السلوك المادي المؤثم في جريمة الرشوة الانتخابية
سار المشرع المصري بحذو نظيره الفرنسي في إفراد فقرة عقابية للنص على صور السلوك المادي المجرمة في فعل الراشي وفقرة أخرى للنص على الصور المؤثمة في فعل المرتشي ففي الفقرة ثانياً من نص المادة 41 من قانون الانتخاب المصري نص المشرع على أفعال الإعطاء والعرض والوعد بالفائدة في حين نص المشرع الفرنسي في الفقرة الأولى من المادة L.106 على تقديم الهبات أو التبرعات أو الوعد بها.
ونص المشرع المصري في الفقرة ثالثاً من المادة سالفة الذكر على صور السلوك المجرم في فعل الناخب المرتشي والتي تمثلت بحسب النص في القبول أو الأخذ أو الطلب في حين جرم الشارع الفرنسي ذلك في الفقرة الثانية من المادة أنفة الذكر.
ومن ثم كان الفعل المادي لجريمة الرشوة الانتخابية التي يرتكبها المرتشي ينحصر في صور ثلاث هي الطلب أو القبول أو الأخذ بينما ينحصر السلوك المادي لجريمة الراشي في عرض الرشوة وصورها ثلاث هي الإعطاء أو العرض أو الوعد بالفائدة، وترد جميع هذه الصور على محل واحد وهو الفائدة التي هي موضوع جريمة الرشوة وفيما يلي نتعرض بإيجاز لتلك الصور المنوطة بالتأثيم:

(أ) الطـــلب
والطلب هو إفصاح عن رغبة أو تعبير عن إرادة وينطوي على حث الراشي لتقديم الرشوة أو الوعد بها وإن كان هذا الطلب عملاً مبدئياً في فعل الرشوة إلا أنه كاف لتتم به الجريمة (14) وقد استقرت وتواترت أحكام محكمة النقض المصرية على أن جريمة الرشوة الوظيفية تتم بمجرد الطلب من جانب الموظف العام وهو ما يصلح القياس عليه في جريمة الرشوة الانتخابية (15). ومن ثم يجدر القول بأن الرشوة الانتخابية تتحقق بمجرد طلب الناخب للفائدة.

(ب) القبول
يختلف القبول عن الطلب في أنه يفترض سلوكاً من جانب الراشي سواء كان في صورة إعطاء للرشوة أو عرضاً أو وعد بها وهي الصورة التي نص عليها الشارع المصري والفرنسي في الفقرة المخصصة لتجريم فعل الراشي في جريمة الرشوة الانتخابية، ويتطلب تحقق تلك الصورة تلاقي إرادة الراشي وإرادة المرتشي.

(ﺠ) الأخــذ
ويتحقق بتسلم الناخب العطية أو الفائدة موضع الرشوة ويفترض الأخذ أيضاً تصرفاً سابقاً من جانب الراشي متمثلاً في الإعطاء أو العرض الحقيقي للفائدة موضوع الرشوة فبتسلم تلك الفائدة يتلاقى نشاط الراشي والمرتشي ويتحقق بذلك التنفيذ الفعلي للجريمة ويطلق على هذا الفعل (الرشوة المعجلة) (16).

(د) عرض الرشوة
كما سبق وأن ذكرنا فإن هذا السلوك يؤتيه الراشي ويقصد به تقديم الرشوة للناخب وقد ينصب على عطية أو وعد بعطية أو فائدة ويجب لتحقيق تلك الصورة أن يبذل الجاني سلوكاً إيجابيا فعالاً ينطوي على عرض الرشوة فلا يكفي مجرد اتجاه النية إلى ذلك. ولا يقدح في اكتمال الجريمة ألا يكون المرتشي جاداً في قبول الرشوة متى كان الراشي قد عرضها عرضاً جدياً في ظاهره وكان الغرض منها العبث بمجريات ومقتضيات العملية الانتخابية على النحو آنف البيان.

(ﻫ) صور الفائدة أو العطية موضوع الرشوة الانتخابية
يتعين في العطية أو العرض أو الوعد بها من قبل المرشح وفي القبول أو الطلب أو الأخذ من قبل الناخب (وهي صور النشاط المادي في جريمة الرشوة الانتخابية) أن يرد هذا السلوك على مال أو هدية أو أية منفعة أخرى ولا يقتصر مدلول المنفعة على المعنى المادي فحسب بل يتناول أيضاً الأشياء غير المادية كحصول الناخب على وظيفة أو ترقيته وكان يقدم المرشح مسكناً لناخب دون مقابل أو في صورة أخرى رمزية ولا يشترط لتحقيق جريمة الرشوة الانتخابية أن تكون الفائدة ذاتها مشروعة ولكن قد تأتى في صورة غيرة مشروعة كالمواد المخدرة أو الأشياء المتحصلة من سرقة أو لقاء جنسي يهيأ للناخب المرتشي.

وقد توسع المشرع المصري في المادة 41 ثانياً وثالثاً في تحديد مقابل الرشوة الانتخابية أو موضوعها باستعماله لفظاً فضفاضاً واحداً هو «الفائدة» بينما اتجه المشرع الفرنسي إلى التوسع أيضاً ولكنه أثر النص على مصطلحات متباينة للمنفعة محل الجريمة وذلك بالمادة L.106 فعدد صور الفائدة بالعطايا والتبرعات والهبات المالية أو العينية والتعيين في الوظائف الهامة أو الخاصة أو بتقديم أي منفعة أخرى وكذلك بتقديم الخدمات الإدارية لأحد أو بعض أفراد هيئة الناخبين ولم يقنع بإطلاق لفظ الفائدة كما فعل نظيره المصري.
وقد اختلف الفقهاء حول مدى ملائمة التوسع في مفهوم المنفعة بجريمة الرشوة الانتخابية.
فقد أتجه رأي إلى أن مفهوم المنفعة في الرشوة وإن اختلف في صياغته اللغوية بين تشريع وآخر يبقى على المعنى نفسه، أيد هذا الاتجاه مسلك المشرع المصري حال استعماله لكلمة (الفائدة) في النص التجريمي حيث البين أنه تجنب تحديدها كما فعل نظيره الفرنسي ولقد رأي هذا الجانب من الفقه أن المشرع المصري بذلك أفسح المجال أمام النظرة الواسعة والرحبة للقاضي في تفسير معنى الفائدة (17).
في حين ذهب رأي آخر إلى أن كلمة (الفائدة) التي استعملها الشارع المصري دون تفصيل كما فعل الشارع الفرنسي أمر يؤدي إلى فتح الباب على مصراعيه للاجتهاد الفقهي إضافة إلى سلطة التقدير القضائية في تحديد مفهوم الفائدة وهو ما استهجنه أنصار هذا الرأي (18).
بيد أننا نميل إلى الرأي الأول إذ أن من الصعوبة بمكان حصر فائدة الرشوة في صور معينة أو قصرها على صور معينة وأحسب أن الشارع الفرنسي حال ذكره تلك الصور في نص المادة L.106 لم يذكرها إلا على سبيل المثال لا الحصر، وإذا كان الشارع المصري نأى بنفسه على سرد صور المنفعة في الرشوة تاركاً الأمر لسلطة القاضي فإنه بذلك يكون قد حقق إحكاماً أفضل لمواجهته تلك الجريمة تشريعياً وقضائياً.

ولقد كان من الملاحظ بعد تحليل العديد من أحكام قاضي الانتخاب الفرنسي أنه يميل إلى التفسير الضيق لمفهوم الرشوة الانتخابية فقد اعتبر أن توزيع المشروبات خلال اجتماع عام قبل انقضاء الاقتراع وتوزيع الأطعمة والملابس عن طريق لجنة حسابات إحدى الحملات وتوزيع بطاقات الانتظار لمواقف السيارات الخاصة بالمسافرين والمندوبين أو منح تصاريح دخول مجانية للميدان المخصص للدراجات، أو توزيع تذاكر بدون مقابل أو بسعر رمزي لحضور لقاء رياضي أو ندوة ثقافية أو ترتيب نزهة لعدد محدود من الناخبين بواسطة طائرة هيلوكبتر أموراً لا تستأهل توقيع الجزاء الانتخابي على سند من أن هذه المنح والامتيازات أو الهدايا لا تقدم فائدة حقيقية للناخبين في الدائرة ومن ثم فإنه لا يترتب عليها إفساد الانتخاب.
بيد أنه يتعين في مجال العقاب على الرشوة الانتخابية أن يكون هناك معياراً واحداً ثابتاً ألا وهو أثر الفائدة أو المنفعة على إرادة الناخب والتي هي مناط الحماية وإن كنا نرى أنه لا عطية أو منفعة بلا مقابل فالمرشح الذي يمنح الناخب عطية أو هدية أو يؤدي له خدمة أو يعده بذلك قبيل الموعد المحدد للتصويت فإنه لا يعمد لذلك إلا بقصد التأثير على إرادة هذا الناخب وتوجيه رأيه إلى التصويت لصالحه ولولا أنه مرشح في الانتخاب لما أقدم أو فكر في تقديم تلك العطايا أو الهبات أو الخدمات مطلقاً.


الغرض من ارتكاب جريمة الرشوة الانتخابية
إن جريمة الرشوة الانتخابية وعلى نحو ما يبين من سياق النص التجريمي في فقرتيه ثانيا وثالثا، تتألف من جريمتين إحداهما إيجابية يقارفها المرشح الراشي أما الأخرى فهي جريمة الناخب "المرتشي". أما عن جريمة المرشح أو الراشي فإنه يسعى بإعطائه أو عرضه أو تعهده بإعطاء الفائدة إلى الحصول على أصوات الناخبين وهو الفعل الذي يسمى (بشراء الأصوات) ولقد استهدف نص المادة 41 من القانون المصري تجريم كل فعل يعمد إليه المرشح أو غيره لإفساد إرادة الناخبين أو النيل من حريتها للحصول على أصواتهم تحت وطأة الإغراء المالي أو المعنوي أو الوعد به أو تقديمه حيث استعمل المشرع عبارة «كي يحمله على إبداء الرأي على وجد خاص أو الامتناع عنه».
وفي ضوء هذا النص فإن المنفعة التي يبذلها الراشي متمثلة في فعل إعطائها أو الوعد بها قد يكون مقابل أداء الناخب عملاً إيجابياً متمثلاً في التصويت لصالح مرشح بعينه دون غيره وقد تكون مقابل امتناع أو عملاً سلبياً متمثلاً في عدم التصويت لصالح مرشح أخر بعينه سواء كان هذا الراشي هو المرشح أو غيره وذلك هو الغرض من الرشوة الانتخابية.
بيد أنه ليس من أركان الرشوة الانتخابية وفاء الناخب بما تم الاتفاق عليه من التصويت لمرشح معين أو الامتناع عن ذلك بل إن الجريمة تتحقق ويكتمل نموذجها القانوني حتى ولو أخل الناخب بوعده فلم يحقق للمرشح الراشي طلبه وتصرف على نقيضه.

كما تتوافر أركان الرشوة كذلك إذا كان الناخب ينوى منذ البداية مخادعة الراشي بعدم تنفيذ طلبه ومن ثم فإنه وعلى غرار الحال في الرشوة الوظيفية فإن تنفيذ الغرض من الرشوة بالفعل ليس ركناً في الجريمة. ولقد تواترت أحكام النقض الجنائي على ذلك فيما يتعلق بالرشوة العادية فقضى بأن "تنفيذ الغرض من الرشوة بالفعل ليس ركناً في الجريمة" (19).
كما وأن هذه الجريمة تتم وتكتمل أيضاً دون أن يتوقف الأمر على تنفيذ الوعد أو العرض من قبل الراشي كما هو الحال في جريمة الرشوة الوظيفية أيضاً فإن التنفيذ اللاحق للوعد أو العرض ليس من شأنه تغير لحظة تمام الجريمة (20). فقد يعرض الراشي على الناخب منفعة ما أو يعده ويمنيه بها مقابل تصويته لصالحه أو امتناعه عن التصويت لمرشح آخر فيلبى الناخب رغبة الراشي دون أن يفي الراشي بوعده أو بما عرضه من منفعة وفي هذه الحالة وحسبما استقر الرأي يتحقق النموذج القانوني لجريمة الرشوة بلا خلاف إذ لا عبرة بتحقق الغرض في قيام جريمة الرشوة.


القصد الجنائي في جريمة الرشوة الانتخابية
جريمة الرشوة الانتخابية مثل جريمة الرشوة الوظيفية يتعين أن يتوافر فيها القصد الجنائي ولكن هل يكفي لقيامها تحقق القصد الجنائي العام أم أنه لابد تحقق قصد جنائي خاص؟
إن القصد العام بداءة هو توجه إرادة الجاني صوب ارتكاب فعل أو الامتناع عن فعل يعلم أن القانون يعده جريمة جنائية ويرصد له عقاباً جنائيا، أما القصد الخاص فيشترط فيه فضلاً عن توافر القصد العام ثبوت النية نحو تحقيق هدف معين يحدده القانون (21).
وفي ذلك ذهب رأي إلى أنه يتعين أن تكون لدى الجاني الراشي نية إجرامية خاصة مفهومة على تقديم العطية أو الوعد بها وذلك بقصد التأثير على نتيجة الانتخابات وذلك إما من خلال التصويت لصالح مرشح معين أو الامتناع عن التصويت لمرشح معين وأن يكون المرتشي قد أقدم على جرمه بقبول أو طلب أو أخذ الفائدة بهدف التصويت لمرشح معين متأثراً بما قبله أو أخذه أو طلبه من فائدة أي أن يكون تلقيه للعطية أو الوعد في مقابل ما سيقوم به من عمل أو امتناع للتأثير في نتيجة الانتخاب (22).
بيد أن الرأي الغالب في الفقه اتجه إلى الاكتفاء في هذه الجريمة بتوافر القصد الجنائي العام من علم وإرادة حيث يكفي أن يقصد الناخب في الجريمة أن يتحصل على الفائدة المقدمة في مقابل القيام بالتصويت أو الامتناع عن التصويت، فليس من اللازم إذن وفق هذا الاتجاه الفقهي أن تنصرف إرادة الناخب إلى القيام بالعمل المطلوب فالجريمة تقوم حتى ولو لم يكن المتهم ناوياً أو عازماً القيام بالعمل المطلوب على النحو السابق بيانه.

وبناء عليه فإنه يكفي لوقوع جريمة الرشوة الانتخابية توافر القصد العام من علم وإرادة ولا يلزم توافر قصد جنائي من نوع خاص تتجه فيه إرادة الناخب المرتشي إلى تحقيق نتيجة معينة ذلك لأن الرشوة من جرائم الخطر أي أنها من جرائم النشاط ومعنى هذا أنه يكفي أن يطلب الناخب فائدة مقابل القيام بالتصويت أو الامتناع عن التصويت لمصلحة مرشح معين، أو أن يقوم شخص ما مرشحاً كان أو وكيلاً عنه بإعطاء أو بعرض أو بالتعهد بإعطاء ناخب فائدة لنفسه أو لغيره ليحمله على التصويت على وجه معين أو الامتناع عن التصويت ومن ثم فلا يلزم لوقوع تلك الجريمة تحقق نتيجة معينة.
وقد أيدت هذا الاتجاه واعتنقته محكمة النقض المصرية فيما يتعلق بجريمة الرشوة الوظيفية (23).

ولعل هذا الرأي هو الراجح الذي نميل إليه ذلك أن هناك مظاهر عديدة تبرهن على أن جريمة الرشوة جريمة خطر ولا يشترط لقيامها سوى توافر القصد العام ومن هذه المظاهر ما يلي:
1- تقع الجريمة بمجرد الطلب أو القبول من الناخب ولا يلزم أن يؤدي الناخب العمل المطلوب حسبما ذكرنا أنفاً.
2- لا يشترط أن يقوم الناخب بالعمل المطلوب بل يكفي ليقام الجريمة حمله مقابل الفائدة على التصويت على وجه معين أو الامتناع عن التصويت.
3- لا يلزم أن يكون الناخب ناوياً أداء ما طلبه الراشي منه فتقع الجريمة حتى ولو كان الناخب المرتشي عازماً عدم القيام بهذا العمل وقد استقرت أحكام النقض على ذلك أيضاً في نطاق الرشوة الوظيفية إذ قضت بأن (القانون جعل من مجرد طلب الرشوة من الموظف جريمة تامة) (24).
4- تقع جريمة الرشوة حتى ولو لم يتسلم الناخب المرتشي الفائدة التي اتفق عليها.
5- يستوي في جريمة الرشوة الانتخابية أن يطلب الناخب أو يقبل فائدة لنفسه أو لغيره فالرشوة الانتخابية تكتمل أركانها حتى ولو لم يستفد الناخب شيئاً لنفسه فيكفي أن ينصرف قصده إلى مساعده غيره في العبث بنتيجة العملية الانتخابية حتى يعتبر فاعلاً أصلياً في الجريمة وليس شريكاً فيها.
6- يستوي في جريمة الرشوة الانتخابية أن تكون الفائدة مادية أو معنوية.


ضرورة التعاصر بين القصد الجنائي والنشاط المؤثم في جريمة الرشوة الانتخابية
من المتعين لوقوع جريمة الرشوة أن يكون القصد الجنائي معاصراً للنشاط أي معاصراً للطلب أو القبول الصادر من الناخب. فإذا أخذ الناخب هدية معتقداً أنها على سبيل المجاملة ثم ظهر أن لصاحبها غرضاً آخر من تقديمها وهو حمله للتصويت على وجه معين أو الامتناع عن التصويت فإن جريمة الرشوة الانتخابية لا تقوم لما شابها من انتفاء القصد الجنائي لدى الناخب.
بيد أن خلافاً أثير حول تحقق الجريمة إذا ما ظل الناخب محتفظاً بتلك الهدية بعد علمه بقصد الراشي.
فذهب رأي إلى عدم تحقيق جريمة الرشوة الانتخابية في هذه الحالة على سند من عدم تعاصر القصد الجنائي مع النشاط *(25).
في حين ذهب رأي آخر إلى قيام جريمة الرشوة في هذا الغرض (26).
ونعتقد في وجاهة الرأي الثاني إذ أن احتفاظ الشخص بالهدية رغم علمه بقصد الراشي السيئ وإصراره على عدم ردها عليه يعد بمثابة قرينة على سوء نيته ونرى أن ذلك رهن بحالة تلك الهدية وقت وقوف الناخب على القصد السيئ للراشي فإن كانت قد هلكت قبل علمه فلا عليه، أما إن كانت مازالت بحالتها ولم يردها كان ذلك بمثابة قرينة على سوء نيته وإلا كيف يمكن تفسير تمسكه بهدية ملوثة بريبة الرشوة إذاً؟


عقوبة الرشوة الانتخابية
يعاقب المشرع المصري بموجب المادة 41 مرتكب جريمة الرشوة الانتخابية بالحبس لمدة لا تزيد عن سنة وبغرامة لا تجاوز مائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين وفي المقابل يعاقب مرتكب هذه الجريمة بحسب قانون الانتخاب الفرنسي بالحبس لمدة سنتين وبغرامة مقدارها مائة ألف فرنك.
ونرى وجوب تغليظ العقوبة على جرائم الرشوة الانتخابية ليكون الحبس فيها وجوبياً لما تشكله من مساس بشفافية الحياة السياسية وتأثير على إرادة الناخبين خاصة الذين يعانون ضيق الحال أو البطالة أو الجهل وهم كثرُ في مجتمعات الدول النامية.
وحسناً فعل الشارع الانتخابي المصري إذ نص في الفقرة الخامسة من المادة الثانية من الباب الأول المتعلقة بالحقوق السياسية ومباشرتها في قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية على حرمان كل من يحكم عليه بالحبس في الجرائم الانتخابية المنصوص عليها في المواد 40، 41، 42، 43، 44، 45، 46، 47، 48، 49 من مباشرة حقوقه السياسية وبموجب هذا النص يحرم المرشح أو الناخب الذي يحكم عليه بالحبس لما ارتكبه من رشوة انتخابية من مباشرة حقوقه السياسية.
وإن كنا نرى وجوب تعديل ذلك ليصير الحرمان في حالة صدور حكم نهائي بالإدانة بالرشوة الانتخابية حتى لو حكم على مقترفها بالغرامة دون الحبس إذ أن الحبس في تلك الجرائم جوازي على نحو ما ورد بالنص العقابي.

وقد سجل الفقه ملاحظتين على سياسية الشارع المصري في تجريمه للرشوة الانتخابية بالمقارنة بنظيره الفرنسي نميل إليهما ونستعرضهما فيما يلي:
أولاً: خلو قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية المصري من بعض الأحكام الخاصة بحرية الناخبين في التصويت الواردة في قانون الانتخاب الفرنسي وأهمها ما يتعلق بالرشوة الانتخابية الجماعية حيث يكثر سعى بعض المرشحين إلى التأثير على الجماعات الانتخابية أو التجمعات السكانية أو إحداث الشقاق بينهم وذلك عن طريق تقديم الهبات أو التبرعات أو الفوائد الإدارية إذ تبدو حاجة التشريع الانتخابي المصري لمثل هذا النص التجريمي وخاصة في ظل التجمعات العمالية والقبلية والتي تعاني الفقر في بعض الأحيان مما يسهل الضغط عليها والتأثير على حرية أفرادها في التصويت بتقديم الوعود بمزايا وظيفية أو خدمية أو عطايا أو هبات مادية لها وخاصة إذا كان المرشح ينتمي للحزب الحاكم أو يحتل أحد المناصب العليا.
ولقد فطن المشرع الفرنسي لمدى تأثير هذه الضغوط على جماعات الناخبين البسطاء من بطش وسطوة المرشح وحاجتهم الدائمة لإصلاح أحوالهم المعيشية واعتقادهم أن هذا المرشح الذي يشغل المنصب الوظيفي قادر على تنفيذ ما وعدهم به من أجل أن يحصل على أصواتهم (27) فعمد إلى تجريم الرشوة الجماعية بالمادة L.108 من قانون الانتخاب والتي تقرر بها (عقاب كل من يستهدف التأثير على تصويت جماعة انتخابية أو إحداث الشقاق بين أعضائها وذلك بتقديم أية هبات أو تبرعات أو وعود بتبرعات أو فوائد إدارية وذلك سواء لمنطقة ما أو لمجتمع أياً كان من المواطنين وذلك بالحبس لمدة سنتين وغرامة مائة ألف فرنك.

ثانياً: ينص المشرع المصري صراحة على عقاب الأفعال الواردة بالمادة 41 من قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية بنفس العقوبات المنصوص عليها بالمادة السابقة وهي المادة 40 من نفس القانون والتي تتعلق بالقيد غير المشروع وهذا ما لا يمكن استساغته إذ تستلزم الصياغة الواضحة للنص الجزائي ضرورة أن يتضمن هذا النص تحديداً للفعل المخالف والجزاء المقرر له على نحو صريح وقاطع، وخاصة وأن العقوبات المقررة بالمادة 40 تخص القيد غير المشروع، وهو أمر يختلف تماماً عما تقرره المادة 41 بشأن التأثير على حرية الناخبين في التصويت ولم يكن يقتضي الأمر من المشرع سوى أن يذكر صراحة العقوبات في المادة 41 وهذا ما قد يجنبه إعادة النظر في هذه المادة إذ استلزم الأمر مستقبلاً تعديل العقوبات المقررة بالمادة 40 مع الرغبة في الإبقاء على نفس هذه العقوبات بالمادة 41 وهكذا تستقل كل مادة بأفعالها وعقوباتها حتى ولو تساوت العقوبات بشأنهما وهذا هو نفس النهج الذي اتبعه المشرع الفرنسي حتى ضمن نطاق جرائم التأثير على حرية الناخبين في التصويت حيث كان ينص صراحة على العقوبات المقررة لكل من الأفعال الواردة بالمواد من L.106 إلى L.108 في كل مادة على حدة رغم تساوي العقوبات والمتمثلة في الحبس لمدة سنتين وغرامة مائة ألف فرنك (28).



قائمة المراجــع
1) د. حسام الدين محمد أحمد: الحماية الجنائية للمبادئ الحاكمة للانتخاب السياسي، دار النهضة العربية، الطبعة الثانية، سنة 2003، ص166.
2) د. مصطفى محمود عفيفي: المسئولية الجنائية عن الجرائم الانتخابية، دار النهضة العربية، ص356.
3) د. فيصل عبد الله الكندري: أحكام الجرائم الانتخابية، مجلس النشر العلمي، جامعة الكويت، طبعة سنة 2000، ص150.
4) د. فيصل عبد الله الكندري: المرجع السابق، ص151.
5) د. حسام الدين محمد أحمد: المرجع السابق، ص 168.
6) د. حسام الدين محمد أحمد: المرجع السابق صفحة 169.
7)
Art L.106 code Electoral
8) معدلة بالقانون رقم 188 – 1262 الصادر في 30 ديسمبر 1988.
9) د. أمين مصطفى محمد: الجرائم الانتخابية ومدى خصوصية دور القضاء في مواجهة الغش الانتخابي، دار الجامعة الجديدة للنشر، طبعة 2000، ص72.
10) معدلة بالقانون رقم 90 – 55 الصادر في يناير 1990.
11) معدلة بالقانون رقم 88-1262 الصادر في 30 ديسمبر 1988.
12) د. عبد العظيم وزير: الشروط المفترض في الجريمة، سنة 1983، صفحة 76.
13) د / فيصل الكندري: المرجع السابق، ص161.
14) د. أمال عثمان: شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، طبعة 1989، ص60.
15) نقض 6 نوفمبر 1967، مجموعة أحكام النقص س18، ص1087.
16) د. أمال عثمان: المرجع السابق، ص63.
17) د. فيصل الكندري: المرجع السابق، ص77.
18) د. حسام الدين محمد: المرجع السابق، ص175.
19) الطعن رقم 2004 لسنة 38 ق جلسة 6/1/1969.
20) د. أمال عثمان: المرجع السابق، ص610.
21) المستشار: مصطفى هرجة: التعليق على قانون العقوبات في ضوء الفقه والفقهاء، الطبعة الثانية، 1992، ص459.
22) د. حسام الدين محمد أحمد: المرجع السابق، ص178، 179.
23) الطعن رقم 517 لسنة 41 قضائية، جلسة 20/6/1971.
24) الطعن رقم 1905 لسنة 37 ق جلسة 6/11/1967.
25) د. فيصل الكندري: المرجع السابق، ص206.
26) د. محمود نجيب حسني: شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، دار النهضة الغريبة، سنة 1986، صفحة 47.
27) د. أمين مصطفى محمد: المرجع السابق، ص76.
28) د. أمين مصطفى محمد: الجرائم الانتخابية، ص7 </B></I>