الفصل
الثاني التحليل الذاتي





ظهرت آراء تصف البطاقة ذاتها ككيان مادي، حيث
يجد جانب من الفقه أن الحديث عن طبيعة البطاقة المصرفية يقتصر على النظر لها دون
العلاقات الناشئة عنها، خاصة بغياب الأحكام القانونية التي تحكمها
للوصول إلى تطبيق أحكام نظام قانوني قائم عليها. لذا إتجه فريق من الفقهاء إلى
محاولة إخضاع البطاقة إلى أحكام قانون الصرف كونها تقوم بدور الشيك، كأداة دفع
نقدية
إن لم تكن عبارة عن شيك يتم صرفه خلال ثوان، بينما يرى فريق ثان من الفقهاء بأن
البطاقة ما هي إلا إعتماد من الاعتمادات المصرفية أو عقد قرض وأخذ رأي ثالث بأن البطاقة المصرفية وسيلة دفع بديلة من ناحية النظر إلى اهدافها
وغاياتها، فهي يمكن أن تكون صورة أخرى من صور العملة. ويرى جانب رابع أن البطاقة
هي ذات طبيعة مختلفة تمثل وسيلة وفاء عير تقليدية. وإزاء هذا التعدد في الآراء نجد
من المفيد إجراء مقارنات بين نظام البطاقة المصرفية وكل رأي من الآراء المطروحة،
حتى نصل إلى رأينا في الموضوع.






المبحث الأول: إخضاع نظام البطاقة
المصرفية لقواعد قانون الصرف



يرى بعض الفقهاء أن البطاقة المصرفية ستحتل مع
مرور الزمن دور الشيك كأداة وفاء، وينظر هؤلاء الفقهاء إلى الودائع المصرفية على
أنها نقود، يتم نقل ملكيتها من شخص لآخر بواسطة الشيك، الذي هو عبارة عن امر موجه
من صاحب الوديعة إلى البنك كي يدفع لأمره أو لحامله أو لأمر شخص آخر مبلغا معينا
من النقود. ويقوم التشابه بين البطاقة والشيك في كونهما:



1. وسيلة
نقل مديونية من شخص لآخر.



2. لا
يتوافر لكليهما شرط القبول العام.






تفسيرا للطبيعة القانونية لنظام البطاقة
المصرفية للاعتبارات الآتية:



1. في
الواقع يلتزم البنك (مصدر البطاقة) بصفة اصلية بالوفاء للتاجر عما نفذه حامل
البطاقة من مشتريات، في حين أن هذا الالتزام غير موجود في الشيك، لان المستفيد
(الدائن) لا يرتبط بالبنك بعقد أو أي علاقة قانونية أخرى، حيث يقوم البنك بالوفاء
له بصفته وكيلا عن المدين (ساحب الشيك)، فإذا لم يكن للساحب رصيد كاف يحق للبنك
عدم صرف الشيك.






2. في
الشيك يوجد طرفان، وهما المستفيد والمدين وهو الساحب، وينحصر دور المسحوب عليه
(البنك) في كونه وكيلا عن المدين دون أن يكون ملتزما بالدفع عنه. أما في حالة
البطاقة المصرفية فتقوم على ثلاثة أطراف هي: التاجر والحامل والبنك. فمصدر البطاقة
(البنك) يلتزم بالدفع للتاجر في الحدود المتفق عليها. وبهذا تصبح البطاقة أكثر ثقة
وقبولا في الوفاء من الشيك.






3. قابلية
الشيك للتظهير، بينما لا يمكن تداول البطاقة إلا من خلال حاملها الشرعي وهي غير
قابلة للانتقال للغير إلا بموجب اتفاق وتحديده في العقد






4. البيانات
الواردة في الشيك وبقية الأوراق التجارية إلزامية، يجب أن يتضمنها السند حتى يكون
ورقة تجارية خاضعة لقانون الصرف، في حين لا يوجد مثل تلك البيانات في البطاقة. لذا
نجد أن أحكام الأوراق التجارية (قانون الصرف) غير قادرة على إخضاع نظام البطاقة
المصرفية لها.






المبحث الثاني: إخضاع نظام البطاقة
المصرفية لأحكام الاعتمادات المصرفية



يبرر جانب من الفقهاء
دراسة البطاقة المصرفية في باب الاعتمادات المصرفية. إذ إن البنك لا يصدرها إلا
لعملائه الذين يطمئن إليهم، كما أنه يضمنهم في حدود معينة أمام التجار الذين
يتعامل معهم هؤلاء العملاء.



فحامل البطاقة يستخدمها في وفاء التزاماته مع
التجار، ويتضمن هذا الوفاء ضمانا لهؤلاء التجار، ويكون لحامل البطاقة اعتماد لدى
البنك (المصدر)، ولا يلتزم الحامل بالدفع إلا آخر كل شهر أو بالمواعيد المحددة
بالعقد وإلى أن يحل هذا الموعد يكون للحامل اعتماد قصير وغير مقصود لذاته، وهذا ما
يبدو في بطاقة فيزا المستعملة محليا، على أنه لا يمنع ان يكون هناك بطاقات ذات
اعتماد حقيقي متفق عليه بين الحامل والبنك وهذا ما تتضمنه البطاقة المصرفية
الدولية.



تحدث هذا الرأي، لإخضاع نظام البطاقة المصرفية
لأحكام الاعتمادات المصرفية، عن آلية الوفاء من البنك للتاجر نيابة عن الحامل، أما
البطاقة ذاتها وعلاقتها بالنظام الالكتروني وعلاقة الحامل بالتاجر، فلا يمكن لكل
ذلك أن يخضع لهذا النظام، وقيل إنه أحد صور الاعتمادات المصرفية وهو القرض.






المبحث الثالث: إخضاع نظام البطاقة
المصرفي لأحكام عقد القرض التجاري



القرض عقد يتفق بمقتضاه البنك (المقرض) بأن يضع
مبلغا من المال تحت تصرف المقترض وهو الحامل، وللمقترض حرية استعمال المال في أي
غرض يراه مناسبا إلا إذا اتفق على خلاف ذلك، وعندها يكون للبنك أن يراقب كيفية
استخدامه، وأي إخلال بالعقد قد يهدد قدرة المقترض في السداد، وعندئذ يكون للبنك أن
يطلب رده فورا وفسخ العقد.



وهذا الأمر يخضع للقواعد العامة والخاصة للعقد
في القانون المدني. ولو طابقنا نظام البطاقة مع نظام الاعتماد بالقرض فإننا نجد:



1. أن
الاعتماد بالقرض لا يتجدد متى ما استنفذه المقترض، ولا بد من عقد جديد عند تجديده
في حين حامل البطاقة لا يجدد اتفاقه مع البنك، بل العقد يمتد لمدة سنة يتجدد
تلقائيا إذا لم يعترض عليه أي من الطرفين.



2. عقد
القرض يقوم بين طرفين هما المقرض والمقترض، وهي علاقة ثنائية في حين تضم البطاقة
ثلاثة أطراف.



3. عقد
القرض لا يقيم اعتبارا للعلاقة التي تربط المقترض بالغير، فالبنك ليس له علاقة
مباشرة بمن يتعامل معه المقترض، في حين البطاقة تقيم علاقة مباشرة بين البنك
والتاجر الذي يتعامل معه الحامل. لذا فإن هذا الرأي هو الآخر قاصر عن تفسير
الطبيعة القانونية لنظام البطاقة.






المبحث الرابع: هل البطاقة المصرفية
نقود إلكترونية أو بلاستيكية؟



وضع الاقتصاديون
شروطا ثلاثة كي تؤدي النقود وظيفتها الأساسية، وتتلخص تلك الشروط بما ياتي:



1. القبول
العام.



2. قدرة
المحاسبة الفورية.



3. قابلية
التبادل.



فإذا ما توافرت تلك الشروط أصبح من المنطقي
القول إن النقود تؤدي وظيفتها وفقا للنظام الخاص بها، ولو قارنا نظام البطاقة
المصرفية مع الشروط الآنفة الذكر لوجدنا أن البطاقة المصرفية:



1. تلقى
قبولا عاما اختياريا، فقد اكتسبت صفة عالمية التداول، إذ توفر لحاملها خدمة مستمرة
على مدار الساعة عن طريق الصراف الآلي.



2. تسمح
بوجود قدر من الضمان، الأمر الذي جعلها تشكل وسيلة وفاء فورية بالنسبة للتاجر، وهي
بهذا تحقق عنصر المحاسبة الفورية.



3. تحقق
قدرة التبادل من حيث حصول الحامل على السلعة مقابل قبول التاجر البطاقة للوفاء، ويترتب
على الحامل ثمنا للسلعة التي حصل عليها.



وبذلك تكون البطاقة قد جمعت بين قابلية التبادل
والقبول العام مع قدرة المحاسبة، وصارت تقوم بنفس وظيفة النقود، ويستطرد هذا
الاتجاه الفقهي
قوله في أن البطاقة صارت بديلا عن النقود، لا بل تقوم مقامها في أحد شكلين:






الأول: لا تعد البطاقة بحد ذاتها نقودا إنما ما
يعد كذلك هو النبضات الإلكترونية، فهي تحوي على معلومات إلكترونية تتكامل مع الآلة
التي تقوم بتحويل إلكتروني، ليحصل الحامل إما على قيد في السجلات كما هو الحال مع
التاجر الذي يرسل معلومات البطاقة إلى البنك عبر الآلة لتقييدها على حساب التاجر،
أو يحصل على النقود من خلال هذا التحويل، لذا أطلق عليها أنها نقود إلكترونية من
حيث النظر لها بشكل كلي كبطاقة مع المنظومة التي تتعامل معها.






الثاني: البطاقة ذاتها كمادة تعد نقودا
بلاستيكية، تضاف إلى أنواع النقود المتداولة كالنقود الورقية والمعدنية. وهذا
الرأي لا يمكن التعويل عليه للمبررات الآتية:



1. للنقود
نظام قانوني خاص بها، فهي تصدر بناء على قانون من جهة مختصة ومخولة بذلك، وفق
شكلية نص عليها القانون وتتمثل بصكوك محددة القيمة والشكل، وهذا ما لا تخضع له
البطاقة.



2. تمنح
البطاقة للأفراد بشكل يتفاوت الائتمان الممنوح لهم، مما يؤدي إلى تفاوت قيمة كل
بطاقة. في حين النقود لا يتعامل بها الأفراد وفقا لائتمانهم، كما أنها متساوية
القيمة وحسب فئة الإصدار.



3. القبول
العام للنقود وتداولها بموجب القانون، في حين قبول البطاقة حسب إرادة كل شخص، فهو
أمر موقوف على محض إرادة الأفراد ولا يجبر القانون على التعامل بها. أما من حيث
تداولها فهي غير خاضعة للتداول بطبيعتها



4. الأوراق
النقدية لا تتعلق بالاعتبار الشخصي، لا تختص بالحامل فهي ترتبط بحيازتها وتطبق
عليه قاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية، في حين لا يمكن التصرف بالبطاقة إلا
من قبل حاملها.






إن هذا الاتجاه نظر إلى البطاقة والنظام
الإلكتروني المرتبط بها إلا أنه تغاضى، هو الآخر، عن العلاقات التي ترتبط
باستخدامها لذا يكون هذا الاتجاه قاصرا عن التفسير.






المبحث الخامس: البطاقة وسيلة حديثة
للوفاء ذات طبيعة خاصة



يجد أصحاب هذا الرأي
أن النظام مستحدث في البيئة التجارية نتيجة لحاجات عملية ولتحقيق مصالح أطراف
العلاقات العقدية، حيث يهدف هذا النظام إلى:



1. أن
يحصل الحامل على احتياجاته من السلع والخدمات بثمن مؤجل، يقوم بسداده لاحقا على
أقساط مؤجلة.



2. أن
التاجر يحصل على ثمن مبيعاته بصورة معجلة من جهة مليئة دون التعرض لخطر الإعسار أو
الإفلاس.



3. أن
البنك هو الآخر يحقق مصلحته من خلال الفائدة التي يحصل عليها من الحامل والعمولة
التي يتقاضاها من التاجر. ويؤكد هذا الرأي ضرورة النظر إلى البطاقة بصورة مستقلة،
لتطبيق القواعد القانونية التي من شانها أن تحافظ على الأسس التي يقوم عليها
النظام، هذه الأسس مرجعها العلاقات العقدية المرتبطة بهذا النظام، وتتمثل هذه
الأسس بما يأتي:






1. العلاقات
القانونية الثلاثية التي ترتبط بإستخدام البطاقة.



2. كون
البطاقة وسيلة وفاء غير نقدية.



3. التزام
البنك (المصدر للبطاقة) بشكل شخصي ومباشر من خلال الضمان الذي يقدمه وفي حدود
معينة.



4. التزام
البنك بالسداد للتاجر مرتبط بإتخاذ التاجر الإجراءات اللازمة عند قبول البطاقة.



5. التزام
التاجر بالرجوع إلى البنك (المصدر للبطاقة) ابتداء وقبل الرجوع إلى الحامل.



إن الرأي المتقدم فيه إنصاف للبطاقة من حيث
النظر إلى سماتها، ولكنه لم يحدد القواعد القانونية التي يمكن أن تطبق عليها.






المبحث السادس: رأينا بالموضوع


من خلال العرض السابق للآراء التي قيلت بصدد
التحليل الوصفي أو الذاتي للبطاقة، نجد أنها تقوم على ثلاثة عناصر لا يمكن الفصل
بينها لتحديد الطبيعة القانونية لكل منها. ولا بد من أن نصل إلى قواعد تحكم هذا
النظام بمجموع عناصره، وهذه العناصر هي:



1. العلاقات
القانونية التي ترتبط بالبطاقة ارتباط السبب بالمسبب ولا يمكن فصل أي منهما عن
الآخر.



2. البطاقة
ذاتها بالشكل الذي أعدت من أجله لتتواءم مع النظام الإلكتروني الموجود لدى البنك
والتاجر.



3. النظام
الإلكتروني.






لذا نرى أن هذه العناصر التي تشكل بمجموعها نظام
البطاقة المصرفية هي عملية مصرفية، ولو أردنا أن نحدد معنى العمليات المصرفية
لوجدنا أن هذه العبارة تستعصي على التحديد، فليس لها معيار فني لتحديدها، إنما
لجأت التشريعات المقارنة إلى تعدادها، وهذا التعداد قد يزيد أو ينقص منها، إلا أنه
متطور حسب الزمان والمكان، والسبب يعود إلى نشاتها من العرف. على أنه لا بد من
الملاحظة إلى أن هذه العمليات لا تتجرد من وصفها هذا إذا قام شخص ليس له وصف مصرف،
ولم يتكرر صدورها منه. كما أن العرف لا يعد المصدر الوحيد لها، إنما هناك عادات
مصرفية وهي عبارة عن الحلول التي جرى بها التعامل واستقر حتى ثبت في أذهان
المتعاملين أنها ملزمة، ما داموا لم يستعبدوها.



وتستمد العادة المصرفية قوتها الملزمة من
افتراض التراضي بين الأطراف على تطبيقها، فيجوز لهم استبعادها بنص صريح، فإن لم
يفعلوا لزمهم حكمها، لأنها تعد ضمن تعاقدهم، وحتى تكون العادة ملزمة لا بد أن
تكون: