ومن أبرز ما نخلص إليه مما تقدم :
1. أن مصدر الحق إرادة بشرية لا غير؛ فالفرد مصدرها في الفلسفة الفردية، والمجتمع مصدرها في فلسفة القانون الاجتماعي، والحاكم مصدرها في فلسفة القانون الوضعي. وحتى في فلسفة القانون الطبيعي باتجاهه الديني نجد أن الفرد هو مصدر الحق فهو الذي يعبر عن ذاته، وهي صورة نفسه، المحملة بثقافة معينة، مبنية على أخلاق وعقيدة معينتين نتيجة تأثره بمحيط معين، وهو الذي يعبّر عن القانون الطبيعي المستشف من القانون الإلهي بزعمه. وبالتالي سيبني الفرد قانونه وفقاً لصورة ذاته. وقد يكون هذا هو : ما دعى كروسيوس إلى التصريح بأن القانون الطبيعي هو توافقك مع غرائزك الاجتماعية على أساس أنّ القانون الوضعي لا يعرف إلا في وسط اجتماعي.
وإذا كانت الإرادة البشرية مصدر الحق فهي من باب أولى مصدر القانون، الذي لا يعدو كونه مجموعة خطابات سلوك اجتماعي عامة مجردة ملزمة.
2. نطاق الحق في المناهج الوضعية هو حق خاص فقط، لا يعرف معه حق عام(1)ولا حق مشترك، وهو ما عليه المذهب الفردي، لأنهم لو قالوا بالحق العام (حق المجتمع) لكان ذلك هدماً لفلسفتهم من أن هذا الحق ليس، عندهم، قديماً كقدم الحق الخاص، بل وجوده مقرون بوجود مجتمع، والقانون لازم لوجود المجتمعات المنظمة، فيكون الحق لاحقاً بوجوده على وجود المجتمع والقانون، وبالتالي فمصدره المجتمع أو القانون، وهذا نقض لفلسفتهم. وبما أن الحق العام لا يعرف عندهم، فإن الحق المشترك، لا يعرف كذلك؛ لأنه وليد الاعتراف بوجود حقين عام وخاص.
وأما القانون الاجتماعي، فليس فيه حق خاص، بل هنالك حق عام، والحقوق الخاصة تكاليف وواجبات ملقاة على عاتق الفرد لصالح الجماعة(2)
3. وتبّرز وظيفة الحق على أساس أنّه وسيلة تحقيق مقاصد التشريع، فوظيفته في المذهب الفردي، ظاهراً، هو حماية الفرد وحرياته، ووظيفته في المذهب الاجتماعي تحقيق رغائب الجماعة التي أفرزتها حالة تضامنهم الاجتماعي. أما حقيقة وظيفته في المناهج الوضعية فهي تسخير طاقات الأفراد والشعوب لتحقيق مقاصد الأقوى في العلاقة، والأقوى هم أصحاب رؤوس الأموال الضخمة في الفلسفة الفردية، وهم الذي سُخّرت حكومات بلدانهم وقوانينها إلى حمايتهم، وإيجاد الأرضية الصالحة لتنامي أموالهم ومدها إلى خارج النطاق الإقليمي لدولهم بصور شتى، لتكون ذراع السياسة الخارجية ووسيلة تصدير هذه الفلسفة.
وحقيقة وظيفة الحق في مذهب القانون الاجتماعي لا تبعد عما ذكر في الفلسفة الفردية،إلا أن الأقوى ههنا هم السلطة الحاكمة فلا يعدو الشعب كونه مجموعة أفراد تربطهم روابط معينة بدولتهم، والمظهر الدال على هذا الارتباط هي الجنسية، فهي رابطة قانونية سياسية تربط الفرد

([1]) الشاوي، مذاهب القانون، ص 43-46.

([2]) ويرى أصحاب هذه الفلسفة أن المصلحة العامة تنشأ على أثر مراعاة المصالح الخاصة. وقد كذب الواقع ظنهم.