ولهذا يذكر النسّابون في " جرائدهم " بعض أسماء مَن لا يتحققون أمره، لكنهم لا يثبتونه في " المشجرات " (17).

وقد يسمّي بعض النسابة مشجراتهم بديوان النسب، وهم إنما يعنون " الشجرة "، ولكن هذا قليل فيهم، ولم أجده إلاّ لــ / أبي القاسم علي بن الحسن بن محمد بن علي بن أبي جعفر محمد بن علي المرتضى، فإنه ألّف مشجرة سمّاها : " ديوان النسب "، نقله / ابن عنبة عن / ابن معية في عمدة الطالب (18).

2- مُشَجَّر النسب : يحلى باللام أحيانًا، فيقال : " المشجر في النسب ". وهو إما أن يكون تأليفه ابتداءً على هيئة مشجّر، أو أن يعمد أحد النسابين إلى كتاب مبسوط في النسب، فشجره (19).

وجرت العادة عندهم أن يكون - الشجر - على هيئة كتاب، حتى ربما وصل إلى مجلدات، يتصل الخط فيها، في أعلى أول صفحة بالصفحات التي تليها حتى يصل إلى آخر الكتاب . قال / ابن الطقطقي : " المشجر الضابط فيه أن يكون بـ : " ابن " متصلة بالنون كيف تقلبت بها الحال في جهاتها الست (20)؛ وربما امتدت الخطة الواحدة في مجلدات كثيرة فما سلم اتصالها بالنون فليس بضائر اختلاف أحوالها ... " أهـ .

3- المبسوط : وهو كتاب منثور في النسب، كـنسب قريش للزبيري، ونسب ابن الكلبي، وجمهرة النسب لابن حزم، وعمدة الطالب لابن عنبة، وأمثال ذلك . وسيأتي الفرق بينه وبين المشجّر .

وقد انتفع بطريقة التشجير هذه، فألَّف الشيخ / أحمد أبو الخير المكي مشجّرًا سمّاه : مشجّر الأسانيد، قال الكتاني عنه : " ذكر فيه أسانيد الكتب الستة والموطأ ومسند الدارمي والشمائل، وتنوّع أسانيده لابن حجر والحجار وابن البخاري والدمياطي والتنوخي والبلقيني وابن الجزري وغيرهم من كبار المسندين، وهو مشجّر عجيب على نسق غريب جعله دوائر، وكل دائرة يكتب فيها اسم راوٍ، ويصلها بأخرى يكتب داخلها اسم الراوي عنه، وهكذا إلى اسم جامعه الشيخ / أحمد أبي الخير، وهو عندي بخط جامعه، وهبنيه بمكة المكرمة، جزاه الله خيرًا، أرويه عنه ". أهـ (21).

وكانت من طرائق الشيخ العلاّمة المحدّث / محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله إبان تدريسه للحديث في الجامعة الإسلامية كتابته للأسانيد والمتابعات وبيان الطرق على هيئة التشجير .

2- المشجّر عند الشعراء :-

تطلق كلمة " المشجّر " (22)، ويراد بها تشجير أبيات الشعر، وهو أن يُقطّع أحرفَ اسمٍ ما على أوائل كل بيت من القصيدة، فإذا جمعت هذه الأحرف خرج لك منها الاسم المراد . وقد كثر استعماله عند المتأخرين من الأدباء والشعراء، كما هو مبثوث في كتب التراجم للقرون المتأخرة كالحادي عشر والثاني عشر .

3- لفظ " الشجرة "، و " المشجّر " عند الصوفية :-

تطلق لفظة " الشجرة " في كتب الصوفية وتصانيفهم بمعنى خاص لا يوجد عند غيرهم . وخلاصة اصطلاحهم في هذا اللفظ تعود إلى مفهوم " الحقيقة المحمدية "، ومعنى " الإنسان الكامل "، وهي بهذا المعنى من آثار الباطنية، وزنادقة الصوفية . وقد قالوا في تعريف " الشجرة "، هي : " الإنسان الكامل، مدبر هيكل الجسم الكلي، فإنه جامع الحقيقة، منتشر الدقائق إلى كل شيء، فهو شجرة وسطية، لا شرقية وُجُوبية، ولا غربية إمكانية، بل أمرٌ بين الأمرين، أصلها ثابتٌ في الأرض السفلى، وفرعها في السماوات العلى، أبعاضها الجسمية عروقها، وحقائقها الروحانية فروعها، والتجلي الذاتي المخصوص بأحدية جمع حقيقتها الناتج فيها بسر : " إني أنا الله ربّ العالمين " ثمرتها . كذا في " الجرجاني " (23). وهو كلام أقرب إلى الألغاز منه للتعريف .

ولهذا يشيع عندهم هذا الاسم في التصانيف؛ فلابن عربي - صاحب وحدة الوجود -: " شجرة الكون "، و " شجرة الوجود والبحر المورود "، و " الشجرة النعمانية " (24). ولمحمد بن يوسف بن سعادة المرسي المتوفى سنة 565 " شجرة الوهم المترقية إلى ذروة الفهم "، ولابن فتحون " شجرة الحكمة ".

وإذا أمكن إدراك ذلك، أمكن فهم سبب استعمال بعض الناس لمصطلح " شجرة النسب " في قراءة الحظ ومتابعة النصيب، زعموا، وهو من آثار وبلايا المتصوفة .

4- مصطلح " شجرة النسب " عند الأطباء :-

جدّ عند أهل الطب في الزمن الحديث استعمال مصطلح " شجرة النسب "، وهي من نوازل العصر، ويقصدون بها متابعة أمراض الدم والوراثة، ويمكنهم ذلك من تتبّع " الأنماط الجينية ". وتوجد مجالات كثيرة عندهم لاستخدامه، من أهمها : المجال الجنائي، ومجال إثبات النسب (25).

- أولية التشجير في النسب :-

ذكر بعض النسّابين أنّ الإمام / الشافعي هو أول من وضع المشجر في النسب، ويحكون حكاية غريبة دلالة الصنعة عليها ظاهرة أنه أهدى كتابًا إلى / هارون الرشيد، وعلى أوله ما صورته : " أهديت إليك يا ابن سيد البطحاء شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وأنا أشفع إليك في ضعفاء الحاج من ركب الريح ومصع الرشيح، وكتبه / محمد بن إدريس " (26).

والظاهر أنّ هذه القصة مفتعلة على الإمام / الشافعي رحمه الله تعالى، ولقياه بــ / هارون الرشيد قد افتعل حولها كثير من القصص المكذوبة، فلتكن هذه نغمة في ذلك الطنبور .

وقد نقل / الهمداني في الإكليل " أنّ / دغفلاً السدوسي النسابة (27) ( توفي سنة 65هـ وقيل : 70هـ ) كان له كتاب التشجير " (28). ومن المشهور أنّ الإمام / محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ( 58 - 124هـ ) كان معه كتاب فيه نسب قومه . والظاهر أنه على جهة البسط كما يدلّ عليه صنيع الزبيري في النقل عنه في مقدمة نسب قريش (29)، والله أعلم .

والظاهر أنّ أولية التشجير في النسب لا تنسب لأحد، ولهذا قال / ابن الطقطقي: " فأما المشجر :-

فلم أدر من ألقى عليه رداءه
= ولكنه قد سلَّ من ماجد محض

قلت ذلك لأني لا أعرف من وضعه واخترعه ". أهـ (30).

- التشجير صنعة لها آداب :-

الأصل جواز عمل الشجرات والمشجرات في النسب بأسماء بني آدم، لأدلة منها :-

1- أنّ الأصل هو الإباحة .

2- اندراجه ضمن حفظ الضرورات الخمس التي منها حفظ النسب .

ويشترط لعملها شروط وآداب، ستأتي عند " آداب وضع الشجرات ". قال / ابن الطقطقي في كتاب الأصيلي في الأنساب : " والتشجير صنعة مستقلة، مهر فيها قوم، وتخلّف آخرون(31). فمن الحذاق فيها الشريف / قثم بن طلحة الزينبي (32) النسابة, كان فاضلاً يكتب خطًّا جيّدًا؛ قال : " شجرت المبسوط، وبسطت المشجر "، وذلك هو النهاية في ملك رقاب هذا الفن . ومن حذاق المشجرين / عبدالحميد الأول بن عبدالله بن أسامة، النسابة الكوفي، كتب خطًّا أحسن من خط العذار، وشجر تشجيرًا أحسن من الأشجار، حفت بأنواع الثمار . ومن حذاقهم / ابن عبد السميع الخطيب النسابة، صنّف الكتاب الحاوي لأنساب الناس، مشجرًا في مجلدات، يتجاوز العشرة على قلب النصف؛ قرأتُ بخطه رقعة كتبها إلى بعض الخلفاء يقول فيها : " وقد جمع العبد من المشجرات والأنساب والأخبار ما لا ينهض به جمل بازل ".