وهي عقوبة غير مفيدة، فلم يثبت حتى اليوم أنها ردعت المجرمين، أو ثنتهم عن ارتكاب الجرائم الخطيرة، أو كانت وسيلة وقاية من الإجرام. فقد ثبت في جميع الدول التي ألغتها ثم رجعت إليها كالنمسة عام 1934، أو ألغتها على سبيل التجربة كإنكلترة عام 1965، أو التي تتشدد في تطبيقها كما في بعض الولايات المتحدة الأمريكية، أن الجرائم التي تعاقب بالإعدام ظلت بازدياد. وفي دراسة أجريت في إنكلترة بينت أن 170 من 250 شخصاً أعدموا في أوائل القرن العشرين، شاهدوا تنفيذ عقوبة إعدام مرة أو مرتين في حياتهم، وحينما كانت جريمة النشل معاقباً عليها بالإعدام، كانت تقع عدة حوادث نشل بين الجمهور المحتشد لمشاهدة تنفيذ هذه العقوبة. وعقوبة الإعدام مطبقة منذ الأزل، ومع ذلك فإن الجرائم التي تعاقب بها يزداد ارتكابها يوماً بعد يوم.

عقوبة الإعدام في الدول العربية

تأخذ جميع التشريعات العربية بعقوبة الإعدام، ولكن باعتدال شديد، فهذه التشريعات لا تنص عليها إلا في بعض الجرائم الخطيرة. وإذا ما تقرر تنفيذها فعلاً، فإن التنفيذ يحاط بضمانات عدة. وفي واقع الحال لا تنفذ عقوبة الإعدام في بعض الدول العربية إلا نادراً، وتنفذ في بعضها الآخر في عدد محدود يراوح بين 5 و10 حالات سنوياً.

وتجمع الدول العربية على فرض عقوبة الإعدام في الجرائم التالية: الخيانة، والقتل مع سبق الإصرار، والقتل المترافق بجناية تسهيلاً أو تمهيداً أو إخفاء لها، وقتل الأصول والفروع. وتتوسع بعض التشريعات العربية في فرض عقوبة الإعدام على بعض الجرائم مثل: القتل بالتسميم (العراق والكويت ومصر والمغرب)، ضرب أو جرح ولد بصورة عنيفة تؤدي إلى موته (المغرب)، الخطف المشدد (الكويت)، خطف القاصر إذا أدى الخطف إلى موته (المغرب)، الشهادة الكاذبة إذا أدت إلى حكم بالإعدام على المتهم (العراق والمغرب ومصر والسودان)، زنا المحصن والردة والحرابة والبغي (المملكة العربية السعودية)، الاغتصاب (المملكة العربية السعودية والكويت)، الاتجار بالمخدرات (العراق)، الاتجار بالمخدرات في حالة التكرار (سورية ومصر)، تهريب المخدرات إلى داخل الدولة (المملكة العربية السعودية).

ولا تنفذ عقوبة الإعدام في الدول العربية إلا وفق إجراءات قانونية دقيقة، ضماناً لحقوق المحكوم عليه. ففي سورية مثلاً تلزم النيابة العامة[ر] بعرض الحكم بالإعدام على محكمة النقض، وإن لم يطعن به المحكوم عليه، فإذا صدقته هذه المحكمة يعرض على لجنة العفو. وهذه اللجنة تبين رأيها فيه، وترفعه بتقرير إلى رئيس الجمهورية، فإذا أقر الرئيس العقوبة أصدر مرسوماً بذلك. وللرئيس أن يلغي عقوبة الإعدام، ويستبدل بها عقوبة أخرى، كالأشغال الشاقة المؤبدة، أو الاعتقال المؤبد، وذلك بمرسوم يصدر لهذا الغرض.

وعقوبة الإعدام تنفذ في غالبية الدول العربية بالشنق للمدنيين، ورمياً بالرصاص للعسكريين. وعملية الشنق في سورية تتم داخل السجن، أو في أي مكان آخر يحدده مرسوم تنفيد العقوبة. ويحضر التنفيذ عدد من الأشخاص منهم رئيس المحكمة وممثل النيابة العامة وأحد رجال الدين والطبيب الشرعي. ويسأل المحكوم عليه قبل التنفيذ هل يريد أن يقول شيئاً قبل موته. وبعد إتمام إجراءات الإعدام تدفن الجثة من قبل السلطة وعلى نفقتها، إلا إذا رأت تسليمها إلى ذويه. ويحظر تنفيذ الإعدام في أيام الجمع والآحاد والأعياد الوطنية أو الدينية، ويؤجل تنفيذ الإعدام بالمرأة الحامل إلى أن تضع حملها. وفي بعض الدول العربية مثل الكويت، إذا وضعت الحامل جنينها حياً أبدل الحبس المؤبد بعقوبة الإعدام.

وأخيراً فمهما قيل في عقوبة الإعدام تأييداً أو استنكاراً، يبقى فرضها آخذاً بالانحسار. فقد ألغيت هذه العقوبة في عدد كبير من دول العالم. والدول التي تبقي عليها، ومنها الدول العربية، لا تطبقها إلا نادراً، وتتركها في تشريعها للتهديد بها، وتنفذها في حالات استثنائية، وعندما تمس الحاجة إليها مسّاً شديداً. فضلاً عن أن الاتجاه العربي والعالمي سائر في الوقت الحاضر نحو الاعتقاد بعدم وجود مجرم مسؤول عن جريمته مسؤولية مطلقة، وأن وسائل العلاج الحديثة، كفيلة إلى حد كبير بتأهيل المجرم اجتماعياً، وإبعاده عن طريق الجريمة.

عبود السراج


مراجع للاستزادة


ـ عبد الوهاب حومد، عقوبة الإعدام بين الإبقاء والإلغاء: دراسات معمقة في الفقه الجنائي المقارن (مطبوعات جامعة الكويت، الكويت 1983).

-E.H.SUTHERLAND & D.R.CRESSEY, Criminology, 9th Ed. (J.B.Lippincott, New York 1974).