صدره وحتى إلغاء الإدارة له أو صدور حكم القضاء بإنعدامه.


ثانياً: القرار المنعدم لا يولد حقاً:
يرى أصحاب هذا الإتجاه أن الرجوع في القرار المنعدم يكون بسبب أن هذا القرار لا يولد أي حق، فهو مجرد من كل قيمة قانونية، وعلى هذا الأساس إعتبر بعض الفقهاء أن من بين القرارات التي لا تنشأ حقاً هي القرارات المنعدمة وإن للإدارة أن ترجع فيها في كل وقت.
إذاً إن الأصل في إطلاق يد الإدارة في الرجوع في القرار المنعدم يقوم أساساً على العيب الخطير الذي رافق صدور هذا القرار، إذ أن قصد مصدره هو تنفيذه ومانع التنفيذ هو العيب الجسيم الذي فيه. ولكل صاحب مصلحة حق عدم تنفيذه أو الإعتراف به تلقائياً.
أما القول بأن حرية الإدارة بالرجوع مبني على أن القرار المنعدم لا يولد حقاً هو أمر غير مقبول، رغم أن القول بأن القرار المنعدم لا يولد حقاُ هو صحيح ولكن الرجوع فيه لا يعود لهذا السبب، حيث يتشابه في هذه الحالة القرار المنعدم بالقرار المعيب بعيب بسيط، فكثير من القرارات المعيبة بعيب بسيط تكون غير مولدة لحق مثل القرارات الولائيه. القرارات السلبية، القرارات التنظيمية، ولا يجوز المساواة بين القرار المنعدم وبين هذه القرارات، فالقرارات ا لمنعدمة تكون قد تجردت من قوتها الإلزامية في مواجهة المخاطبين بها، ويحق لهم مقاومتها وعدم تنفيذها.وكل ذلك قائم على أساس أن القرار المنعدم لا يكون موجوداً في أية لحظة ولا يرتب حقوقاً ولا إلزاماً بسبب العيب الجسيم الذي فيه، فنظرية الإنعدام تبنى على فقدانه الصفة الإدارية والعيب الجسيم الذي فيه، وتعطي الإدارة حق الرجوع فيه في كل وقت.