دكتور غنام
قناة دكتور أكرم على يوتيوب

آخـــر الــمــواضــيــع

النتائج 1 إلى 10 من 51

الموضوع: كل ما يلزم الباحث معرفته عن العقود الالكترونية والتجارة الالكترونية

العرض المتطور

  1. #1

    افتراضي الشكلية في عقود الإنترنت والتجارة الالكترونية - إعداد: أ . الصالحين محمد أبوبكر العيش

    موجز الدراسة
    يعد العقد أول مصادر الالتزام وأهمها ، حيث يحظى بتنظيم تشريعي في مختلف بلدان العالم . وقد وصف أحد الأساتذة الفرنسيين النظام التعاقدي بقوله(1) :
    (le droit contractuel tend à confondre avec le droit civil tout entier )
    وتأكيدا على هذه الأهمية نجد التشريعات تولي العقد عناية خاصة وتفرد له مجموعة من الأحكام القانونية بما يتناسب وتلك الأهمية . وقد حدد المشرع الليبي أحكام العقد في المواد (89-163 ) من القانون المدني ، إلا أنه رغم ذلك لم يورد تعريفا له .
    ونلاحظ أن المشروع التمهيدي للقانون المدني المصري تضمن تعريفا للعقد في مادته ( 122 ) التي نصت على أن" العقد اتفاق بين شخصين أو أكثر على إنشاء رابطة قانونية أو تعديلها أو إنهائها " وقد جاء في مجموعة الأعمال التحضيرية أن هذا التعريف قصد منه نفي التفرقة بين العقد والاتفاق وجعلهما شيئا واحداً ، إلا أن هذا التعريف حذف في المشروع النهائي تجنبا للتعريفات التي تعتبر من أعمال الفقه .
    وفي هذا الصدد لا مندوحة من الإشارة إلى التفرقة التي ينادي بها بعض الفقهاء الفرنسيين(2) بين العقد le contrat والاتفاق la convention حيث يعتبرون الاتفاق أعم شمولا من العقد استناداً إلى نص المادة (1101) من القانون المدني الفرنسي . ويخلص هذا الاتجاه إلى أن العقد هو نوع خاص من الاتفاق le contrat est une espéce particuliere de convention غير أن هذا الاتجاه لم يصادف قبولا عند غالبية الفقه نظرا لكون هذه التفرقة – كما يقول البعض – لفظية لا يترتب عليها أي نتائج أو آثار قانونية(3) .
    ولعل التعريف السائد عند معظم فقهاء القانون
    (4) هو أن : ( العقد توافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني سواء كان هذه الأثر هو إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهائه).
    بناء على ما تقدم يتبين لنا أن مناط العقد أمران: توافق إرادتين واتجاههما إلى إحداث أثر قانوني.
    وحيث أننا سنتناول بالبحث العقد الالكتروني كوسيلة لإتمام عمليات التجارة الالكترونية نحب أن نشير بداءةً إلى أن العقد الالكتروني ليس استثناءاً من أحكام وقواعد النظرية العامة للعقد ، فهو يتم بالاتفاق والتراضي بين الطرفين وبالتالي هو لا يخرج في بنائه ومضمونه عن السياق المشار إليه آنفاً ، غاية الأمر أنه " يتميز بكونه عقدا يبرم عن بعد ، بين غائبين ، وذلك باستخدام وسائط الكترونية من أجهزة وبرامج معلوماتية وغيرها من الوسائل التقنية الحديثة التي تعمل آليا وتلقائيا بمجرد إصدار أوامر التشغيل إليها "(5) .
    وبسبب انتشار ظاهرة التعاقد الالكتروني بدأت تثور في ارض الواقع بعض الإشكاليات التي أثارت حفيظة الفقهاء والمشرعين لإيجاد الحلول لها. ولعل من أبرز ما يعتور العقد الالكتروني ما يتطلبه القانون أحيانا من إفراغ التراضي في شكل محدد ، كأن يشترط القانون مثلا أن يكون العقد مكتوبا .
    والأسئلة المطروحة ...
    • ما هو العقد الالكتروني وما مدى ارتباطه بالانترنت والتجارة الالكترونية ؟
    • هل يعد العقد الالكتروني بمعزل عن الشكلية التي يشترطها القانون في بعض التصرفات ؟
    • ألا تتعارض الشكلية مع مبدأ التنظير الوظيفي ( l’equivalence fonctionnelle ) الذي هو قوام القانون النموذجي للتجارة الالكترونية الذي أصدرته منظمة الأمم المتحدة متمثلة في لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي ( الأونسترال – uncitral ) عام 1996 ؟
    • ما هي أهم الحلول التي اقترحتها التشريعات المختلفة في هذا الصدد ؟
    إجابة هذه التساؤلات هي حصيلة ما سنناقشه في هذه الورقة وذلك حسب التقسيم الآتي :-
    v المطلب الأول : ارتباط الإنترنت والتجارة الالكترونية بالعقد الالكتروني
    v المطلب الثاني : جواز التعاقد الالكتروني وبيان ماهيته
    v المطلب الثالث : الشكلية في التعاقد الالكتروني
    q الفرع الأول : الإشكالية
    q الفرع الثاني : الحلول التشريعية والتطبيقية

    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

  2. #2

    افتراضي المطلب الأول : ارتباط الإنترنت والتجارة الالكترونية بالعقد الالكتروني

    ارتباط الإنترنت والتجارة الالكترونية بالعقد الالكتروني
    الإنترنت (internet) كلمة إنجليزية الأصل تتكون من مقطعين هما inter وتعني البينية أو الاتصال ، أما الثانية net وتعني الشبكة ، وإذا جمعنا الكلمتين معا فإن المعنى الكامل المتحصل هو الشبكة المتصلة أو البينية(6).
    ويعرف الانترنت بأنه : "مجموعة من أجهزة الحاسب الآلي مرتبطة بعضها ببعضها الأخر بطريقة تمكن من تبادل المعلومات باستخدام التكنولوجيا الحديثة"(7) .
    وقد بدأت الانترنت في نهاية الستينات حيث عهدت وزارة الدفاع الأمريكية إلى وكالة مشروعات الأبحاث المتقدمة (advanced research project agency) بمهمة إنشاء شبكات حواسيب يتصل بعضها ببعض ، وكان هدف هذه الوكالة أساسا إجراء أبحاث في مجال الدفاع لضمان تفوق الولايات المتحدة الأمريكية في مجال أبحاث الدفاع خاصة بعدما أطلق الروس مركبتهم الفضائية ( سبوتنيك ) سنة 1957 (8).
    ويعزى سبب ذيوع الانترنت وانتشارها إلى قلة كلفة هذه الوسيلة إذا ما قورنت بوسائل الاتصال الأخرى ، واستغنائها عن الورق في الكتابة ، فضلا عن دمجها لخصائص الوسائط المتعددة من تلفاز وحاسوب وهاتف معاً ( صوت وصورة ونص ) وتوفيرها لإمكانيات مذهلة في التواصل بين البشر أينما كانوا متجاوزة بذلك حدود الزمان والمكان .
    وقد بدأ استخدام الانترنت في الأغراض التجارية عام 1992 ، عندما ظهرت (www) كمروج للسلع والخدمات ومن هنا بدأ إقبال رجال الأعمال وأصحاب المؤسسات والشركات التجارية على تلك المواقع وأصبحوا يبرمون الصفقات عن طريق مراسلاتهم عبر البريد الالكتروني ثم عن طريق عرض منتجاتهم وخدماتهم من خلال مواقع لهم على شبكة الانترنت .
    وقد مر استخدام الانترنت في التجارة الالكترونية بعدة خطوات ارتبطت بالتطورات التقنية التي طرأت على استخدام الشبكة ويمكن إجمالها في المراحل الآتية(10) :-
    • المرحلة الأولى : استخدام المنشآت التجارية للشبكة في صورة مواقع إعلانية تعرف العملاء ومستخدمي الويب بنشاط المنشأة ومنتجاتها .
    • المرحلة الثانية : وهي أكثر تقدما ، حيث قامت المنشآت التجارية بنشر المعلومات عن نشاطاتها التجارية كما امتلأت المواقع بالصور والرسومات الجذابة لمنتجات وخدمات المنتجين .
    • المرحلة الثالثة : نتيجة استخدام أحدث أنواع التقنية أصبح من السهل على العميل التعرف على مواقع الانترنت من خلال عناصر التصفح البسيطة ، وبذلك تخطى رجال الأعمال مرحلة الإعلان والترويج إلى مرحلة إتمام عمليات البيع عن طريق الانترنت .
    وأصبح الأمر كالتالي : يقوم المشتري باختيار ما يرغب في شرائه ويخطر البائع الذي يقوم بدوره بإرسال السلعة إليه ويتم الدفع عن طريق أنظمة الدفع الالكتروني ومن أهمها بطاقات الائتمان كما يتم التوقيع على العقد الالكتروني عن طريق شفرة معينة يستحيل تزويرها .
    وقد ازداد في الآونة الأخيرة حجم التجارة الالكترونية بشكل رهيب حتى أن هناك دراسة خلصت إلى أن الدلائل تشير إلى أن 60% من النمو الاقتصادي خلال السنوات الأولى من القرن الواحد والعشرين سيرجع في المقام الأول إلى التجارة الالكترونية والتعامل في تكنولوجيا المعلومات عموما(11) .
    كما تؤكد الإحصائيات أن حركة التجارة الالكترونية في ازدياد مستمر ففي عام 2000 حققت التجارة الالكترونية فائضا قدره 275 مليون دولار وهذا الفائض وصل في عام 2003 إلى 100 مليار دولار لتعاملات الأفراد و1000 مليار دولار لتعاملات الهيئات(12) .
    مما سبق نستنتج أن العقد الالكتروني نشأ وترعرع في حضن الانترنت وبين أذرع التجارة الالكترونية . وإذا كان الأمر كذلك ألا يحق لنا التساؤل عن مدى صحة انعقاد العقد الكترونياً ؟ .

    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

  3. #3

    افتراضي المطلب الثاني : جواز التعاقد الالكتروني وبيان ماهيته

    جواز التعاقد الالكتروني وبيان ماهيته

    أولا: جواز التعاقد الالكتروني:-
    تنص المادة ( 90/1 ) من القانون المدني الليبي على أن " التعبير عن الإرادة يكون باللفظ وبالكتابة وبالإشارة المتداولة عرفا ً. كما يكون باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكا في دلالته على حقيقة المقصود"(13) .
    نستشف من ذلك أن الأصل في التعبير أنه لا يخضع لشكل معين ، فللمتعاقد أن يفصح عن إرادته بالطريقة التي تروق له بشرط أن يكون لها مدلول يفهمه الطرف الآخر فكما يصح التعبير عن الإرادة بالكتابة أو القول أو الإشارة ، فإنه يصح باتخاذ موقف عملي معين يمكن أن يعبر عن إرادة التعاقد لدى الأطراف إذا كان هذا الموقف كافيا للدلالة عليها دلالة أكيدة .
    ونظرا لكون العقد الالكتروني يخضع في إبرامه وأحكامه لهذه القواعد العامة ، ولكونه ينعقد الكترونيا ، فهو يخضع لبعض الأحكام الخاصة به . والتي تتمشى مع صفته الالكترونية وكونه يبرم عن بعد. وتكاد تنحصر خصوصيات إبرام العقد الالكتروني في الأحكام الخاصة بركن الرضا وما يعتورها من شكلية معينة يتعذر إنجازها الكترونيا . أما بالنسبة لركني السبب والمحل فتنعدم فيهما خصوصيات هذا العقد الالكتروني إلى حد كبير

    (14)
    .
    والسؤال الذي يثور الآن... هل يتحقق التراضي الكترونيا ؟ وهل يقترن الإيجاب بالقبول بواسطة الأجهزة والوسائط الالكترونية ؟
    لقد دفعت ثورة المعلومات والاتصالات وانتشار استخدام شبكات الاتصال في إبرام الصفقات والعقود العديد من مشرعي الدول والمنظمات الإقليمية والدولية إلى إقرار هذا الواقع ومن ثم إجازة التعبير عن الإرادة العقدية عبر وسائل الكترونية وهو ما يعني أن التقاء الإرادات الكترونيا يكفي لإبرام العقد متى استوفى شروط صحته(15) .
    فقد أقر القانون النموذجي للتجارة الالكترونية لسنة 1996 تبادل التعبير عن الإرادة من خلال تبادل البيانات الكترونيا في الأعمال التجارية حيث نصت المادة ( 11 ) منه على:
    " في سياق إنشاء العقود، وما لم يتفق الطرفان على غير ذلك يجوز استخدام رسائل البيانات للتعبير عن العرض وقبول العرض. وعند استخدام رسالة البيانات في إنشاء العقد . لا يفقد ذلك العقد صحته أو قابليته للتنفيذ لمجرد استخدام رسالة بيانات لذلك الغرض " .
    كما أجاز قانون التجارة الأمريكي الموحد UCC انعقاد عقد بيع البضائع بأي طريقة أو وسيلة ما دامت تظهر تراضي طرفيه. بما في ذلك سلوكهما الذي يدل على إقرارهما وجود العقد

    (16)
    . وأيضا قانون المعاملات الالكترونية الموحد عام 1999 حيث نص صراحة على أحكام التعاقد الكترونيا عندما قرر أن التسجيل الالكتروني يعادل المستند المكتوب خطيا.
    وتقر اتفاقية الأمم المتحدة بشأن عقد البيع الدولي للبضائع في مادتها العاشرة جواز التعاقد عن طريق وسائل الاتصال الفوري

    (17)
    .
    وعلى صعيد التشريعات العربية نجد المادة (14) من قانون إمارة دبي في شأن المعاملات والتجارة الالكترونية رقم 2 لسنة 2002 تجيز التعاقد بوسائط الكترونية حيث نصت فقرتها الأولى على أنه : " يجوز أن يتم التعاقد بين وسائط الكترونية مؤتمتة(18) متضمنة نظامي معلومات الكترونية أو أكثر تكون معدة ومبرمجة مسبقا للقيام بمثل هذه المهمات ويتم التعاقد صحيحا ونافذا ومنتجا آثاره القانونية على الرغم من عدم التدخل الشخصي أو المباشر لأي شخص طبيعي في عملية إبرام العقد في هذه الأنظمة " .
    وتأكيدا لمبدأ جواز التعاقد الالكتروني وصحته نصت المادة ( 7/1 ) من نفس القانون على:
    "لا تفقد الرسالة الالكترونية أثرها القانوني أو قابليتها للتنفيذ لمجرد أنها جاءت في شكل الكتروني" كما أجاز المشرع الأردني إبرام العقود إلكترونيا بواسطة الرسائل الالكترونية بتقريره في المادة ( 13 ) من قانون المعاملات الالكترونية رقم 85 لسنة 2001 : "تعتبر الرسالة الالكترونية وسيلة من وسائل التعبير عن الإرادة المقبولة قانونا لإبداء الإيجاب والقبول بقصد إنشاء التزام تعاقدي " .
    مما سبق نستنتج أن القواعد الخاصة التي نصت عليها القوانين المختلفة المتعلقة بالمعاملات الالكترونية أجازت التعبير عن الإرادة الكترونيا متى تحققت شروط صحة الإرادة والتعبير عنها

    (19)
    .

    وإذا كان هذا موقف التشريعات المختلفة فكيف ينظر الفقه إلى هذه المسألة ؟
    تجدر الإشارة في البداية إلى أنه رغم الاتفاق الذي ساد التشريعات المختلفة إلا أننا نلاحظ اختلافا في وجهات النظر لدى الفقه حيث تعددت المحاولات الفقهية(20) التي ترمي إلى تسويغ التعاقد الكترونيا وما يترتب على ذلك من صحة إبرام العقد.
    يذهب اتجاه أول إلى منح الشخصية القانونية إلى الجهاز الالكتروني الذي يتم بواسطته إبرام العقد ، ومن هنا يعتبر هذا الرأي الجهاز الالكتروني بمثابة الشخص القانوني ، والشخص القانوني يتمتع بأهلية إبرام العقد(21) .
    غير أن هذا القول غير مستساغ من الناحية القانونية، فالشخصية القانونية مرتبطة بالذمة المالية والجهاز الالكتروني ليس له ذمة مالية. ومن ثم فلن تكون له شخصية قانونية وتنعدم أهليته القانونية ، ناهيك عن كون الاعتراف الذي يضفى على الشخص الاعتباري الشخصية القانونية مقصور على مجموعات الأشخاص والأموال ولا يمتد إلى الأجهزة والآلات .
    وذهب اتجاه ثان إلى تشبيه الجهاز الالكتروني بالهاتف والفاكس فهو مجرد أداة أو وسيلة اتصال تربط بين المتعاقدين وبالتالي الجهاز لا يبرم عقدا لحساب شخص ما وإنما الشخص هو الذي يبرم العقد باستخدام الحاسب الآلي الذي يقتصر دوره على نقل الإرادة من متعاقد إلى آخر(22) .
    وقد انتقد هذا الاتجاه أيضا على أساس أنه يحمل المتعاقد الأخطاء في البرمجة وتشغيل البرامج الالكترونية التي تقوم بعملية التعاقد فما يصدر من الجهاز يعد كأنه صدر من المتعامل نفسه مباشرة.
    * أما الاتجاه الثالث(23) فيأخذ بنظرية النيابةRepresentation في التعاقد ، حيث يعتبر الجهاز الالكتروني نائبا عن المتعاقد يتعامل باسمه ولحسابه .
    وفي الرد على هذا الاتجاه نجد منتقديه يتساءلون ... كيف يمكن للجهاز عديم الإرادة أن يبرم عقد الوكالة بينه وبين المتعاقد مصدر النيابة المزعومة ؟ .
    وفي سبيل البحث عن رأي يفض هذا الخلاف القائم ذهب بعض الفقه العربي إلى أن الجهاز الالكتروني لا يخرج عن كونه أداة أو وسيلة في يد المتعاقد ، يستعملها كما يستعمل الأوراق والأقلام في التعبير عن إرادته ، فالجهاز مجرد وسيلة للتعبير عن إرادة المتعاقد وإعلانها للمتعاقد الآخر ، فإذا استخدم المتعاقد جهازا الكترونيا فإن الإرادة التعاقدية سواء كانت إيجابا أم قبولا لا تنسب إلى الجهاز وإنما تنسب إلى المتعاقد الذي استخدم الجهاز وسخره لخدمته(24) .
    وأخيرا من نافلة القول أنه رغم هذا الاختلاف الفقهي إلا أن الجميع مجمعون على تسويغ التعاقد الالكتروني وإن اختلفت الأسانيد ، كما أن التعاقد باستخدام الوسائط الالكترونية أصبح واقعاً وأمراً مسلماً به وذلك ما تجلى في تنظيمه تشريعيا في بعض بلدان العالم .
    وبعد أن أوضحنا جواز التعاقد باستخدام الوسائط الالكترونية ننتقل الآن إلى بيان ماهية العقد الالكتروني .

    ثانيا : ماهية العقد الالكتروني :-

    يتميز العقد الالكتروني بصفته العالمية التي تغطي كل دول العالم لكونه يتم في معظم الأحيان عن طريق شبكة المعلومات ( الانترنت ) كما يتميز أيضا بصفته الانفتاحية فالشبكة متاحة لكل من يرغب الدخول فيها ، ويتميز العقد الالكتروني أخيرا بصفته الالكترونية لكونه يتم بواسطة أجهزة وبرامج الكترونية تنقل إرادة المتعاقدين بعضهم إلى بعض دون حضور مادي معاصر لهم وبالتالي فهو عقد ينتمي إلى طائفة العقود عن بعد .
    وقد عرف التوجيه الأوروبي الصادر في 20 مايو 1997 والمتعلق بحماية المستهلك في العقود المبرمة عن بعد Remote Contract بأنه : " عقد متعلق بالسلع والخدمات يتم بين مورد ومستهلك من خلال الإطار التنظيمي الخاص بالبيع عن بعد أو تقديم الخدمات التي ينظمها المورد والذي يتم باستخدام واحدة أو أكثر من وسائل الاتصال الالكترونية remote communications حتى إتمام العقد".
    وبهذا العرض الموجز لخصائص العقد الالكتروني ومميزاته يسهل لنا بيان ماهيته من خلال الوقوف على تعريفات الفقه في النظامين اللاتيني والأنجلوسكسونى .
    فقد عرفه جانب من الفقه الأمريكي بأنه :" هو ذلك العقد الذي ينطوي على تبادل للرسائل بين البائع والمشترى والتي تكون قائمة على صيغ معدة سلفا ومعالجة الكترونيا وتنشئ التزامات تعاقدية "(25) .
    ويعرف بعض الفقه اللاتيني العقد الالكتروني بأنه " اتفاق يتلاقى فيه الإيجاب والقبول على شبكة دولية مفتوحة للاتصال عن بعد وذلك بوسيلة مسموعة مرئية ، وبفضل التفاعل بين الموجب
    والقابل "(26) . ويأخذ بعض الفقه(27) على هذا التعريف أنه جاء ناقصا حيث لم يبين النتيجة المترتبة على التقاء الإيجاب والقبول ، وهى إحداث أثر قانوني وإنشاء التزامات تعاقدية .
    وحيث أن العقد الالكتروني عبر شبكة الانترنت يتميز بأنه يتم في الغالب على المستوى الدولي فقد ذهب البعض إلى تعريف عقد التجارة الالكتروني الدولي بأنه " العقد الذي تتلاقى فيه عروض السلع والخدمات بقبول من أشخاص في دول أخرى وذلك من خلال الوسائط التكنولوجية المتعددة ومنها شبكة الانترنت بهدف إتمام العقد "(28) .
    وتجدر الإشارة إلى أن عملية التعاقد الالكتروني تشتمل بخلاف الإيجاب والقبول على العديد من المعاملات الالكترونية مثل العروض والإعلان عن السلع والخدمات وأوامر الدفع الالكترونية وغير ذلك .
    ومما سبق يمكن أن نعرف العقد الالكتروني تعريفا موجزا يتفادى الانتقادات الموجهة للتعريفات السابقة وذلك بقولنا أن العقد الالكتروني هو " العقد الذي يتم انعقاده بوسيلة الكترونية بقصد إنشاء التزامات تعاقدية "(29)
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

  4. #4

    افتراضي المطلب الثالث : الشكلية في التعاقد الالكتروني

    تمهيد

    الأصل في العقود هو الرضائية ، بمعنى أن العقد يبرم بمجرد أن يتبادل المتعاقدان التعبير عن إرادتيهما دون حاجة إلى إجراء آخر ، وينطبق ذلك بطبيعة الحال على العقد الالكتروني .
    واستثناءاً من ذلك قد يتطلب القانون إفراغ التراضي في شكل محدد وهو ما اصطلح على تسميته بالعقود الشكلية les contrats solennels .
    والعقود الشكلية : هي مجموعة العقود التي لا يكفي لإبرامها مجرد التراضي وإنما يشترط فيها القانون مراعاة شكل خاص بدونه لا يوجد العقد قانونا ولا يرتب أثرا ولا يمكن الاحتجاج به(30) .
    والشكل الذي تشترطه القوانين المعاصرة غالبا ما يكون الكتابة في ورقة رسمية يقوم بتحريرها شخص مكلف قانونا ، وهو الموثق الرسمي أو محرر العقود . ومثال العقود الرسمية "الشكلية " هبة العقار ( 477/1 )


    (31)
    مدني ليبي، وعقد الرهن الرسمي ( 1034/1 )

    (32)
    مدني ليبي.
    وقد تكون الشكلية في صورة الكتابة العرفية أي بدون تدخل محرر العقود. مثالها ما نصت عليه المادة ( 855 ) مدني ليبي من الاتفاق كتابة على إنشاء ملكية الأسرة بين أشخاص إذا كانوا أعضاء أسرة واحدة تجمعهم وحدة العمل أو المصلحة دون أن تشترط الرسمية في الكتابة.
    والكتابة باعتبارها ركنا لا يتم التعاقد إلا به تستدعي تمييزها عن الكتابة اللازمة للإثبات

    (33)
    ، ففي الحالة الأخيرة ينعقد العقد ويرتب آثاره كاملة في مواجهة أطرافه غير أنه إذا ثار نزاع بشأنه تكون الكتابة لازمة للإثبات .
    وأحب أن أشير في هذا المقام إلى أن البعض يخلط بين الإجراءات التي يشترطها المشرع في بعض الأمور لأهميتها كتسجيل عقود بيع العقارات وفقا لأحكام التسجيل العقاري وبين الشكلية ، حيث يعتبر تلك الإجراءات من قبيل الشكلية .
    والذي نراه – منضمين في ذلك إلى بعض الفقه(34) – أن التسجيل ليس ركنا شكليا في العقد

    (35)
    ولا تتوقف صحة العقد على وجوده ، وإنما هو شرط لإمكان تنفيذ البائع لالتزامه ، فلا تنتقل الملكية للمشتري إلا بتسجيل العقد ، وهنا يظهر الفارق بين الركنية في العقد وغيرها ، فلو كان التسجيل ركناً لما وجد العقد ، ولكنه باعتباره ليس كذلك فإن العقد يكون صحيحا ويجوز للمشتري إلزام البائع بالقيام بإجراءات التسجيل العقاري حتى تنتقل له ملكية العقار، فإن رفض البائع ذلك جاز للمشتري المطالبة قضاءاً بالحكم له بصحة ونفاذ العقد، فإذا ما حكم له بذلك سجل حكمه وحق له طلب تثبيت ملكيته استنادا إلى الحكم الذي يقوم مقام العقد بعد تسجيله .
    وإذا كان هذا هو مفهوم الشكلية يحق لنا التساؤل حول إمكانية استيفاء الشكلية بنفس الطريقة عند إبرام العقد الالكتروني ؟ بمعنى هل مناط الشكلية الكتابة على الورق أم أنها تستوعب الكتابة الالكترونية ؟ وهل يقوم التوقيع الالكتروني مقام التوقيع العادي(36) الذي يشترطه القانون في بعض الأحيان ؟
    نجيب على هذه التساؤلات في فرعين متتاليين نبرز في الأول الإشكالية القائمة ثم نفرد الثاني لعرض أهم الحلول التشريعية والتطبيقية التي اقترحت في هذا الصدد.
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

المواضيع المتشابهه

  1. ما يخص الجريمة الالكترونية
    بواسطة مستشارمدحت في المنتدى رسائل دكتوراة وماجستير
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 04-21-2014, 06:39 PM
  2. المحررات الالكترونية
    بواسطة شمس الدين في المنتدى القانون المدنى
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 08-19-2010, 06:20 AM
  3. خطة بحث في التجارة الالكترونية
    بواسطة هالة صيام في المنتدى منتدى مناقشة أبحاث التخرج
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 09-30-2009, 08:26 PM
  4. قانون امارة دبي الخاص بالمعاملات والتجارة الالكترونية
    بواسطة دكتور سامح في المنتدى قوانين الإمارات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-17-2009, 11:24 PM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •