رأي عكسي:

9 - على أنه وجد في الفقه والقضاء رأي آخر يذهب إلى أن قاضي الأمور المستعجلة يختص بالنظر في الإشكالات في الأحكام الجنائية لأمرين:

أولهما: عموم نص المادتين (2 و(386) مرافعات (قديم) فيختص قاضي الأمور المستعجلة بإيقاف تنفيذ العقوبة المالية كالرد والمصادرة والإزالة والغلق لأن تنفيذها قد يمس حقوق الغير المالية.

والقول باختصاص القاضي الجنائي وحده بنظر إشكالات تنفيذ الأحكام الجنائية يتعارض مع عموم نص هاتين المادتين.

ثانيهما: سرعة القضاء المستعجل لوجود خطر في إشكال تنفيذ حكم الغلق أو ما شاكله وهو ما يستدعي سرعة الفصل في الإشكالات الأمر الذي لا يتوافر في القضاء العادي. ويذهب هذا الرأي على ذلك إلى أنه لا يجوز للقاضي المستعجل بحث صحة أو بطلان الحكم الجنائي أو تفسير ما ورد فيه غامضًا من عبارات وإنما يكون له بحث مدى تأثير الحكم الجنائي على حقوق المستشكل المالية إذا كان من الغير (قضاء الأمور المستعجلة للأستاذ محمد علي راتب صـ 644).

أحكام القضاء:

10 - وقد وجد بين أحكام المحاكم بعض الأحكام التي اتجهت إلى الأخذ بهذا الرأي فقضت محكمة إسكندرية الكلية برئاسة القاضي مصطفى مرعي في حكمها الصادر في 13 إبريل سنة 1933 المنشور بمجلة المحاماة س 13 صـ 1034 تحت رقم 511 بأن (الإشكالات التي تعترض تنفيذ الأحكام الجنائية القاضية بعقوبة مالية مثل الرد والمصادرة والإزالة والغلق والهدم تدخل في اختصاص قاضي المواد المستعجلة الذي يقع التنفيذ في دائرته لأن المحاكم الجنائية لا تقضي في الأموال إلا إذا اتصل قضاؤها بالدعوى العمومية ولأن الأحكام الصادرة بعقوبة مالية تفقد صفتها الجنائية بمجرد صدور الحكم بها).


وقضى قاضي الأمور المستعجلة بمحكمة مصر (القاضي محمد علي راتب) في 24 فبراير سنة 1935 المنشور بمجلة المحاماة السنة 15 صـ 411 باختصاص قاضي الأمور المستعجلة طبقًا لنص المادتين (2 و(386) مرافعات بالإشكالات الحاصلة في التنفيذ حتى ولو صدرت من محكمة جنائية متى كان التنفيذ حاصلاً عن عقوبات مالية تمس حقوق الغير كالغلق والمصادرة والإزالة والقول بغير ذلك واختصاص القاضي الجنائي بنظر مثل هذه الإشكالات يتعارض مع نصوص المادتين المذكورتين اللتين قررتا مبدأ عامًا وأصولاً وضوابط لم يرد في قانون تحقيق الجنايات ما يخالفها.

وحكمت محكمة الاستئناف المختلطة باختصاص القضاء المستعجل في الفصل في إشكال التنفيذ الحاصل من أحد الملاك على الشيوع في منزل في تنفيذ حكم صادر من محكمة المخالفات في مواجهة أحد الشركاء بإزالة جزء من مباني المنزل (الغازيت المختلطة عدد 34 رقم 285).


الرد على هذا الرأي:


11 - ويرد على هذا الرأي بالأمور الآتية:

أولاً: إن نص المادتين (2 و(386) من قانون المرافعات المدنية (القديم) خاص بالأحكام المدنية والتجارية ولا يسري على الأحكام الجنائية التي نظمت إجراءاتها لقوانين أخرى.

ثانيًا: أما حجة سرعة فصل القضاء المستعجل فهي حجة ضعيفة لأن الإجراءات الجنائية بطبيعتها أسرع من الإجراءات المدنية وليس هناك خطر على الأفراد بل الخطر من عدم الفصل سريعًا في الإشكال في الأحكام الجنائية إنما هو على النيابة. ويمكن للنيابة العامة وهي التي تقوم بالتنفيذ أن تحدد أقرب جلسة لنظر الإشكال في التنفيذ.


ثالثًا: إن عقوبة الإغلاق أو المصادرة عقوبة تكميلية عندما يُقضى بها مع الغرامة فالحكم بها لا يمكن اعتباره من قبيل الفصل في حقوق مدنية ولا تفقد العقوبة التكميلية بعد الحكم صفتها كعقوبة.

رابعًا: أصحاب هذا الرأي يتناقضون فإنهم يسلمون بقاعدة أن قاضي الأمور المستعجلة فرع من المحكمة التابع لها يتقيد في اختصاصه بالحكم في الإجراءات الوقتية بنفس القيود والأوضاع التي تحد من اختصاصها سواء ما بُني على الفصل بين السلطات الإدارية والقضائية أو ما أسس على اختلاف درجات القضاء أو أنواعه [(3)] (راجع حكم مصر الكلية 4/ 10/ 1943 مجموعة رسمية س 44).

خامسًا: ولا يمكن القول بأن اختصاص قاضي الأمور المستعجلة بالإشكال في العقوبة المالية كالرد أو المصادرة أو الإزالة أو الإغلاق لمساسها بحقوق الغير المالية ولأن المحاكم المدنية هي صاحبة الولاية العامة على المال وليس للمحاكم الجنائية أن تمس الأموال بأحكامها فإن هذا القول ظاهر البطلان ولا سند له في القانون.


في نصوص قانون الإجراءات الجنائية:


12 - هذا ما كان عليه الفقه والقضاء قبل صدور قانون الإجراءات الجنائية الجديد وكان الرأي الراجح هو عدم اختصاص قاضي الأمور المستعجلة (كقاعدة عامة) في نظر الإشكالات في تنفيذ الأحكام الجنائية، وكان مثار هذا الخلاف هو خلو قانون تحقيق الجنايات من نصوص تبين الجهة المختصة في نظر هذه الإشكالات.

ولكن قانون الإجراءات الجنائية الجديد قد تضمن نصوص المواد (524) و(525) و(526) و(527) بينة الإجراءات في حالة الإشكالات في تنفيذ الأحكام الجنائية.


فقضت المادة (524) منه بأن (كل إشكال من المحكوم عليه في التنفيذ يُرفع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم ومع ذلك إذا كان النزاع خاصًا بتنفيذ حكم صادر من محكمة الجنايات يُرفع إلى غرفة الاتهام بالمحكمة الابتدائية).

ونصت المادة (525) على أنه (يقدم النزاع إلى المحكمة بواسطة النيابة العامة على وجه السرعة ويعلن ذوو الشأن بالجلسة التي تحدد لنظره وتفصل المحكمة فيه في غرفة المشورة بعد سماع النيابة العامة وذوي الشأن، وللمحكمة أن تجري التحقيقات التي ترى لزومها ولها في كل الأحوال أن تأمر بوقف التنفيذ حتى يفصل في النزاع وللنيابة العامة عند الاقتضاء وقبل تقديم النزاع إلى المحكمة أن توقف تنفيذ الحكم مؤقتًا).

وجاء بالمادة (526) منه أنه (إذا حصل نزاع في شخصية المحكوم عليه يفصل في ذلك النزاع بالكيفية والأوضاع المقررة في المادتين السابقتين).

ثم نصت المادة (527) على أنه (في حالة تنفيذ الأحكام المالية على أموال المحكوم عليه إذا قام نزاع من غير المتهم بشأن الأموال المطلوب التنفيذ عليها يرفع الأمر إلى المحكمة المدنية طبقًا لما هو مقرر في قانون المرافعات.

13 - وقد حسم المشرع بهذه النصوص ذلك الخلاف الذي كان قائمًا في عهد قانون تحقيق الجنايات بشأن الجهة المختصة بالفصل في النزاع الذي يقع بين النيابة والمحكوم عليهم وغيرهم بشأن تنفيذ الأحكام الجنائية.

وجاء في المذكرة الإيضاحية وتقرير مجلس الشيوخ عن هذه النصوص أن كل إشكال في التنفيذ يُرفع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المتعلق به هذا الإشكال، أما إذا كان التنفيذ يجري على أموال المحكوم عليه على مقتضى قانون المرافعات في المواد المدنية والتجارية فيتبع بشأن ما يحصل فيه من إشكال أو نزاع ما هو مقرر في القانون المذكور، وظاهر أن تنفيذ الأحكام المالية بطريق الحجز على أموال المحكوم عليه يكون أما بالطرق المقررة في قانون المرافعات أو بالطرق الإدارية المقررة لتحصيل الأموال الأميرية وفي الحالتين إذا قام نزاع من غير المتهم بشأن الأموال المطلوب الحجز عليها كأن ادعى ملكيتها فيرفع هذا الإشكال إلى المحكمة المدنية طبقًا لما هو مقرر في قانون المرافعات، أما إذا كان الإشكال يتعلق بالحكم نفسه من حيث مضمونه أو من حيث قابليته للتنفيذ فإنه يُرفع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم أو المحكمة الابتدائية حسب الأحوال.

14 - ومؤدى هذه النصوص والمذكرة الإيضاحية أن إشكالات التنفيذ في الأحكام الجنائية تختص بها كقاعدة عامة المحكمة التي أصدرت الحكم وهي المحكمة الجنائية ما لم يكن الحكم المستشكل فيه حكمًا ماليًا أي بالغرامة أو بالتعويض ويكون التنفيذ به على مقتضى قانون المرافعات أي بطريق الحجز أو بالطرق الإدارية لتحصيل الأموال الأميرية فيرفع الإشكال في هذه الحالة إلى المحكمة المدنية.

15 - ولا يدخل في عبارة الأحكام المالية الواردة في المادة (527) إجراءات التعويضات التكميلية كالهدم والغلق والمصادرة والإزالة إذ هذه العقوبات شخصية وليست لها صفة (المالية) كالغرامة ولأنها لا يمكن أن تكون محلاً للتنفيذ بالطريق المدني أو الإداري.

وعلى ذلك فلا تشمل المادة (527) حالة التنفيذ بالعقوبة التكميلية بغير طريق التنفيذ المدني بل بطريق التنفيذ الجنائي للعقوبة.

16 - وإذا كان تنفيذ حكم الغرامة بالطريق الجنائي كالإكراه البدني فلا يجوز الاستشكال فيه أمام القضاء المدني المستعجل بل يكون الإشكال فيه أمام المحكمة التي أصدرت الحكم.

وقد نص في المادة (526) من قانون الإجراءات على أنه (إذا حصل نزاع في شخصية المحكوم عليه يفصل في ذلك النزاع بالكيفية والأوضاع المقررة في المادتين السابقتين وهي (م (524) و(525)) أي تنظره المحكمة التي أصدرت الحكم) مع أن هذا الإشكال يكون مرفوعًا من غير المحكوم عليه الأمر الذي يؤكد ما وضح في المذكرة الإيضاحية من أن المادة (527) خاصة بحالة الإشكال المرفوع من غير المحكوم عليه عن حكم جنائي مالي - بالغرامة أو بالتعويض - ويكون التنفيذ به بالطريق المدني أو الإداري وليس بالطرق الجنائية.

17 - ويرى الدكتور علي زكي العرابي أنه لا فرق بين عقوبة الغرامة والمصادرة وبين باقي العقوبات المقيدة للحرية لأنها كلها وإن اختلفت أشكالها عقوبات جنائية وضعت لغرض واحد وهو تأديب الجاني ولا تصدر إلا من محكمة واحدة وهي المحكمة الجنائية وعقوبة الغرامة لا تسقط إلا بالمادة المسقطة للعقوبات لا بالمادة المقررة للديون وتنفذ بالإكراه فالصفة الجنائية ملازمة لها في كل أدوارها ولا يفهم القول بأن الحكم يكون بمثابة حكم مدني ولذلك يرى أن الإشكال في تنفيذها يجب أن يُرفع للمحكمة الجنائية شأن الإشكال في تنفيذ أية عقوبة أخرى خصوصًا وأن نص المادة (524) لم يجز بين نوع وآخر من العقوبات.

18 - أما صاحب الرأي العكسي الأستاذ محمد علي راتب فقد رأى أن مؤدى نصوص قانون الإجراءات الجنائية أنه إذا كان الإشكال من المحكوم عليه تختص المحكمة التي أصدرت الحكم الجنائي وحدها فتنظر الإشكال في العقوبات المالية والبدنية، أما إذا كان الإشكال من الغير في تنفيذ الأحكام المالية على أموال المحكوم عليه فيختص قاضي الأمور المستعجلة وإن كانت المادة (527) قد ذكرت عبارة المحكمة المدنية فإن قاضي الأمور المستعجلة فرع منها وفق المادة (49) من قانون المرافعات (كتاب قاضي الأمور المستعجلة لراتب صـ 647 طبعة 1952) ولم يفسر الأستاذ راتب عبارة الأحكام المالية الواردة بالمادة (527) إجراءات ولم يوضع هذا النص وفق المذكرة الإيضاحية والأعمال التحضيرية.

19 - وقد قضت محكمة النقض أخيرًا في دائرتها الجنائية بتاريخ 9 مارس سنة 1953 في القضية رقم (1341) سنة 22 قضائية في طعن رفع عن حكم صادر من المحكمة الجنائية برفض الإشكال المرفوع في تنفيذ حكم غلق من الغير فقالت (إذا كان الحكم المطعون فيه الصادر برفض الإشكال في تنفيذ حكم بإغلاق محل قد أثبت أن رخصة المحل التي يستشكل الطاعن في الحكم الصادر بإغلاقه ليست باسم المستشكل وإنما هي باسم الذي حرر ضده محضر المخالفة وصدر عليه الحكم بالغرامة والإغلاق فإن إجراءات المخالفة تكون صحيحة ولا يكون للطاعن صفة في رفع هذا الإشكال ويكون قضاء الحكم المطعون فيه برفضه قضاءً سليمًا) (راجع مجموعة الأحكام الجزء الرابع الدائرة الجنائية صـ 597).
</B></I>