إلى نظام ينتظم سلوك الأفراد وفقه، وهذا يفضي عندهم إلى نتيجة مفادها ، أن التضامن الاجتماعي هو الأساس الوحيد والمعقول للقانون بوصفه القاعدة الضرورية لحياة الجماعة، ويمكن صياغة قاعدة التضامن الاجتماعي على النحو الآتي : إن الفرد – حاكماً كان أو محكوماً – ملزماً بالامتناع عما يخل بهذا التضامن، وعليه إنجاز كل فعل يؤدي إلى صيانته وتنميته .
هذه القاعدة الأساسية بناحيتيها، الإيجابية والسلبية، يجب أن يصاغ القانون وفقها ليكون تطبيقاً لها(1)وبالتالي فإن التشريعات القانونية وكذلك العرف، لا ينشئان الحقوق لأنها مراكز قانونية أو وظائف اجتماعية تخلقها حالة التضامن الاجتماعي، ودورها ينحصر في الكشف عنها .

وتأسيساً على ما تقدم يرى أصحاب هذه الفلسفة أن الحقوق من الجماعة وإلى الجماعة وليس للفرد حظ فيها أصالة على وجه الاستقلا ل، وأن ما يتمتع به الأفراد من حقوق إنما هي : اختصاصات أو وظائف اجتماعية، وأصحابها موظفون عامون موكلون باستعمالها على وجه يحقق الصالح العام(2)وبمعنى آخر: إنّما هي سلطة أو مكنة تمنحها الجماعة لأفرادها ليقوموا بالواجبات التي تقتضيها حالة التضامن الاجتماعي.

على أن الإفراط والغلو في الأخذ بهذا المذهب أفضى إلى قهر جميع الأفراد المكونين للمجتمع؛ لأنه افترض أن السلطة هي المعبرة عن المجتمع ومصالحه، فانتهى المطاف إلى أن حكمت السلطة بموجب فلسفتها ونفذت بذلك بالقوة المفرطة، فأصبح هذا المذهب صورة من صور الوضعية القانونية التي تتميز، بصورة عامة، بأمرين؛ أحدهما : أن القانون هو القانون الوضعي المكتوب، وبالتالي فإنه من وضع إرادة بشرية حاكمة. والثاني : أن القانون يكون نظاماً منطقياً مستغلقاً؛ بمعنى أن الحلول – عندهم – لا تستقى إلا من القواعد القانونية الوضعية.

أما القيم الخلقية – سواء أكانت سياسية أم اجتماعية – فهي خارجة عن نطاق النظام القانوني، فسلموا لذلك بالفصل التام بين القانون والأخلاق، وبين القانون والسياسة، وبالتالي : فالقانون ما هو كائن وليس ما يجب أن يكون؛ فلا مجال لتقويم القانون بقيمة العدل. بما يفترضه العقل من وجود قانون خارج الدولة فهو ليس بقانون، عندهم، بل رأي أو فكرة مثالية أو أخلاقية تبحث في وجود القانون. فالحقوق والواجبات التي تتكون للأفراد أو عليهم يرتبها القانون الذي تضعه السلطة في المجتمع لا غير(3)

([1]) الدريني، فتحي، الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده، ص 45.

([2]) السنهوري وحشمت أبو ستيت، أصول القوانين، ص 68-70.

([3]) الدريني ، فتحي، الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده، ص 45.