" هذه الرسالة الضخمة، تستلزم استلزام وجوب أن توفر للمحامي وللمحاماة الحصانة والحماية الكافية، حصانة المحامي وحمايته في أداء رسالته وحمل أمانته، هي حصانة وحماية للعدالة ذاتها، لأن النهوض بها عبء جسيم، ولأن غايتها غاية سامقة يجب أن يتوفر لحملة رايتها ما يقدرون به أن يؤدوا الرسالة في أمان بلا وجل ولا خوف ولا إعاقة ولا مصادرة !!
ومع أن المدونة التشريعية المصرية، لا تزال إلى الآن دون المستوى المطلوب في حماية المحامي والمحاماة، فإن علينا أن نقر بأن كثيرين منا لا يلتفتون - أو بالقدر الكافي - لما حملته المدونة التشريعية من عناصر يتعين على المحامين، وعلى النقابة - أن يلموا بها وأن يتمسكوا بإعمالها إلى أن ترتفع المدونات ومعها الحماية إلى المستوى الذي تنشده المحاماة والمحامون. - هذا ويمكننا أن ستخلص من المدونات التشريعية الحالية بعض الخطوط العريضة التي نأمل أن تزداد عراضة واتساعًا وعمقًا. (18)
• تعريف
حصانة الدفاع (19) :
يمكننا تعريف
حصانة الدفاع(20) بأنها رخصة بمقتضاها لا يسأل الخصم أو مدافعه أو مدافعيه عما تنطوي عليه أقوالهم الشفوية أو المكتوبة المطروحة أمام القضاء- و المتعلقة بخصومة معروضة عليه- من إسناد أفعال أو أقوال تعد قذفا او سبا او بلاغا كاذبا ضد الأخر أو الغير . (21)
وفي الحقيقة " لا يعرف صعوبة المرافعة إلا من يكابدها، فهي حاملة الرسالة التي ينهض بها المحاماة في ظروف عسيرة لبلوغ الغاية وإحقاق الحق وإرساء العدل. ولا غناء في مرافعة - شفوية أو مكتوبة - تحوطها المخاوف والهواجس، وإلا فقد
الدفاع حكمته وغايته جميعًا " . (21م)

وحماية المحامي في أداء رسالته، هي فرع من حماية حقوق الدفاع، سواء باشرها أطراف الخصومة، أو نهض بها المحامون.

ومن الملائم أن يتطرق الحديث عن
حصانة الدفاع ، إلى إيضاح شرط وجودها ، وآثار هذا الوجود .

• أولاً : شروط وجود
حصانة الدفاع :
تجمل وجود
حصانة الدفاع (22) _ حسبما نرى _ فى شرط المصلحة : القانونية أو الشخصية أو المباشرة أو الواقعية .

• (1) المصلحة القانونية :
إذا كان المساس _ أو خشية المساس _ بمصلحة محمية قانونا يمثل دعامة عامة لحقق
الدفاع . فارتكاب جريمة جنائية يثبت للمجتمع _ ممثلا فى النيابة العامة _ باعتباره المجنى عليه فى هذه الجريمة كافة حقوق الدفاع أمام القضاء الجنائى ، طلبا للحماية القضائية لمصالحه التى لم _ أو يخشى _ المساس بها ، وبممارسة هذه الحقوق _ ولاسيما حق الدعوى – نجاه شخص معين تضفى عليه صفة الخصم ، ويكون له _ بدوره _ حقوق دفاع للرد على ما حدث _ أو ما عساه أن يحدث _ من مساس بمصلحة المحمية قانونا من ابرز هذه المصالح حريته الشخصية التى قد تتعرض لإجراءات ماسة بها بمناسبة توجيه الاتهام إليه(23) .

وواضح من ذلك أن المساس أو خشية المساس بمصلحة محمية قانونا يمثل دعامة لحقوق
الدفاع بمعناها الواسع ؛ أى بما يشمل حقوق الدفاع بمعناها الضيق ، ومفترضاتها وضماناتها ، ولوا كانت حصانة الدفاع ليست - فى النهاية - سوى ضمانة من ضمانات حقوق الدفاع(24) ، فان هذه الدعامة ترتكز عليها حصانة الدفاع فى وجودها ، الحصانة ، وإلا فلا . وبمعنى آخر أن هذا المساس _ أو خشية المساس بمصلحة محمية قانونا ، هو شرط لوجود حصانة الدفاع.
• (2) المصلحة الشخصية أو المباشرة :
فى واقع الأمر وحقيقته أن حقوق
الدفاع ومقترضاتها وضماناتها إنما تنبثق من المركز القانونى للخصم (25) وبه فإنها تثبت لكل خصم تجاه خصمه . والخصم تعبير يتسع لكل شخص يعتبر طرفا فى علاقة الخصومة الناشئة عن دعوى مدنية أو جنائية أو إدارية (26) غير انه يهمنا _ هنا تحديد (الخصم) أمام القضاء الجنائى ، أى الذى يشمل المدعى بالحقوق المدنية والمسؤول عنها (27) والخصم المنضم (28) فضلا عن المتهم ، كما يعتبر فى حكم الخصم المدافع عنه ، سواء كان محاميا (29) (30) ؛ أم كان قريبا ماذون له بالدفاع طبقا للقانون (31) وتتوافر المصلحة الشخصية أو المباشرة للخصم تجاه غير الخصوم (32) كالشاهد أو الخبير طالما أن ما وجه الخصم اليهما مما يقتضيه دفاعه عن موقفه فى الخصومة .(33) (34) . مثل تجريحه قول شاهد ، أو تقرير خبير (35)(36).
وقد قيل أن أعضاء النيابة العامة يستفيدون من هذه الحصانة لا باعتبارهم خصومه ، وإنما استنادا من نص القانون الذى يخولهم أداء عمل معين (37) أو سلطة معينة .(38) (39)

• رأينا عضو النيابة العامة ( أو عضو الادعاء العام ) ينوب عن المجتمع فى ممارسة
حصانة الدفاع :
ونحن من جانبنا نستأذن أساتذتنا الأجلاء _ الذين تعلمت منهم
حرية الرأى _ فى عرض وجهة نظر مغايرة ، مضمونها أن " حصانة الدفاع تثبت لعضو النيابة بحكم قيامة بالدفاع عن مصالح المجتمع _ أو بالأدق الدولة _ فى الخصومة الجنائية " .