المطلب الخامس

جدوى الوسائل المتبعة في مكافحة الجريمة

تشير التقارير الصادرة عن الهيئات الدوية والاقليمية الى ضرورة التعاون بين الدول على مواجهة ظاهرة غسل الاموال باعتبار ان التعاون انسب الطرق واقصرها وصولاً للغاية وتؤكد بعض التقارير [22]على ان اكثر الدول استفادة من التعاون الدولي في مجال مكافحة غسل الاموال خاصة فيما يتعلق باستقرارها السياسي والاقتصادي هي الدول النامية والدول التي تمر بمرحلة تحول اقتصادي لان هذه الدول في سعيها الى تحقيق النمو الاقتصادي تتسلل اليها عائدات الجريمة التي توظف في مختلف المجالات الرئيسية للحياة المالية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

ومن المؤكد انه وعلى مستوى العالم يكون هناك دور بارز ولاغنى عنه للمنظمات الاقليمية التي تكون بمثابة بوتقة تجمع بين عدة دول في اقليم او منظمة معينة تربط بينها خصائص ومميزات ثقافية وحضارية واقتصادية معينة مما يحتم عليها وضع السياسات الكفيلة بصيانة ورعاية وحماية هذه المميزات وصولا الى المزيد من التطور والاخذ باساليب الحياة المعاصرة مما يكون من شانه ان ينعكس رخاءاً وتطوراً وامناً على مواطنيها.[23]

ومن ضمن هذه الجهود الاقليمية مارس المجلس الاوربي دوراً فعالاً في محاربة الجريمة المنظمة ويتضح هذا من خلال جهوده التالية:-[24]

1-إستناداً الى أحكام المادة 17 من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الإتجار غير المشروع في المخدرات "وضع المجلس الاوربي في 31 كانون الثاني 1995 اتفاقية المجلس الاوربي لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات.

2-اعداد مشروع اكتوبس octups او مايسمى بمشروع الاخطبوط في حزيران 1996 وذلك بالاشتراك مع لجنة المهمات الاوربية بهدف تقييم الوضع في ست عشرة دولة من وسط وشرق اوربا في مجال التشريع والممارسات المتخذة من قبل الدول في مكافحة الفساد والجريمة المنظمة .

واكد المشرّع على تعزيز التعاون بين الدول الاعضاء في المجلس وضرورة التزام الدول الاعضاء في المجلس باتباع التطبيقات والتوصيات التي تمت صياغتها من قبل خمسة من خبراء من مجلس اوربا وضورة تقييم المشروع بصورة شاملة وبيان اثاره ونتائجه في الدول الاعضاء كما نتج عن المشروع اعداد برنامج وسائل مكافحة غسيل الاموال في الدول التي لم تتبن التوصيات الاربعين الصادرة من قوة المهام الدولية (fata) .

3_انشاء لجنة لخبراء القانون الجنائي وعلم الاجرام حول الجريمة المنظمة في نيسان 1997 وقدمت هذه اللجنة إيجازاً حول خصائص الجريمة المنظمة وتحديد أوجه القصور في التعاون الدولي واقتراح ستراتيجيات جديدة وفي شهر حزيران من نفس السنة قامت اللجنة بتوزيع استبيان على الدول الاعضاء حول طبيعة وتركيب انشطة الجريمة المنظمة في كل الدول الاعضاء في المجلس.

4- في حزيران 1997 تبنى المجلس مسودة توصيات حول حماية الشهود وتؤكد هذه التوصيات على توفير الامان للشهود الذين يدلون بشهاداتهم في قضايا الجريمة المنظمة

5- رغبة من الدول الاعضاء في المجلس الاوربي في مكافحة الاجرام المنظم الذي اصبح يعد مشكلة دولية جاءت اتفاقية غسيل الاموال بتقدم احدث الطرق واكثرها فعالية على المستوى الدولي لتلبي هذه الرغبة ولعل اهمها حرمان المجرم من منافع جريمته وقد تم اعداد هذه الاتفاقية في 1990 واصبحت نافذة المفعول في 1 تشرين الثاني 1993 وفي 1997 صدقت هذه الاتفاقية واصبحت سارية المفعول في خمس عشرة دولة اوربية [25]

وفي الحقيقة تعد هذه الاتفاقية من ابرز الجهود التي بذلها المجلس الاوروبي لمكافحة غسيل الاموال والتي مهدت الطريق امام التشريعات الوطنية الاوربية لتجريم نشاط غسيل الاموال واتخاذ السبل الكافية لمنعه ومكافحته .وركزت الاتفاقية على ثلاثة موضوعات رئيسة هي تجريم نشاط غسيل الاموال والمساعدة في عمليات التحقيق والتحري والمصادرة باعتبارها الجزاء الاساس لمكافحة هذا النشاط .

6.في عام 1991 قام مجلس الوزراء التابع للمجموعة الاوربية (حاليا الاتحاد الاوربي) باصدار توجيه حول منع استخدام النظام المالي في عمليات غسيل الاموال ويسعى هذا التوجه الى تحقيق هدفين :

الاول ان تعمل الدول الاعضاء على سن قوانين لحظر غسيل الاموال قبل 1 كانون الثاني 1993.

الثاني زيادة التعاون بين الدول الاعضاء في التحقيق والمقاضاة المتعلقين بغسيل الاموال.

وفرض التوجيه العديد من الالتزامات والواجبات ذات الدلالة على المؤسسات المالية بما في ذلك صناعة التامين فعلى المؤسسات المالية ان تسال عن هوية عملائها والتاكد من ذلك اذا زاد مبلغ الصفقة عن 15000 وحدة اوربية وان تعمل المؤسسات المالية على الاحتفاظ بالسجلات اللازمة المتعلقة بالعمليات التي تجريها مع العملاء وان تتاح للمحاكم والسلطات المختصة فرصة الاطلاع عليها عندما يتعلق الامر بعمليات الكشف والتحقيق في جرائم غسيل الاموال وان تعمل المؤسسات المالية على اصدار ادلة توجيهية بشان انشطة غسيل الاموال والمسائل المتعين ملاحظتها وايلائها الاهتمام واخضاعها لمزيد من الفحص والتدقيق عند حصولها من قبل احد عملاءها واعتمادها سياسة التقارير الدورية حول النشاط المالي الذي تقوم به.

اما على صعيد الجامعة العربية وإنسجاماً مع الاستتراتيجية العربية لمكافحة الاستعمال غير المشروع للمخدرات والمؤثرات العقلية اعتمد مجلس وزراء الداخلية العرب بدورة انعقاده الحادية عشرة القرار رقم 215 في 15/1/1994 الذي بموجبه تم اقرار الاتفاقيات العربية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية التي انظم اليها العراق بالقانون رقم (6) لسنة 2001 [26]

وفيما يتعلق بدور هذه الاتفاقية في مكافحة غسيل الاموال فانها لم تات بشيء جديد عما هو مقرر في اتفاقية فينا لسنة 1988 سواء فيما يتعلق بتجريم غسيل الاموال والتوسع في هذا التجريم او فيما يتعلق بالتعاون بين الدول لمواجهة هذا النشاط الاجرامي.

ومع ذلك تعد هذه الاتفاقية خطوة هامة على صعيد جامعة الدول العربية بشان التصدي لغسيل الاموال التي فتحت الباب واسعاً امام التشريعات الوطنية العربية لتجرهذا النشاط وفرض العقوبات المناسبة لذلك فقد نصت المادة 5 من هذه الاتفاقية على عقوبة المصادرة التي تعد انجع عقوبة في سبيل مكافحة غسيل الاموال .

وفي هذا السياق فقد جاء قانون غسيل الاموال رقم 93 لسنة 2004 ليقرر وفي نص المادة 6 منه (( – فيما يتعلق بفرض العقوبة على شخص مدان بتهمة خرق المادة 3 , 4 , 5 والمادة 19 فقرة 4 , او المادة 20 فقرة 5 من هذا القانون اذا كان هذا الخرق مرتكب بصورة متعمدة او مع العلم ان النتيجة المحتملة قد تؤدي الى مساعدة شخص في ارتكاب جريمة او مساعدة اخر في تفادي الملاحقة القضائية عن جريمة مرتكبة سلفا , فان المحكمة سوف تحكم تغريم الشخص للحكومة العراقية باي مال , عيني او شخصي , بضمنها على سبيل المثال لا لحصر المبالغ المستعملة في الجريمة و اي مال ملازم لهذا المال او اي مال متحصل نتيجة لهذه الجريمة , دون الاضرار بحقوق الغير الحقيقيين )).ودون حاجة للتذكير بان ماورد بنص المادة اعلاه هو منتقد من ناحية صياغته اللغوية والقانونية الا ان مفهوم الدلالة لهذا النص يشير الى محاولة جدية من قبل المشرع لمحاكاة النصوص القانونية المرعية في الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية المماثلة ومن اهمها عقوبة المصادرة المنوه عنها في اعلاه الا ان النص قد اشار الى استخدام عبارة تغريم المبالغ المستعملة في الجريمة او أي مال ملازم لهذا المال وهذ هو مفهوم المصادرة وكما هو ثابت قانونا بالتفرقة بين الغرامة التي تمثل عقوبة النشاط الغير قانوني وهي من العقوبات الاصلية الماسة بالحقوق المالية وهي الزام المحكوم عليه بان يدفع الى خزينة الحكومة المبلغ المعين في الحكم وتراعي المحكمة تقدير الغرامة حالة المحكوم عليه المالية والاجتماعية وما افاده من الجريمة او كان يتوقع افادته منها وظروف الجريمة وحالة المجنى عليه ((المادة 91 قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 بينما تمثل المصادرة نزع ملكية المال جبراً على مالكه واضافته الى ملك الدولة بغير مقابل[27] وهي قد تكون عقوبة تكميلية جوازية او وجوبية وقد تكون تدبير احترازي وتنص الفقرة الاولى من المادة 101 من قانون العقوبات العراقي ((فيما عدا الاحوال التي يوجب القانون فيها القانون الحكم بالمصادرة يجوز للمحكمة عند الحكم بالادانة في جناية او جنحة ان تحكم بمصادرة الاشياء المضبوطة التي تحصلت من الجريمة او التي استعملت في ارتكابها او التي كانت او التي كانت معدة لاستعمالها فيها وهذا كله دون الاخلال بحقوق الغير حسن النية)) ونستخلص من هذا انه كان لزاماً التفرقة بين العقوبتين ونؤكد راينا السابق انه اذا كان قانون غسيل الاموال خطوة في طريق صحيح يجب اكماله واعادة صياغة القانون بما يتناسب واهمية الجريمة موضوع هذا القانون .

وقد تنبه مكتب غسيل الاموال في البنك المركزي العراقي الى موضوع هام في هذا الخصوص أي مكافحة غسيل الاموال في العراق وهو موضوع الحوالة غير الرسمية ((unformal transport)) او ما يعرف بلغة اهل المال ب(الحوالة دار) وهو في الحقيقة وسيلة مؤثرة ومهمة من الوسائل التي يمكن ان تلجا اليها عصابات الجريمة المنظمة في اتمام جريمة غسيل الاموال باستخدام المكاتب غير المرخصة في التحويل الخارجي واتمام هذه الصفقة يكون خارج المؤسسات المالية وقد اشار المكتب اعلاه الى وسيلة ناجعة سلكتها المؤسسات المالية والسلطات المختصة في دولة الامارات العربية المتحدة مفادها الزام المكاتب غير الرسمية والرسمية للتحويل الخارجي بتقديم كشوفات شهرية او نصف شهرية عن كافة العمليات المالية التي تقوم بها مع عدم الاخلال بالقوانين التي تلزم هذه المكاتب بلزوم ان تمارس اعمالها ضمن اطار اجازة رسمية تبيح لها القيام باعمال الصيرفة اواتمام الحوالات وقد ادت هذه الوسيلة في الحقيقة الى تمكين المؤسسات المالية من مراقبة المعاملات المالية والتحقق منها بغية التحري عن مشروعية مصادر هذه الاموال والجهات الاستثمارية التي ستوظف فيها هذه الاموال والتحقق من نوايا اصحابها.