ومع ظهور الإسلام وانتشاره في الجزيرة العربية شهد فن الحرب تطوراً مهماً كان أساسه العامل المعنوي وتكتيك السرعة والحسم وخفة الحركة التي تمتعت بها القوات العربية في مواجهة جيوش فارس وبيزنطة، وقد ابتكر قادة المسلمين تراتيب قتال مناسبة لما تملكه جيوشهم من هذه الميزات وخاصة الفرسان والهجّانة، واستفاد سيف الله خالد بن الوليد من هذه الميزات في مسيرته الشهيرة من العراق إلى الشام في تسعة أيام قبيل معركة اليرموك، وكان له قصب السبق في ترتيب الخميس (الجيش في كراديس خمسة) المؤلف من القلب والجناحين ومقدمة ومؤخرة عند خوض المعركة الحاسمة. كذلك حقق المسلمون بقيادة طارق بن زياد نجاحاً كبيراً في عمليات الإنزال في الأندلس على قلة ما توافر لهم من السفن، وكان لهم قصب السبق في عمليات الحصار بعزل المدن والقلاع المحاصرة في فتوح آسيا والشمال الإفريقي بالتوغل العميق في أراضي العدو ومنع النجدات من الوصول إليها، وفي زمن الحروب الصليبية، وخاصة في أيام نور الدين وصلاح الدين توصلت القوات العربية الإسلامية إلى تطوير طرائق اقتحام القلاع وخرق الأسوار بالنّقب والتلغيم، وإنهاك العدو برمايات الخيالة الخفيفة. وبعد اختراع البارود واستخدام المدفعية بكثافة تبدلت طبيعة الأساليب التكتيكية وتراتيب القتال، وتعد معركة مرج دابق بين العثمانيين والمماليك مثالاً عليها. وبمرور الزمن خرجت إلى الوجود نظريات عن فن الحرب ظلت تتطور وتتماشى مع شروط العصر ونوع العتاد وتنظيم القوات.
تطور فن الحرب في القرنين 18و19م
أحدثت الثورة الفرنسية والحروب الأخرى في أواخر القرن الثامن عشر وفي القرن التاسع عشر تبدلاً كبيراً في طبيعة الحرب وأساليب خوضها والنظريات المتعلقة بها، وأصبح استكمال الجيوش يعتمد على التجنيد، الأمر الذي هيأ الإمكانات لتعبئة جيوش ضخمة وإدخال تبدلات أساسية في تنظيمها وبنيتها ونوعية عتادها، وتبلورت تنظيمات الأركان لتصبح هيئات قيادة متخصصة، وغدت المهمة الرئيسية لأعمال القتال سحق قوات العدو وليس احتلال أرضه. وتتحقق أغراض الاستراتيجية بحشد القوى الرئيسية على الاتجاه الحاسم وسحق قوى العدو في موقعة عامة تضمن النصر. وفي الوقت نفسه ازدادت فاعلية الدفاع الاستراتيجي من أجل تهيئة الشروط المناسبة لسحق العدو والمحافظة على الأرض. كذلك طرأت تبدلات جذرية على التكتيك وأساليبه ارتكزت على تحقيق التفوق الحاسم بالقوى والوسائط على قطاع الهجوم والمناورة مع الاحتفاظ باحتياطات قوية. واستخدم نابليون بونابرت المدفعية بكثافة عالية وبرع في المناورة بالاحتياط على نطاق واسع من أجل تحويل مجرى المعركة.
وكان لبناء السكك الحديدية واختراع البرق الكهربائي والبارود اللادخاني والمدفعية والأسلحة النارية المحلزنة السبطانات واستخدامها في أعمال القتال على نطاق واسع أثر كبير في تبدل الاستراتيجية والتكتيك وصورة الأعمال الحربية عامة، فازدادت سرعة حشد القوات وفتحها وتموينها، وتوافرت وسائل قيادتها واتصالاتها، وازداد مدى الأسلحة وسرعة الرمي ودقته، فاضطرت القيادات إلى التخلي عن نظام الأرتال والتحول إلى ترتيب الأنساق والسلاسل.