مقاصد علم الحرب
يهدف علم الحرب عامة إلى وضع الأسس التي تكفل حماية مصالح الدولة عامة والدفاع المسلح عنها خاصة، ويُبنى على المذهب العسكري الذي تتبناه الدولة وعلى عقيدتها السياسية والفئات التي تحكم أمورها وتسيّر مصالحها. ويختلف مضمون علم الحرب اختلافاً جذرياً بين الدول بسبب اختلاف بنيتها الاجتماعية ونظام الحكم فيها واختلاف مصالحها القومية أو الاقتصادية أو الاستعمارية أو التوسعية. فالثورة العلمية - التقنية التي يشهدها العالم اليوم تستدعي تنوعاً وتكاملاً بين المعارف العلمية والتقنية، وتؤدي بالضرورة إلى ظهور مجالات وتفرّعات واتجاهات جديدة في أكثر العلوم. ومن الطبيعي أن يخضع علم الحرب لمثل هذا التنوع، وأن يكون تطوره مرهوناً بالنظريات التي يطرحها المنظّرون وتوجهات القيادة السياسية وتعميم الخبرة التاريخية وتحليل مختلف أوجه نشاط القوات المسلحة في زمني السلم والحرب، وكذلك توقع أساليب خوض القتال وإدارته في المستقبل، ودراسة الأعداء المحتملين من جميع الأوجه مع مراعاة ما يطرأ من تطورات على العلاقات الدولية والمواقف السياسية والعوامل الاقتصادية ومصادر التسلح.
الأسس المعتمدة في تنظيم القوات وقيادتها
يسعى القادة والمنظّرون العسكريون دائماً لمراعاة الشروط التي تؤدي إلى تحقيق النصر من دراسة الحملات العسكرية والمعارك الحربية والموازنة بين الأوضاع والأحوال المتشابهة في الحروب وسلوك القادة والقوات والنتائج التي نجمت عنها. وعلى هذا الأساس تتكَّون لدى القيادة عفوياً أفكار محددة عن ارتباط قراراتهم وأعمال قواتهم القتالية بأوضاع الحرب الظاهرة لهم، وبضرورة التمسك بالنماذج الإيجابية من قراراتهم ومن نشاط القوات المسلحة. ومع الزمن ثبت أن الخبرة المتوارثة عبر التاريخ العسكري من أهم مصادر المعرفة، وأن معظم مظاهر العنف تنطلق من المواقف السياسية والإمكانات الاقتصادية للدولة التي يمكن أن يشملها مصطلح الاقتصاد السياسي، وهو العلم الذي يحدد الغايات التي تهدف إليها الدول المتخاصمة في أي نزاع مسلح استناداً إلى ما في حوزتها من المصادر البشرية والاقتصادية والدبلوماسية، وإلى التقسيمات السياسية الجغرافية (الجيوبوليتيك) التي تسود العالم في العصر الحديث. ولما كان جوهر الحرب هو العنف، فإن الغاية كانت دائماً إخضاع الخصم لإرادة الطرف الذي يلجأ إلى العمل العنيف الذي هو وسيلته إلى تحقيق تلك الغاية، أي نزع أسلحة العدو وحرمانه من استعمالها، وهو الهدف من أي عمل عسكري أو حربي. مع أن مبادئ الحرب ما زالت كما هي لم تتبدل. وقد كانت التبدلات التقنية التي طرأت على وسائل الحرب سريعة ومستمرة في القرن العشرين ومطلع القرن الحالي إلى درجة حولت العلماء والمخترعين إلى أداة مهمة في أي صراع مسلح كما هو شأن العسكر ورجال الدولة. وكانت الحرب العالمية الأولى (1914-1918) أول نزاع شامل استخدم فيه الطرفان المتحاربان كل مصادر الصناعة والإمكانات العلمية المتوافرة، وبعد نحو ثلاثين عاماً دمر السلاح النووي مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين (6 و8 آب 1945).
لقد أوجدت التنظيمات العسكرية في ضوء التطورات السياسية والتقنية الحديثة نماذج خاصة بها ( كالأركان العامة والقيادات العليا ومجالس الأمن القومي وغيرها) شكلت العامل الثالث في الحرب، فهي التي ترسم طرائق تجنيد الناس وتدريبهم وإعدادهم للحرب وقيادتهم وإمدادهم بما يلزم، وهي تقدم للقيادة السياسية مقترحاتها وتصوراتها، وتؤثر في قراراتها. وهي تتنافس فيما بينها حيثما كانت، ويبقى دورها وتأثيرها في موضوع الحرب والسلم موضع اعتبار وأثر.