أهمية الموضوع:
إن تطور التقنية والجاهزية العسكرية لدى الدول ، جعلتها تنتج الفنون المختلفة من الأسلحة المتطورة ، ومن ضمنها الألغام المستخدمة من قبل الدول – لا سيما الصناعية منها – بصورة أذهلت المهتمين والمفكرين بالقانون الدولي الإنساني ، وبخاصة بعد أن أظهرت الحروب وحالات القلق والصراع بين الدول النتائج الضارة التي لحقت البشرية جراء استخدام مثل تلك الأسلحة .
وأظهرت تلك النتائج أن الألغام عدوٌ دائم لا ينام، ولا تنتهي صفته العدائية لمجرد أن تضع الحرب أوزارها، بل يستمر إلى أن يتم الدوس عليها من قبل الضحية، فضلا عما توفره هذه الألغام من مزايا عسكرية تشعر به الدول المتحاربة، اذ تجد بغيتها من اليقظة والتركيز على عدوها، فهو كما يقال "الجندي الذي لا ينام"، إذ يظل بتربص بالضحية إلى أن يصيبه بدون هوادة أو تراجع.
فهذه الألغام الصغيرة الحجم والأقل تكلفة، هي الوسيلة القاتلة والأكثر ضرراً على الإنسان والأكثر خطراً على البيئة، فاللغم الذي لا يكلف ثمنه سوء ثلاثة دولارات، ولا يكلف واضعه شيئاً تقريباً، فان نزعه يكلف من ثلاثمائة إلى ألف دولار، وانفجاره يؤدي بحياة الإنسان الذي تقع قدمه عليه، أو إصابته بالإعاقة التي يظل مردودها السلبي ملازماً له مدى الحياة، ويظل رهن العلاج الطبي، ناهيك عن الخسائر في الثروات الحيوانية التي تنعدم بسبب مرورها في مواقع ملغومة، ناهيك عن تلوث البيئة، وبقاء مساحات شاسعة من الأرض خارج إطار التنمية، سيما إذا كانت تلك الأرض زراعية، فان التهديد يتسع ليمس الأمن الغذائي، والذي يعد واحدا من الموضوعات والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية التي يحرص على تحقيقها وطنياً و إقليمياً ودولياً، وكل ذلك يجعل مشكلة الألغام أكبر أزمة صنعها الإنسان بيده ويعيشها في الوقت الراهن.
أهداف البحث:
وفي ظل غياب التعاون بين الدول الغنية والفقيرة، المتقدمة والنامية، ظهرت عدم قدرة الدول الفقيرة على تطهير أراضيها بسبب الغموض في مواقف الدول المتقدمة، وإخفاء المعلومات عن مواقع زراعة الألغام لتسهيل مهام الدول المتضررة في إزالة الألغام المزروعة وأثارها المدمرة.
كل ذلك جعل المفكرين والمهتمين بالعلاقات الدولية والقانون الدولي الإنساني يعكفون على دراسة المشكلة، ومحاولة الإتيان بقواعد دولية تلزم الدول بالتعاون لإزالة الألغام، ومحو آثارها، سواء بمنع زرعها في أراضيها أو أراضي غيرها، أو نقلها أو تصنيعها أو تصديرها للدول الأخرى، وذلك بعقد مؤتمر جنيف، الذي تمخضت عنه اتفاقية جنيف لعام 1980م بشأن حظر استخدام أسلحة معينة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر » اتفاقية حظر أو تقييد أسلحة تقليدية معينة« نجم عنها تذكرة بمبادئ السلام والأمن الدوليين، انطلاقا من مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها، القاضية بأن استخدام الطرفين المتنازعين والمتحاربين لكل الوسائل مقيدة بأحقية السكان المدنيين والمقاتلين بالتمتع بحماية مبادئ القانون الدولي والأعراف الإنسانية، وما يمليه الضمير العام، وكذا حماية البيئة التي يعيش عليها الإنسان في أثناء النزاعات المسلحة، الأمر الذي حدا بالمشاركين من الدول الأطراف إلى ترتيب الأحكام التي تنسجم مع هذه المبادئ، وبالقدر الذي دعت إليه تلك الاتفاقية، كخطوة أولى إلى الحد من استعمال أسلحة تقليدية معينة من ضمنها الألغام.
كما واصلت جهود المشاركين في هذه الاتفاقية إلى إيجاد البروتوكولات الملحقة، لإيجاد تفصيل أدق وأشمل لهذه الأسلحة المحظورة، كتلك التي دعت إلى تنظيم استعمال الأسلحة التي تنتج منها شظايا لايمكن كشفها بالأشعة السينية لتأثيرها على جسم الإنسان، وتلك المتعلقة بحظر أو تقييد استخدام الألغام والأشراك والنبائط الأخرى، وكذا الخاصة بالأسلحة الحارقة، وكذا الخاصة بأشعة الليزر المسببة للعمى الدائم ،وفي خطوة أخرى، فقد تطورت الجهود الدولية في مجال تقييد استعمال الألغام، إلى أن وصل بها الأمر إلى تدوين اتفاقية أوتاوا سنة 1997م، بشأن حظر استعمال وإنتاج ونقل الألغام، وتدمير المخزون منها، لأجل إنقاذ البشرية من ويلات هذا النوع من الأسلحة، ومتضمنة الجهود الحثيثة لحظر استخدام الألغام المضادة للأفراد، مشيرة إلى الأسس والأعمال المشتركة والندوات التي أبرزت مثل هذه المشكلة بصورة مباشرة وغير مباشرة.
وجهود اليمن لم تقل أهمية في هذا الشأن، لأن أراضي الجمهورية اليمنية قد ابتليت كغيرها بهذه الأزمة الخطيرة، وتم زراعة أعداد هائلة منها في أراضيها عبر مراحل تاريخية متتابعة، جنت ثمارها الأجيال المتعاقبة، فبين الفينة والأخرى نسمع عن إصابات وحالات قتل وتشويه وإعاقات مختلفة في أجزاء متفرقة من الوطن الحبيب. فقد نشطت في هذا المضمار، وسعت بجهودها التشريعية والعملية إلى إصدار مجموعة من التشريعات القانونية للحد من آثار هذه الألغام، أردفتها بجملة من التدابير العملية، التي سعت من خلالها إلى تطهير الأراضي والمناطق المتضررة من هذه الألغام، مستندة في ذلك إلى الشريعة الإسلامية والشرعية الدولية الداعية إلى تطهير الكرة الأرضية من الألغام.