1. المضامين والقيم المناهضة والمعارضة لفلسفتهم ليكونوا بعد ذلك طينة طيعة في أيديهم يشكلونها في أي صورة شاؤوا ولقمة سائغة في أفواههم يبتلعونها متى شاؤوا.

المبحث الثالث
فلسفة الحق في الشريعة الإسلامية ودور حق العبد فيها
الحق سواء أكان مكنة أو مركزاً شرعياً أو اختصاصاً حاجزاً. أو استئثاراً بقيمة معينة. هو حكم من حيث كونه نسبة اختصاص أو استئثار إلى شخص معين، وهذه النسبة شرعية 1 فالأفراد كلهم متساوون، وتخصيص بعضهم بهذا الاختصاص دون بعض ترجيح، ولا بد للترجيح من مرجح والمرجح هو الحاكم، وهو الله سبحانه الذي ظهر حكمه بالوحي وبالعقل (الاجتهاد). وحكمه سبحانه معلّل بالحكمة2، والحكمة هي مصالح العباد في الدارين. فشرعه رحمة بالعباد، إذ لا غرض له سبحانه فهو المنزه عن الأغراض. وبالتالي كانت الحقوق منحاً منه لعباده، بمعنى لا إيجاب عليه فيها وإن اقتضتها حكمته 3، ليقيموا الدين ويعرجوا بها إلى منازل التكريم التي خصها للإنسان (الخليفة). وهذا من جوده عليهم وكرمه بهم4

وهذا أفادنا تقييد الحقوق بما نفع العباد في الدارين ويصلح الواقع، لأنّ الحقوق متعلقة بالمقاصد تعلق الوسائل بمقاصدها، والمقاصد المعتبرة في الشريعة متعينة، مقيدة بقيد تحقيق نفع العباد بنظر الشرع، فكانت الحقوق في مشروعيتها تبعاً لها في هذا التقييد .

وإذا كانت الحقوق، من حيث كونها نسبة اختصاص شرعي إلى محكوم عليه حكماً وضعياً فإنها لازمة للتكليف5 من وجه آخر، سواء أكان الحق لك أم عليك. فإن كان لك توجهت إلى من كان الحق عليه،

([1]) المراد بالحق الموجود هنا: حكم يثبت. كما جاء عند عبد الحليم اللكنوي، في حاشيته على شرح المنار، 2-216.

([2]) ورد في معنى العلة أنها : الباعث على التشريع، بمعنى أنه لا بد أن يكون الوصف مشتملاً على مصلحة صالحة لأن تكون مقصودة للشارع من شرع الحكم، وهي التي يعلم الله صلاح المتعبدين بالحكم لأجلها، وهذا هو اختيار الرازي وابن الحاجب والآمدي ، في : الأحكام 3/186، ومختصر المنتهي 2/213، وإرشاد الفحول 207. وهي عند الإمام الشاطبي: الحكم والمصالح التي تعلقت بها الأوامر والإباحة، أو المفاسد التي تعلقت بها النواهي، الموافقات 1/179.

([3]) قال بعض الأصوليين: "والحاصل أن من فعل فعلاً لمصلحة ترجع إليه لا يسمى جواداً مطلقاً، بل هو معتاض. وأما من فعل فعلاً يرجع إلى الغير منه مصلحة، ولا يرجع إليه منه مصلحة فهو الجواد المطلق لذاته: العبادي، الآيات البينات، 35 ، 4.

([4]) وذلك فرع كماله تعالى لكونه تعالى حكيماً رحيماً كريماً فاقتضى ذلك مراعاة مصالح مخلوقاته اختياراً لا إجباراً عليه: الأنصاري، فواتح الرحموت 261 ، 2، وأمير باديشاه، تيسير التحرير 304 ، 3، وجاء في تيسير التحرير 305 ، 3: "قال المحقق التفتازاني: ... ,الأقرب الى التحقيق أنه أي اختلاف لفظي مبني على معنى الغرض، فمن فسره بالمنفعة العائدة إلى الفاعل قال لا تعلل، ولا ينبغي أن ينازع في هذا. ومن فسره بالعائدة على العباد قال تعلل، وكذلك لا ينبغي أن ينازع فيه".

([5]) الحكم الشرعي عند الأصوليين هو : "خطاب الله المتعلق بتصرفات الإنسان والوقائع على وجه الاقتضاء أو التخيير أو الوضع. وهو بذلك ينقسم إلى قسمين، حكم شرعي تكليفي، وحكم شرعي وضعي. والأول معناه : "خطاب الله تعالى المتعلق بتصرفات المكلفين على وجه الاقتضاء أو التخيير، والاقتضاء: هو الطلب، طلب الفعل أو الترك، على وجه الحتم والإلزام، أو على وجه الأفضلية. فكانت أنواع الطلب اربعة، الإيجاب، والندب، و التحريم، والكراهة، وأما النوع الخامس فهو الإباحة الثابتة بلفظ التخيير ومعنى الحكم الشرعي الوضعي، هو : خطاب الله المتعلق بتصرفات الإنسان والوقائع على وجه الوضع، أي بجعلها سبباً لحكم أو شرطاً له أو مانعاً منه، أو عد التصرف صحيحاً أو باطلاً أو فاسداً) آخذاً عن أصول الفقه في نسيجه الجديد.... لأستاذنا الدكتور مصطفى الزلمي وتطبيقاته على القانون المدني الأردني للباحث ص 201 – 208.