أقسم بالله العظيم علي طاعة الله ورسوله....." (المادة 131). وفي معرض شرحه لما جاء من مواد في المشروع الدستوري أشار الدكتور محمد المسير إلي أن وظيفة القضاء لا يتولاها سوي المسلمين. والملفت أن النص الوارد في مشروع الدستور ذاته لم يشر إلي ذلك، بل يقول "تختار الدولة للقضاء أصلح المؤهلين له من الرجال وتيسر أداءه لعلمه"(المادة 68) ويضيق مشروع الدستور الذي وضعه الدكتور مصطفي كمال وصفي من حضور غير المسلم في المجتمع، وفي توليه الوظائف العليا. ينص المشروع الدستوري علي أن الأمة تتكون من "جماعة العلماء وعامة المسلمين" (المادة 26) دون أية أشارة إلي حضور غير إسلامي في المجتمع. ورغم أن هذا المشروع أشار إلي أن "لغير المسلمين ما للمسلمين وعليهم ما علي المسلمين، مع مراعاة أحكام الشريعة الإسلامية وفي حدودها" (المادة 14)، إلا أنه من الواضح أنه ذهب لتقييد تولي غير المسلم مناصب عديدة في الدولة مثل رئاسة الدولة أو الإمامة، وهو أمر شائع في مشروعات الدستور الإسلامية، ولكن الأمر بلغ حد منع غير المسلم من تولي منصب الوزير أو نائب الوزير "يشترط فيمن يعين وزيرا أو نائب وزير أن يكون مسلما بالغا من العمر..... سنة هجرية كامل الأهلية وعلي علم كاف بالشريعة الإسلامية" (المادة 67). ينطلق ذلك من تصور أساسي أن المسلم مواطن، وغير المسلم "ذمي" . وفي هذا يفصل قائلا "إذا استجاب غير المسلمين وأسلموا أندمجوا في أمة المسلمين بلا فارق.... فمن أسلم علي شيء فهو له، وصار بذلك معصوم الدم والنفس والمال والعرض. وكذلك إذا دخلوا في الذمة عُصموا، ولكن يجري عليهم نوع من الصغار (يعاملوا أقل مما يعامل به عضو الجماعة المسلم)، حتى لا يعجب ضعاف النفوس من المسلمين، فيفتنوا بهم، وحتى يكون الصغار دافعا إلي تخلصهم من سببه، وهو الكفر- ودخولهم في الإسلام" . وينطلق المشروع الدستوري للمستشار وصفي في مسألة تمييز المسلم علي غير المسلم في تولي الوظائف العامة من اعتقاد أساسي هو أن الوظيفة العامة في الإسلام لا تسند إلا لأهل العقيدة، مما يستتبع حصر الوظائف العامة، أيا كانت، في المسلمين دون سواهم . واقع الحال أن ما انتهي صاحب هذا المشروع الدستوري يخالف ما ذهب إليه كثير من الفقهاء بشأن ما يسمح به من وظائف لغير المسلمين في الدولة الإسلامية، ولم يجعلوا شرطا أن يكون الوزير أو نائبه من المسلمين. المنصب الوحيد الذي تتجمع حوله كثير من الآراء هو ما يطلق عليه الولاية العظمي أو رئاسة الدولة حيث يذهب البعض إلي اعتبار أن "الإٍسلام" و"الذكورة" من الشروط الأساسية لشاغله . وما جري بشأن غير المسلم، جري بشأن المرأة، مسلمة كانت أو غير مسلمة. ذهب مشروع المستشار علي جريشة إلي التأكيد علي أن "النساء شقائق الرجال، وحمايتهن والرفق بهن واجب. وتوفير فرص الزواج، وفرص العمل لمن تحتاج، وصيانة المرأة من الاستغلال والتبذل يكفله النظام. وتحديد دور المرأة ودور الرجل للنهوض بالمجتمع يوضحه القانون" (المادة 38). ورغم النص علي أهمية حماية المرأة، إلا أن المشروع الدستوري أحال إلي القانون تحديد دور الرجل ودور المرأة في المجتمع، وهو أمر بالتأكيد ينطوي علي تمييز مستبطن بشأن المرأة. ونص مشروع مجمع البحوث الإسلامية علي أن "للمرأة أن تعمل في حدود الشريعة الإسلامية"(المادة 38)، والتأكيد علي حق الأمومة في مشروع المجلس الإسلامي العالمي (المادة 13). وهناك ما يشبه الإجماع في المشروعات الدستورية علي عدم أهلية المرأة لمناصب الولاية العامة، والقضاء، وما يثار بشأنه تعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية. ث- إِشارات حول حقوق "المواطنة" لم تخل مشروعات الدساتير الإسلامية من حديث عن حقوق المواطنة، بشكل جزئي غير مكتمل الأركان. وتجمع مشروعات الدساتير علي جملة من حقوق المواطنة الأساسية التي تقيد التمتع بها في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية. وتكاد تتشابه الصياغات المقدمة لهذه المواد. ويبدو في المواد المذكورة- في هذا الخصوص- الخلط الشديد بين أنواع الحقوق المختلفة، ما بين قانونية، وسياسية، واقتصادية اجتماعية، دون تفصيل أو شرح مسهب. وراجت مفاهيم مثل العدل والمساواة والحرية في مشروعات الدساتير. في هذا الصدد ذهبت غالبية هذه المشروعات إلي الإشارة إلي حرية الرأي والاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية، وحرية التنقل في الداخل والخارج، وحرية الاجتماع وتكوين النقابات والجمعيات بما لا يخالف الشريعة الإسلامية (مشروع الدكتور علي جريشة المادة (4)، ومشروع مجمع البحوث الإسلامية المادة (29) و المادة (31)، و مشروع الدكتور وصفي من المادة (14) وما تلاها، ومشروع المجلس الإٍسلامي العالمي بدءا من المادة (8) وما استتبعها). شددت المشروعات الدستورية علي عدد من حقوق المواطن الأساسية مثل حرمة المساكن، وتجريم التعذيب والسجن والاعتقال بغير حق، وصيانة المراسلات والمكالمات، وعدم مراقبتها دون إذن قضائي. (مشروع الدكتور علي جريشة المادة (5) وما تلاها، مشروع مجمع البحوث الإسلامية المادة (30) وما بعدها، مشروع الدكتور وصفي المادة (17)، ومشروع المجلس الإسلامي العالمي المادة (4) وما تلاها) أكدت المشروعات الدستورية علي حق العمل، والملكية،وانتقاء مصادرة الأموال والممتلكات، وتوفير المسكن والمساعدة علي الزواج، وتوفير الدواء والكساء والتعليم (مشروع الدكتور علي جريشة المواد (11)، (26)،(36)، (42)، ومشروع مجمع البحوث الإسلامية المواد (9)، (37)، (39)، (40)،ومشروع المستشار وصفي المواد (9)، (18)، (25)، ومشروع المجلس الإسلامي العالمي المواد (9)، (49)، (50)) بعض مشروعات الدساتير أشارت إلي عدد من الحقوق المدنية والسياسية دون غيرها، وإن قيدت استعمالها بأحكام الشريعة الإسلامية. فمثلا يذهب مشروع مجمع البحوث الإسلامية إلي التأكيد علي إنشاء وإصدار الصحف، وحرية الصحافة في حدود أحكام الشريعة الإسلامية (المادة 41). وقد فصل مشروع المجلس الإسلامي العالمي من هذه القضية بوضع عدد من الضوابط الأساسية التي يجب علي الإعلام مراعاتها والالتزام بها مثل احترام الخصوصية، الامتناع عن اختلاق الإفك وإشاعته، إظهار الحق وعدم تشويهه، استخدام لغة عفة، تحاشي البذاءة، محاربة الجرائم، تجنب إخفاء الأدلة، وألا تكون وسيلة إفساد (المادة 81)، وقيد المشروع الدستوري من صلاحيات السلطة التنفيذية في التعامل مع وسائل الإعلام، بحظر مصادرة وسائل الإعلام والنشر بقرار إداري، وعدم توقيع أية عقوبات علي المشتغلين بها إلا عن طريق القضاء (المادة 82). ورغم انحياز مشروعات الدساتير بصفة عامة إلي بعض الحريات السياسية والمدنية الحديثة، إلا أنه بدا في أحيان كثيرة أن هناك رغبة في تقييد العمل السياسي والمدني في المجال العام. فمثلا يذهب مشروع المستشار علي جريشة إلي التأكيد علي حق تأسيس الأحزاب السياسية بما لا يخالف الشريعة الإسلامية (المادة 4)، وذهب مشروع المجلس الإسلامي العالمي هذا المنحي في المادة (18). وقد أغفل مشروع دستور مجمع البحوث الإسلامية ذكر إنشاء أحزاب سياسية مكتفيا بمنح حق التنظيم فقط للجمعيات والنقابات دون مخالفة الشريعة الإسلامية (المادة 42). وقد رفض مشروع الدكتور وصفي صراحة إنشاء أحزاب سياسية في المادة (38) منه التي نصت علي أن "قيام الأحزاب ذات السياسة الوضعية محظور". ويلاحظ بصفة عامة أن ممارسة الحريات المدنية والسياسية وضعت في إطار التوافق مع إحكام الشريعة الإسلامية، وترك أمر تنظيمها إلي القانون، ويختلف ذلك مع التوجهات الدستورية الحديثة التي تشدد علي أهمية ضبط صياغة المواد التي تتعلق بممارسة الحريات والحقوق المدنية والسياسية، علي نحو لا يعطي للسلطة التنفيذية مساحة لإٍساءة تفسير مناط هذه الحقوق، والتغول علي حريات الأفراد . صفوة القول أن مشروعات الدساتير الإسلامية- في جانب منها- حملت سمات حالة الاستقطاب الفكري والسياسي بين "المشروع الديني" و"المشروع العلماني"، وفي خلفيتها موقف الأنظمة الحاكمة في المنطقة العربية. فسعت إلي إقرار حريات الإعلام والتنظيم والتعبير- ليس علي نحو مطلق- ولكن بما يخدم منطلقات العمل الإسلامي العام، ويضيق علي الخصوم السياسيين حرية الحركة. ج- تطبيق الحدود تنطوي بعض مشروعات الدساتير، وبالأخص مشروعي مجمع البحوث الإسلامية والدكتور مصطفي كمال وصفي علي دعوة إلي تطبيق الحدود في بعض الجرائم. تنص المادة (71) من مشروع دستور مجمع البحوث الإسلامية علي أن "توقع عقوبات الحدود الشرعية في جرائم الزنا والقذف والسرقة والحرابة وشرب الخمر والردة". وتتضمن المواد من (70) إلي (79) بعض التفصيلات التي تتعلق بحالات تطبيق الحدود . وينص المشروع الدستوري للدكتور وصفي علي أن "توقع عقوبات الحدود الشرعية في جرائم القتل والزنا والقذف والسرقة والحرابة وشرب الخمر والردة. ويقوم القاضي حسب تقدير التعزير في كل ما يعتبر مخالفة للشريعة الإسلامية" (المادة 52) وبالطبع يثار الكثير من التساؤلات والإشكاليات بشأن تطبيق الحدود فيما يتعلق بحقوق وواجبات المواطن. ورغم الخطاب المتكرر للحركات الإسلامية بوجوب تطبيق الحدود، إلا أن هناك- علي ما يبدو- إدراكا من جانب الفقهاء والدارسين بصعوبة تطبيق ذلك عمليا . (4) مشروع دستور "الإخوان المسلمين" في عام 1952م، وبعد فترة وجيزة من قيام ثورة 23 يوليو 1952م، وضعت الشعبة القانونية للإخوان المسلمين في مصر مشروع دستور، قام بصياغة بنوده الدكتور طه بدوي، أستاذ القانون العام بجامعة الإسكندرية، وصاحب الدراسات المهمة في النظم السياسية، وهو أستاذ ليبرالي النزعة حاول أن يبحث عن مناطق التقاء بين النظام الليبرالي الحديث والدين الإٍسلامي، دون أن يغلب أحدهما علي الآخر. وكان واضحا من الصياغات المقدمة، تأثره الشديد بالحياة الدستورية التي سادت مصر في الفترة التي تعرف بالعهد الليبرالي ما بين 1923- 1952م . ومن أبرز سمات مشروع الدستور، خاصة فيما يتعلق بالمواطنة : أ‌- إعلاء فكرة الدولة القومية الحديثة التي تستند إلي تنظيمات سياسية وقانونية، تعبر عن تطور المجتمعات في منتصف القرن العشرين. فهو يتحدث عن الدولة الأمة التي تباشر سلطاتها عن طريق هيئة تنوب عنها (المادة 2)، ومجلس أمة يُختار أعضاؤه من خلال انتخابات دورية حرة، ورئيس دولة يخضع لآليات المساءلة الحديثة في مباشرته لمهامه. وبينما ذهبت مشروعات الدساتير الإسلامية -السابق ذكرها- إلي إطلاق مفاهيم إٍسلامية تراثية صرف علي رئاسة الدولة، مثل الإمام والأمير، واستخدام مصطلح البيعة محل الانتخاب، ووضع شروط لرئاسة الدولة في مقدمتها الإسلام، والذكورة، والعلم بالدين، وصف مشروع دستور الإخوان المسلمين شاغل هذا المنصب الرفيع برئيس الدولة المصرية، ووضع شروطا عامة لتولي هذا الموقع لا تفرق بين المصريين علي قاعدة الدين أو الجنس أو ما شابه. وسار مشروع الدستور علي هذا النهج في تعامله مع المناصب العامة الأخرى. إذ تنص المادة الرابعة علي أنه "يشترط في عضو مجلس الأمة أن يكون مصريا حسن السمعة وأن تكون سنه أربعين سنة هجرية كاملة علي الأقل، وأن يكون علي درجة من الأهلية الثقافية يحددها قانون الانتخاب" وتماشيا مع ذلك، وفي دلالة مهمة لا تخفي علي أحد، وضع مشروع الدستور قسما يتلوه نواب الأمة قبل الاضطلاع بعملهم ينص علي الإخلاص لله، ثم للوطن مطيعين أحكام الدستور، نصا وروحا (المادة 11). وهو بذلك يختلف عن مشروعات الدستور الإٍسلامية التي ظهرت بعد أكثر من ربع قرن علي ظهور مشروع الإخوان، وجعلت من قسم مباشرة الوظيفة النيابية، وكذلك رئاسة الدولة شأنا دينيا بحتا، كما سبق القول، يجعل من طاعة الله والرسول تتقدم علي أي أمر أخر. ب‌- وصف مشروع دستور الإخوان المسلمين مصر بأنها "دولة إسلامية حكومتها نيابية" (المادة 1)، وأن "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية" (المادة 96)، ونص فقط علي مسايرة التشريعات لأحكام الإسلام (المادة 102)، وجعل لكل نائب في مجلس الأمة (البرلمان) الحق في اقتراح قوانين بما لا يجافي الإسلام (المادة 45). ولا تصدر القوانين إذا كانت مخالفة لأحكام الإسلام (المادة 48). وقد تجنب المشروع الدستوري- كما يتضح من صياغته- استخدام مصطلح "الشريعة الإسلامية"، مستخدما بدلا منه مصطلحات أخري مثل "أحكام الإسلام" و"تعاليم الإسلام". وبيان ذلك أن الدكتور طه بدوي لجأ إلي استخدام مصطلحات أكثر رحابة، ونعومة، بما يتيح للمشرع مساحة حركة في المزواجة بين التشريعات الحديثة والإسلام، من منطلق الابتعاد عما يجافي الإسلام، واستلهام القيم العليا للدين في الوظيفة التشريعية، وهو ما نص عليه صراحة في المادة (45) من عدم اقتراح القوانين التي تجافي الإسلام. يعبر هذا المسلك- في جانب كبير منه- عن ثقافة قانونية سادت هذه الحقبة الزمنية، لم تكن تعرف الاستقطاب الحاد في العلاقة بين الدين والدولة، خاصة في أعقاب العهد الليبرالي 1923-1952م. ت‌- أفرد مشروع دستور الإخوان المسلمين الباب الرابع منه لتناول حقوق الأفراد، وغلب عليها المنحي الليبرالي، وعدم تقييد ممارسة هذه الحقوق إلا فيما يتعارض مع "الإسلام نصا وروحا" (المادة 94)، ويعبر هذا المسلك- مرة أخري- عن رحابة في النظر لحقوق وحريات المواطن، حيث أن الإحالة إلي الإسلام- بالمطلق- وهو دين ينطوي علي تعاليم وشرائع وثقافة وحضارة، يجعل هناك مساحة واسعة لممارسة حقوق المواطنة في ضوء مقتضيات العصر، في ظل فهم حديث متطور لتعاليم الدين. في هذا السياق أقر المشروع الدستوري حرية الأفراد في الكرامة والحقوق والحريات دون تمييز بحسب الأصل أو اللغة أو الدين و اللون، وطالب من الأفراد "أن يعامل بعضهم بعضا بروح الأخوة" (المادة 77)، في إشارة ذكية تضع الوجدان إلي جوار القانون. ونص علي "حرية التفكير والاعتقاد والتدين" (المادة 88) ، و"حرية الرأي والتعبير" (المادة 89)، و"حرية الاجتماع وتكوين الجمعيات السلمية" (المادة 90)، وحرمة الحياة الخاصة، والمراسلات، وعدم القبض علي أحد بشكل تحكمي (المادة 85). وتناول المشروع الدستوري الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مثل الحق في العمل بشروط عادلة (المادة 79) إنشاء نقابات (المادة 81)، والحق في مستوي من الحياة يضمن الصحة والرخاء وبخاصة في المأكل والملبس والمسكن، والضمان في حالة البطالة، والعجز، والشيخوخة (المادة 82)، وكذلك الحق في الملكية بصفة فردية أو جماعية، ولا يجوز حرمان أحد من ملكه بإجراء تحكمي (المادة 87). ث‌- بعد مرور ما يقرب من نصف قرن علي إقرار الإخوان المسلمين لمشروعهم الدستوري في 16 سبتمبر 1952م، أصدر الإخوان المسلمون جملة من المبادئ التي تصلح نقاطا في مشروع ميثاق وطني عام 1995م بمناسبة الانتخابات البرلمانية التي جرت وقتئذ، وضعها المستشار مأمون الهضيبي. كثير من هذه المبادئ مستمد من مشروع دستور عام 1952م، من حيث التأكيد علي فصل السلطات، وحرية الرأي والاعتقاد الخاص، وحرية إقامة الشعائر الدينية لجميع الأديان السماوية المعترف بها، وتمثيل الأمة من خلال مجلس نيابي، حق كل مواطن ومواطنة في تولي عضوية المجلس النيابي، واستقلال القضاء. كل ذلك في "إطار مبادئ الإسلام، ولا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء" . والملاحظ أن الفكر الدستوري الإخواني بدأ يتحرك من الرحابة إلي التشدد، فبعد أن كان مشروع دستور 1952م يتحدث عن "أحكام الإسلام" و"تعاليم الإسلام" جاء مشروع الميثاق الوطني يركز علي "الشريعة الإسلامية"، وبعد أن كانت الحقوق الأساسية للأفراد توضع في أطر أكثر اتساعا، دون أن تستتبع بقيود قانونية في الممارسة مثل حق الفرد في التفكير والاعتقاد والتدين، حصر مشروع الميثاق الوطني حق ممارسة الشعائر الدينية علي أصحاب الأديان السماوية المعترف بها. ج‌- من النقاط المهمة والأساسية التي حسمها مشروع دستور الإخوان المسلمين عام 1952م، وحدث فيها جدل لاحق لا يزال قائما هي مسألة الولاية العامة، أو رئاسة الدولة. من شروط تولي رئاسة الدولة في مشروع دستور 1952م- كما أسلفنا- المصرية، وبلوغ سن الأربعين، دون قصر تولي هذا الموقع علي المسلمين. عاد الإخوان المسلمون إلي طرح المسألة في أفق ديني، مما جعلهم يقتربون في طرحهم من المشروعات الدستورية الإسلامية- السالف تناولها- التي تقصر حق تولي هذا المنصب علي المسلمين الذكور، أي لا يتولي هذا المنصب غير مسلم أو امرأة، مسلمة كانت أو غير مسلمة. في هذا السياق يذهب د.محمود غزلان إلي أن الأقباط "مواطنون لهم جميع حقوق المواطنة، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، ولهم حرية الاعتقاد والعبادة، وحرمة الدم والمال والعرض، وحقهم في الكرامة الإنسانية، وحريتهم في اختيار أعمالهم، وحريتهم في الانتقال من الدولة والعودة إليها، وحقهم في الاحتكام إلي شريعتهم في أحوالهم الشخصية......وكذلك حقهم في مباشرة أعمال السياسة انتخابا، وترشيحا، وولاية المجالس النيابية بأنواعها، وكذلك تولي الوظائف العامة في الدولة عدا وظيفة الإمامة العامة (رئاسة الدولة)" . وذكر مهدي عاكف، المرشد الحالي للإخوان المسلمين أن "الشريعة الإسلامية نزلت من السماء، وما نزل من السماء سواء بالنسبة للمسلمين أو الأقباط فهو حق وعدل والشرعية تقوم علي الصدق مع الله، والصدق مع الشعب......أما ما يقال عن انه في ظل الحكم الإسلامي يصبح لا ولاية لغير المسلم علي المسلم فإننا يجب أن ندرك أن كلمة الولاية مقصود بها الرئاسة فقط أما باقي الوزارات والهيئات فهي مناصب وليست ولاية ويحق للأقباط العمل وتولي المسئولية بها..." . وبرغم مما يبدو أن هناك حسما من جانب الإخوان المسلمين لمسألة الولاية العامة، إلا أنه من الملاحظ أن هناك آراء لا تزال تتداول في كتابات بعض أقطاب الجماعة توسع من نطاق مفهوم "الولاية العامة" ليشمل مناصب أخري عديدة في التشريع والتنفيذ والقضاء، ولا تقف فقط عند منصب رئاسة الدولة. في هذا الصدد يقول الشيخ محمد عبد الله الخطيب تطلق "الولاية العامة في اصطلاح الفقهاء علي جميع أنواع السلطة التي تمارسها الدولة. أو الخليفة، أو أي من الأمراء والولاة والحكام" . يعني ذلك أن الولاية العامة تنسحب علي السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وبالأخص الأخيرة التي لها وضع خاص في النظام الإسلامي إذ "تقوم ولاية القضاء علي الفصل في المنازعات، واستيفاء الحقوق، وإقامة الحدود، وسائر العقوبات، والإشراف علي الأوقاف، والقاصرين وسائر فاقدي الأهلية" وحول الاستعانة بغير المسلم في الوظائف العامة يذهب الشيخ عبد الله الخطيب أنه "في حالة وجود الدولة الإسلامية القوية، والكفاءات الإسلامية، لا يستعان أبدا بهؤلاء (غير المسلمين)، وفي حالة الضعف أو الشدائد يمكن الاستعانة بهم في أضيق الحدود، وفي ضوابط معينة، فلا يجوز مثلا أن يكون لهم تدخل في نظام الدولة، أو يفرضوا فكرا معينا أو رأيا يناهض الإسلام...." (5) إشكاليات أساسية مما تقدم يتضح أن العقل العربي لم يمارس جهدا حقيقيا في الوصول إلي دستور ليبرالي إسلامي، لا يشكل خصومة مع الدين، وفي الوقت ذاته يحفظ للمواطن- مسلما كان أو غير مسلم- حقوق وحريات المواطن كاملة، دون انتقاص أو تمييز. وهناك دول أخري تقطنها أغلبيات مسلمة استطاعت أن تصل إلي هندسة دستورية وسياسية، مزجت بين الليبرالية والإسلام، علي نحو أسهم في تقدم هذه المجتمعات، ودفعها علي مسار التقدم. وبعد أن استقر مفهوم المواطنة في العقدين الأخيرين في الفكر والممارسة، لم يعد مقبولا أن يأتي دستور لا يقر بحقوق المواطنة كاملة، أو يعد بأقل مما بلغته الدولة المدنية الحديثة. من هنا تبدو مهمة العقل التشريعي والسياسي في العالم العربي "صعبة"، فهو يريد أن يحقق الديمقراطية والحرية، وفي الوقت ذاته يحل الاستقطاب بين ما هو ديني وما هو علماني، علي نحو يجعل الدين حاضرا، دون أن يشكل باعثا علي التمييز أو التفرقة أو حرمان قطاع من المواطنين من حقوقهم لأسباب دينية أو مذهبية، الخ. في هذا الصدد هناك ثلاثة إشكاليات أساسية يجب أن يمارس العقل العربي، القانوني والفقهي، دورا في تسويتها، من خلال الاحتكام إلي آراء المجتهدين من الفقهاء والباحثين، ومحاولة الوصول إلي نصوص دستورية ليبرالية تعكس فهما متجددا للإسلام، يحافظ علي المواطنة والتنوع. إذا لم يتحقق ذلك، فإن الفرضية الأساسية التي يروج لها دائما أن المواطنة لا تأتي إلا متلازمة مع العلمانية سوف تكتسب مزيدا من المصداقية، وترقي إلي مصاف الحقيقية المطلقة، ويصبح الاستقطاب علي أشده بين أصحاب الاتجاهات الإسلامية والعلمانية. مرة أخري لن يسهم هذا الاستقطاب سوي في تمديد حالة التخلف السياسي في المنطقة العربية. في هذا السياق يمكن التوقف أمام ثلاثة قضايا إشكالية: أ‌- الولاية العامة ذهبت مشروعات الدستور الإسلامية، تعززها أطروحات الإخوان المسلمين الراهنة، إلي قصر منصب رئاسة الدولة، أو ما يسمي بالولاية العامة علي المسلمين فقط، باعتبار أن شاغل هذا المنصب يتحمل تكاليف شرعية، لا يستطيع غير المسلم تحملها. وخصت بعض مشروعات الدساتير الإسلامية- كما أسلفنا- غير المسلمين بمناصب عامة لا ترقي إلي مرتبة الولايات العامة، مثل القضاء وعضوية البرلمان، الخ. ولكن القضية تتجاوز ذلك، فهي في المقام الأول تعبر عن اغتراب عميق تجاه مفهوم الدولة القومية الحديثة، رغم أنه مفهوم ثابت ومستقر في الفكر والخبرة الإنسانية منذ أكثر من ثلاثة قرون. هذا المفهوم لم يستقر بعد في الوجدان الإسلامي، الذي لا يزال قطاع معتبر من أبنائه يبحث عن الأممية الإسلامية التي تتجاوز القطرية غير المتحققة. لا غرو في هذا، فالمجتمع البشري الحديث يعرف أمميات عديدة، ما بين دينية وثقافية واقتصادية وسياسية، ولكن دون قفز علي الدولة الحديثة، وانطلاقا من مشروعات وطنية داخلية تقوم علي الحرية والمساواة. يتفق ذلك مع اجتهادات إسلامية معتبرة. فقد ذهب الشيخ محمد عبده- علي سبيل المثال- إلي أن السلطة مدنية، ونفي السلطة الدينية عن القيادة السياسية. ونظر إلي أحداث التاريخ الإسلامي من هذا المنظور، فهي- في رأيه- حروب سياسية اقتضتها ضرورات الملك، ولم تكن حروبا دينية. من هنا فمسألة أن الدولة لها عقيدة، وتتحرك بوحي من رسالتها، وتحرك جيوشها في خدمة التزامها العقيدي محل مراجعة. ويتبلور موقف محمد عبده في اتخاذ الطابع القومي المدني- الذي لا يفرق بين المواطنين بسبب الاعتقاد الديني- أساسا لنظام الحكم في البلاد فيما وضعه في برنامج الحزب الوطني المصري في مطلع القرن العشرين "الحزب الوطني سياسي لا ديني، فإنه مؤلف من رجال مختلفي العقيدة والمذهب، وجميع النصارى واليهود، وكل من يحرث في أرض مصر، ويتكلم لغتها منضم إليه، لأنه لا ينظر لاختلاف المعتقدات، ويعلم أن الجميع إخوان، وأن حقوقهم في السياسة والشرائع متساوية" ويذهب د.هايل داوود- من التيار الإسلامي الوسطي في الأردن- إلي أن "العلاقة بين الدين والسياسة في الإسلام ليس هو الفصل بل هو التمييز. فالدين حاضر في السياسة كمبادئ موجهة، وروح دافقة دافعة، وقوة للأمة جامعة، لكن الممارسة السياسية مستقلة عن أي سلطة باسم الدين أو سلطة دينية" ويضيف قائلا " ووضعية مواطني الدولة فيها، وغيرها عالجها المسلمون علي حسب ما تسمح به ظروفهم الحضارية، ومستوي تطور البشرية، وبالشكل الذي تمليه المقاصد العامة للإسلام. وهكذا فإن كون الدولة في الإسلام دولة مدنية، تستمد مشروعيتها من مواطنيها، يجعل المسلمين منفتحين باستمرار لتطوير نموذج الحكم علي حسب ما تبدعه البشرية من آليات ونظم" . وقد سعي عدد من المفكرين الإسلاميين إلي تجاوز إشكالية حدود موقع غير المسلم في المجتمع الذي تسوده أغلبية مسلمه بعد أن حلت المؤسسات محل السلطة الفردية، وآل أمر اتخاذ القرار إلي تكوينات مؤسسية ترجح قراراتها بالأغلبية، أكثر ما تتخذها بالخيارات الفردية. في هذا الخصوص يذهب د.محمد سليم العوا إلي "اقتصار ممارسة الحكم علي أهل دين معين في دولة متعددة الأديان إدعاء لا تسنده أصول الشريعة، ولا يقوم عليه من فقهها دليل". ويرفض الرأي القائل باقتصار الولاية العامة علي المسلمين فقط قائلا " ولا يرد علي ذلك بمثل القاعدة الشهيرة "لا ولاية لغير المسلم علي المسلم"، لأن المقصود بذلك هو الولاية العامة لا الولاية الخاصة التي هي اليوم ولاية كل ذي شأن، بمن فيهم رئيس الدولة نفسه، فحكم المؤسسات، وتخصص الإدارات والوزارات، ذهب بفكرة الولاية العامة التي عرفها الفقه الإسلامي إلي رحاب التاريخ" ويري المستشار طارق البشري -بعد استعراض مختلف اجتهادات الفقهاء في تناول وضع أهل الذمة في الدولة الإسلامية- أن المدخل المؤسسي قدم حلولا للتعامل مع هذا الموضوع الشائك، فلم تعد الصلاحيات الممنوحة للمناصب التي كان يجري عنها الحديث في السابق هي ذاتها الصلاحيات التي يتمتع بها أصحاب هذه المناصب اليوم، وذلك بعد أن حلت الهيئات والمؤسسات محل الأفراد في اتخاذ القرارات. ويري أن الأساليب الديمقراطية في بناء النظم السياسية قادرة علي "استيعاب مبدأ المساواة في بناء الجماعة السياسية"، ويؤكد أن "السلطة الفردية سواء في السياسة أو الإدارة قد تغيرت عن طريقين وعلي مبدأين، توزيع السلطة بين العديد من الأجهزة والهيئات، وحلول القرار الجماعي محل القرار الفردي" وسار مشروع حزب الوسط في مصر علي هذا الدرب في البرامج المتتابعة التي طرحها. فقد تضمن البرنامج في صورته الأولي الفقرة الأولي المقتبسة أعلاه من كتابات د.محمد سليم العوا التي تري أن اقتصار ممارسة الحكم علي أبناء دين معين في دولة متعددة الأديان أمر لا تقره أصول الشريعة، أو يستند إلي دليل ورد في الفقه. ورغم ذلك، فإنه من الملاحظ الاكتفاء بهذه الإِشارة، والتأكيد علي "تمتع الأقباط بالمواطنة الكاملة" بوصفها "مسألة محسومة شرعا وعملا"، ولم يخض برنامج الحزب وقتئذ صراحة في مسألة الولاية العامة . وقد استدرك مشروع حزب الوسط الجديد ذلك في مرحلة تالية، ونص برنامجه صراحة علي أن "المواطنة أساس العلاقة بين أفراد الشعب المصري، فلا يجوز التمييز بينهم بسبب الدين أو الجنس أو اللون أو العرق في جميع الحقوق والالتزامات وتولي المناصب والولايات العامة" . ب‌- حرية الاعتقاد. احدي القضايا الأساسية التي تشكل دائما مجالا للسجال بين القوي العلمانية والإسلامية، وبين أنصار الدولة المدنية، والداعين إلي الدولة الإسلامية، حتى وإن اتخذت شكلا مدنيا، هي مسألة حرية الاعتقاد. الدولة الإسلامية- مدنية- ليس فقط لأن السلطة التي تحكمها مدنية وليست دينية، ولكن أيضا لأنها ترتكز إلي قواعد مدنية عامة في إدارة العلاقات بين مواطنيها المختلفين في الأديان والمذاهب والثقافات. من هنا فإن "حرية الاعتقاد" شأن أساسي، وهو محل إدراك من المشروعات الإسلامية للدستور، ولكن سيظل السؤال المطروح والمرتبط مباشرة بحرية الاعتقاد هو مسألة تغيير العقيدة، والردة علي الإسلام. هل يحكم علي مفارق الإسلام، والمرتد عليه، بالقتل. وما موقف ذلك من مسألة حرية الاعتقاد التي تحولت إلي ركن أساسي في مواثيق حقوق الإنسان العالمية، ودساتير الدول الحديثة؟ الأمر يحتاج إلي اجتهاد مختلف، أسوة بما تقدم أعلاه بشأن مسألة الولاية العامة. الأصل أن حرية الاعتقاد شأن فردي، وهو لهذا مصنف علي أنه حق مكفول لكل فرد. وفي الإسلام ذاته تقدير للحرية الدينية الفردية، عملا بالنص القرآني "من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر". ولكن ما الموقف بشأن المرتد، تارك دينه. هل يقتل أم يترك؟ تتعدد الاتجاهات الفقهية في هذا الخصوص. هناك من يطالب بقتل المرتد، وهناك من يرفض ذلك، وبين هذا وذاك فريق يحاول أن يحلل الموضوع في ضوء رؤية عصرية دون أن يفقد صلته بالجذور. في هذا المقام يذهب الدكتور طه جابر علواني إلي أن هناك عددا كبيرا من الآيات في القرآن الكريم التي تدعو إلي حرية الإنسان، ولاسيما في اختيار معتقده، وعدم جواز إكراهه علي تبني أي معتقد أو تغيير معتقد اعتقده إلي سواه، وعلي توكيد أن العقيدة شأن إنساني خاص بين الإنسان وربه . ويتضح من خلال تفسير الآية "لا إكراه في الدين"، أن حرية العقيدة في القرآن أحيطت بضمانات قرآنية، جعلت منها حرية مطلقة لا تحدها حدود ما دامت في إطار حرية اختيار المعتقد، وأن الحساب عليها خاص بالله لا يجاوزه أحد . وقد أشارت أمال فرامي إلي فريق من المجددين في مجال الفقه من رموزه الشيخ محمد شلتوت، والدكتور عبد المتعال الصعيدي، وآخرون. وقد ذهب الشيخ شلتوت إلي أن الكفر في ذاته ليس مبيحا للدم، ولكن المبيح للدم هو محاربة المسلمين. وقد انتهي إلي أن المرتد لا يقتل علي أساس أن جزاءه في النار، وليس له عقاب دنيوي . وفي كتابات هؤلاء الدارسين والفقهاء المحدثين من يري أن هناك فرقا بين الردة الفردية والردة الجماعية، وبين المرتد المسالم والمرتد المحارب، علي اعتبار أن الحديث الشريف الداعي إلي قتل المرتد، القصد منه المرتد المحارب الذي يشن عدوانا علي المسلمين، وبالتالي يكون قتله جزاء جرم سياسي يتعلق بالخيانة العظمي، ولا يعتبر القتل عقوبة لجريمة الردة. وتخلص آمال فرامي من تحليلها لهذه الآراء الفقهية الحديثة أن أصحابها يشعرون "بانتمائهم إلي ثقافتين: الثقافة التقليدية والثقافة الغربية، وحرصهم علي الوفاء للإٍسلام جعلهم ينتقون ما جاء في المدونات الفقهية من آراء يمكن أن تلبي حاجات المجتمع. كما أن إطلاعهم علي الثقافة الغربية جعلهم لا يتجاهلون القيم التي بدأت تتغلغل في مجتمعاتهم نحو الحرية، والمساواة، والكرامة، وغيرها . ح‌- الوطن والمواطنة. قبول الدولة الحديثة، بما تعنيه من مؤسسات، وما ترتكز عليه من مبادئ، ضرورة وغاية من أجل البحث عن علاقة أكثر تفاعلا وديناميكيا بين الإسلام والمبادئ الليبرالية الحديثة. الدولة المسلمة، تحمل رسالة في مبادئها، يجسدها دستور يقوم علي المواطنة، ويعلي من شأن الحريات العامة، ويعمق من المساواة بين المواطنين كافة، بصرف النظر عن الاختلاف في اللون أو الجنس أو الدين أو العرق. الأممية الإسلامية تأتي تالية علي الدولة، وتكون من خلال الوسائل السياسية الحديثة من اتحادات فيدرالية وكونفيدرالية، ومعاهدات صداقة، وحدود اقتصادية وسياسية مفتوحة، الخ. ورغم ذلك، ستظل الدولة، الكيان السياسي الذي يجمع المواطنين، كافة مسلمين وغير مسلمين، تحركه مصالحه القومية العليا، ويتمتع مواطنوه بحقوق متساوية في المشاركة في السلطة، واقتسام الثروات، والحضور المتكافئ في المجال العام. هذه الدولة الحديثة لا تعرف مصطلحات تراثية من قبيل الإمام أو الأمير أو الوالي.... الخ، ولكنها تستند إلي منظومة المفاهيم الدستورية والسياسية الحديثة، باعتبار أن المسلمين أنفسهم استوطنوا مجتمعات متعددة الثقافات، ونقلوا إليها وعنها ثقافات، ومن البديهي أن ينعكس هذا التنوع في الأبنية القانونية والسياسية والمجتمعية، التي تختلف من شعب لآخر، ومن مجتمع لأخر، بعيدا عن دعاوي التنميط والقولبة. إجمالا أن المجتمعات السياسية التي تقطنها أغلبيات مسلمة ليست أقل من أن تكون حرة ديمقراطية، تمتلك دساتير تقر حقوق المواطنين كافة دون تمييز، ولكن المسألة تتعلق- أولا- بالرغبة في امتلاك مشروع سياسي جديد، و ثانيا بممارسة اجتهادات فقيهة جادة.