1. الحق ينقسم إلى قسمين: حق خالص لله كالعبادات، وصلة التعبد، وهو ما لا يعقل معناه على الخصوص 1، وحق مشترك، وحق الله هو الغالب، لأن "حق العبد ما كان راجعاً إلى مصالحه في الدنيا، فإن كان من المصالح الأخروية، فهو من جملة ما يطلق عليه أنه حق لله 2 ومثل لذلك بعدم جواز قبول العفو في الحدود إذا بلغت الحاكم، وعدم قبول إسقاط الرجل العدة عن مطلقته وإنّ ثبتت براءة رحمها، الذي شرعت العدة لأجله، حقاً له. وجلد القاتل العمد مئة جلدة وحبسه عاماً عند الإمام مالك وإن عفا عنه ولي المقتول3
2. حق العبد "الغالب": وهو ما كان راجعاً إلى مصالح المكلف في الدنيا، وأصله معقولية المعنى، إذا طابق مقتضى الأمر والنهي فلا إشكال في الصحة، لحصول مصلحة العبد بذلك عاجلاً أو آجلاً حسبما يتهيأ له، وإن وقعت المخالفة فههنا نظر أصله المحافظة على تحصيل مصلحة العبد 4

وظاهر من هذا المذهب أنه، وإن أعطى نطاقا واسعاً لحقوق العبد، إلا أنه قيدها بحق الله تعالى من حيث ابتداؤها ومداها وغايتها، وهو وإن أعطى السلطة العامة صلاحيات واسعة في رعاية حقوق الله تعالى وحفظها، إلا أنه قيدها بعدم التدخل بحقوق العبد من غير إذن شرعي، وهو حق الله المتعلق بهذه الحقوق.

وبعد؛ فقد اتفقت المسالك على أن الحقوق منها ما هو حق لله تعالى، ومنها ما هو حق مشترك. وإن اختلفوا في حق العبد هل هو قسم قائم بنفسه، أم أنّه مندرج تحت أحد القسمين الأولين. وثمرة هذا الخلاف تظهر من حيث بيان سعة نطاق حق العبد، ومدى القيود الواردة عليه. فهي عند الحنفية أوسع نطاقاً وأقل قيوداً، فجميع الحقوق من حيث غايتها راجعة إلى مصالح العباد، والغالب فيها رعاية جانب الإنسان ونفعه منفرداً أو مع الجماعة. وإضافتهم ما روعي فيه من حق الجماعة والصالح العام لله تعالى ، إنّما من باب الاهتمام والعناية، لخطره وعظم قدره .

أما اتجاه الإمامين القرافي والشاطبي، فانصب على بيان الجانب التعبدي في الحقوق، وأنها وإن كانت لمصالح العباد، فمن حيث أنها منح منه من غير إيجاب عليه سبحانه. ومن حيث أنها شرعت لتحقيق مقاصده من تشريعه الأحكام، فالقيد بذلك تعبدي.

([1]) المرجع السابق ، 2/233 .

([2]) المرجع السابق.

([3]) تفصيل اتجاهات الأئمة في هذه المسألة عند ابن رشد، في : بداية المجتهد، 2/203.

([4]) الشاطبي، الموافقات، 2/233 – 235 .