منبع الضبط في المياه الساحلية المحايدة:
وهذه من أقدم قواعد القانون الدولي مبناها أن المياه الساحلية هي جزء من الدولة المحايدة لا يجوز ارتكاب عمل عدائي فيها، والضبط عمل عدائي، وقد كرست هذه القاعدة في المادة الأولى من اتفاق لاهاي الثالث عشر ويحدد عرض المياه الساحلية بثلاثة أميال بحرية.
ويشترط أن تكون الباخرة المعادية دخلت المياه الساحلية في رحلة عادية فإن ارتكبت عملاً عدائيًا في المياه الساحلية المحايدة جاز ضبطها كما حصل بالنسبة للباخرة Altmark في 14 فبراير سنة 1940 التي كانت تحمل أسرى من البريطانيين وطاردتها باخرة إنجليزية فلجأت إلى مياه النرويج ورغم ذلك ضبطتها الباخرة الإنجليزية وحكم بمصادرتها لأنها استعملت المياه المحايدة لعمل عدائي هو إنزال الأسرى الإنجليز.
وحماية المياه الساحلية مقررة للدولة المحايدة رعاية لسلطانها على سواحلها فلها وحدها حق الاعتراض وطلب الإفراج وليس للعدو هذا الحق لأن الضبط صحيح بالنسبة إليه، وهذا هو الرأي الإنجليزي أما في فرنسا وألمانيا فالحماية مطلقة للعدو ولو لم تتدخل الدولة المحايدة.
ومن دقائق القانون الدولي بهذا الخصوص أنه إذا تعذر الإفراج وجب دفع قيمة السفينة المضبوطة إلى الدولة المحايدة وهي تردها من قبلها إلى مالكها، أما إذا هلكت السفينة كأن غرقت وحدها أو بفعل العدو قبل ردها فلا تعويض عنها للدولة المحايدة لأن الرد واجب والتعويض غير واجب.

(3)
المهربات الحربية

إن بحث المهربات الحربية يرتبط ببحث أحكام الحياد لأن المهربات هي في الأصل أموال المحايدين فإن كانت مملوكة لعدو جاز ضبطها باعتبارها مالاً معاديًا بصرف النظر عن صفتها مهربات حربية.
والحياد هي حالة الدولة التي لا تدخل في حرب وتعامل الطرفين المتحاربين معاملة واحدة.
وحقوق المحايدين ليست ثابتة على حالة واحدة في كل حرب بل تتغير تبعًا لنسبة قوة المحايدين للمحاربين إذ يجب على المحايدين تأييد حقوقهم بالقوة أو يفقدونها، والمحاربون الأقوياء يضيقون باستمرار من نطاق الحياد مراعاة لمصالحهم الحربية.
وفي العصور الوسطى حين كانت الحروب تثار لأسباب دينية ولأسباب يعتبر بعضها مشروعًا أو غير مشروع كان رجال الدين في إسبانيا يفرقون بين حقوق المحايدين في الحروب المشروعة Juste وفي الحروب غير المشروعة، وبعد نشوء فكرة سيادة الدولة انعدمت هذه التفرقة وتوحدت أحكام الحيدة في كل الحروب.
فلما انتهت حرب سنة 1914 بإنشاء عصبة الأمم التي حرمت الحروب العدوانية وأوجبت على أعضاء جمعية الأمم مقاومة المعتدي أصبحت بعض الحروب بحكم عهدة عصبة الأمم مباحة Licite وبعضها غير مباح فأصبحت الحيدة مشربة بروح التعاون مع المحارب المدافع وبروح المقاومة ضد المحارب المعتدي، فلم تكن الحيدة إذن حالة ثابتة.
وفي الحرب العالمية الثانية ضعفت حالة الحياد وضاقت حقوق المحايدين لعظم قوة الحلفاء واشتراك عدد كبير منهم ضد الألمان وحلفائهم فخضع المحايدون لقيود ما كانوا يخضعون لها من قبل فقيدت وارداتهم وأجبروا على تموين الحلفاء وحدهم وعلى العموم نظمت التجارة الدولية على المنوال الذي فرضه الحلفاء.
وكانت الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر أكبر الدول المحايدة لعدم تدخلها في الحروب الأوروبية فكانت زعيمة المحايدين المطالبة بحقوقهم، وكانت تحمي حقوق المحايدين بشدة في أول الحربين العالميين وهي محايدة ثم انقلبت ضد هذه الحقوق بعينها بعد أن دخلت في الحرب.
ولما كانت حالة الحياد تتعلق في هذا الخصوص بالتجارة البحرية فيمكن تلخيصها في كلمتي (حرية البحار).
ومعنى عبارة حرية البحار ترك طرقها الواسعة حرة لتجارة المحايدين فيما بينهم ومع المحاربين.
ولحماية هذا الحق ذهبت الدول الكبرى إلى حد تحديد القوى البحرية لكل منها في مؤتمرات تحديد السلاح البحري كما حصل في مؤتمر واشنطن في سنة 1922 وما تلاها من مؤتمرات في جنيف.
ومهما يكن العرف الدولي والمعاهدات والقوانين الأهلية فالحياد حالة غير ثابتة تتأثر وتختلف في كل حرب عن التي تليها.
ولم تكن حالة الحياد معروفة في اليونان القديمة كحالة ثابتة فمن لا يتدخل في حرب لا يعد على الحياد فإن شاء ساعد أحد المحاربين على الآخر.
وفي تاريخ الرومان إنكار تام لحالة الحياد فهم يعتبرون باقي الأمم إما معهم أو عليهم.
ولم تنبثق فكرة الحياد إلا في العصور الوسطى مع تقدم التجارة البحرية فكان المحارب يمنع التجارة من عدوه وفي ذلك إضعاف لقوة العدو ثم يقوم هو بهذه التجارة مع عدوه ليستفيد منها لبلده.
وكان المحايدون يقاومون ذلك بالقوة، ونتج عن ذلك تفاهم على أن التجارة التي لا تؤثر في الحرب تعتبر جائزة والتي تؤثر في الحرب تمنع وتعتبر مهربات حربية.
وعلى هذه القاعدة كانت علاقة البضائع بالمراكب مقررة بأن المركب المحايد ينقل أموال الأعداء التي لا تعد مهربات حربية ومراكب الأعداء تنقل أموال المحايدين التي لا تعد مهربات حربية.
وفي هذه الأحوال تجوز مصادرة أموال الأعداء على مراكب المحايدين ولا تجوز مصادرة مراكب المحايدين لهذا السبب، ويجوز مصادرة مراكب الأعداء دون أموال المحايدين التي تحملها.
كان هذا حكم نظام قنصلاتو البحر Consulat de la mer المعمول به حتى تصريح باريس سنة 1856.
وفي القرن السادس عشر قويت الدول وحدت من هذه الحقوق فأصدرت فرنسا قوانين قلبت هذه القواعد إذ رجعت إلى فكرة قديمة هي فكرة العدوى المعادية Infection hostile.
فاعتبرت البضائع المعادية تعدي المراكب المحايدة واعتبرت المركب المعادية تعدي البضائع المحايدة فأصبحت أموال المحايدين على مركب الأعداء تصادر ومراكب المحايدين التي تحمل أموال الأعداء تصادر.
وقابل الدول هذه القوانين بمثلها فتأثرت التجارة الدولية وصار المحايدون يتدخلون في الحروب لمصلحتهم وعقدوا مؤتمرات لهذا الغرض في سنة 1691 - 1693، وفي سنة 1800.
وكان الدول أحيانًا تخفف قيودها إذا احتاجت للمحايدين وتشددها إذا استغنت عنهم.
ولم تكن هذه التنظيمات مبنية على قواعد من العدل بل على فائدتها للدول المحاربة - فإنجلترا مثلاً لعظم أسطولها التجاري والبحري كانت تؤيد قواعد قنصلاتو البحر لأن مراكبها تحمل متاجرها ولا تخشى الاعتداء عليها.
وأخيرًا جاءت معاهدة Utreclit في سنة 1713 - 1715 في صالح المحايدين إذ قررت قاعدة بسيطة وهي أن البضائع تتبع المركب، فالبضائع التي على مركب محايد تعتبر محايدة والتي على مركب معادية تعتبر معادية، فنشطت تجارة المحايدين إذ ليس على صاحب المركب أن يبحث عن صفة صاحب البضاعة وأصبحت كل مركب محايد غير معرضة للتفتيش والضبط.
وما زالت الحال رغم ذلك بين جذب ورد إلى ما بعد انتهاء حرب القرم في منتصف القرن التاسع عشر حين عملت معاهدة باريس في 16 إبريل سنة 1856 التي وقعتها أو انضمت إليها كل الدول، والتي تقرر فيها إبطال القرصنة وحمالة الراية المحايدة لأموال الأعداء وحماية أموال المحايدين حتى على مراكب العدو ما عدا المهربات الحربية في كلتا الحالتين.
فأصبحت المركب المحايدة تحمي أموال العدو وأصبحت أموال المحايدين محمية على مراكب العدو، وبذلك تمت حماية تجارة المحايدين بواخرًا وبضائعًا لا قيد عليها إلا في حالتين حالة الحصر البحري وحالة المهربات الحربية، فالحصر البحري هو تحديد جغرافي ضيق تمنع فيه التجارة عمومًا.

الأساس القانون لأحكام المهربات

بينما كانت أحكام المهربات تتغير تارة بالتشديد وتارة بالتخفيف كان ذلك يفسر أو يبني نظريًا على الصيغة القانونية التي تصطبغ بها عملية التهريب هل هي عمل تجاري مباح أو هي جنحة في حق المحاربين ؟
فالتشديد يبني على أنها جريمة في حق المحاربين، والتخفيف يبني على أنها عملية مباحة وأكبر أنصار فكرة الجنحة الأستاذ Kleen في كتابين عن أحكام الحياد (1898)، وعن المهربات (1893).
ويقوم هذا البحث على بحث الصيغة القانونية لحالة الحياد هل هي حالة ترتبط بها الدول فقط أم يرتبط بها رعايا الدول المحايدة أيضًا.
ولا شك أن الحياد هو علاقة بين الدول المتحاربة وغير المحاربة، فالدولة المحايدة تلتزم واجبات نحو المحاربين فتعاملهم على قدم المساواة وتمتنع عن مساعدة أحدهم أو تسهيل أي إجراء لهم يكون من شأنه معاونتهم في المجهود الحربي.
أما أفراد رعايا الدول المحايدة فليس لهم صفة الحياد، إنما هم يخضعون لما تفرضه حكوماتهم عليهم من قيود وتعاقبهم على مخالفاتها.
والدول المحاربة لا تفرض واجبات على رعايا غيرها من الدول، لذلك ترتبط الدول دون الأفراد بحالة الحياد.
فلأفراد رعايا الدول المحايدة حق التعامل مع المحاربين، ويقابل المحاربون هذا الحق بجزاء من قبلهم، فمن اشترك من المحايدين في أعمال حربية أخذ حكم المحارب تمامًا، ومن اشترك في أعمال تجارية فجزاؤه مصادرة أمواله فقط دون توقيع أي عقاب على نفسه، ودون المساس بحياد دولته ودون ترتيب مسؤولية عليها وليس لدولته أن تتدخل لحماية رعاياها الذين يخالفون قواعد الحرب وأحكام الحياد ما دام الجزاء الذي توقعه الدولة المحاربة هو الجزاء المقرر في القانون الدولي، وهو لا يتعدى مصادرة المهربات.
وفي المؤتمر الذي عقده معهد القانون الدولي في باريس في سنة 1894 دافع الأستاذ (كلين) عن نظريته لكن أعضاء المؤتمر ما عدا الأستاذ الإيطالي (بروشا) رفضوها بالإجماع، ثم جاء مؤتمر لاهاي الثاني في سنة 1907 ومؤتمر لوندرة في سنة 1909 فأيدا نظرية أن التهريب عملية تجارية ويترتب على ذلك أن حق المحارب يكون ضد صاحب المركب وصاحب البضاعة فقط وأن هذا لا يسأل إلا إذا كان عالمًا بقيام حالة الحرب، وهذا الشرط الأخير كان مهمًا وقتئذٍ لكن ضعفت أهميته بعد اختراع اللاسلكي.
ويشترط أيضًا أن يقع الضبط على البضاعة المهربة فإن تم التهريب فلا جزاء على المهرب بمعنى أن الباخرة التي حملت مهربات وسلمتها لا تضبط في عودتها.

المهربات الحربية

نظام المهربات الحربية هو نظام وسط بين حق المحايدين في المتاجرة مع المحاربين وبين حق المحاربين في منع كل ما يقوي المجهود الحربي لدى أعدائهم.
وتاريخ المهربات الحربية طويل ثم ليس له أهمية عملية الآن إلا من حيث تقرير قواعده.
وهذه كانت في القرنين السابع عشر والثامن عشر تحدد باتفاقات بين الدول، وفي القرن التاسع عشر أصبح المحاربون يحددون أنواع المهربات بإعلانات من طرفهم فكانوا يتحكمون في تجارة المحايدين، وهؤلاء يلجأون للاحتجاجات السياسية والضغط السياسي من قبل دولهم.
وفي مستقل القرن العشرين رئي الاتفاق على أحكام المهربات الحربية في مؤتمر لاهاي الثاني في سنة 1907 التي نظمت فيه قواعد الحرب البحرية واتفق فيه على إنشاء محكمة غنائم دولية فكان من اللازم الاتفاق على القواعد التي تحكم بمقتضاها، ولذا عقد مؤتمر لوندرة في ديسمبر سنة 1908 وانتهى بتصريح لوندرة في 26 فبراير سنة 1909 الذي حوى قواعد الغنائم في 71 مادة، وقسم المهربات الحربية إلى ثلاث أنواع:
1 - المهربات المطلقة.
2 - المهربات النسبية.
3 - الكشف الحر La liste libre
وهو يحوي البضائع التي لا يجوز اعتبارها مهربات.
فالمهربات المطلقة (م 22) هي الذخائر والأسلحة وما يدخل في صناعتها وملابس العساكر وأدوات الحرب.
والمهربات النسبية (م 24) هي ما يجوز استعماله للمحاربين وللمدنيين مثل الأغذية والملابس والجلود والوقود والمعادن والنقود.
أما الكشف الحر فكان يحوي القطن الخام والكاوتشوك والمعادن وخامات الصناعة والصيني وأدوات الزينة.
ويكفي أن بعض ما ورد في الكشف يعتبر الآن من المهربات المطلقة كالقطن والكاوتشوك لدخولها في الصناعات والأدوات الحربية.
وبنى هذا التقسيم على نظم الحرب القديمة التي تفرق بين القوات المحاربة وبين المدنيين، ولكن الحربين العالميتين الأخيرتين قد قبلتا نظام الحروب وجعلتها حروبًا لا بين جيوش وأساطيل بل بين جميع أفراد الأمم المتحاربة فهي حرب جماعية تجند فيها سائر قوي المدنيين لخدمة المجهود الحربي لذلك لم يحتمل تقسيم المهربات إلى مطلقة ونسبية تجربة الحرب العالمية الأولى فعدل عنه إذ كل ما يلزم للمدنيين أصبح يساد على تقوية المجهود الحربي.
أركان التهريب:
يقوم التهريب على ركنين:
1 - محل التهريب Objet.
وهو البضائع التي من شأنها المعاونة على تقوية المجهود الحربي.
2 - الوجهة Destination
وهي أن تكون موجهة إلى بلاد العدو وتسمى الوجهة المعادية.
( أ ) المهربات:
كانت تنقسم إلى قسمين:
1 - مطلقة Absolu
وتشمل الأسلحة والذخائر وكل ما يستعمل خصيصًا للحرب والمحاربين.
2 - النسبية Conditionnnelle ou Relative
وتشمل كل ما يمكن أن يستعمل للحرب وللمحاربين أو للمدنيين كالملابس والأغذية والوقود وأدوات النقل والمعادن والخامات والنقود والأوراق المالية.
وقد حصرت في تصريح لوندرة في 13 صنفًا (م 24).
1 - الأغذية.
2 - العلف.
3 - الملابس.
4 - الذهب والفضة والأوراق المالية.
5 - أدوات النقل.
6 - المراكب وأجزاؤها.
7 - أدوات المواصلات البرية والسلكية.
8 - أدوات الطيران.
9 - البارود والمفرقعات غير الخاصة بالحرب.
10 - الأسلاك الشائكة.
11 - أدوات ركوب الخيل.
12 - النظارات والساعات والآلات البحرية.
13 - غير ذلك مما يستعمل للمدنيين أو للمحاربين بشرط الإعلان عنه من قبل كل دولة.
(ب) الوجهة المعادية:
يكفي بالنسبة للمهربات المطلقة أن يكون موجهة لبلاد العدو، ويلزم بالنسبة للمهربات النسبية أن تكون موجهة للقوات المحاربة أو للدولة المحاربة لا لاستهلاك المدنيين فيها.
ولصعوبة تحقيق وجهة الاستعمال في المهربات النسبية كان بحثها مثار نقاش واسع لاختلاف مصالح الدول الكبرى بشأنها، وهذا النقاش يلقي ضوءًا كبيرًا على الأسباب التي تحمل كل دولة على اعتبار أي صنف منها مهربات فالأغذية مثلاً ما كانت إنجلترا تريد اعتبارها مهربات لحاجتها إليها - وفرنسا كانت تعتبرها مهربات لعدم حاجتها إليها لاستغنائها بحاصلاتها الزراعية، وما كانت قبل مؤتمر لندرة تعتبر مهربات إلا في الأحوال التي يحتاج إليها العدو.
وتاريخ المهربات مشحون بمثل هذه المناقضات التي كانت تقتضيها ضرورة الحرب ففي أثناء حرب فرنسا مع الصين في سنة 1865 اعتبرت فرنسا الأرز المرسل إلى الصين مهربات لأنه غذاؤهم، وكانت إنجلترا لا تعتبر الفحم مهربات لأنها تصدره فلما تحاربت مع فرنسا واعتبرت فرنسا الأغذية مهربات لتمنعها عن إنجلترا اعتبرت انجلترا الفحم المرسل إلى فرنسا مهربات.
وعلى كل حال فنظام المهربات في تصريح لندرة بني على التفرقة بين المحاربين وبين المدنيين فلم يحتمل تجربة الحرب العالمية الأولى التي تغيرت فيها نظم الحرب بالاختراعات الحديثة وبتولي الحكومات نظام التموين للشعب وتجنيد المدنيين لمساعدة المجهود الحربي فأصبحت الحرب الحديثة جماعية totalitariau وصارت جميع المهربات النسبية مهربات مطلقة كما أن كثيرًا من الأشياء التي وردت في الكشف الحر أصبحت لازمة للحرب مثل القطن والكاوتشوك فأصبحت المهربات تشمل كل ما تستورده الأمم المحاربة.
وعبر عن ذلك أحسن تعبير H. A. Smith الأستاذ بجامعة لوندرة بقوله (إن الدولة المحاربة هي التي تحدد وارداتها إذ تمنع الكماليات ولا تستورد إلا ما يلزم لبقاء الشعب واستمرار المجهود الحربي فكل ما تبيح استيراده يكون بالنسبة لعدوها مهربات حربية).
فزالت بذلك عن المهربات أحكام تصريح لوندرة ولذلك عدلت الدول عن بعض أحكامه من أول الحرب ثم عدلت عنه كلية في 16/ 7/ 1916 وأصبحت تسير في المهربات على قاعدة واحدة هي أن كل ما يقوي المجهود الحربي يعتبر مهربات ولو أن تقسيمها إلى مطلقة ونسبية بقي نظريًا حتى الحرب العالمية الثانية إلا أنه كان غير مطبق عملاً.
وكذلك توسعت المحاكم فاعتبرت أن تولي الحكومات تنظيم التموين واستيلائها على جميع الواردات لهذا النص يجعل كل المهربات النسبية في حكم المهربات المطلقة لأنها مرسلة للدولة (المحكمة البريطانية في قضية الباخرة Alwaki في سنة 1940 والمجلس الخاص في قضية الباخرة Montes Contes في سنة 1943).
وقد اتبع مجلس الغنائم في مصر هذه القاعدة فاعتبر كل سلعة تساعد على تقوية المجهود الحربي مهربات واعتبر الأغذية والملابس كلها مهربات لسبب تجنيد العدو لسائر قوى المدنيين ولسبب توليه التموين لسائر الأفراد، ففي نهاية الحرب العالمية الأولى بلغ عدد أنواع المهربات المطلقة والنسبية التي أعلنتها إنجلترا 248 نوعًا، كما تقرر أن المهربات النسبية تعامل معاملة المطلقة ما دامت الحكومة تراقب وتنظم التموين وتجند سائر القوى المدنية للمجهود الحربي.
وفي الحرب العالمية الثانية أعلنت إنجلترا في 4 سبتمبر أن المهربات الحربية المطلقة تشمل 4 أنواع هي:
1 - الأسلحة والذخائر والمواد الكيميائية التي تستعمل في الحرب أو في الصناعات الحربية.
2 - كل أنواع الوقود وكل أدوات المواصلات البحرية والبرية والجوية.
3 - طرق المواصلات وأدواتها بما فيها الخرط والورق والنقود والمعادن والأوراق المالية.
والمهربات النسبية هي الأغذية والعلف والملابس، وهذا الكشف على صغره حوى كل شيء إذ يدخل في كل صنف كل المواد الأولية والآلات التي تستخدم في صنعه أو إنتاجه.
وقد اتبعت فرنسا هذا الكشف بإعلانها في 4 سبتمبر سنة 1939 وتبعته ألمانيا وإيطاليا.
وقد توسعت المحاكم في تفسيره فكل ما يشتبه في احتمال استعماله للحرب أو في تقوية المجهود الحربي ولو كان أصلاً لاستعمال المدنيين يصادر فصودرت شحنة من السردين المملح ولو أن هذا الصنف لا يعطى أبدًا للمحاربين وقالت المحكمة في ذلك إن استعماله للمدنيين يوفر غذاء بقدر قيمته غذاء للمحاربين (المجلس الخاص في قضية الباخرة Hakan في سنة 1918).

تحديد الوجهة المعادية

من السهل على المحاربين إخفاء الوجهة المعادية بقطع السفرة على مرحلتين الأولى إلى بلد محايد ثم منها إلى بلاد العدو، لكن المحاربين لم يقبلوا ذلك وعدوا الرحلة متصلة ما دام يثبت لديهم أن البضاعة موجهة في النهاية إلى بلاد العدو حتى لو كانت الرحلة تتم بالبر كما حصل في قضية الباخرة Doelwyck الهولندية التي كانت محملة ذخائر إلى ميناء جيبوتي الفرنسية لترسل منها إلى الحبشة أثناء الحرب الإيطالية الحبشية في سنة 1896.
ومن تطبيقات نظرية الرحلة المتصلة في الحربين الماضيين ما لاحظه الحلفاء من ازدياد واردات الدول الصغيرة المجاورة لألمانيا نحو عشرة أَعافها عما كانت عليه قبل الحرب فلجأوا إلى الإحصائيات لإثبات أن كل زيادة عن وارداتها قبل الحرب تعتبر موجهة إلى بلاد العدو، ومن أمثلة ذلك أن واردات الدانيمارك في سنة 1913 بلغت 178 مليون من الكرون فزادت في 1914 إلى 300 مليون، وفي سنة 1915 إلى 487 مليونًا وفي سنة 1916 إلى 600 مليون بينما نقصت صادراتها إلى إنجلترا من 490 مليون في سنة 1913 إلى 381 مليونًا في سنة 1915 و351 مليونًا في سنة 1916.
وكان تصريح لوندرة قد نص في المادة (35) على أن المهربات النسبية لا تضبط إلا إذا كانت موجهة إلى بلاد العدو ولا تضبط إذا كانت موجهة إلى ميناء محايد.
وقد لاحظ الحلفاء من أول حرب سنة 1914 زيادة الواردات إلى البلاد الصغيرة المجاورة لألمانيا فصدر مرسوم ملكي في إنجلترا 20/ 8/ 1914 ودكريتو فرنسي في 25/ 8/ 1914 بجواز ضبط المهربات النسبية المرسلة إلى ميناء محايد إذا كانت موجهة منها إلى بلاد العدو، ثم صدر مرسوم ملكي في إنجلترا وديكربتو فرنسي في 30/ 10/ 1914 باعتبار كل ما يرسل إلى ميناء محايد مهربًا إلى كان مرسلاً لحامل سند الشحن.

عدوى المهربات

قلنا إن الجزاء على التهريب هو مصادرة المهربات، لكن منذ القرن الثاني عشر ابتدعت نظرية عدوى المهربات لتوقيع جزاء شديد على المهربين إذ قررت بعض الدول أن الباخرة المحايدة إذا حملت كمية كبيرة من المهربات تصادر الباخرة أيضًا بحكم الدعوى.
وهذه العدوى هي من آثار فكرة أن التهريب جريمة.
وقد اتفق عليها في مؤتمر لوندرة وجعل معيارها نصف حمولة الباخرة سواء حسب الوزن أو حسب النولون أو حسب القيمة، فالباخرة التي تحمل نصف حمولتها مهربات تصادر - وقد روعي في تقرير المعايير الثلاثة أن لا تتمكن المركب من مفاداة المصادرة إذا استعمل أحدها فقط.
وقد طبق مجلس الغنائم هذه القاعدة في قضية الباخرة Frankisky التي كانت كل حمولتها مهربات ولو أنها أقل من نصف سعة المركب.
ولدى الإنجليز تمتد عدوى المهربات إلى كل بضاعة مملوكة لصاحب البضاعة المهربة على نفس الباخرة بصرف النظر عن نسبة قيمة المهربات إلى غير المهربات - وقد أقر هذه القاعدة تصريح لوندرة في المادة (42).
وقد سبق هذه القاعدة أيضًا مجلس الغنائم في مصر في أحوال كانت فيها البضائع مرسلة إلى بلاد العدو لمالك واحد بعضها مهربات وبعضها لا يعتبر مهربات.

ضرورة العلم بقيام حالة الحرب

إذا بدأت بضائع سفرتها بريئة قبل إعلان حالة الحرب وفاجأتها حالة الحرب وهي في البحر فالقاعدة في ذلك أنها لا تصادر إلا مقابل دفع قيمتها إلا إذا ثبت أنه كان من الممكن إنزالها في ميناء محايد قبل ضبطها، وقد أقر هذه القاعدة تصريح لوندرة في المادة (43).

الحصر البحري التجاري

قلنا إن تصريح باريس وتصريح لوندرة تحمي أموال الأعداء على البواخر المحايدة فكان ذلك وسيلة لحماية التجارة الألمانية الصادرة والواردة.
وأول حيلة قانونية لمفاداة ذلك أن لجأ الحلفاء إلى أن حماية الراية المحايدة تقتصر على أموال الأفراد دون أموال الدولة، وأن البضائع المرسلة إلى بلاد العدو تعتبر كلها ملكًا للدولة إذا تولت الدولة تنظيم التموين ومراقبته كما حكم بذلك من مجلس الغنائم الفرنسي في قضية الباخرة Sibilla في 14 فبراير سنة 1916.
وقابلت ألمانيا هذا التضييق على تجارة المحايدين بإعلان حرب الغواصات فقرر الإنجليز والفرنسيون الحصر البحري التجاري باعتبار جميع صادرات ألمانيا ووارداتها مهربات تضبط وتصادر، ولكن ينظر في دفع قيمتها بعد الحرب بمرسوم ملكي في 11 مارس سنة 1912 وديكريتو فرنسي في 13 مارس سنة 1915.
ومع تحقق سيادة البحار للحلفاء لجأوا إلى تحديد التجارة الدولية صادرات وواردات بحصص تحدد لكل دولة تبني على إحصاءات حالة ما قبل الحرب، وفرض ذلك على المحايدين تارة بالضغط وطورًا بالاقتناع وبالمساعدة في تخفيف قيود الضبط والتفتيش بإعطاء رخص المرور الحرة في البحارة بعد التحقق من مصدر البضاعة ومآلها.

(4)
قضاء الغنائم الحديث

تشكل محاكم الغنائم في بعض الدول من قضاة كما في إنجلترا وأمريكا والبرتغال والبلجيك في الدرجة الاستئنافية أو من قضاة وموظفين أو ضباط بحريين كما في إيطاليا وألمانيا وفرنسا.
وفي جميع البلاد توجد درجتان، محكمة ابتدائية ومحكمة استئنافية، ويراعي في المحكمة الاستئنافية أن يكون أعضاؤها من كبار رجال القضاء والقانون في الدولة، ففي فرنسا ينظر الاستئناف لدى مجلس الدولة بهيئة جمعية عمومية ويصدر قراره بديكريتو من رئيس الجمهورية.
وفي إنجلترا يتولى القضاء الدرجة الابتدائية قاضي واحد على النظام الإنجليزي في أكثر القضايا ويرفع الاستئناف إلى المجلس الخاص Privy Council، ويصدر الحكم بصيغة مرسوم من الملك Order in Council ويرجع سبب ذلك إلى أنها في الحقيقة محاكم دولية تطبق قواعد القانون الدولي وأكثرها غير ثابت إلا من أحكام المحاكم، ثم إن هذه تتكيف دائمًا بظروف الحرب التي تتغير طرقها في العصر الحديث نتيجة للاختراعات الحديثة ولنظم الحرب الجماعية ولتطور نظم التجارة الدولية وأحكام التجارة البحرية - فلكل ذلك ومراعاة لمسؤولية الدولة عن أحكام محاكم الغنائم فإنه يعهد بها إلى أكبر القضاة ورجال القانون في كل دولة لأنها تعتبر محاكم دولية لأنها لا تطبق الشرائع المحلية بل تطبق القانون الدولي.
وبعض الدول سنت تشريعًا كاملاً لأحكام الغنائم مثل إيطاليا.
وفي فرنسا وضعت الحكومة الفرنسية تعليمات مطابقة لأحكام القانون الدولي ليسترشد بها رجال البحرية في ضبط الغنائم وتعدل الحكومة فيها من وقت لآخر فمنها تعليمات سنة 1912 الموافقة لتصريح مؤتمر لوندرة ثم تعليمات سنة 1916 بعد العدول عنه ثم تعليمات سنة 1934.
وهذه التعليمات لا تلزم مجلس الغنائم إنما كثيرًا ما يستند إليها في أحكامه لا باعتبارها تشريعًا واجب الاتباع بل باعتبارها تنص على قاعدة دولية مسلم بها.
أما في إنجلترا فباعتبارها محكمة مفوضة بالحكم طبقًا للقانون الدولي ولعرف الأميرالية فإن المحاكم لا تتقيد إلا بقواعد القانون الدولي ولا تطبق من تعليمات أو مراسيم السلطة التنفيذية إلا إذا كانت في صالح صاحب الغنيمة كما حكم بذلك في قضية الباخرة Zamora في سنة 1916 من قبل المجلس الخاص.
ويدخل في عداد القانون الدولي المعاهدات الدولية وتصريح باريس واتفاقات لاهاي الثاني عشر التي صدقت عليها الدول، أما تصريح لوندرة فلم يتصدق عليه من أحد وعدل عنه بإعلانات من قبل إنجلترا وفرنسا.

مسؤولية الدولة عن أحكام محاكم الغنائم

تعترف الدول مبدئيًا بقوة حكم محاكم الغنائم وأن له حجية الشيء المقضى به باعتباره حكمًا صادرًا من محكمة نظامية تتبع قواعد ثابتة مطردة.
إنما هذه الحجية مقيدة بقيدين الأول أن يكون الحكم وفقًا لقاعدة ثابتة في القانون الدولي، والثاني أن تكون إجراءات الدعوى سليمة لم تمس حق الدفاع وسنشرح ذلك في الكلام على إجراءات الدعوى.
فإن كان الحكم لم يبنَ على قاعدة ثابتة في القانون الدولي فإن صاحب الغنيمة يلجأ لدولته لتطالب بقيمة الغنيمة وعند التنازع إذا لم يتفق الطرفان معًا يلجأ إلى التحكيم لدى محكمين يختارهم الطرفان في كل حالة.
ولا يحدث ذلك إلا بعد انتهاء الحرب، وكثيرًا ما تنص معاهدات الصلح على إقرار أحكام محاكم الغنائم أو على إعادة النظر في بعضها.
وهذا لا يمس طبعًا حق المحايدين في طلب التحكيم، وهو حق معترف به إذا حصل التنازع على صحة أحكام محاكم الغنائم، والأمثلة كثيرة عليه ففي سنة 1794 اتفقت أمريكا وإنجلترا على التحكيم ثم في سنة 1853، وسنة 1871، وفي سنة 1807 اتفقت أمريكا والدنيمارك على التحكيم، وفي سنة 1831 اتفقت أمريكا وفرنسا على التحكيم.
وفي كل حالة حصل فيها تحكيم لم يحكم برد الغنائم بل يدفع تعويض عنها فترك الحكم قائمًا نهائيًا فيما قضى به من مصادرة الغنيمة فبقيت على ملك الغانم.
وفي غير أحوال التحكيم التي هي عمل سياسي غير قضائي يعتبر الحكم نهائيًا ساريًا على الكافة ومرعيًا لدى المحاكم المدنية في جميع الدول فلا يجوز لصاحب باخرة ضبطت وصودرت أن يرفع دعوى بثبوت ملكيته للباخرة بعدئذٍ لدى أية محكمة وقد حكمت بذلك محكمة النقض الفرنسية في 20 مارس سنة 1809 (P & P, II, 188)
ويتم التوفيق بين حجية حكم محاكم الغنائم وبين التحكيم بالقول إن حكم محكمة الغنائم يعتبر نهائيًا بالنسبة للعين in rem لكنه عند التحكيم لا يعتبر نهائيًا in personum بالنسبة لصاحب الغنيمة.
وحدث في الحرب العالمية الأولى أن صادرت محكمة غنائم الصين الباخرة Silesia التابعة لشركة لويد فريستينو ثم أجرتها بعد الحرب إلى حكومة تشيكوسلوفاكيا فلما وصلت إلى تريستا حجز عليها أصحابها وحكمت محكمة تريستا لصالحهم لكن حكومة إيطاليا اعترفت بحجية حكم محكمة غنائم الصين وألزمت شركة لويد فريستينو برد الباخرة وقد أصدر ثلاثة محكمون سويسريون حكمًا في 30/ 6/ 1930 بين البرتغال وبين ألمانيا قالوا فيه:
(إن حكم محكمة الغنائم هو حكم نهائي chose jugée بالنسبة للعين in rem يعتبرًا سندًا ناقلاً للملكية الباخرة والبضاعة).

الإجراءات لدى محاكم الغنائم

تمر الإجراءات لدى محكمة الغنائم بثلاث أدوار، أولها تفتيش السفن ثم الضبط ثم الحكم في صحة الضبط.
فالتفتيش هو من حقوق المحارب ما دام له حق الضبط، والغرض من التفتيش التحقق من صفة الباخرة معادية أو محايدة ومن صفة البضاعة معادية أم مهربات.
ويترتب على ذلك:
أولاً: أن ليس للمحايدين المعارضة في التفتيش ومن يمتنع ويقاوم يعامل معاملة المحارب.
ثانيًا: لا يثبت حق التفتيش إلا للدولة المحاربة دون الثوار.
ثالثًا: أنه يجوز في فترات الهدنة لأن الهدنة يرتبط بها المحاربون دون المحايدين ولأن حالة الحرب واحتمال العودة إليها ما زالت قائمة.
وفي التفتيش تفحص أوراق الباخرة وسندات الشحن فإن رئي بعدئذٍ ضبط الباخرة أو البضاعة تقاد الباخرة إلى الميناء.
ونظرًا إلى عظم حجم البواخر وعظم شحناتها أصبح تفتيشها في عرض البحر مستحيلاً خصوصًا مع مراعاة الغواصات والطائرات والألغام.
لذلك اتبع في الحربين الماضيين تحديد موانئ معينة لإجراء التفتيش فيها مما أدى إلى تحميل شركات الملاحة مصاريف باهظة فضلاً عن ضياع الوقت وقد أدى ذلك إلى احتجاجات المحايدين خصوصًا الولايات المتحدة حتى دخلت الحربين.
وتفاديًا لذلك لجأ الحلفاء في آخر الحربين الماضيين إلى نظام تفتيش السفن في ميناء القيام وإعطاء تصريح مرور إذا كانت السفينة وشحنتها بريئة لديهم.
وإذا ترتب على التفتيش ضبط الباخرة أو البضاعة فتعمل قائمة بما ضبط وتجب المحافظة بعناية على البضاعة المضبوطة كيلا تتلف وليس الغانم مسؤولاً عن هلاكها بغير إهماله ولا يجب عليه التأمين عليها، وهذا لا يمنع صاحبها من التأمين عليها.
وإن كانت البضائع قابلة للتلف يجب بيعها بالمزاد العلني وينتقل الحق فيها إلى ثمنها، ويتم هذا بواسطة موظفين تحت إشراف محكمة الغنائم.
ويترتب على الضبط إجراء تحقيق ابتدائي عن ماهية المضبوطات وملكيتها ومآلها فإن ترتب عليه ثبوت براءتها مما يوجب ضبطها يفرج عنها.
وإن ثبتت شبهة تستوجب مصادرتها يُحال أمرها إلى المحكمة.

إجراءات المحكمة

يجب تقديم جميع الغنائم إلى المحكمة لتصدر حكمها في صحة الضبط أو عدم صحته.
ويجب ذلك حتى لو لم يتقدم أحد بطلب إذ لا غنيمة بغير حكم.
ووظيفة المحكمة تقتصر على بحث صحة الضبط (La legalité de l'acte de saisie) من حيث قيام أسباب تستوجب المصادرة فلا تتدخل المحكمة في مسائل لا تمس صحة الضبط وأسبابه، فليس لها أن تبحث ملكية العين إذا تنازعها شخصان بل تقصر بحثها على موجبات الضبط وهي أسباب الاشتباه في العين، هل هي على ملك عدو ؟ هل هي مهربات ؟ هل خرقت الحصار البحري ؟ هل هي في خدمة العدو ؟ أو أسباب موانع الضبط التي تقدم لها، مثل حماية الراية المحايدة أو غير ذلك من الأسباب.
فإن كان مبنى البحث هل هي مهربات فلا يبحث عن مالكها، وإن كان مبناه أنها مال مملوك لعدو فإن لم يثبت ملكيتها لعدو فلا يبحث فيمن يملكها.
ويجب الحكم في أمرها حتى لو بيعت خشية التلف، أو هلكت أو تنازل عنها صاحبها أو أغرقها الغانم عند الضبط، وهي في ذلك تشبه دعوى إبطال القرارات الإدارية بسبب تجاوز السلطة في إصدارها.
وينبني على ذلك أنه يجوز المطالبة بالإفراج عنها لكل ذي شأن ولو لم يكن مالكها لأنه لا يطالب بها بل يطلب الحكم بعدم صحة الضبط.
كما أن حق المطالبة لا يسقط بمضي المدة فلا يوجد قيد من الزمن ترفع فيه الدعوى، وينتهي الحق فيها بصدور الحكم.
وترفع الدعوى من قبل السلطة التي أجرت الضبط أو من قبل كل ذي شأن في الغنيمة، ولا معارضة في الحكم لأن مبناه ليس نزاعًا بين خصمين بل فصل في صحة عملية الضبط.
وينبني على اعتبار الدعوى نزاعًا في صحة الضبط أن يكون الحكم فيها عامًا يسري على الكافة الذين مثلوا في الدعوى والذين لم يمثلوا فيها.
وأن الاستئناف الذي يرفع من أحدهم يستفيد منه الغير إن صدر الحكم بعدم صحة الضبط.
وينبني عليه أيضًا أن يحكم بعدم صحة الضبط ولم يتقدم طلب بذلك من أحد إذا كان عدم جواز الضبط ظاهرًا من الأوراق.
وينبني على ذلك أيضًا تحديد اختصاص المحكمة فقط بالبحث في أي نزاع آخر سوى مسألة التعويض الناتج عن تجاوز السلطة في إجراء عملية التفتيش والضبط إذا لم يكن هناك ما يبرر هذا التجاوز مثل حجز السفينة مدة طويلة بغير مبرر لتفتيشها ومثل ضبط ما لا يجوز ضبطه إذا لم يكن هناك وجه للاشتباه يستوجب الضبط.
وسبب ذلك أن تقدير أسباب الاشتباه هو تطبيق لأحكام الغنائم فلا يدخل في اختصاص محكمة أخرى، وإن كل إجراء يتعلق بالغنيمة يرد إلى محكمة الغنائم دون غيرها للفصل في صحته.

هل للعدو حق المطالبة لدى المحكمة ؟

كان الرأي السائد حتى آخر القرن التاسع عشر عدم السماح للأعداء بالمطالبة لدى محكمة الغنائم في جميع الدول، لكن ما عقد مؤتمر لاهاي الثاني في سنة 1907 تقررت فيه عدة أحكام خاصة بالغنائم ارتبطت بها الدول وبعضها في صالح المحاربين - ثم جاء مؤتمر لوندرة الذي قرر كل أحكام الغنائم وبعضها في صالح المحاربين فرأت محاكم الغنائم في جميع الدول أن العدو إذا كان يحتمي باتفاق دولي فيجب رعاية حقه ويسمح له بالمطالبة به، ولذلك حكمت المحاكم الإنجليزية ومحاكم سائر الدول بقبوله مدعيًا إذا كان يستند في حقه على اتفاق دولي أو قاعدة مرعية، وعادةً يطلب الأذن بالمطالبة أولاً ويبين فيه القاعدة التي يستند عليها، وعادةً يجاب إلى طلبه.

حق الاستيلاء على المضبوطات

يجوز للدولة الغانمة طبقًا لتشريعاتها الداخلية الاستيلاء على المضبوطات إن كانت تحتاج إليها على وجه الضرورة إلى أن يحكم بمصادرتها فإن أفرج عنها تدفع ثمنها.
ولا بد في إنجلترا من استئذان المحكمة قبل الاستيلاء خشية أن يحصل الضبط لمجرد الاستيلاء ولكيلا يُضار بذلك المحايدون في بواخرهم.

الحجز على الغنيمة

بما أن الغنيمة تجلب أو تضبط رغم إرادة صاحبها فلا يجوز الحجز عليها لدين على صاحبها ذلك لأنه إن حكم بمصادرتها تتملكها الدولة الغانمة مطهرة من كل الحقوق، وإن أفرج عنها يجب تسليمها لصاحبها أولاً كما حكم بذلك من المحاكم البريطانية في قضية الباخرة Orange Nassan في سنة 1921.

قواعد الإثبات لدى محاكم الغنائم

إن ضبط البواخر والبضائع يقوم على الاشتباه في صفتها المعادية وعلى وجهتها إن كانت تعد مهربات، ويجب أن يستند الاشتباه إلى ما يرجحه.
وكانت العادة قديمًا أن تفحص أوراق المركب ويستوجب ضباطها وبحارتها بعد حلف اليمين وتفحص بضائعها وكان هذا سهلاً وممكنًا في عصر المراكب الشراعية ذات الحمولة المحدودة والرحلات المحدودة فكان القبطان وضباطه وبحارته يعرفون كل شيء عن كل شحنة مصدرها ومآلها، ولذلك قيل إن المراكب تصادر من أوراقها، فإن كانت أوراقها تؤيد الاشتباه فلا يقبل عكس ذلك وقد فطنت لذلك شركات الملاحة فصدر في هولندا كتاب عنوانه الأسئلة والأجوبة يبين للبحارة كيف يتفادون الحق ويجيبون زورًا على أسئلة الغانم وفي إحدى الحالات وجد هذا الكتاب على مركب وعلى هوامشه الإجابة محضرة عن شحناتها.
فلهذا وبعد اختراع البخار زادت البواخر وتطورت التجارة البحرية فأصبح القبطان والضباط لا يعلمون شيئًا عن شحنات الباخرة إلا ما ورد في مستندات الشحن وأصبح تحقيق مصدر ومال الشحنات في البحر أمرًا عسيرًا يتطلب تعطيل الباخرة مدة طويلة ومع اختراع التليفون واللاسلكي وتقدم البريد وإمكان مراقبة الأخبار أجازت المحاكم للغانم الاستعانة بأي دليل آخر وفق الأدلة المستقاة من أوراق الباخرة، وفي الوقت نفسه أجيز لصاحب الغنيمة أن يقدم أي دليل آخر من قبله زيادة على أوراق الشحن مثل عقود المبايعات.
وتم ذلك في سنة 1914 في بدء الحرب العالمية الأولى.

تطبيق قواعد الإثبات المدنية والتجارية

لا تتقيد محاكم الغنائم بقواعد الإثبات في القانون المدني والتجاري لسببين أحدهما قانوني والآخر واقعي، فأما الأول فلأن الغانم يعتبر شخصًا ثالث بالنسبة للمستندات التي تقدم لإثبات الملكية فلا يتقيد بها، والسبب الثاني خشية أن تكون هذه المستندات صورية لا تدل على حقيقة الواقع.
والقاعدة في فرنسا هي احترام هذه العقود إذا ثبت صحتها وثبت أنها تمت بحسن نية لا بغرض تفادي حق الغانم سواء أتمت هذه العقود قبل الحرب أو أثناء قيام حالة الحرب.
أما في إنجلترا فيفرقون بين العقود التي تمت قبل الحرب فتحترم هذه العقود وتطبق في حقها قواعد الإثبات العامة في القانون التجاري أما العقود التي تحصل بعد الحرب فيحكمها ثلاث قواعد:
الأولى: إن البضاعة المصدرة من عدو تبقى على ملكه حتى يتسلمها المرسل إليه فعلاً فإن ضبطت في البحر تضبط على ملك العدو المرسل.
الثانية: إن البضاعة المرسلة من محايد إلى عدو فتعتبر على ملك العدو ليس للبائع حق الاحتفاظ بالملكية ولو كان الهلاك عليه.
والغرض من القاعدتين عدم تمكين المحايدين والأعداء من تفادي حق الغانم بإثبات أن الملكية تكون على ذمة المحايد المرسل أو المرسل إليه.
ولا يبقى بعد ذلك إلا بحث حالة البضاعة المصدرة من محايد إلى بلد محايد لترسل منه إلى العدو والبضاعة المصدرة من عدو حتى بالبر إلى بلد مجاور محايد ومنه بالبحر إلى محايد آخر.
أما البضاعة المصدرة إلى محايد فإثبات أنها ستوجه في النهاية إلى بلاد العدو هو إثبات أمر واقعي fait وله أحكام تفصيلية كثيرة أهمها الاشتباه في كل رسالة مرسلة إلى حامل سند الشحن أو إلى شخص أو شركة عرف عنها الاتجار مع العدو فتعتبر في القائمة السوداء التي تحوي أسماء الأشخاص والشركات التي اشتهرت بالاتجار مع العدو أو مرسلة من شخص أو شركة لها مثل هذا الاتصال ومع مراعاة نسبة زيادة صادرات وواردات البلاد المحايدة المجاورة لبلاد العدو.
أما البضاعة المصدرة من بلاد العدو إلى بلد محايد ومنها بالبحر إلى محايد فتعتبر رحلتها كلها واحدة رحلة متصلة وتعتبر على ملك العدو وكما حكم بذلك من مجلس الغنائم الفرنسي في قضية الباخرة United State (2) في 21 يونيو سنة 1917.
الثالثة: تحريم نقل الملكية أثناء الرحلة فكل تصرف في البضاعة وهي في البحر باطل بالنسبة للغانم إلا إذا تم التسليم فعلاً للمحايد قبل الضبط.
والإنجليز يطبقون هذه القواعد على البضائع المصدرة قبيل الحرب خشية قيام حالة الحرب.

واجبات الغانم

إن أحكام الغنائم غالبها في صالح الغانم كما تبين جليًا مما سبق.
لكن على الغانم واجبات والتزامات مقررة نلخصها فيما يلي:
1 - يجب إجراء التفتيش في أقصر وقت ممكن مع مراعاة اللياقة وعدم المساس بأشخاص البحارة وعدم إحداث تلف بالبضائع ويترتب على مخالفة ذلك تعويض كل ضرر ينشأ عن تعطيل الباخرة بدون مبرر.
2 - تجب المحافظة على البضائع المضبوطة ويلزم الغانم بالتعويض من تلفها بإهماله ولكن لا يلزم بهلاكها قضاء وقدرًا ولا يلزم بالتأمين عليها.
3 - يلزم الغانم بدفع أجور الشحن على البضائع التي يضبطها لأن البضائع تضمن أجرة الشحن ولأن الشحن من حق المركب كما يلزم دائمًا بأجرة التفريغ لأن الضبط يحصل فوق المركب والتفريغ عملية تقوم بها المركب لصالح الغانم.
4 - يلزم الغانم بما يستحق على البضاعة أو المركب من حقوق الإنقاذ Average طبقًا لقواعد قانون التجارة البحري لأن مصاريف الإنقاذ تستحق على المركب أو البضاعة ولولا مصاريف الإنقاذ لغرقت المركب وغرقت البضاعة وهذه الحقوق هي حقوق عينية يرتبها القانون على المركب وعلى البضاعة وهي عامة ومعترف بها في سائر القوانين أما الحقوق العينية الأخرى على البضاعة مثل عدم دفع باقي الثمن، والحقوق الممتازة على المركب مثل أجر إصلاحها فلا تستحق قبل الغانم لأنها حقوق يرتبها الأفراد لأنفسهم نتيجة عقود فلا تسري على الغانم.
5 - يجب عدم إغراق السفن والبضائع المضبوطة ولا يجوز ذلك إلا إذا تعذر قيادتها في البحر في الميناء، ورغم هلاكها فيجب عرض أمرها على محكمة الغنائم لا لتحكم في تبرير الإغراق بل لتفصل في صحة الضبط فقط فإن حكمت بعدم صحته فعلى الغانم دفع قيمتها.

مجلس غنائم مصر

لما قامت حالة الحرب أنشأت الحكومة مجلس الغنائم على النظام الفرنسي فجعل رئيسه من كبار رجال القضاء وأعضاءه من أساتذة القانون الدولي وكبار رجال الإدارة والحربية بأمر من الحاكم العسكري العام صدر بتاريخ 8 يوليو سنة 1948 وذلك لاعتبارين:
أولاً: قيام المحكمة المختلطة خشية أن تتدخل في المنازعات الخاصة بالغنائم وإن كان هذا السبب مستبعد لأن نظام الغنائم أحكامًا ومحاكمًا هو من أعمال السيادة التي تسري على الأجانب رغم الامتيازات القضائية.
ثانيًا: روعي في جدة الموضوع احتمال إصدار تشريعات للمجلس قد يرى تعديلها أو الزيادة عليها باستمرار مما يصعب إجراؤه بسرعة بطريقة التشريع العادي.
فلذلك اكتفى بإنشاء المجلس بأمر عسكري لكي يتيسر إجراء تشريع يطبقه المجلس بأمر عسكري.
ومن حسن الحظ أن تفويض المجلس بالحكم جاء في المادة الثالثة من الأمر المذكور بالنص الآتي:
(يطبق المجلس في دعاوى الغنائم قواعد القانون الدولي العام وفي حالة عدم وجود قاعدة تحكم الحالة المعروضة يفصل فيها على مقتضى قواعد العدالة).
وهذا النص مأخوذ حرفيًا من النص الوارد في مشروع محكمة الغنائم الدولية التي تقررت باتفاق لاهاي الثاني عشر في سنة 1907.
وترتب على هذا النص الوحيد أن المجلس تقيد باستمرار بقواعد القانون الدولي التي منها عدم تطبيق أوامر السلطة التنفيذية إلا إذا كانت في مصلحة صاحب الغنيمة، فزالت بذلك عن جميع الأوامر العسكرية الأخرى التي صدرت بهذا الخصوص كل قيمة قانونية وأصبحت كما حكم بذلك المجلس تعليمات صادرة للسلطة التي تجري الضبط، وأهم حكم بهذا الخصوص في قضية الباخرة Marine Carp الأمريكية في 21 سبتمبر سنة 1949 التي كانت تحمل بضائع صادرة من فلسطين وكان الحاكم العسكري قد أصدر أمرًا في شهر يونيه سنة 1948 بمصادرة جميع البضائع المصدرة من فلسطين فقرر المجلس أن هذا الأمر يطبق في حدود أحكام القانون الدولي، وفي هذه الحالة كانت الراية الأمريكية المحايدة تحمي البضائع فأفرج عنها.
وأخيرًا صدر القانون رقم (32) سنة 1950 بإنشاء مجلس للغنائم وجعل الحكم فيها طبقًا للقانون الدولي في المادة (4) التي وردت بنص المادة (3) من الأمر العسكري الذي أنشأ المجلس.
وقد التزم المجلس أحكام القانون الدولي في جميع أحكامه وعند الخلاف بين القواعد الإنجليزية والقواعد الفرنسية المتبعة في أغلب قارة أوروبا سار على القواعد الإنجليزية لأنها الأعم في أحكام الغنائم ولأنها في نظره أكثر توافقًا مع نظام الغنائم.