دكتور غنام
قناة دكتور أكرم على يوتيوب

آخـــر الــمــواضــيــع

النتائج 1 إلى 10 من 26

الموضوع: فلسفة الحق في المنظورين الإسلامي والوضعي ودور الحقوق المدنية فيها

العرض المتطور

  1. #1

    افتراضي

    إلى نظام ينتظم سلوك الأفراد وفقه، وهذا يفضي عندهم إلى نتيجة مفادها ، أن التضامن الاجتماعي هو الأساس الوحيد والمعقول للقانون بوصفه القاعدة الضرورية لحياة الجماعة، ويمكن صياغة قاعدة التضامن الاجتماعي على النحو الآتي : إن الفرد – حاكماً كان أو محكوماً – ملزماً بالامتناع عما يخل بهذا التضامن، وعليه إنجاز كل فعل يؤدي إلى صيانته وتنميته .
    هذه القاعدة الأساسية بناحيتيها، الإيجابية والسلبية، يجب أن يصاغ القانون وفقها ليكون تطبيقاً لها(1)وبالتالي فإن التشريعات القانونية وكذلك العرف، لا ينشئان الحقوق لأنها مراكز قانونية أو وظائف اجتماعية تخلقها حالة التضامن الاجتماعي، ودورها ينحصر في الكشف عنها .

    وتأسيساً على ما تقدم يرى أصحاب هذه الفلسفة أن الحقوق من الجماعة وإلى الجماعة وليس للفرد حظ فيها أصالة على وجه الاستقلا ل، وأن ما يتمتع به الأفراد من حقوق إنما هي : اختصاصات أو وظائف اجتماعية، وأصحابها موظفون عامون موكلون باستعمالها على وجه يحقق الصالح العام(2)وبمعنى آخر: إنّما هي سلطة أو مكنة تمنحها الجماعة لأفرادها ليقوموا بالواجبات التي تقتضيها حالة التضامن الاجتماعي.

    على أن الإفراط والغلو في الأخذ بهذا المذهب أفضى إلى قهر جميع الأفراد المكونين للمجتمع؛ لأنه افترض أن السلطة هي المعبرة عن المجتمع ومصالحه، فانتهى المطاف إلى أن حكمت السلطة بموجب فلسفتها ونفذت بذلك بالقوة المفرطة، فأصبح هذا المذهب صورة من صور الوضعية القانونية التي تتميز، بصورة عامة، بأمرين؛ أحدهما : أن القانون هو القانون الوضعي المكتوب، وبالتالي فإنه من وضع إرادة بشرية حاكمة. والثاني : أن القانون يكون نظاماً منطقياً مستغلقاً؛ بمعنى أن الحلول – عندهم – لا تستقى إلا من القواعد القانونية الوضعية.

    أما القيم الخلقية – سواء أكانت سياسية أم اجتماعية – فهي خارجة عن نطاق النظام القانوني، فسلموا لذلك بالفصل التام بين القانون والأخلاق، وبين القانون والسياسة، وبالتالي : فالقانون ما هو كائن وليس ما يجب أن يكون؛ فلا مجال لتقويم القانون بقيمة العدل. بما يفترضه العقل من وجود قانون خارج الدولة فهو ليس بقانون، عندهم، بل رأي أو فكرة مثالية أو أخلاقية تبحث في وجود القانون. فالحقوق والواجبات التي تتكون للأفراد أو عليهم يرتبها القانون الذي تضعه السلطة في المجتمع لا غير(3)

    ([1]) الدريني، فتحي، الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده، ص 45.

    ([2]) السنهوري وحشمت أبو ستيت، أصول القوانين، ص 68-70.

    ([3]) الدريني ، فتحي، الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده، ص 45.
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

  2. #2

    افتراضي

    ومن أبرز ما نخلص إليه مما تقدم :
    1. أن مصدر الحق إرادة بشرية لا غير؛ فالفرد مصدرها في الفلسفة الفردية، والمجتمع مصدرها في فلسفة القانون الاجتماعي، والحاكم مصدرها في فلسفة القانون الوضعي. وحتى في فلسفة القانون الطبيعي باتجاهه الديني نجد أن الفرد هو مصدر الحق فهو الذي يعبر عن ذاته، وهي صورة نفسه، المحملة بثقافة معينة، مبنية على أخلاق وعقيدة معينتين نتيجة تأثره بمحيط معين، وهو الذي يعبّر عن القانون الطبيعي المستشف من القانون الإلهي بزعمه. وبالتالي سيبني الفرد قانونه وفقاً لصورة ذاته. وقد يكون هذا هو : ما دعى كروسيوس إلى التصريح بأن القانون الطبيعي هو توافقك مع غرائزك الاجتماعية على أساس أنّ القانون الوضعي لا يعرف إلا في وسط اجتماعي.
    وإذا كانت الإرادة البشرية مصدر الحق فهي من باب أولى مصدر القانون، الذي لا يعدو كونه مجموعة خطابات سلوك اجتماعي عامة مجردة ملزمة.
    2. نطاق الحق في المناهج الوضعية هو حق خاص فقط، لا يعرف معه حق عام(1)ولا حق مشترك، وهو ما عليه المذهب الفردي، لأنهم لو قالوا بالحق العام (حق المجتمع) لكان ذلك هدماً لفلسفتهم من أن هذا الحق ليس، عندهم، قديماً كقدم الحق الخاص، بل وجوده مقرون بوجود مجتمع، والقانون لازم لوجود المجتمعات المنظمة، فيكون الحق لاحقاً بوجوده على وجود المجتمع والقانون، وبالتالي فمصدره المجتمع أو القانون، وهذا نقض لفلسفتهم. وبما أن الحق العام لا يعرف عندهم، فإن الحق المشترك، لا يعرف كذلك؛ لأنه وليد الاعتراف بوجود حقين عام وخاص.
    وأما القانون الاجتماعي، فليس فيه حق خاص، بل هنالك حق عام، والحقوق الخاصة تكاليف وواجبات ملقاة على عاتق الفرد لصالح الجماعة(2)
    3. وتبّرز وظيفة الحق على أساس أنّه وسيلة تحقيق مقاصد التشريع، فوظيفته في المذهب الفردي، ظاهراً، هو حماية الفرد وحرياته، ووظيفته في المذهب الاجتماعي تحقيق رغائب الجماعة التي أفرزتها حالة تضامنهم الاجتماعي. أما حقيقة وظيفته في المناهج الوضعية فهي تسخير طاقات الأفراد والشعوب لتحقيق مقاصد الأقوى في العلاقة، والأقوى هم أصحاب رؤوس الأموال الضخمة في الفلسفة الفردية، وهم الذي سُخّرت حكومات بلدانهم وقوانينها إلى حمايتهم، وإيجاد الأرضية الصالحة لتنامي أموالهم ومدها إلى خارج النطاق الإقليمي لدولهم بصور شتى، لتكون ذراع السياسة الخارجية ووسيلة تصدير هذه الفلسفة.
    وحقيقة وظيفة الحق في مذهب القانون الاجتماعي لا تبعد عما ذكر في الفلسفة الفردية،إلا أن الأقوى ههنا هم السلطة الحاكمة فلا يعدو الشعب كونه مجموعة أفراد تربطهم روابط معينة بدولتهم، والمظهر الدال على هذا الارتباط هي الجنسية، فهي رابطة قانونية سياسية تربط الفرد

    ([1]) الشاوي، مذاهب القانون، ص 43-46.

    ([2]) ويرى أصحاب هذه الفلسفة أن المصلحة العامة تنشأ على أثر مراعاة المصالح الخاصة. وقد كذب الواقع ظنهم.
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

  3. #3

    افتراضي

    بدولة معينة. وإذا كان الفرد لا حقّ له أصالة؛ وكان مقهوراً مهاناً، تعدت هذه الصفات إلى الشعب كله؛ لأنه لا يعدو كونه مجموع الأفراد المنتمين إلى الدولة. فانحصر بذلك وصف الجماعة التي تُسخّر لها الحقوق بمن أقام نفسه ممثلا ًللمجتمع، وهم السلط الحاكمة. وهذا ما شهده الواقع وظهر جلياً وخاصة في الدول التي غالت في الأخذ بهذا المذهب. وينتج من عدم الاعتراف بالحق الخاص، عدم الاعتراف بالحريات الشخصية، لغياب المبرر القانوني لها في ظل هذه الفلسفة.
    1. غاية الحق: لما كانت حقيقة القانون أنه : خطاب الأقوى المجرد عن الدين والأخلاق، والمصحوب بقوة إرغام، كانت غاية الحق تحقيق مصالح الأقوى(1) بالفعل عن طريق تسخير الأفراد والشعوب نحو ذلك بعد إسقاط القيم الروحية والأخلاقية في ذواتهم لينزلوا بعد ذلك على أرضية المادية التي معادلتها البقاء للاقوى، وما على الأضعف ليحافظ على بقائه وحرياته تلك إلا تسخير طاقاته في خدمة هذا الأقوى في هذه المعادلة غير العادلة.
    وووظيفة الخطاب القانوني عندئذ إضفاء صفة المشروعية على سعير الأفراد والشعوب في تحقيق هذا الهدف غير المعلن عنه صراحة، وإضفاء صفة اللامشروعية على حالات الإمتناع عن ذلك فضلاً عن حالة مناهضة هذا الأمر ومعارضته. ولا فرق عندهم في صفة الأداء، فمن سُخر بإرادته لينال منهم مطامح أو مطامع، ومن سخر بالقوة حقق مرادهم على أرض الواقع، فالنية ليست محل اعتبار في الخطاب القانوني من حيث الأصل .

    المطلب الثاني : دور حقوق الإنسان في الفلسفة الفردية
    حقوق الإنسان أو الحقوق الطبيعية للإنسان، هي إحدى مظاهر الفلسفة الفردية التي تسعى إلى تحرير طاقات الفرد، بإسقاط أكبر قدر ممكن من القيود الداخلية الذاتية، كالدين، والأخلاق، والاعتقاد، والخارجية كالأعراف المشروعة، والقيم السائدة في المجتمع وسلطة الحاكم القوي الذي لا يستطيع الأقوياء تسخيره للعمل لصالحهم، فإذا تحررّ الفرد من كل ذلك، أمكن تسخيره، من ثمّ يستطيع الأقوياء من ثم، لخدمة اصحاب هذه الفلسفة لتحقيق مصالحهم من خلال السيطرة على الشعوب ومقدراتها.

    ونقتصر، في هذا المقام، على ذكر أبعاد هذه الدعوة بوجهيها الإيجابي والسلبي، أما وجهها الإيجابي: فيظهر من خلال أنها وسيلة ضغط قوية لإضعاف سلطان الحكومات المستبدة، وفي التقاء الشعوب واتفاقها على ظاهر مبدأ تقرير المصير، وممارسة الأفراد لقدر كبير من الحريات وتمتعهم بقدر واف من الحقوق. وهي خطوة تحقيق الوحدة التشريعية في العالم من خلال العمل على ابتناء التشريعات القانونية في جميع

    ([1]) بل إن منفعة الأقوى هو العدل عند بعض فلاسفة اليونان. وقد ذكر ثراسيماخس حداً للعدالة بأنها : منفعة الأقوى، مبرهناً على ذلك بأن التشريعات تسن لمصلحة الأقوى، مبرهناً على ذلك بأن التشريعات تسن لمصلحة الحكومة، والحكومة أقوى من الرعية، وانتهاك التشريعات يعد ظلماً، فكانت العدالة لذلك حقاً أو مصلحة للأقوى، وهي منفعة الحكومة في كل بلد: أفلاطون، جمهورية أفلاطون، ص 23-25.
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

  4. #4

    افتراضي

    الدول على مبادئ وأسس يعمل على إرسائها دولياً. وبالتالي إيجاد لغة مشتركة بين شعوب العالم والحكومات والمنظمات الدولية، وهذا كله باعتبار النظر إلى ظاهر هذه الدعوى المعلن. وأما وجهها السلبي، أو خطورتها: فتكمن في كونها بنفسها مناهضة لحقوق الإنسان ومصادرة لها، وذلك يظهر من خلال أمور منها :
    1. أن هذه الفلسفة هي التي تحدد، دون مشاركة فعلية من غيرها، مفردات هذه الحقوق ومضمونها. وبالتالي فهي قد حددت ما يُعدّ حقاً بعرفها وما لا يُعّد حقاً، ونطاقه ومداه وغايته، وأثبتت نفسها مرجعية وحيدة فيما يتعلق بهذا الأمر، مع إضفاء مرونة كبيرة على ذلك من خلال إبعاد المعايير الموضوعية، ليتسنى لأنصارها تغيير المضامين بتغير مسار مصالحهم. وبذلك يكون مكمن الخطر في نسبية الحق ونطاقه وغايته. فالحق لا قيمة له في نفسه خارج فهمهم، فلا حق إلاّ ما أقروا أنه حق. ولما كانت هذه الفلسفة مادية فقد تحددت الحقوق ومضامينها وأبعادها في إطار ذلك. وابتعدت بذلك كثيراً إن لم تكن فُصلت عن القيم الخلقية(1)
    2. إن هذا التحكم بتحديد الحقوق ومضامينها، بل ومناهج تطبيقها أو تنفيذها فيه تغليب لفلسفة على غيرها، وحضارة على باقي الحضارات، بل هي محاولة لدحر الحضارات وإزالتها ما أمكن، ليصفو لأصحاب هذه الفلسفة حكم العالم بأسره، سواء أكان ذلك بشكل مباشر أم غير مباشر بظنهم أنهم جمعوا مقومات العالمية في حضارتهم ودوامها من حيث استحواذهم على المنهج الفكري في فلسفتهم، والقوة المفرطة لنشره ودعمه وحمايته.
    3. لما كان الحق والخطاب القانوني في المناهج الوضعية في خدمة الأقوى، كما تقدم، كان المراد من هذه الدعوة خدمة الأقوى بتحقيق مصالحه، ودليل ذلك أن الداعين لهذه الحقوق لا يتدخلون لحمايتها عند انتهاكها في دول العالم، إلا إذا وجدت لهم مصالح استراتيجية في الدول التي وقع فيها الانتهاك، وهم ينتهكونها بأنفسهم في شعوب ودول متى تعرضت مصالحهم للخطر فيها. فدل ذلك على عدم مصداقية دعواهم، وأنها فارغة من المضامين الحقة والضوابط الموضوعية.
    لما تجردت هذه الفلسفة من البعد الديني والأخلاقي، وعملت جاهدة على جمع العالم على أرضية الغرائز، فلا يستغرب من أنصارها أن يتخذوها وسيلة لهم للضغط على حكومات دول، وإكراهها على تنفيذ مخططاتهم بشتى الوسائل، ومنها إثقالها بديون تصرف في مشاريع لا تحقق النمو الاقتصادي ولا الرقي الحضاري. وهي في الوقت ذاته تعمل على إفراغ الشعوب، بأفرادها، من

    ([1]) يقول روجيه غارودي في كتابه : حفار القبور بحسب ما نشرته جريدة المحرر ص 7 العدد 236 الصادر في 1994، 1 ، 17: "الولايات المتحدة منظمة إنتاجية تخضع لعلاقة تكنولوجية وتجارية تسيطر عليها علاقة المنتج بالمستهلك، بهدف الارتفاع الكمي بمستوى الحياة. أما الهوية الشخصية، الحضارية، الروحية، الدينية فهي شأن خاص، فردي لا يجوز أن يكون لها ارتسام أو تأثير على حسن سير هذا النظام. وانطلاقاً من هذا الواقع الاجتماعي، لا يمكن أن يعيش الإيمان أو الاعتقاد بأن للحياة معنى، إلا عند بعض الجماعات التي ما تزال متمسكة بحضارتها القديمة، أو عند بعض الأفراد الأبطال، أما عند الأكثرية المطلقة من سكان الولايات المتحدة فإن الله قد مات بعد أن جُرد الإنسان من بعده المقدس، أي التفتيش عن معنى للحياة. وهذا الفراغ قد أفسح المجال أمام تفريخ الملل والنحل، والخرافات، والهروب إلى المخدرات والشاشة الصغيرة. وهذه كلها محمية مغطاة بتطهرية رسمية، تتستر على كل أشكال اللامساواة والقهر والمذابح بل وتبررها" ثم ذكر أن ذلك ساد في أوروبا أيضاً.
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

  5. #5

    افتراضي

    1. المضامين والقيم المناهضة والمعارضة لفلسفتهم ليكونوا بعد ذلك طينة طيعة في أيديهم يشكلونها في أي صورة شاؤوا ولقمة سائغة في أفواههم يبتلعونها متى شاؤوا.

    المبحث الثالث
    فلسفة الحق في الشريعة الإسلامية ودور حق العبد فيها
    الحق سواء أكان مكنة أو مركزاً شرعياً أو اختصاصاً حاجزاً. أو استئثاراً بقيمة معينة. هو حكم من حيث كونه نسبة اختصاص أو استئثار إلى شخص معين، وهذه النسبة شرعية 1 فالأفراد كلهم متساوون، وتخصيص بعضهم بهذا الاختصاص دون بعض ترجيح، ولا بد للترجيح من مرجح والمرجح هو الحاكم، وهو الله سبحانه الذي ظهر حكمه بالوحي وبالعقل (الاجتهاد). وحكمه سبحانه معلّل بالحكمة2، والحكمة هي مصالح العباد في الدارين. فشرعه رحمة بالعباد، إذ لا غرض له سبحانه فهو المنزه عن الأغراض. وبالتالي كانت الحقوق منحاً منه لعباده، بمعنى لا إيجاب عليه فيها وإن اقتضتها حكمته 3، ليقيموا الدين ويعرجوا بها إلى منازل التكريم التي خصها للإنسان (الخليفة). وهذا من جوده عليهم وكرمه بهم4

    وهذا أفادنا تقييد الحقوق بما نفع العباد في الدارين ويصلح الواقع، لأنّ الحقوق متعلقة بالمقاصد تعلق الوسائل بمقاصدها، والمقاصد المعتبرة في الشريعة متعينة، مقيدة بقيد تحقيق نفع العباد بنظر الشرع، فكانت الحقوق في مشروعيتها تبعاً لها في هذا التقييد .

    وإذا كانت الحقوق، من حيث كونها نسبة اختصاص شرعي إلى محكوم عليه حكماً وضعياً فإنها لازمة للتكليف5 من وجه آخر، سواء أكان الحق لك أم عليك. فإن كان لك توجهت إلى من كان الحق عليه،

    ([1]) المراد بالحق الموجود هنا: حكم يثبت. كما جاء عند عبد الحليم اللكنوي، في حاشيته على شرح المنار، 2-216.

    ([2]) ورد في معنى العلة أنها : الباعث على التشريع، بمعنى أنه لا بد أن يكون الوصف مشتملاً على مصلحة صالحة لأن تكون مقصودة للشارع من شرع الحكم، وهي التي يعلم الله صلاح المتعبدين بالحكم لأجلها، وهذا هو اختيار الرازي وابن الحاجب والآمدي ، في : الأحكام 3/186، ومختصر المنتهي 2/213، وإرشاد الفحول 207. وهي عند الإمام الشاطبي: الحكم والمصالح التي تعلقت بها الأوامر والإباحة، أو المفاسد التي تعلقت بها النواهي، الموافقات 1/179.

    ([3]) قال بعض الأصوليين: "والحاصل أن من فعل فعلاً لمصلحة ترجع إليه لا يسمى جواداً مطلقاً، بل هو معتاض. وأما من فعل فعلاً يرجع إلى الغير منه مصلحة، ولا يرجع إليه منه مصلحة فهو الجواد المطلق لذاته: العبادي، الآيات البينات، 35 ، 4.

    ([4]) وذلك فرع كماله تعالى لكونه تعالى حكيماً رحيماً كريماً فاقتضى ذلك مراعاة مصالح مخلوقاته اختياراً لا إجباراً عليه: الأنصاري، فواتح الرحموت 261 ، 2، وأمير باديشاه، تيسير التحرير 304 ، 3، وجاء في تيسير التحرير 305 ، 3: "قال المحقق التفتازاني: ... ,الأقرب الى التحقيق أنه أي اختلاف لفظي مبني على معنى الغرض، فمن فسره بالمنفعة العائدة إلى الفاعل قال لا تعلل، ولا ينبغي أن ينازع في هذا. ومن فسره بالعائدة على العباد قال تعلل، وكذلك لا ينبغي أن ينازع فيه".

    ([5]) الحكم الشرعي عند الأصوليين هو : "خطاب الله المتعلق بتصرفات الإنسان والوقائع على وجه الاقتضاء أو التخيير أو الوضع. وهو بذلك ينقسم إلى قسمين، حكم شرعي تكليفي، وحكم شرعي وضعي. والأول معناه : "خطاب الله تعالى المتعلق بتصرفات المكلفين على وجه الاقتضاء أو التخيير، والاقتضاء: هو الطلب، طلب الفعل أو الترك، على وجه الحتم والإلزام، أو على وجه الأفضلية. فكانت أنواع الطلب اربعة، الإيجاب، والندب، و التحريم، والكراهة، وأما النوع الخامس فهو الإباحة الثابتة بلفظ التخيير ومعنى الحكم الشرعي الوضعي، هو : خطاب الله المتعلق بتصرفات الإنسان والوقائع على وجه الوضع، أي بجعلها سبباً لحكم أو شرطاً له أو مانعاً منه، أو عد التصرف صحيحاً أو باطلاً أو فاسداً) آخذاً عن أصول الفقه في نسيجه الجديد.... لأستاذنا الدكتور مصطفى الزلمي وتطبيقاته على القانون المدني الأردني للباحث ص 201 – 208.
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

  6. #6

    افتراضي

    المطالبة الشرعية بحفظه ومراعاته ومطالبته هو أو نائبه "بأدائه لصالحك. وإن لم تتعين جهة المطالبة بشخص معين كان على الكافة، وفي كل حال احترامه بعدم الاعتداء عليه (التزام سلبي)، وبالنصرة عند المطالبة بها (إلتزام إيجابي) وذلك كله تكليف. وإن كان الحق عليك، وهو لغيرك، توجهت عليك المطالبة بأدائه على وجهه الشرعي، وهكذا.

    فكلّ "حكم معقول المعنى، فللشارع فيه مقصودان، أحدهما، ذلك المعنى. والثاني، الفعل الذي هو طريق إليه، وأمر المكلف أن يفعل ذلك الفعل قاصداً به ذلك المعنى1 ومن خلال هذه المعرفة تتضح لنا علاقة الحق بالمصلحة. ففكرة الحق هي المبدأ والمنطلق في فهم التنزيل وبناء الأحكام الاجتهادية عليه2، ومقاصد الشارع الحكيم هي الغاية، ووسيلة تحصيل تلك المقاصد وتحقيقها هي أفعال العباد بقيامهم بالحقوق وأداء الواجبات، ويطلق الحق على أفعالهم عند علماء أصول الفقه الإسلامي، على اساس أنها المعبرة عن صورة الحق في الواقع ووظيفته، وهذا ما سنتبينه قريباً. قال تعالى : "وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان3وقال تعالى : "وزنوا بالقسطاس المستقيم4

    وهذا يفيد أيضاً أنّ ما من فعل إرادي إلا وفيه جانب تعبدي5، وعلى ذلك فالفقه الإسلامي في ضوء هذه المنهجية فقه تقويمي. وهو يعمل في ضوء الشريعة الإسلامية، على جمع العالم بأسره على أرضية العقل المكتمل بالوحي الإلهي، وعلى ضبط الغرائز وتنظيمها وتسخيرها نحو أمن الفرد والمجتمع وسعادتهما في الدارين.
    وهذا يتأتى من إحكام ضابطي حسن الأداء، ونقصد بهما: الضابط الداخلي الذاتي للمكلف المتمثل بصحة المعتقد وسلامة وحسن الخلق، والضابط الخارجي المتمثل بربط الحقوق بمصالح متعينة منضبطة بضابط موضوعي. ومن ثم كانت الرقابة الذاتية والخارجية سنداً للمكلّف وعوناً له على الأداء الأنسب، ودافعاً له للتسابق في الخيرات .

    ويبرز الضابط الخارجي عند الكلام في أقسام الحق عند الأصوليين، ونأتي على بيانه أولاً ثم نعقبه ببيان الضابط الداخلي .

    ([1]) السبكي ، الإبهاج في شرح المنهاج، 41 ، 3-42.

    ([2]) ولابن القيم في هذا المعنى قوله : "أصل الخير والشر من قبل التفكير، فإن التفكير مبدأ الإرادة والطلب" الفوائد، ص 215.

    ([3]) الرحمن : 9.

    ([4]) الإسراء : 35.

    ([5]) القرافي، الفروق، 1/141. والشاطبي، الموافقات، 2/232.
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

  7. #7

    افتراضي

    انصبت مباحث الأصوليين، في الحق، على أفعال العباد بالنظر إلى تعلقها بمقاصد التشريع، وأطلقوا عليها مصطلح المحكوم فيه أو به. وبرزت في تقسيم الحق أو المحكوم فيه ثلاثة مذاهب أو مسالك. أحدها عرف بمسلك الحنفية، والثاني هو مسلك الإمام القرافي، والثالث مسلك الإمام الشاطبي.
    أما مسلك الحنفية1 فيقسم أنصاره الحق إلى قسمين رئيسيين، وإلى قسمين ثانويين. أما القسمان الرئيسيان فهما حق الله تعالى ، وحق العبد.

    وحق الله تعالى هو ما يتعلق به النفع العام للعالم، وحفظ النظام العام فيه. فهو شامل للمصلحة العامة الدنيوية والمصلحة الأخروية، فلا يختص به أحد. وأضيف إلى الله تعالى لعموم نفعه وعظيم خطره.

    ومثلوا لذلك بحرمة الزنا وما يتعلق به من عموم النفع في سلامة الأنساب، وصيانة الفراش، ومن الضغائن، والمنازعات بين الناس2
    وحق العبد هو ما تتعلق به مصلحة خاصة دنيوية كحرمة مال الغير، فإنه حق العبد لتعلق صيانة ماله به، ولهذا فإنه يستباح بإباحة المالك بخلاف حق الله تعالى.
    وأما القسمان الثانويان فوجودهما تبع لحالة اجتماع الحقين، العام والخاص، دون الانفراد، وقد يُضم هذان القسمان تحت عنوان (الحق المشترك) فيكون التقسيم ثلاثياً. وقد يكون حق الله (العام) هو الغالب، وقد يكون حق العبد هو الغالب. والضابط في ذلك : أنه كلما كان أثر الفعل في المجتمع أبلغ من أثره في الفرد، التحق التصرف بحق الله بالغلبة، وبعكسه يغلب حق العبد. ومثال الأول القذف في الجنايات، والوظائف والمهن والحرف التي تحتاجها الأمة أو المجتمع، فيجوز لولي الأمر إلزام المؤهلين لأدائها، بالقيام بها على وجهها الشرعي كلما ظهرت الحاجة إليها ولم تسد من قبلهم بالاختيار. ومثال الثاني حق القصاص .

    وبهذا المسلك يتحدد بوضوح دور الدولة وما لها من صلاحيات، وحقوق الفرد، والحقوق المشتركة، وطريقة التغليب بين الحقين (العام والخاص) فيها. فتبنى التشريعات الاجتهادية وفق ذلك، ليحكم بمشروعيتها لدلالتها الظنية على الحكم الشرعي القديم.

    ([1]) البزدوي، كشف الأسرار، 134، 4.

    ([2]) مدكور، محمد سلام، مباحث الحكم، بتصرف يسير، ص 205.
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

المواضيع المتشابهه

  1. بحث قيم عن الحق في التقاضي
    بواسطة المحمدي في المنتدى قانون المرافعات والتحكيم
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 08-05-2010, 07:08 PM
  2. نظرية الحق
    بواسطة شمس الدين في المنتدى القانون المدنى
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 05-14-2010, 01:18 PM
  3. السلطة التقديرية في الفقه الإسلامي
    بواسطة هيثم الفقى في المنتدى الفقه الجنائي الإسلامي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 05-11-2009, 06:10 AM
  4. مذكرة دفاع فى جنحة نصب قضى فيها لاحقا بالبراءة ورفضت النيابة العامة استئناف الحكم
    بواسطة هيثم الفقى في المنتدى بحوث ومقالات في القانون الجنائي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-26-2009, 03:52 AM
  5. مصادر التشريع الإسلامي
    بواسطة سالي جمعة في المنتدى الفقه الجنائي الإسلامي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-12-2008, 01:47 AM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •