رابعاً: التطورات الأساسية داخل اللجنة الدولية للصليب الأحمر والعلاقة بينها وبين الهلال الأحمر رابعاً: التطورات الأساسية داخل اللجنة الدولية للصليب الأحمر والعلاقة بينها وبين الهلال الأحمر:
1. تطورات الأساسية داخل اللجنة الدولية للصليب الأحمر:
خضعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر لإعادة تنظيم جوهرية، بناء على دراسة، استغرقت سنتين، حول مستقبلها، وهو ما عرف باسم مشروع المستقبل، وهدفه تعزيز فاعلية اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وتحسين قدرتها على أداء المهام، التي ائتمنتها عليها الدول الموقعة على اتفاقيات جنيف.
أريد بتلك التطورات أن تعزز اللجنة الدولية للصليب الأحمر قدراتها، وأن تطوِّر أسلوبها وأهدافها، لمواجهة التحديات، التي أوجدتها الظروف الجديدة، من خلال دعم القانون الإنساني ونشره، من جهة وتطوير أنظمة الاتصالات، من جهة أخرى، بدمج الوحدات، المسؤولة عن هذه الأنشطة. وتم، كذلك ، دمج أقسام المساعدات والصحة.
كان هناك هدف آخر لهذا التطوير؛ وهو إعطاء استقلال واسع، ومسؤولية أكبر، للفرق العاملة في الميدان، مما يضمن تقوية روابط الفريق، وينعكس، بالتالي، على كفاءة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، حول العالم. وسُميت السياسة الجديدة، التي يتم في ضوئها مزاولة القيادة العامة في الميادين المختلفة، "التخطيط لتحقيق نتائج" Planning for Results، وأصبحت الهيئة الأساسية أكثر قرباً، وأكثر معرفة بالاحتياجات الإنسانية.
وأخيراً، عمدت الإدارات المركزية للجنة الدولية للصليب الأحمر إلى تطوير أعمالها، وفق التغيير الجديد، فظلت الجمعية العمومية تهتم بالسياسات العامة. أما المجلس التنفيذي فتمّ الاستعاضة عنه بمجلس تشريعي، مكون من خمسة أعضاء من الجمعية العمومية والمدير العام. يجتمعون مرة في كل أسبوع، ويناقشون تنفيذ الأهداف والاستراتيجيات، التي وضعتها الجمعية العمومية. وتظل الجمعية العمومية مع المجلس التشريعي مسؤولين عن مراقبة تنفيذ أنشطة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي تُصْدِر بهذا الخصوص تقريراً سنوياً، بلغات مختلفة، منها الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والعربية، والأسبانية.
2. الصليب الأحمر والهلال الأحمر[1]:
أثير موضوع الشعار الذي اختارته اللجنة الدولية للصليب الأحمر غير مرة، فما علاقة شعار الصليب الأحمر بشعار الهلال الأحمر، وما العلاقة بين الهيئتين؟.
في عام 1864م، وضعت أسس اتفاقية جنيف، وفكر المجتمعون في وضع شعار لهذه الخدمة الإنسانية. كان الاقتراح الأساسي، الذي عرضه السيد أَبْيا Appia، وهو من الخمسة، الذين حضروا الاجتماع التأسيسي لمنظمة الصليب الأحمر، أن يكون الشعار شارة بيضاء، ثم في النهاية اتفقوا على أن يكون صليباً أحمر على أرضية بيضاء. وأرادوا أن يكون ذلك الشعار عالمياً دون أي إيضاح لطبيعته. ويذكر هنري دونان، أنه هو الذي وضع الشعار، واقترحه في المؤتمر الذي عُقد في برلين عام 1863م. وقد بُحث شكل الصليب، وتم الاتفاق على أن تكون أضلاعه الأربعة متساوية. وفي عام 1906م، أُعلن أن اختيار الصليب الأحمر إنما كان اعترافاً بفضل دولة سويسرا في هذا المجال. وفي عام 1867م، شُكِّلت أول جمعية للإغاثة وهي: جمعية الصليب الأحمر الهولندي، وفي عام 1875م، أصبح الاسم الرسمي هو: لجنة الإغاثة الدولية للصليب الأحمر. لم تشارك الدولة العثمانية في المؤتمر الدولي الذي عقد عام 1864م، ولكنها وافقت على اتفاقية جنيف الأولى، ولما نشبت الحرب بين صربيا والدولة العثمانية عام 1876م، رفضت الدولة العثمانية استعمال شارة الصليب الأحمر، وأعلنت أنها ستستعمل الهلال الأحمر؛ ويعود سبب ذلك إلى أن الحروب الصليبية التي شنتها أوروبا الغربية، ضد المسلمين في الشرق، وخصوصاً في الأماكن المقدسة في فلسطين، بدأت بدعوة من الراهب بطرس الأكبر الذي خلع رداءه، وألقاه على الناس قائلاً لهم: "خذوا ردائي هذا ومزقوه صلبانًا لكم". وهكذا استعمل الجنود أعلاماً، على شكل صلبان، ووضعوها على الدروع الواقية التي كانوا يلبسونها.
وفي عام 1876م، استعملت الدولة العثمانية شعار الهلال الأحمر. وعندما عُقد مؤتمر السلام، في لاهاي عام 1899م، لوضع اتفاقية جنيف الثانية، أكد المندوب التركي أن الدولة العثمانية ستستعمل شعار الهلال الأحمر على سفنها، وتبعه مندوب إيران، الذي طالب باستعمال الأسد والشمس باللون الأحمر، وطالب مندوب سيام باستعمال الشعلة الحمراء. وفي هذا الأثناء، طالب المندوب الأمريكي باستعمال شارة موحدة يرضى عنها الجميع، ولكن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، اعترضت على ذلك بحجة أن مؤتمر لاهاي لا يحق له تعديل الاتفاقية. وعُقد في عام 1906، مؤتمر أعاد النظر في اتفاقية جنيف، وأصر على استخدام الصليب الأحمر، باعتباره شعاراً عالمياً. وفي أثناء المؤتمرات التحضيرية التي عُقدت قبيل المؤتمر الدبلوماسي، في عام 1946م، حاول بعض الأعضاء تأكيد عالمية الصليب الأحمر، إلاّ أن الدول الإسلامية رفضت ذلك، وأصرت على استعمال شعار الهلال الأحمر.
وفي عام 1929م، اعترفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالشعارين الصليب والهلال رسمياً ولما تأسست في كل بلد جمعية للصليب الأحمر، تابعة للجنة الدولة، عُدِّلت المادة الأولى من دستورها لتنصَّ على: "أن هذا الدستور ينطبق على جمعيات الصليب الأحمر الوطنية، وعلى الجمعيات الوطنية في شتى البلدان التي تستخدم شعارات الهلال الأحمر، والأسد والشمس الحمراوين، عوضاً عن شعار الصليب الأحمر". وذلك بما يتفق أيضاً مع نص المادة (81) من البروتوكول الأول لعام 1977م، الذي ألغى ما ورد في المادة (38)، من اتفاقية جنيف الأولى التي تفرق بين الصليب الأحمر والهلال الأحمر. وفي عام 1981م، قرر المؤتمر الدولي الذي عُقد في مانيلا، شطب الأسد والشمس، بطلب من الجمهورية الإسلامية في إيران، واستعمال الهلال الأحمر، وهكذا ظل شعارا الحركة هما الصليب الأحمر والهلال الأحمر.
وراعى المؤتمر الدولي الخامس والعشرون، الذي عُقد في جنيف عام 1986م، التعديلات المختلفة على الدساتير، وأصبح اسمه: "المؤتمر الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر"، وتغير اسم المعرض الدولي للصليب الأحمر، فأصبح اسمه: "المعرض الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر". وأصبحت المنظمات الإقليمية موزعة بين حركة الهلال الأحمر، وحركة الصليب الأحمر، التي تتبع للاتحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر. وعلى الرغم من أن كل حركة منهما تهتم بأنشطة مختلفة، إلاّ أنها تشترك في مبادئ أساسية هي: "الإنسانية، وعدم التمييز، والحياد، والاستقلال، والخدمات التطوعية، والوحدة في إطار الشمولية".
تنفذ المنظمات الإقليمية للصليب الأحمر ، والهلال الأحمر ما يعهد به إليها المؤتمر الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر؛ ومن أجل ذلك تقيم اللجنة الدولية للصليب الأحمر علاقات وطيدة مع المنظمات الإقليمية، وتتعاون معها في المجالات ذات الاهتمام المشترك، مثل حالات الصراع المسلح، ودعوة الدول غير المصدقة على اتفاقيات جنيف للتصديق عليها، ونشر القانون الإنساني ومبادئه الأساسية، وتشرف على تقديم المساعدات الدولية التي يقوم بها الصليب الأحمر والهلال الأحمر. وتقدم اللجنة الدولية للصليب الأحمر المساعدات التقنية والقانونية، لحركات الهلال الأحمر، والمنظمات الإقليمية للصليب الأحمر لتطويرها، وتدريب العاملين فيها على اختلاف مجالاتهم.
كتب رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في العدد الرقم (26)، الصادر في أغسطس (آب) 1992م، من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، يقول في الصفحة الرقم (279): "وينبغي الإشارة إلى أن خطر تكاثر الشعارات نابع من جراء وجود علامتين ترمز كل منهما إلى ديانة معينة، وإذا استتب مثل هذا المغزى في الأذهان؛ فلا بد أن تبرز طلبات أخرى ترمي إلى الاعتراف بمزيد من الشعارات، التي إن تعددت، فقدت قيمتها الإنسانية".
ويبدو أن هذا الكلام كان سببه الطلب الذي تقدمت به إسرائيل لاستخدام نجمة داود الحمراء، على الرغم من أنها ترفض تطبيق القانون الإنساني وعلى الأخص اتفاقية جنيف.
كان الاتحاد السوفيتي السابق يجمع بين الشعارين: الصليب والهلال، وعقب انهيار الاتحاد السوفيتي، وحصول الدول التي كانت تنضوي تحت لوائه على استقلالها، أرادت بعض هذه الدول استخدام الهلال، وأخرى استخدام الصليب وحده، بينما أرادت دول أخرى استخدام الشعارين، كما كان الحال عليه من قبل. وقد أنكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر على الدول التي أرادت استعمال الهلال حقها في ذلك، مع أنه كان موجوداً، من قبل، في الشعار الذي كان يستخدمه الاتحاد السوفيتي.
وقفت جمعية الصليب الأحمر نفسها، منذ تأسيسها، على خدمة الجرحى، ومساعدتهم على اختلاف المذاهب والجنسيات، فخفَّفت شيئاً من أحوال الحروب، وقلَّلت من بلاياها، ونشرت راية السلام. وكان فرح دونان عظيماً عندما رأى مشروعه مكللاً بالنجاح، ورأى أن مهمته قد انتهت، ونال في عام 1901م، جائزة نوبل للسلام. لكن الإيحاءات الدينية، التي يحملها الشعار، الذي اتخذته اللجنة الدولية جعل البعض يظن أنها منظمة دينية تتستَّر وراء مهماتها، للتمييز بين الناس، حسب مذاهبهم، ومعتقداتهم، في بعض مناطق العالم، منحرفين بذلك عن المبادئ، والأهداف، التي وضعها المؤسسون.
إن أسلوب اللجنة، في انتقاء العاملين في إدارتها، من السويسريين ضمان تام لخصوصية المعلومات، التي تحصل عليها اللجنة في أثناء تأدية مهامها، وهذا يجعلها موثوقة لدى كل الأطراف في الخصومات. وإن وجود المدنيين السويسريين في الإدارة ضمان للحياد والقبول؛ لأن بلدهم تمكنت من تجنب الحروب، على مدى قرنين من الزمن، ولو تغير هذا النظام (وجود السويسريين في الإدارة وحدهم)، لربما أصبحت اللجنة نفسها ساحة قتال، مما يعرقل الأعمال الخيّرة التي تؤديها.




[1] الهلال الأحمر: بالإنجليزية ` Red Crescent` ، وبالفرنسية ` Croissant Rouge` ، واتخذت الكلمة في عام 1863م، معنى مشتقاً من الكلمة الألمانية ` Hornchen` ، ويدل على نوع من الحلوى أصبح يصنع في النمسا بعد انتصار النمساويين على الأتراك في عام 1689م، وأخذت شكلها من العلم التركي الذي يحتفل النمساويين كل صباح بانتصارهم عليه. وقد شاعت هذه الحلوى (الكرواسان)، في البلاد الإسلامية دون الانتباه إلى دلالتها التاريخية.