وفي ختام البحث ذكر الباحث أهم النتائج التي توصل لها:
حيث قال: ظهر من دراسة موضوعات هذه الرسالة، نتائج مهمّة؛ يمكن إجمالها في البنود التالية، بعد تقسيمها إلى مجموعتين:

المجموعة الأولى: النتائج الكلية من دراسة فقه السياسة الشرعية في علم السير، وغيرها:
1) بيان الحد الفاصل بين الثابت والمتغير في فقه علم السير؛ وقد اتضح ذلك بما نهجه البحث من تقسيم السياسة الشرعية إلى مدلولين .. عام ( ثابت )، وخاص (متغير)؛ وثبوت وجوده في الفقه الشرعي الأصيل، تنظيراً وتطبيقا؛ فقد اتضح بالنظر في تعريفات السياسة الشرعية عند المتقدمين والمتأخرين - مما أمكن الإطلاع عليه- أنها تطلق على معان مجزّأة تكاد تنحصر في مفهومين، عام وخاص.
أمَّا المفهوم العام، فهو إطلاق السياسة الشرعية على: الأحكام، والتصرفات التي تُّدَبَّر بها شؤون الأمّة، ويدير بها الحاكم رعيته بما يحقق مصلحتها، سواء استند في ذلك إلى دليل جزئي نصيّ خاص، أو إلى قواعد الشريعة العامة، ومقاصدها. وهي حينئذ ترادف (الأحكام السلطانية).
وأمَّا المفهوم الخاص، فهو إطلاق السياسة الشرعية على: الأحكام والنظم التي تُدَبَّر بها شؤون الدولة الإسلامية، التي لم يرد فيها نص تفصيلي (أو جزئي)، أو التي من شأنها التَّغَيُّر والتَّبَدُّل، بما يحقق مصلحة الأُمَّة، ويتفق مع روح الشريعة وأصولها العامَّة.
2) البيان العملي لما ينفيه العلمانيون -من المنظِّرين الأجانب وتلاميذهم (حقيقة أو فكراً) من بني جلدتنا- ومن سلك مسلكهم، من خصائص الشريعة الإسلامية، ألا وهما خاصيتا الشمول والمرونة، مع تأكيد ذلك بالبرهان النظري.
3) إظهار فقه أهل الإسلام وبيان طريقتهم في دراسة النصوص الشرعية من حيث الكلية والجزئية، وسلوكهم طرائق استنباط دقيقة منضبطة، وبيان سبقهم فيما وصلوا إليه من نتائج، لأحدث ما وصل إليه التراكم المعرفي القانوني الطبيعي في مراحل تطوره المختلفة.
4) بيان سبب من أهم أسباب الاختلاف الفقهي بين أئمة الفقه، في جملة من مسائل البحث؛ ألا و هو: الاختلاف في إدراج مسألة ما من مسائل فقه السير، ضمن مسائل السياسة الشرعية بمعناها الخاص؛ ما بين مدخل لها فيها، ومخرج لها منها، وفق ما وصل إليه اجتهاد كل منهم في فهم جملة من الأدلة، أو في فهم نوع التصرف النبوي في فعل من الأفعال، ونحو ذلك.
5) تأكيد كون مصادر الشريعة الإسلامية، هي أساس الشرعية الإسلامية العليا؛ وأنَّ إطار ذلك أوسع مما قد يظنه بعض الباحثين؛ إذ تجلّى أنَّ ما لم يخالف الشريعة الإسلامية فهو منها، كما هو الشأن فيما وافقها؛ ومن ثمّ فلا يُتحرّج في الإفادة من تجارب الأمم الأخرى، فيما ثبت نفعه، مما لا مخالفة فيه للشريعة الإسلامية.
6) أنَّ الموازنة بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية؛ يجب أن تُسبق بالموازنة بين أصول الشريعة وخصائصها، وبين أصول القوانين وما توصف به من صفات؛ مع مراعاة الفروق بين المصطلحات الشرعية والفقهية، وبين المصطلحات القانونية؛ وأنَّ الانطلاق في الموازنة عبر مسارات جزئية لا تراعي ما ذكر، تجعل الموازنة غير موضوعية، بل ولا واقعية. كما يجب الانطلاق عند الموازنة من قاعدة الشريعة، لبيان ما يندرج فيها وما لا مدخل له في الشرعية الإسلامية؛ فإنَّها شريعة الله.
7) أنَّ دراسة علم السير (علاقة دولة الإسلام بغيرها)، فقه شرعي، كغيره من مسائل الفقه، يؤخذ من مصادر الشريعة الإسلامية التي يرجع إليها في بحث بقية الأحكام الشرعية وهي الكتاب والسنة والإجماع وما تفرغ عن ذلك من مصادر؛ وعليه فلا يؤخذ علم السير من أخبار المغازي التي لم تثبت من جهة الإسناد، ولا من الأحداث التاريخية التي مرّت في بعض عصور الدولة الإسلامية، كما هو صنيع بعض الباحثين؛ فالتاريخ مصدر عظة واعتبار، لا مصدر تشريع، اللهم إلا أن يذكر على سبيل عرض تجارب الأمم، وبيان المفيد منها، ليس إلا.
8) أهمية الدراسة التحليلية للفقه الإسلامي، لتمييز الثابت والمتغير، وكشف تقعيداته؛ للإفادة العملية منها.
9) أهمية العناية بأسباب الخلاف وكشفها من خلال النظر في أوجه الاستدلال عند المخالفين مع ما ينصّون عليه من ذلك، وأنّ ذلك خطوة عملية مهمّة للوصول إلى فهم نوع الخلاف من حيث كونه حقيقياً أو لفظياً، ومن ثم بيان شكليته وضم المسألة لجملة مسائل الاتفاق، أو الوصول إلى الراجح إن كانت المسألة مسألة خلاف حقيقي.
10) أنَّ السياسة الشرعية إطار فقهي لمسائل ذات صفات محدّدة لا يمكن أن تتعارض مع نصوص الشريعة وقواعدها؛ فإذا ما لوحظ تفريع مسألة أو تخريجها تتعارض مع ذلك، تبيّن خروجها عن وصف الشرعية؛ وبهذا يظهر الحد الفاصل بين السياستين الشرعية والوضعية؛ وبالخروج عنه تخرج المسألة عن الميزان الذي وضعه الله -عز وجل- للإنسان .
11) أنَّ دراسة أحكام الشريعة الإسلامية عامّة، وأحكام السياسة الشرعية خاصّة، سبب من أسباب زيادة الإيمان بالله -عز وجل- ودينِه الحقّ؛ فإنَّ لها صبغة لا تعرفها القوانين؛ ومذاقاً لا يعرفه الملحدون؛ مسلّمة لا شية فيها؛ من عرف قدرها وتأمّل أسرارها و حكمها جزم بأنَّها العدل كل العدل، والحق كلّ الحق؛ وصدق الله العظيم:{صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون} [ سورة البقرة ]. ولقد وجدها ابن القيم، فلخصها في قوله: "من له ذوق في الشريعة، واطلاع على كمالها وعدلها وسعتها ومصلحتها، وأنّ الخلق لا صلاح لهم بدونها البتة: عَلِم أنَّ السياسة العادلة، جزءٌ من أجزائها، وفرع من فروعها، وأن من أحاط علماً بمقاصدها، ووضعها مواضعها، لم يحتج معها إلى سياسة غيرها البتة"([4]).