دكتور غنام
قناة دكتور أكرم على يوتيوب

آخـــر الــمــواضــيــع

النتائج 1 إلى 10 من 26

الموضوع: فلسفة الحق في المنظورين الإسلامي والوضعي ودور الحقوق المدنية فيها

العرض المتطور

  1. #1

    افتراضي

    الدول على مبادئ وأسس يعمل على إرسائها دولياً. وبالتالي إيجاد لغة مشتركة بين شعوب العالم والحكومات والمنظمات الدولية، وهذا كله باعتبار النظر إلى ظاهر هذه الدعوى المعلن. وأما وجهها السلبي، أو خطورتها: فتكمن في كونها بنفسها مناهضة لحقوق الإنسان ومصادرة لها، وذلك يظهر من خلال أمور منها :
    1. أن هذه الفلسفة هي التي تحدد، دون مشاركة فعلية من غيرها، مفردات هذه الحقوق ومضمونها. وبالتالي فهي قد حددت ما يُعدّ حقاً بعرفها وما لا يُعّد حقاً، ونطاقه ومداه وغايته، وأثبتت نفسها مرجعية وحيدة فيما يتعلق بهذا الأمر، مع إضفاء مرونة كبيرة على ذلك من خلال إبعاد المعايير الموضوعية، ليتسنى لأنصارها تغيير المضامين بتغير مسار مصالحهم. وبذلك يكون مكمن الخطر في نسبية الحق ونطاقه وغايته. فالحق لا قيمة له في نفسه خارج فهمهم، فلا حق إلاّ ما أقروا أنه حق. ولما كانت هذه الفلسفة مادية فقد تحددت الحقوق ومضامينها وأبعادها في إطار ذلك. وابتعدت بذلك كثيراً إن لم تكن فُصلت عن القيم الخلقية(1)
    2. إن هذا التحكم بتحديد الحقوق ومضامينها، بل ومناهج تطبيقها أو تنفيذها فيه تغليب لفلسفة على غيرها، وحضارة على باقي الحضارات، بل هي محاولة لدحر الحضارات وإزالتها ما أمكن، ليصفو لأصحاب هذه الفلسفة حكم العالم بأسره، سواء أكان ذلك بشكل مباشر أم غير مباشر بظنهم أنهم جمعوا مقومات العالمية في حضارتهم ودوامها من حيث استحواذهم على المنهج الفكري في فلسفتهم، والقوة المفرطة لنشره ودعمه وحمايته.
    3. لما كان الحق والخطاب القانوني في المناهج الوضعية في خدمة الأقوى، كما تقدم، كان المراد من هذه الدعوة خدمة الأقوى بتحقيق مصالحه، ودليل ذلك أن الداعين لهذه الحقوق لا يتدخلون لحمايتها عند انتهاكها في دول العالم، إلا إذا وجدت لهم مصالح استراتيجية في الدول التي وقع فيها الانتهاك، وهم ينتهكونها بأنفسهم في شعوب ودول متى تعرضت مصالحهم للخطر فيها. فدل ذلك على عدم مصداقية دعواهم، وأنها فارغة من المضامين الحقة والضوابط الموضوعية.
    لما تجردت هذه الفلسفة من البعد الديني والأخلاقي، وعملت جاهدة على جمع العالم على أرضية الغرائز، فلا يستغرب من أنصارها أن يتخذوها وسيلة لهم للضغط على حكومات دول، وإكراهها على تنفيذ مخططاتهم بشتى الوسائل، ومنها إثقالها بديون تصرف في مشاريع لا تحقق النمو الاقتصادي ولا الرقي الحضاري. وهي في الوقت ذاته تعمل على إفراغ الشعوب، بأفرادها، من

    ([1]) يقول روجيه غارودي في كتابه : حفار القبور بحسب ما نشرته جريدة المحرر ص 7 العدد 236 الصادر في 1994، 1 ، 17: "الولايات المتحدة منظمة إنتاجية تخضع لعلاقة تكنولوجية وتجارية تسيطر عليها علاقة المنتج بالمستهلك، بهدف الارتفاع الكمي بمستوى الحياة. أما الهوية الشخصية، الحضارية، الروحية، الدينية فهي شأن خاص، فردي لا يجوز أن يكون لها ارتسام أو تأثير على حسن سير هذا النظام. وانطلاقاً من هذا الواقع الاجتماعي، لا يمكن أن يعيش الإيمان أو الاعتقاد بأن للحياة معنى، إلا عند بعض الجماعات التي ما تزال متمسكة بحضارتها القديمة، أو عند بعض الأفراد الأبطال، أما عند الأكثرية المطلقة من سكان الولايات المتحدة فإن الله قد مات بعد أن جُرد الإنسان من بعده المقدس، أي التفتيش عن معنى للحياة. وهذا الفراغ قد أفسح المجال أمام تفريخ الملل والنحل، والخرافات، والهروب إلى المخدرات والشاشة الصغيرة. وهذه كلها محمية مغطاة بتطهرية رسمية، تتستر على كل أشكال اللامساواة والقهر والمذابح بل وتبررها" ثم ذكر أن ذلك ساد في أوروبا أيضاً.
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

  2. #2

    افتراضي

    1. المضامين والقيم المناهضة والمعارضة لفلسفتهم ليكونوا بعد ذلك طينة طيعة في أيديهم يشكلونها في أي صورة شاؤوا ولقمة سائغة في أفواههم يبتلعونها متى شاؤوا.

    المبحث الثالث
    فلسفة الحق في الشريعة الإسلامية ودور حق العبد فيها
    الحق سواء أكان مكنة أو مركزاً شرعياً أو اختصاصاً حاجزاً. أو استئثاراً بقيمة معينة. هو حكم من حيث كونه نسبة اختصاص أو استئثار إلى شخص معين، وهذه النسبة شرعية 1 فالأفراد كلهم متساوون، وتخصيص بعضهم بهذا الاختصاص دون بعض ترجيح، ولا بد للترجيح من مرجح والمرجح هو الحاكم، وهو الله سبحانه الذي ظهر حكمه بالوحي وبالعقل (الاجتهاد). وحكمه سبحانه معلّل بالحكمة2، والحكمة هي مصالح العباد في الدارين. فشرعه رحمة بالعباد، إذ لا غرض له سبحانه فهو المنزه عن الأغراض. وبالتالي كانت الحقوق منحاً منه لعباده، بمعنى لا إيجاب عليه فيها وإن اقتضتها حكمته 3، ليقيموا الدين ويعرجوا بها إلى منازل التكريم التي خصها للإنسان (الخليفة). وهذا من جوده عليهم وكرمه بهم4

    وهذا أفادنا تقييد الحقوق بما نفع العباد في الدارين ويصلح الواقع، لأنّ الحقوق متعلقة بالمقاصد تعلق الوسائل بمقاصدها، والمقاصد المعتبرة في الشريعة متعينة، مقيدة بقيد تحقيق نفع العباد بنظر الشرع، فكانت الحقوق في مشروعيتها تبعاً لها في هذا التقييد .

    وإذا كانت الحقوق، من حيث كونها نسبة اختصاص شرعي إلى محكوم عليه حكماً وضعياً فإنها لازمة للتكليف5 من وجه آخر، سواء أكان الحق لك أم عليك. فإن كان لك توجهت إلى من كان الحق عليه،

    ([1]) المراد بالحق الموجود هنا: حكم يثبت. كما جاء عند عبد الحليم اللكنوي، في حاشيته على شرح المنار، 2-216.

    ([2]) ورد في معنى العلة أنها : الباعث على التشريع، بمعنى أنه لا بد أن يكون الوصف مشتملاً على مصلحة صالحة لأن تكون مقصودة للشارع من شرع الحكم، وهي التي يعلم الله صلاح المتعبدين بالحكم لأجلها، وهذا هو اختيار الرازي وابن الحاجب والآمدي ، في : الأحكام 3/186، ومختصر المنتهي 2/213، وإرشاد الفحول 207. وهي عند الإمام الشاطبي: الحكم والمصالح التي تعلقت بها الأوامر والإباحة، أو المفاسد التي تعلقت بها النواهي، الموافقات 1/179.

    ([3]) قال بعض الأصوليين: "والحاصل أن من فعل فعلاً لمصلحة ترجع إليه لا يسمى جواداً مطلقاً، بل هو معتاض. وأما من فعل فعلاً يرجع إلى الغير منه مصلحة، ولا يرجع إليه منه مصلحة فهو الجواد المطلق لذاته: العبادي، الآيات البينات، 35 ، 4.

    ([4]) وذلك فرع كماله تعالى لكونه تعالى حكيماً رحيماً كريماً فاقتضى ذلك مراعاة مصالح مخلوقاته اختياراً لا إجباراً عليه: الأنصاري، فواتح الرحموت 261 ، 2، وأمير باديشاه، تيسير التحرير 304 ، 3، وجاء في تيسير التحرير 305 ، 3: "قال المحقق التفتازاني: ... ,الأقرب الى التحقيق أنه أي اختلاف لفظي مبني على معنى الغرض، فمن فسره بالمنفعة العائدة إلى الفاعل قال لا تعلل، ولا ينبغي أن ينازع في هذا. ومن فسره بالعائدة على العباد قال تعلل، وكذلك لا ينبغي أن ينازع فيه".

    ([5]) الحكم الشرعي عند الأصوليين هو : "خطاب الله المتعلق بتصرفات الإنسان والوقائع على وجه الاقتضاء أو التخيير أو الوضع. وهو بذلك ينقسم إلى قسمين، حكم شرعي تكليفي، وحكم شرعي وضعي. والأول معناه : "خطاب الله تعالى المتعلق بتصرفات المكلفين على وجه الاقتضاء أو التخيير، والاقتضاء: هو الطلب، طلب الفعل أو الترك، على وجه الحتم والإلزام، أو على وجه الأفضلية. فكانت أنواع الطلب اربعة، الإيجاب، والندب، و التحريم، والكراهة، وأما النوع الخامس فهو الإباحة الثابتة بلفظ التخيير ومعنى الحكم الشرعي الوضعي، هو : خطاب الله المتعلق بتصرفات الإنسان والوقائع على وجه الوضع، أي بجعلها سبباً لحكم أو شرطاً له أو مانعاً منه، أو عد التصرف صحيحاً أو باطلاً أو فاسداً) آخذاً عن أصول الفقه في نسيجه الجديد.... لأستاذنا الدكتور مصطفى الزلمي وتطبيقاته على القانون المدني الأردني للباحث ص 201 – 208.
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

  3. #3

    افتراضي

    المطالبة الشرعية بحفظه ومراعاته ومطالبته هو أو نائبه "بأدائه لصالحك. وإن لم تتعين جهة المطالبة بشخص معين كان على الكافة، وفي كل حال احترامه بعدم الاعتداء عليه (التزام سلبي)، وبالنصرة عند المطالبة بها (إلتزام إيجابي) وذلك كله تكليف. وإن كان الحق عليك، وهو لغيرك، توجهت عليك المطالبة بأدائه على وجهه الشرعي، وهكذا.

    فكلّ "حكم معقول المعنى، فللشارع فيه مقصودان، أحدهما، ذلك المعنى. والثاني، الفعل الذي هو طريق إليه، وأمر المكلف أن يفعل ذلك الفعل قاصداً به ذلك المعنى1 ومن خلال هذه المعرفة تتضح لنا علاقة الحق بالمصلحة. ففكرة الحق هي المبدأ والمنطلق في فهم التنزيل وبناء الأحكام الاجتهادية عليه2، ومقاصد الشارع الحكيم هي الغاية، ووسيلة تحصيل تلك المقاصد وتحقيقها هي أفعال العباد بقيامهم بالحقوق وأداء الواجبات، ويطلق الحق على أفعالهم عند علماء أصول الفقه الإسلامي، على اساس أنها المعبرة عن صورة الحق في الواقع ووظيفته، وهذا ما سنتبينه قريباً. قال تعالى : "وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان3وقال تعالى : "وزنوا بالقسطاس المستقيم4

    وهذا يفيد أيضاً أنّ ما من فعل إرادي إلا وفيه جانب تعبدي5، وعلى ذلك فالفقه الإسلامي في ضوء هذه المنهجية فقه تقويمي. وهو يعمل في ضوء الشريعة الإسلامية، على جمع العالم بأسره على أرضية العقل المكتمل بالوحي الإلهي، وعلى ضبط الغرائز وتنظيمها وتسخيرها نحو أمن الفرد والمجتمع وسعادتهما في الدارين.
    وهذا يتأتى من إحكام ضابطي حسن الأداء، ونقصد بهما: الضابط الداخلي الذاتي للمكلف المتمثل بصحة المعتقد وسلامة وحسن الخلق، والضابط الخارجي المتمثل بربط الحقوق بمصالح متعينة منضبطة بضابط موضوعي. ومن ثم كانت الرقابة الذاتية والخارجية سنداً للمكلّف وعوناً له على الأداء الأنسب، ودافعاً له للتسابق في الخيرات .

    ويبرز الضابط الخارجي عند الكلام في أقسام الحق عند الأصوليين، ونأتي على بيانه أولاً ثم نعقبه ببيان الضابط الداخلي .

    ([1]) السبكي ، الإبهاج في شرح المنهاج، 41 ، 3-42.

    ([2]) ولابن القيم في هذا المعنى قوله : "أصل الخير والشر من قبل التفكير، فإن التفكير مبدأ الإرادة والطلب" الفوائد، ص 215.

    ([3]) الرحمن : 9.

    ([4]) الإسراء : 35.

    ([5]) القرافي، الفروق، 1/141. والشاطبي، الموافقات، 2/232.
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

  4. #4

    افتراضي

    انصبت مباحث الأصوليين، في الحق، على أفعال العباد بالنظر إلى تعلقها بمقاصد التشريع، وأطلقوا عليها مصطلح المحكوم فيه أو به. وبرزت في تقسيم الحق أو المحكوم فيه ثلاثة مذاهب أو مسالك. أحدها عرف بمسلك الحنفية، والثاني هو مسلك الإمام القرافي، والثالث مسلك الإمام الشاطبي.
    أما مسلك الحنفية1 فيقسم أنصاره الحق إلى قسمين رئيسيين، وإلى قسمين ثانويين. أما القسمان الرئيسيان فهما حق الله تعالى ، وحق العبد.

    وحق الله تعالى هو ما يتعلق به النفع العام للعالم، وحفظ النظام العام فيه. فهو شامل للمصلحة العامة الدنيوية والمصلحة الأخروية، فلا يختص به أحد. وأضيف إلى الله تعالى لعموم نفعه وعظيم خطره.

    ومثلوا لذلك بحرمة الزنا وما يتعلق به من عموم النفع في سلامة الأنساب، وصيانة الفراش، ومن الضغائن، والمنازعات بين الناس2
    وحق العبد هو ما تتعلق به مصلحة خاصة دنيوية كحرمة مال الغير، فإنه حق العبد لتعلق صيانة ماله به، ولهذا فإنه يستباح بإباحة المالك بخلاف حق الله تعالى.
    وأما القسمان الثانويان فوجودهما تبع لحالة اجتماع الحقين، العام والخاص، دون الانفراد، وقد يُضم هذان القسمان تحت عنوان (الحق المشترك) فيكون التقسيم ثلاثياً. وقد يكون حق الله (العام) هو الغالب، وقد يكون حق العبد هو الغالب. والضابط في ذلك : أنه كلما كان أثر الفعل في المجتمع أبلغ من أثره في الفرد، التحق التصرف بحق الله بالغلبة، وبعكسه يغلب حق العبد. ومثال الأول القذف في الجنايات، والوظائف والمهن والحرف التي تحتاجها الأمة أو المجتمع، فيجوز لولي الأمر إلزام المؤهلين لأدائها، بالقيام بها على وجهها الشرعي كلما ظهرت الحاجة إليها ولم تسد من قبلهم بالاختيار. ومثال الثاني حق القصاص .

    وبهذا المسلك يتحدد بوضوح دور الدولة وما لها من صلاحيات، وحقوق الفرد، والحقوق المشتركة، وطريقة التغليب بين الحقين (العام والخاص) فيها. فتبنى التشريعات الاجتهادية وفق ذلك، ليحكم بمشروعيتها لدلالتها الظنية على الحكم الشرعي القديم.

    ([1]) البزدوي، كشف الأسرار، 134، 4.

    ([2]) مدكور، محمد سلام، مباحث الحكم، بتصرف يسير، ص 205.
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

  5. #5

    افتراضي

    مسلك الإمام القرافي 1
    ينطلق الإمام القرافي في مسلكه من القول بأنه لا يوجد حق للعبد إلا وفيه حق الله تعالى، وهو أمره بإيصال ذلك الحق إلى مستحقه. وبالتالي فليس هناك ما يسمى بحق العبد المحض، فكان تقسيم الحق، عنده، لا يعدو كونه حق الله تعالى، وهو ما لا يملك العبد إسقاطه، كالإيمان وتحريم الكفر.

    وقد يكون حق العبد هو الغالب، كالديون والأثمان. وهو ما يملك العبد إسقاطه. وقد يكون حق الله تعالى هو الغالب، وهو ما لا يملك العبد إسقاطه، كتحريم الربا والغرر صوناً لمال العبد عليه وحفظاً له من الضياع، وكتحريم المسكرات صوناً لمصلحة حفظ عقل العبد عليه. وحق العبد فيها يتمثل بما تتمضنه من جلب مصلحة له أو درء مفسدة عنه .

    وظاهر من هذا المذهب محاولته إبراز حق الله تعالى على أنه قيد ثابت على حق العبد، لتوجيهه نحو صالح نفسه ومجتمعه وأمنه، تأكيداً لمعلولية الأحكام بمصالح العباد.

    مسلك الإمام الشاطبي 2
    يقارب الإمام الشاطبي بمسلكه مسلك الإمام القرافي كثيرا، وهو يبني تقسيمه على مذهبه، وهو مذهب الجمهور، فالأصل في العبادات، بالنسبة إلى المكلف، التعبد دون الالتفات إلى المعاني، وأصل العادات الالتفات إلى المعاني3، ودل الاستقراء على أن الشارع قصد مصالح العباد في تشريعه أحكام العادات. فإذا كان الشارع قد شرع الحكم لمصلحة ما، فهو الواضع لها مصلحة، فإذن كون المصلحة مصلحة هو من قبل الشارع، فالمصالح من حيث هي مصالح قد آل النظر فيها إلى أنها تعبديات، وما انبنى على التعبدي لا يكون إلا تعبدياً. فقد صار كل تكليف حقاً لله، فإن ما هو لله فهو لله، وما كان للعبد فراجع إلى الله من جهة حق الله فيه، ومن جهة كون حق العبد من حقوق الله، وهذا لا يجعل للعبد حقاً أصلاً4فثبت امتناع وجود تكليف شرعي خال عن جهة التعبد فيه.

    ويخلص الإمام الشاطبي إلى أن الحق ينقسم إلى :
    حق الله تعالى : وحقه على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وعبادته امتثال أوامره واجتناب نواهيه بإطلاق. ويفسر أيضاً بأنه ما لا خيرة فيه للمكلف سواء أكان معقول المعنى أم لا. وهذا

    ([1]) القرافي، الفروق، 1/140-141 .

    ([2]) الشاطبي، الموافقات، 2/222 – 235.

    ([3]) المرجع السابق ، 2/222 .

    ([4]) المرجع السابق ، 2/231 .
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

  6. #6

    افتراضي

    1. الحق ينقسم إلى قسمين: حق خالص لله كالعبادات، وصلة التعبد، وهو ما لا يعقل معناه على الخصوص 1، وحق مشترك، وحق الله هو الغالب، لأن "حق العبد ما كان راجعاً إلى مصالحه في الدنيا، فإن كان من المصالح الأخروية، فهو من جملة ما يطلق عليه أنه حق لله 2 ومثل لذلك بعدم جواز قبول العفو في الحدود إذا بلغت الحاكم، وعدم قبول إسقاط الرجل العدة عن مطلقته وإنّ ثبتت براءة رحمها، الذي شرعت العدة لأجله، حقاً له. وجلد القاتل العمد مئة جلدة وحبسه عاماً عند الإمام مالك وإن عفا عنه ولي المقتول3
    2. حق العبد "الغالب": وهو ما كان راجعاً إلى مصالح المكلف في الدنيا، وأصله معقولية المعنى، إذا طابق مقتضى الأمر والنهي فلا إشكال في الصحة، لحصول مصلحة العبد بذلك عاجلاً أو آجلاً حسبما يتهيأ له، وإن وقعت المخالفة فههنا نظر أصله المحافظة على تحصيل مصلحة العبد 4

    وظاهر من هذا المذهب أنه، وإن أعطى نطاقا واسعاً لحقوق العبد، إلا أنه قيدها بحق الله تعالى من حيث ابتداؤها ومداها وغايتها، وهو وإن أعطى السلطة العامة صلاحيات واسعة في رعاية حقوق الله تعالى وحفظها، إلا أنه قيدها بعدم التدخل بحقوق العبد من غير إذن شرعي، وهو حق الله المتعلق بهذه الحقوق.

    وبعد؛ فقد اتفقت المسالك على أن الحقوق منها ما هو حق لله تعالى، ومنها ما هو حق مشترك. وإن اختلفوا في حق العبد هل هو قسم قائم بنفسه، أم أنّه مندرج تحت أحد القسمين الأولين. وثمرة هذا الخلاف تظهر من حيث بيان سعة نطاق حق العبد، ومدى القيود الواردة عليه. فهي عند الحنفية أوسع نطاقاً وأقل قيوداً، فجميع الحقوق من حيث غايتها راجعة إلى مصالح العباد، والغالب فيها رعاية جانب الإنسان ونفعه منفرداً أو مع الجماعة. وإضافتهم ما روعي فيه من حق الجماعة والصالح العام لله تعالى ، إنّما من باب الاهتمام والعناية، لخطره وعظم قدره .

    أما اتجاه الإمامين القرافي والشاطبي، فانصب على بيان الجانب التعبدي في الحقوق، وأنها وإن كانت لمصالح العباد، فمن حيث أنها منح منه من غير إيجاب عليه سبحانه. ومن حيث أنها شرعت لتحقيق مقاصده من تشريعه الأحكام، فالقيد بذلك تعبدي.

    ([1]) المرجع السابق ، 2/233 .

    ([2]) المرجع السابق.

    ([3]) تفصيل اتجاهات الأئمة في هذه المسألة عند ابن رشد، في : بداية المجتهد، 2/203.

    ([4]) الشاطبي، الموافقات، 2/233 – 235 .
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

  7. #7

    افتراضي

    وبعبارة أخرى، كأن الاتجاه الأول يقول لك أد ما عليك من حقوق الله تعالى، والحقوق المشتركة، وهذه حق الله فيها هو الغالب، وما كان سوى ذلك فهو حقك، وهو شأنك ولك الحرية في التشدد في التمسك به أو التسامح فيه، وبمعنى آخر إنهم يجعلون الصالح العام في جهتين؛ الأولى: ما حدده الشرع وبينه فهو منضبط لذلك، والثانية : ما يتحصل من مجموع أداء الحقوق الخاصة للعباد، فهو ينشأ تبعاً لأدائهم لحقوقهم من غير إلزام بأدائها .

    وكأن الاتجاه الثاني يقول لك الكل من الله وإلى الله، بمعنى أن عليك أن تراعي حق الله تعالى دائماً، حتى فيما كان حقاً لك "بالغلبة" فلا تتصرف، إيجاباً أو سلباً، إلا موافقة للشرع، وذلك بالسعي نحو تحقيق المقاصد المعتبرة شرعاً، ليظهر من خلالها النفع العام. وفي ذلك تغليب للجانب التعبدي والرقابة الذاتية من قبل العبد نفسه، وأكثر تعظيماً للجانب التكليفي في التصرفات الإرادية.

    أم الضابط الداخلي فقد تقدم القول أن أداء المكلف لتكاليفه أو حقوق مرتبط بضابط ذاتي، متمثل بصحة معتقده وسلامته، وبحسن أخلاقه من حيث إن الأداء الخارجي من حركات وسكنات وأقوال وأفعال، هو المظهر المعبر عن صورة النفس، على ما هي عليه من خلق أو سجية، بمعنى ما رسخ فيها من معانٍ وصفات .

    وما السلوك الإنساني إلا انعكاس هذه الهيئات والصفات المستقرة في النفس الإنسانية وفي هذا يقول الإمام الغزالي: (فإن كل صفة تظهر في القلب يظهر أثرها على الجوارح حتى لا تتحرك إلا على وفقها لا محالة) وهذا موافق كل الموافقة لقوله عليه الصلاة والسلام : (ألا إنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) – متفق عليه – فإن صلاح سلوك الإنسان من أقوال وأفعال منشؤها صلاح قلبه، وفساد سلوك منشؤه فساد ما ينطوي عليه قلبه من المعاني والصفات، ومن هنا كان الاشتغال بإصلاح القلب أو النفس من الداخل هو طريق تحسين الأخلاق وتغيير أحوال صاحبها، يدل على ذلك قوله تعالى : "أنّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم1
    وهذا هو توجه التكليف بالتخلق بالخلق الحسن، عن طريق التخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل، وهو طريق الفلاح في الفرد والمجتمع، المبين في قوله تعالى : "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها2

    ولكن لذلك وجهة من حيث تبين الصور الفلسفي للبناء الأخلاقي في الشريعة الإسلامية وعلاقته بالمعتقد، ودوره في الأفعال (المحكوم فيه)، ومحاكاة التكوين الذاتي للإنسان لمراتب العوالم والعلوم ومناسبة ذلك.

    ([1]) البياتي، منير، النظم الإسلامية، 68.

    ([2]) الشمس : 9-10.
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

المواضيع المتشابهه

  1. بحث قيم عن الحق في التقاضي
    بواسطة المحمدي في المنتدى قانون المرافعات والتحكيم
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 08-05-2010, 07:08 PM
  2. نظرية الحق
    بواسطة شمس الدين في المنتدى القانون المدنى
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 05-14-2010, 01:18 PM
  3. السلطة التقديرية في الفقه الإسلامي
    بواسطة هيثم الفقى في المنتدى الفقه الجنائي الإسلامي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 05-11-2009, 06:10 AM
  4. مذكرة دفاع فى جنحة نصب قضى فيها لاحقا بالبراءة ورفضت النيابة العامة استئناف الحكم
    بواسطة هيثم الفقى في المنتدى بحوث ومقالات في القانون الجنائي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-26-2009, 03:52 AM
  5. مصادر التشريع الإسلامي
    بواسطة سالي جمعة في المنتدى الفقه الجنائي الإسلامي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-12-2008, 01:47 AM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •