الأمر بالثأر Lettres de Represailles

والأمر في حالة الحرب واضح وأما في حالة السلم فإنه أمر بالأخذ بالثأر.
والأخذ بالثأر كان عامًا في أكثر الأمم القديمة فيؤخذ الثأر في الاعتداء على المال من العائلة أو من البطن أو من القبيلة.
إنما أخذ الثأر من غير المعتدي لم يكن معروفًا في بلاد اليونان القديمة ولا لدى الرومان فليس في القانون الروماني منذ نشأته ما يبيح أخذ الثأر قانونًا من غير المعتدي لا في الجرائم ولا في الأموال وإنما دخلت هذه الفكرة السائدة في القبائل الجرمانية مع قبائل البربر الذين غزو الإمبراطورية الرومانية وأول ما ظهرت في البلاد الرومانية ظهر تحريمها Constitution de Zenon (Code Jusl. X1 59)، ولذلك لما قاومت الكنيسة هذا الحق في العصور الوسطى استندت إلى أن القانون الروماني لا يبيحه.
والأخذ بالثأر في هذا مقصور على الأموال دون الأشخاص، وقد حدث في سنة 1369 أن أصدر برلمان باريس تفويضًا بالثأر ضد رئيس كنيسة Evêque بوترخت Utrecht لأن أتباعه تعدوا على أموال أهل باريس فقبض أهل باريس على بعض تجار من يوترخت فأصدر برلمان باريس أمرًا بالإفراج عنهم وقال في سبب ذلك إن التفويض بالثائر لا يبيح القبض على أفراد العدو.
وكانت إجراءات الثائر محددة بقوانين في موانئ البحر الأبيض المتوسط مثل جنوا وأراجون والبندقية وفلورنسا منذ القرن الثالث عشر تنص على إجراءات يتحتم اتباعها في الحصول على التفويض وفي تنفيذه بعد الحصول عليه، ومنها أن يثبت الطالب حقه وأنه سعى إليه في بلاد العدو فلم يعدل معه، ثم يسجل التفويض في المحكمة بعد الحصول عليه أو لدى ديوان البحرية، ثم يعلنه في بلاد العدو وينتظر مهلة تتراوح بين ثلاثة أشهر واثني عشر شهرًا ثم يباشر تنفيذه بنفسه أو بواسطة غيره فله حق التنازل عنه للغير الذي يجهز المراكب لهذا الغرض وما يغنمه من شيء يحضره إلى محكمة بلده فيباع علنًا حتى يستوفي حقه ومصاريفه ثم يعطى إيصالاً باستلام حقوقه وينتهي بذلك مفعول التفويض.
وكلما صدر تفويض بالثأر من بلد صدر ضده مثله من البلد الآخر ويؤدي ذلك إلى الإضرار بالتجارة البحرية وتعريض أموال تجار أبرياء للضبط والمصادرة، لذلك نشأ نظام يقضي بفرض ضرائب على تجارة البلد التي يطلب منها تعويض منعًا لمصادرة بضائع أهلها وحصل ذلك في البندقية وفي مرسيليا في سنة 1318، ولذلك أيضًا كان بعض التجار ذوي السمعة الحسنة يلجأون إلى الحصول على براءات من الثائر حين يتاجرون مع بلاد أخرى أو يقيمون فيها وتسمى Sauf Conduit.
وبقي هذا النظام معمولاً به حتى ألغي بمعاهدة باريس في 16 إبريل سنة 1856، وكان مبناه مسؤولية كل إمارة عن ديون أفرادها ومسؤولية أفرادها عن ديونها قبل الإمارات الأخرى وقبل أهلها ولا يعني اتباعه قيام حالة حرب بين الإمارتين.
وقد نص عليه وعلى إجراءاته بأمر عالٍ في فرنسا في سنة 1681 كما كرسته بعض المعاهدات في العصور الوسطى وآخرها معاهدة يوترخت في سنة 1713.
ومنعًا لإساءة استعمال التفويض يفرض على من أذن له به أن يقدم ضمانًا يوازي نصف قيمة مطلوبة ولا يزيد عن خمسة عشر ألفًا من الجنيهات وطبعًا ما كان الإذن يعطي إلا للوفاء بديون كبيرة القيمة، وتكتب قيمة المطلوب في الإذن حتى لا يتعداها في مغانمه.
وعلى من أذن له أن يقدم كل ما يغنمه إلى محكمة للغنائم تعقد في ديوان البحرية.
وإذا جاءت الغنائم بأكثر من حقه ومصاريفه يودع الباقي في ديوان البحرية على ذمة صاحبه.
ومن يخالف الإذن في إجراءاته والذي يثبت أنه زاد في طلباته فوق حقه فجزائه أن يعتبر سارقًا لما زاد عن حقه ويجازي بأربعة أضعافه وهذا حكم القانون الروماني في تعويض السرقة.
ولقد قصرت معاهدات القرن الثامن عشر حق إصدار هذا الإذن على الحالات الكبرى، وقل إصداره فلم يصدر في فرنسا في القرن الثامن عشر إلا مرتين في سنة 1702 ضد أهالي دانزج، وفي سنة 1778 لمصلحة تاجرين في بوردو، ثم أبطل نهائيًا بمعاهدة باريس في 16 إبريل سنة 1856 عقب حرب القرم.
وأهمية هذا التاريخ أنه أساس نشوء محاكم الغنائم وقضاء الغنائم وكان على كل من صدر له إذن أن يأتي بمغانمه إلى محكمة الغنائم في ديوان البحرية لبحث ما إذا كان اتبع الإجراءات القانونية ولتبيع ما غنمه وتعطيه حقه وتأخذ منه إيصالاً تسلمه إلى صاحب الغنيمة كما تسلم إليه ما يتبقى من ثمنها.
وكان الذين يقومون في البحر بهذه المهمة يسمون Corsaires ومنه جاء اسم (القرصان) في اللغة العربية.

تاريخ محاكم الغنائم

بينا باختصار تاريخ نشوء فكرة مجلس الغنائم ولا شك أنها مرت بتقلبات طويلة عديدة لا محل لعرضها هنا.
ولكي نكون فكرة واضحة عن هذا التاريخ نذكر باختصار تاريخ نشوء محاكم الغنائم في إنجلترا في ديوان البحرية الأميرالية L’amir auté لأنها ثبتت من سنة 1357 ثم صارت محكمة منظمة محددة في سنة 1426م.
والظاهر أن أمير البحار كانت وظيفته في وقت السلم المحافظة على أمن البحار وتقديم القرصان اللصوص للمحاكمة وتقديم الغنائم إلى المحاكم العامة التي لم تكن إجراءاتها رادعة مما أدى إلى اضطراب الأمن في البحار وإلى إشاعة الأخذ بالثأر بين رعايا الدول البحرية.
لذاك فوض الملك أمير البحار بالحكم في هذه الدعاوى باعتبارها من دعاوى التجارة البحرية التي كانت تنظر في ديوان البحرية.
وفي سنة 1357 كانت إنجلترا وفرنسا في حالة حرب ثم أسرت سفينة فرنسية سفينة برتغالية محايدة ثم قابلتهما سفينة إنجليزية فأسرت السفينة الفرنسية ومعها السفينة البرتغالية وقدمتهما إلي ديوان البحرية للحكم بصحة اغتنامهما.
ولا شكل أن ضبط السفينة البرتغالية وهي محايدة لم يكن في ذاته صحيحًا من قبل السفينة الفرنسية إذ لا حرب بين فرنسا والبرتغال لكن محكمة ديوان البحرية حكمت بمصادرتها مع السفينة الفرنسية لأن السفينة البرتغالية كانت وقت ضبطها من أموال الأعداء لأنها كانت في حوزة وملك السفينة الفرنسية المعادية.
فطلب ملك البرتغال إلى ملك الإنجليز الإفراج عن السفينة البرتغالية فنظر الطلب على أنه استئناف لدى الملك في المجلس الخاص Privy Council وقد رفض هذا الاستئناف وبنى الرفض على أن الدعوى نظرت لدى محكمة ديوان البحرية بالطرق المعتادة وأن حكم المحكمة في محله، وقد ترتب على ذلك إقرار ولاية القضاء في الغنائم للأميرال في محكمة ديوان البحرية في هذا التاريخ وإقرار نظام الاستئناف لدى الملك في المجلس الخاص.
وبعد هذا التاريخ تركزت الغنائم في محكمة ديوان البحرية بلوندرة بعد أن كانت موزعة على أربع محاكم في الموانئ الكبرى التي بها أمراء للبحار.
ورغم ذلك فإن بعض الغنائم ما كانت تعرض على المحكمة من قبل الغانمين لذلك أصدر هنري السادس في سنة 1426 أمرًا بعرض جميع الغنائم على ديوان البحرية وأن الغانم لا يستحق نصيبه من الغنيمة إلا بعد الحكم بصحة الاغتنام فثبت بذلك قاعدة أن لا غنيمة بغير حكم.
ولما كانت محكمة ديوان البحرية مختصة أصلاً بالدعاوى التجارية البحرية فإن اختصاصها بالغنائم يأتي أول كل حرب بتفويض خاص من الملك (ليحكم فيها طبقًا لسوابق الأميرالية وللقانون الدولي)، وهذا التفويض مهم جدًا لأنه حدد القانون الذي يطبق في هذه الدعاوى وجعله القانون الدولي لا الشريعة الإنجليزية حتى قال القاضي السير Hedges في آخر القرن السابع عشر (أن القانون الدولي يعتبر لدى هذه المحكمة جزءًا من شريعة البلاد).
وكانت السرعة في الإجراءات من مميزاتها حتى قال في ذلك القاضي السير Jenkins في آخر القرن السابع عشر (يجب الفصل في هذه الدعاوى بسرعة لا بين عشية وضحاها بل بين الجزر والمد)، ومن أسباب ذلك الرغبة في عدم تعطيل المراكب الغانمة عن العودة إلى البحر لمتابعة الاغتنام.
وهذا التصوير المختصر لتاريخ نشوء محكمة الغنائم يتجاوز فيه عما أصابها من تدخل من هيئة السلطة التنفيذية ومن فساد القضاة أحيانًا ومن تهرب الغانمين من عرض غنائمهم ومن منازعة المحاكم الأخرى اختصاصها غيره منها لكثرة إيرادات محكمة الغنائم، وكان القضاة يومئذٍ يأخذون مرتباتهم من إيرادات المحكمة.
وأخيرًا صدرت قوانين تنظيم إجراءات هذه المحكمة في سنة 1864.
وكان تنفيذ أحكام المحكمة موكولاً إلى موظف تابع لها اسمه The Marshall ولديه تحفظ البضائع ثم تباع، وكان لها قلم حسابات خاص، وكانت بذلك مستقلة في إجراءاتها وإدارتها وحساباتها وسلطتها على الغنائم تثبت من حين الضبط حتى تباع الغنيمة وتوفي الحقوق التي عليها.
وقد نشأت معظم محاكم الغنائم على هذا المنوال مثل مجلس الغنائم الفرنسي الذي ثبت أخيرًا بدكريتو 9 مايو سنة 1851.
ومحاكم الغنائم في العالم نوعان بعضها قضائي يتكون من قضاة مثل إنجلترا وأمريكا والبرتغال والبلجيك في الدرجة الاستئنافية، وبعضها مختلط يتشكل من قضاة وموظفين مثل مجلس الغنائم الفرنسي والإيطالي والألماني.

(2)
أساس حق الاغتنام

يقضي القانون الدولي والعرف باتباع قواعد في الحروب تمليها عاطفة الإنسانية ومراعاة حقوق المحايدين وحسن علائقهم بالمحاربين.
ومن أسس قواعد الحرب احترام الملكية الفردية وفي هذا الخصوص تختلف قواعد الحرب البرية عن الحرب البحرية.
فاحترام ملكية الأفراد واجب في الحرب البرية لأنها تجري في ميدان محدد بين قوات محددة فما يأخذه المحارب من قوات العدو ومعداته في المعارك الحربية يعتبر أسلابًا Butin لا غنيمة يتملكها بالاستيلاء عليها بحق الحرب.
أما أملاك أفراد الأعداء في البلاد التي تجري فيها المواقع الحربية أو التي يحتلها العدو فلا يجوز للعدو تملكها، وإنما له حق الاستيلاء عليها فقط مقابل تعويض يدفع آخر الأمر ويدخل في حساب تعويضات الحرب ولذلك تعتبر الملكية الفردية محصنة Inviolable وإن كانت هذه الحصانة لا تكفي لحمايتها إنما لا يجوز للعدو تملكها قانونًا بالاستيلاء عليها.
أما الحروب البحرية فتجري في ميدان واسع غير محدد في البحار التي لا تمتد إليها سيادة أحد من المحاربين فتتقاتل سفن المحاربين أينما التقت فيه وتحاول أيضًا منع التجارة عن العدو وتستولي على أموال أفراده في البحار.
والغرض من الحروب البحرية التوصل إلى السيادة على البحار، فإذا ما تمت السيادة البحرية لأحد المحاربين فإنه يستعين بها على قطع تجارة العدو ليخنقه اقتصاديًا ولا يتم هذا الخنق إلا بضبط السفن والبضائع المملوكة لأفراد الأعداء وللمحايدين إذا كانت موجهة من قبلهم إلى بلاد العدو.
فحق الاغتنام إذن هو أداة الحرب الاقتصادية، وإنما هذا الحق غير مطلق بل مقيد بالتشريعات الأهلية في كل دولة وبأحكام المعاهدات سواء الثنائية أو الجماعية وبالعرف المطرد في القانون الدولي، ثم هو يخضع لتقدير محاكم الغنائم في استعماله طبقًا للقواعد المقررة في شأنه.
وأهم المعاهدات الدولية تصريح مؤتمر باريس في 16/ 4/ 1856 بين إنجلترا وفرنسا وبروسيا والنمسا وروسيا وتركيا وسردينيا ثم اتفاقات مؤتمر لاهاي الثاني في سنة 1907 ثم تصريح مؤتمر لوندرة في سنة 1909.
أما تصريح باريس فجاء بعد حرب القرم وحرم القرصنة وقرر قاعدتين أساسيتين: الأولى: أن الراية المحايدة تحمى أموال الأعداء.
والثانية: أن أموال المحايدين لا تضبط على مراكب الأعداء.
أما مؤتمر لاهاي الثاني في سنة 1907 فقد تمخض عن عدة اتفاقات خاصة بالحرب البحرية منها الاتفاق السادس الخاص بحالة السفن عند بدء حالة الحرب والسابع الخاص بتحويل السفن التجارية إلى سفن حربية والحادي عشر الخاص بفرض قيود على حق الاغتنام والثالث عشر الخاص بحقوق المحايدين مراعاة لحرمة البريد وحرمة الصيد الساحلي والتجارة الصغيرة الساحلية وحرمة المراكب التي تقوم بخدمة إنسانية أو علمية أو دينية، ثم الثاني عشر الخاص بمشروع إنشاء محكمة غنائم دولية.
ولما كان إنشاء محكمة غنائم دولية يستلزم تقنين قواعد الغنائم لاختلاف أحكامها في بعض الدول - فقد تقرر في هذا الاتفاق عقد مؤتمر لجمع وتقنين هذه الأحكام، ولهذا الغرض عقد مؤتمر لوندرة في 12/ 12/ 1908 الذي أسفر عن تقنين قواعد الغنائم لتكون واحدة في كل الدول وانتهى بوضعها في صيغة قواعد عامة عرفت باسم تصريح لوندرة في (71 مادة) جمعت جميع قواعد الغنائم.
فلأول مرة في التاريخ وضع قانون يكاد يكون شاملاً جامعًا لكل أحكام الغنائم ولم يتم ذلك بسهولة لنضارب القواعد والنظريات المعمول بها في البلاد الإنجليزية - إنجلترا وأمريكا - وبلاد قارة أوروبا.
وقد كان التوفيق بينهما عسيرًا واستلزم تنازلاً من كل فريق عن التمسك ببعض القواعد والنظريات المتبعة في محاكم بلده فجاء جامعًا لنظريات متعارضة يرقع بعضها مع بعض.
فلذلك رفض مجلس اللوردات في إنجلترا التصديق عليه ولم تصادق عليه بقية الدول، لكنه بقي تقنينًا جامعًا لأحكام الغنائم في القانون الدولي حتى إذا جاءت حرب سنة 1914 فوجدت إنجلترا أنها في صف فرنسا وروسيا في الحرب ويحسن أن يتبعوا معًا قواعد موحدة في شأن الغنائم فلذلك وبناءً على طلب حكومة الولايات المتحدة اتفقوا فيما بينهم على العمل معًا بالقواعد الواردة فيه.
ومع ذلك أظهرت تجارب الحرب - على ما سنوضحه بعد - عدم إمكان اتباع أحكامه جملة فلم تمضِ أسابيع حتى تقرر عدم اتباع بعضها ولم تمضِ أشهر حتى تقرر عدم اتباع بعض أحكام أخرى، وأخيرًا تقرر العدول عنه صراحة بالاتفاق بين إنجلترا وفرنسا في 7 يولية سنة 1916 بديكريتو فرنسي ومرسوم ملكي إنجليزي وكان سبب ذلك عدم احترام ألمانيا لأحكامه خصوصًا فيما يتعلق بحرب الغواصات وإغراق الغنائم، فعادت محاكم الغنائم إلى القواعد المتبعة في كل دولة من قبل صدور هذا التصريح.

قواعد الغنائم

تنقسم الأموال التي يجوز اغتنامها إلى:
1 - أموال العدو.
2 - أموال المحايدين.
وهناك حالة ثالثة تغتنم فيها السفن والبضائع بصرف النظر عن البحث في ملكيتها ووجهتها وهي حالة اختراق الحصر البحري وتلك حالة بسيطة واضحة الأحكام لم تنشأ في حرب فلسطين، وقد قضى عليها في الحروب الحديثة بسبب اختراع الألغام والغواصات والطائرات فلم يترتب عليها أحكام في الحرب العالمية الثانية والأولى إلا في السنتين الأوليتين فيها.
1 - أموال العدو:
القاعدة أن أموال العدو بواخر وبضائع يجوز اغتنامها.
لكن من هو العدو ؟ هل هو من يكون من رعايا الدولة المحاربة فقط بحسب جنسيته ؟ أينما كان مقيمًا، ولو أقام في بلد محايد، أم هو الشخص المقيم في دولة محاربة ولو لم يكن من رعاياها ولو كان محايدًا أو من رعايا الدولة الغانمة ؟
تختلف القاعدة الإنجليزية في ذلك عن القاعدة المتبعة في قارة أوربا، فالإنجليز يعتبرون عدوًا (بالنسبة للغانم) من قيم في بلاد العدو مهما كانت جنسيته ولو كان إنجليزيًا بسبب موطنه Domicile في بلاد العدو، وفرنسا وأكثر دول أوروبا تعتبر العدو من كان من رعايا الدولة المعادية ولو كان مقيمًا في بلاد محايدة، وتتبع القاعدة الإنجليزية كل من الولايات المتحدة وإسبانيا وهولندا.
وفي مؤتمر لوندرة تعارضت الآراء في هذا الخصوص فتفادوا النص عليها فلم يعرفوا العدو، فسار الإنجليز على قاعدة الموطن وسارت أكثر الدول الأوربية على قاعدة الجنسية.
ويقول الإنجليز إن الغرض من الاغتنام هو تضييق الحصر التجاري على العدو بمصادرة متاجره، فالشخص المتوطن في بلاد العدو - بصرف النظر عن جنسيته - لا يمكن ترك أمواله تؤول إليه لأنها تدخل في بلاد العدو وتزيد ثروته وبالتالي قدرته على الكفاح، أما العدو الذي يقيم في بلاد محايدة فلا معنى لمصادرة أمواله لأن ذلك لا يضر دولته المحاربة وإنما يتعدى أثره إلى بلد محايد، ويترتب على ذلك أن الإنجليزي المتوطن في بلاد العدو يعتبر من الأعداء وتصادر أمواله.
ويلحق ببلاد العدو البلاد التي يحتلها العدو أثناء الحرب فيصبح أهلها المقيمون فيها من الأعداء ولو كانوا حلفاء معهم في الحرب، فأهل هولندا وبلجيكا أصبحوا في نظر الإنجليز من الأعداء بعد أن احتلت ألمانيا بلادهم في الحربين الماضيين.
ويقول الفرنسيون وأهل القارة الأوروبية إن العدو هو من كان من رعايا الدولة المحاربة بصرف النظر عن موطن إقامته فتصادر أملاكه وأمواله ولو كانت مرسلة من بلد محايد لتصل إليه في موطنه في بلد محايد، وعلى هذا الرأي إيطاليا وألمانيا وروسيا والسويد.
ما هو الموطن:
للموطن تعريف خاص في القانون الدولي الخاص وهو الإقامة على وجه الدوام والاستمرار، لكن في قواعد الغنائم لا يجب أن تكون الإقامة على وجه الدوام والاستمرار، بل يكفي في ذلك كل إقامة غير مؤقتة بطبيعتها.
فالإقامة لغرض مؤقت كالاستشفاء أو الفسحة أو لعمل خاص لا تعتبر توطنًا، والمعول عليه هو نية الإقامة ولو لم تكن على الدوام والاستمرار، وهذه مسألة واقعية تفصل فيها المحكمة.
والمحاكم عادةً تتشدد في ثبوت الموطن المحايد لرعايا الأعداء وتتساهل في ثبوت الموطن المعادي للمحايدين.
واستثناءً من هذه القاعدة قد تكون البضاعة معادية ولو كان مالكها محايدًا مقيمًا في بلاد محايدة في حالتين:
1 - إذا كان مالكها يتاجر مع أو في بلاد العدو فيعتبر أن له موطنًا تجاريًا في بلاد العدو.
2 - إذا كانت البضاعة من حاصلات أرض بلاد العدو مهما كان مالكها.
1 - الموطن التجاري:
كل محل تجاري في بلاد العدو يعتبر معاديًا، ولو كان صاحبه محايدًا وفي هذا الخصوص لا تشترط إقامة صاحبه في بلاد العدو بل يكفي مجرد وجوده فيكتسب هذا الموطن بالقيام بعمل تجاري فيه.
بل ذهبت الأحكام إلى أبعد من ذلك فاعتبرت المحل التجاري في بلاد العدو معاديًا ولو كان مالكه محايدًا مقيما في بلاد محايدة بناءً على أن له تجارة مع بلاد العدو.
وفي تطبيق القاعدة على الشركات تنشأ صعوبات جمة من مكان تسجيلها وجنسيتها ومركز أعمالها وجنسية مديريها وموطنهم.
والقاعدة في ذلك أن الأصل أن الشركة تكتسب جنسية البلد المسجلة فيه لكن قد تعتبر حسب جنسية البلد الذي فيه مركز أعمالها أو جنسية أو موطن مديريها وفي كل الأحوال لا عبرة بالمساهمين فيها.
وفي فرنسا تحدد جنسية الشركات حسب مركز عملها، لكن إن كانت فرعًا لشركة مركزها في بلد العدو فهي معادية.
وفي ذلك تقترب النظرية الفرنسية من النظرية الإنجليزية إذ تعتمد على البلد التي فيها أعمال الشركة أي على الموطن التجاري.
وقد سار مجلس الغنائم في مصر على قاعدة الموطن دون قاعدة الجنسية ذلك لأن النظام الإنجليزي في الغنائم هو الأعم انتشارًا ولأن القاعدة الإنجليزية هي الأصلح تطبيقًا لأن الغرض هو تضييق التجارة على المقيمين في بلاد العدو، ولذلك اعتبر المقيمين في فلسطين (في غير القسم العربي) من الأعداء وكان بعضهم من العرب.
2 - حاصلات أرض بلاد العدو:
يعتبر الإنجليز من يتملك أرضًا في بلاد العدو كأنه متوطن فيها، وبدون أن يسيروا على قاعدة الموطن قالوا إن حاصلات أرض بلاد العدو تعتبر معادية مهما كان مالكها ولو كان محايدًا متوطنًا في بلد محايد، وأهم قضية بهذا الخصوص تعرف بقضية Benson وهو دانيماركي مقيم في الدانيمارك يملك أرضًا في جزيرة Santa Cruz التي أخذها الإنجليزي في حرب الاستقلال مع الولايات المتحدة في سنة (1813 – 1814) فصدر من زراعته ثلاثين برميلاً من السكر فضبطها الأمريكان وحكموا بمصادرتها لأنها من حاصلات بلاد العدو ولو أن صاحبها محايد مقيم في بلد محايد.
وقد طبق مجلس الغنائم هذه القاعدة وصادر ألف صندوق من ليمون صادرة من بلاد فلسطين إلى الولايات المتحدة في قضية الباخرة Marine carp باعتبارها من حاصلات أرض بلاد العدو.
وهذه القاعدة مع قاعدة الموطن التجاري لم يؤخذ بها في مؤتمر لوندرة، ولكن لما بطل العمل بتصريح لوندرة سقطت أحكامه وعاد الإنجليز إلى القواعد السابقة.