وإما أن يصدر الحكم ضد الشهود من محكمة مدنية في حالة سقوط العقوبة بمضي المدة، وفي هذا أيضًا دلالة على أن المحكمة المدنية يجوز لها في دائرة اختصاصها أن تقضي قضاءً يفيد صراحةً وبلا مواربة بطلان الحكم الجنائي.
بناءً على هذا لا ندري لماذا يراد وهذه نصوص القانون الصريحة أن تكون المحكمة
المدنية المختصة بالفصل في الملكية وفي العقود المنظورة أمامها ملزمة بالتنازل عن اختصاصها وبالخضوع لحكم قاضٍ يصرح القانون بأنه غير مختص ببطلان العقود لا مباشرةً ولا بالواسطة، وما منع عنه القاضي مباشرةً يبقى بالطبع ممنوعًا عنه على الدوام ولا يجوز التحايل على رفع هذا المنع بطريقة من الطرق، لأن الحيل القانونية قد مضى عهدها ولا تُقبل في عصر التشريع الحاضر.
أما من جهة فائدة الاجتماع فلا ننكر أنه ليس من الحسن ولا مما تطمئن له القلوب أن يقرر قاضي العقوبة بأن زيدًا زور عقدًا، ثم يقرر القاضي المدني أن العقد صحيح، فيظهر أن الجمعية قد عاقبت أحد أفرادها ظلمًا.
نقول هذا غير حسن لكن الجناية الصحيحة أن تغل يد القضاء، وأن يُكرَه القاضي على تجريد رجل من ماله ظلمًا رغبةً في ستر ظلم قد انتهى بتوقيع العقوبة، كأن من واجبات القضاة أن يتضامنوا أو من مصلحة الإجماع أن تستر جناية سابقة بجناية جديدة!!
إنه لمن أسمى الواجبات وأولاها أن يرفع ظلم قُضي به خطأ الإنسان، فإذا ظهر من الظروف ما يسمح بظهور الحق في دائرة القانون فالقضاة آذان واعية وقلوب مضطربة لإعلان الحق لا خوفًا من ظهوره، وإني أرى في تلك الحجة التي يقيمها أصحاب الرأي المخالف سبة للقضاء وإنكارًا لمأموريته الاجتماعية الصحيحة.
ومن غرائب الأمور أن يحتج القائلون بمنع القاضي المدني من سلطته بأن هذا من دواعي الثقة بالأحكام لمنع التناقض بينهما، وما دروا أنهم بمجرد احتمالهم لهذا التناقض قد نزعوا كل ثقة بالحكم القديم فافترضوه ظلمًا يجب عدم البحث فيه، ثم هم من جهة أخرى قد فرضوا على القاضي المدني واجب التضامن مع القاضي الجنائي في الشر، فسندهم إنما هو الطعن الصريح على عدالة القاضيين الأول والثاني وذلك بحجة المحافظة على هذه العدالة نفسها!!
إنما مصلحة الاجتماع تنحصر في إقامة العدل وفي إعلان الثقة بالقاضي وعدالته ولا يتفق هذا مع الاضطراب المستمر على
الأحكام وتخوف العدول عنها، فإن كان هذا العدول بحق، فهو واجب مرغوب فيه والعدالة لا تستقيم بدونه، وإن كان العدول بغير حق محتملاً فهذا طعن على ذمة القاضي المنظور أمامه النزاع الأخير.
إن مصلحة الاجتماع في المحافظة على قواعد الاختصاص وفي المحافظة على قاعدة الشيء المحكوم فيه بحدودها الموضوعية فلا تترك
الأحكام فوضى.
ومن غرائب المواقف في هذه المناقشة أن أصحاب الرأي القائل بارتباط القاضي المدني بالحكم الجنائي يرون في الوقت ذاته أن القاضي المدني لا يرتبط به في حالة الحكم بالبراءة ويرون أن القاضي الجنائي لا يرتبط بالحكم المدني المعلن صحة الأوراق ولا يرون في هذه الحالات إخلالاً بقوة الشيء المحكوم فيه، ولا خطرًا على النظام، ولا على الثقة بعدالة الأحكام، ومعنى هذا أن القاضي المدني لا يتقيد بالحكم إلا إذا كان شرًا، أما الخير فلا أثر له أمامه، ولو أنصف أصحابنا وأرادوا أن يكون منطقيين في التدليل مع أنفسهم لتركوا قيد الشر هذا وقالوا إن قواعد القانون ومبادئه وفائدة الاجتماع كل ذلك يستوجب ترك السلطات القضائية حرة تعمل في دائرة اختصاصها إحقاقًا للحق فذلك أفضل وأسلم.
مرقس فهمي