فالتدابير المقررة للأحداث الجانحين ليست عقوبات بالمعنى التقليدي، وهناك اختلاف بين الإجرائين من حيث كل من الطبيعة والهدف:

فالتدبير الإصلاحي يختلف عن العقوبات من حيث طبيعته، إذ تقوم العقوبة في جوهرها على الإيلام المقصود للجاني عن طريق مسّها حريته أو ماله أو اعتباره، ولتحقيق ذلك يجب أن تكون متناسبة مع مدى جسامة الجريمة. أما التدبير الإصلاحي فإنه لا يقوم مطلقاً على هذا الإيلام المقصود، بل يقوم في جوهره على مدّ العون إلى الحدث الجانح لإصلاحه وإعادة بنائه اجتماعياً، وإذا نتج عن تنفيذ التدبير الإصلاحي إيلام شخص الحدث، كإيداعه في معهد الإصلاح أو في مأوى احترازي، فإن هذا الإيلام يحدث عرضاً وعلى نحو غير مقصود.

ثم إن التدبير الإصلاحي يختلف عن العقوبة من حيث الهدف: فلم تزل العقوبة تهتم بتحقيق الردع العام، إذ إن الإيلام الذي تقوم عليه يؤدي إلى تخويف الآخرين وتهديدهم ومنعهم من محاكاة المجرم. بيد أن هذا الأمر ليس من شأن التدبير الإصلاحي الذي يهدف بصورة أساسية إلى تحقيق الردع الخاص عن طريق إصلاح الحدث فعلاً لا التضييق عليه كما هو الأمر في العقوبات التي تفرض على غير الأحداث.

الاستثناء من فرض التدابير: الأصل أن الحدث مهما كان عمره، أتم السابعة ولم يتم الثامنة عشرة، ومهما كانت الجريمة التي ارتكبها، جناية أو جنحة أو مخالفة، لا تفرض عليه سوى التدابير الإصلاحية المذكورة من قبل. لكن المشرّع السوري وضع استثناء من هذا الأصل، وهو يتناول فئة من
الأحداث ونوعاً معيناً من الجرائم: فإذا ارتكب الحدث الذي أتم الخامسة عشرة من عمره جريمة من نوع الجناية[ر] تطبق عليه في هذه الحالة عقوبات مخففة، ويجوز للمحكمة أن تفرض عليه بالإضافة إلى العقوبة بعض تدابير الإصلاح.

الأحكام الإجرائية الخاصة بالأحداث الجانحين

أفرد قانون
الأحداث الجانحين قواعد إجرائية خاصة بالأحداث الجانحين تتفق والغرض الاجتماعي المتمثل في إصلاح حالة الحدث، وتتميز هذه القواعد الخاصة مما ورد في أصول محاكمة الراشدين بالمرونة والبعد عن الشكليات المفرطة والخروج في كثير من النقاط على القواعد العامة.

قضاء الأحداث: كان
الأحداث الجانحون يحاكمون في ظل التشريع العثماني أمام محاكم القضاء العادي كسائر المجرمين من دون تفريق. ولقد ظل هذا الوضع على حاله حتى نفاذ قانون العقوبات السوري في سنة 1949 الذي حقق بعض التقدم. ولما صدر قانون الأحداث الجانحين سنة 1953 جاء بتعديلات في هذا الخصوص أهمها إحداث محاكم خاصة تسمى محاكم الأحداث. وأحدث هذا القانون محكمتين للأحداث إحداهما في دمشق والأخرى في حلب، على أن تتولى قضايا الأحداث في بقية المحافظات المحاكم الابتدائية، كما عهد هذا القانون إلى محاكم الجنايات العادية النظر في الجنايات التي يرتكبها الأحداث الذين أتموا الخامسة عشرة ولم يتموا الثامنة عشرة. وقد غير قانون الأحداث الجانحين لسنة 1974 الوضع بصورة جذرية، إذ عمم محاكم الأحداث، على جميع المحافظات من ناحية، وأطلق اختصاصها لتشمل جميع الجرائم التي يرتكبها الأحداث، وفيها الجنايات التي يرتكبها من أتم منهم الخامسة عشرة من عمره.

تنظيم قضاء الأحداث: إن هدف إصلاح الحدث الجانح جعل المشرّع السوري في قانون سنة 1974 ينحو منحى جديداً ومتطوراً في اختيار قضاة الأحداث، فجاء بقاعدة جديدة في هذا الصدد لم تكن مقررة في التشريع السابق، وهي تقضي باختيار هؤلاء من بين القضاة ذوي الخبرة في شؤون
الأحداث بصرف النظر عن فئاتهم ودرجاتهم القضائية، على أن تجري ترقيتهم في محاكمهم كلما استحقوا الترقية مع زملائهم من غير قضاة الأحداث في جدول الأقدمية. ونص على إنشاء نوعين من محاكم الأحداث: محكمة الأحداث الجماعية ومحكمة قاضي الأحداث الفرد.

كان من أهم ما استحدث قانون
الأحداث لسنة 1974 محكمة الجماعة، إذ نصّ أن يحاكم الأحداث أمام محاكم خاصة تسمى محاكم الأحداث، ولجأ إلى فكرة إنشاء محاكم للأحداث متفرغة لقضاياهم وأخرى غير متفرغة.

وتتألف محكمة الأحداث، متفرغة كانت أو غير متفرغة، برئاسة قاضي
الأحداث وعضوية اثنين من حملة الشهادة العالية ينتقيهما وزير العدل مع عضوين احتياطيين من بين العاملين في الدولة الذين ترشحهم وزارات التعليم العالي والتربية والشؤون الاجتماعية والعمل ومنظمة الاتحاد النسائي وتجري تسميتهم بمرسوم بناء على اقتراح وزير العدل.

وقد أبقى المشرّع في قانون سنة 1974 على مؤسسة قاضي
الأحداث المنفرد، كما كانت عليه الحال في التشريعات السابقة، وخصه بسلطة النظر في بعض قضايا الأحداث. بيد أن المشرّع رجع عن فكرة التخصص هذه في القانون ذي الرقم 51 لسنة 1979 المعدل لقانون الأحداث الجانحين فأسند إلى محاكم الصلح سلطة النظر في بعض قضايا الأحداث بوصفها محاكم أحداث. كذلك نص قانون الأحداث الجانحين لسنة 1974 على تشكيل غرفة خاصة لدى محكمة النقض تتألف من رئيس واثنين من المستشارين للنظر في قضايا الأحداث.

الإجراءات الخاصة بالأحداث: أفرد قانون
الأحداث الجانحين السوري قواعد إجرائية خاصة بالأحداث الجانحين تتسم بالمرونة، والبعد عن الشكليات الإجرائية المفرطة، وسرعة البت في القضايا، والحفاظ على شخصية الحدث الجانح، وتستهدف، بالدرجة الأولى، تحقيق غرض المشرّع بإصلاح الحدث الجانح.