المطلب الرابع

تمييز جريمة غسيل الاموال عن باقي الجرائم

مما تقدم من البحث فانه يمكننا القول بان نشاط غسيل الاموال اضحى يشكل جريمة مستقلة تتميز عن غيرها من الاوصاف الجنائية التقليدية الاخرى او على الاقل لا تلتبس معها .واذا كانت الجريمة بصفة عامة تتمثل في عدوان على مصلحة يحميها القانون ويختص القانون الجنائي بالنص عليها وبيان اركانها والعقوبة المقررة لفاعلها[19] فان الامر لا يختلف في جوهره بالنسبة لجريمة غسيل الاموال فهي بدورها تنطوي عدوان على مصالح اقتصادية واجتماعية متطورة وهامة وجديرة بالحماية القانونية وينصرف تعبير القانون هنا الى قانون العقوبات والقوانين الاخرى التي تتكفل باسباغ الحماية الجنائية على مصلحة يرى المشرع جدارتها بتلك الحماية لكونها من الاعمدة التي ينهض المجتمع والتي تتمثل في الاساس التشريعي لجريمة غسيل الاموال اي الاساس القانوني او الركن الشرعي.

ومن خلال استقراء اركان جريمة غسيل الاموال ورغم الاختلاف الفقهي الذي اشرنا اليه عنذ الكلام عن الطبيعة القانونية لجريمة غسيل الاموال فان الثابت من القول هو ان جريمة غسيل الاموال تعد من الجرائم التبعية وهو مايفضي الى القول بان لهذا النوع من الجرائم ركناً مفترضاً هو وقوع جريمة اصلية سابقة عليها على الرغم من ان قسماً كبيراً من الفقه يتجه الى القول ان دراسة هذا الركن تندرج في الواقع ضمن دراسة محل الجريمة ذاتها ولكننا نرى ان هذا الركن هو ركن مستقل عن باقي اركان الجريمة وان اتجاه بعض المشرعين كالمشرع المصري بتحديد جرائم بالذات يكون المتحصل من هذه الجرائم من اموال قذرة محلاً لجريمة غسيل الاموال يؤكد ان محل الجريمة ينفصل في قيام الجريمة (غسيل الاموال ) عن الجريمة الاصلية التي نشأ المال عنها .ومن هنا يمكن القول ان جريمة غسيل الاموال تقارب جريمة اخفاء الاموال المتحصلة عن جريمة الوارد ذكرها في المواد 460و461و462 من قانون العقوبات العراقي ذي الرقم 111 لسنة 1969 ومن خلال قراءة لنص المادة 460 بقولها (( مع عدم الاخلال باية عقوبة اشد يعاقب بالسجن مدة لاتزيد على سبع سنوات من حاز او اخفى او استعمل اشياء متحصلة من جناية او تصرف فيها على أي وجه مع علمه بذلك )) يبرز وبصورة واضحة الفرق بين الجريمتين وبشكل جلي ورغم ذلك فان قسم من الفقه يورد غسيل الاموال احدى صور اخفاء الاموالة المتحصل عن جريمة فان الرد على هذا الرأي بالقول ان جريمة اخفاء الاموال المتحصلة عن جريمة يتعلق محل الجريمة فيها بذات المال الناتج عن عمل غير مشروع وبذلك لا يتطلب الامر في اكتمال اركان هذه الجريمة اضفاء المشروعية على هذا المال واعادته للتداول مرة اخرى وهذا هو المفهوم الحقيقي لجريمة غسيل الاموال لهذا يمكن القول ان من صور النشاط الاجرامي الذي يمثل احد عناصر الركن المادي لجريمة غسيل الاموال النشاط السلبي تتمثل في عدم القيام بامر ما امر القانون بالقيام به ومن ذلك ما ذهبت اليه نص المادة 18 من قانون مكافحة غسيل الاموال العراقي حيث نصت ((– تتحقق المؤسسة المالية في الحال من مصدر المبالغ والغرض والطبيعة المقصودة للتعامل او علاقة العمل , اذا كان هناك سبب للاشتباه بان الموجودات هي عائدات جريمة , او ان القصد منها تمويل جريمة , او ان التنظيم الاجرامي له سلطة التصرف بها)) .

واذا كانت جريمة غسيل الاموال تنصب على مال متحصل من احدى الجرائم الواردة في نص المادة الرابعة من قانون غسيل الاموال وان ياتي الجاني على المال محل الجريمة احدى صور السلوك الاجرامي المنصوص عليها في المادة 3 من القانون ذاته بقولها ((كل من يدير او يحاول ان يدير تعامل مالي يوظف عائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني عرافا بان المال المستخدم هو عائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني او كل من ينقل او يرسل او يحيل وسيلة نقدية او مبالغ تمثل عائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني عارفا بان هذه الوسيلة النقدية او المال يمثل عائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني)) . اما جريمة اخفاء الاشياء المتحصلة عن جريمة فان المال ينحصر بالمال المتحصل عن جناية دون غيرها وان فعل الاخفاء يتحقق بمجرد قيام المتهم بتسلم الشيء المتحصل من الجناية ودخوله في حيازته وفعل الاخفاء كما هو معروف في القانون انما يتحقق بكل اتصال فعلي بالمال المسروق مهما كان سببه او الغرض منه ومهما كانت ظروف زمانه او مكانه او سائر احواله (( فبمجرد استلام الجاني للشيء المسروق مع علمه بسرقته يكفي لتوفر عنصر الاخفاء ولا يشترط في ذلك ان تكون الحيازة بنية التملك))[20]وهذا القرار يشير الى ان القضاء العراقي يكتفي بمجرد دخول المال المتحصل عن جريمة في حيازة الجاني مع اشتراط علمه بكون المال متحصل عن جناية لمعاقبة الجاني عن جريمة اخفاء مال متحصل من جريمة .

اما اوجه الاتفاق بين الجريمتين فهي ان المال المتحصل في كلا من الجريمتين هو مال متحصل عن عمل غير مشروع سواء كان المال متحصلا عن جناية محددة او بشكل عام كما ان العنصر المفترض في كلا الجريمتين هو الجريمة التي نشا عنها المال الملوث والقصد الجنائي العام هو واحد في كلا الجريمتين والفرق في هذا الخصوص هو استلزام قصد خاص في جريمة غسيل الاموال بعكس جريمة اخفاء اشياء متحصلة من جناية حيث انه يكفي لتوافر القصد الجنائي في جريمة اخفاء الاشياء المسروقة ان يكون المتهم عالما بان الشي الذي يخفيه مسروق بغض النظر عن الباعث الذي يكون قد دفعه الى الجريمة فمتى اثبت الحكم على المتهم انه حاز المسروق مع علمه بسرقته فلا يجديه ما يدعيه من انه لم يقصد غشا او اضرارا بالغير[21]
اما الجريمة الاخرى التي تتداخل مع جريمة غسيل الاموال في القانون العراقي فهي جريمة تمويل الارهاب وعلى الرغم من ان قانون غسيل الاموال دمج وفي مواضع كثيرة بين الجريمتين الا ان الفرق بين الجريمتين هو فرق واضح وجلي فاذا ما إذا عرجنا على القانون رقم 13 لسنة 2005 فإننا نرى بان المشرع لم يخرج بعيدا عن فلك الاتفاقيات والمفاهيم الدولية وانه سار على ذات النهج، وان كان قد توج المادة الأولى منه بعنوان تعريف الإرهاب والتي جاء فيها ((كل فعل إجرامي يقوم به فرد أو جماعة منظمة استهدف فرداً أو مجموعة أفراد او جماعات او مؤسسات رسمية او غير رسمية أوقع الأضرار بالممتلكات العامة او الخاصة بغية الإخلال بالوضع الأمني او الاستقرار او الوحدة الوطنية او إدخال الرعب والخوف والفزع بين الناس او إثارة الفوضى تحقيقا لغابات إرهابية )) ومن ثم فالركن المادي يتحقق في هذه الجريمة بالصور الاتية :

1- تسليح المواطنين العراقيين ويتم ذلك بتزويدهم بالسلاح اللازم للحرب الاهلية .

2- تحريضهم وحملهم على التسلح دون النظر في نوع السلاح او عدد المسلحين والضغط عليهم وتشجيعهم على الفتنة سواء بالخطب او الفتاوى لحمل السلاح في مواجهة الفئة الاخرى من المجتمع.

3- تمويل المواطنين لغرض التسلح لمحاربة الفئة الاخرى ويتم لك اما مباشرة او بتحويل الاموال الى أي جهة اخرى لها علاقة بعملية التسلح لاثارة الفتنة او الحرب الاهلية, وكان الاجدى بالمشرع العراقي ان يعالج هذه الوسيلة كجريمة مستقلة لها اهميتها الخاصة اليوم في دعم العمليات الارهابية وعدم الاكتفاء بالاشارة اليها في صورة وسيلة داخلة في نشاط اجرامي. ومن ذلك ما نصت عليه المادة 4 بفقرتها 2 من قانون غسيل الاموال النافذ بقولها((– التمويل الارهابي – كل من يقدم , او يدعو شخص اخر لتقديم , مال او دعم او تمويل او خدمات اخرى ذات صلة بذلك , قاصدا استعماله او عارفا انها من المحتمل ان تستعمل كلا او جزاءا – عمل او امتناع يقدم فائدة الى جماعة ارهابية)) وان النص على هذه الجريمة في قانون غسيل الاموال يثير مسالة تعارض النصوص في حكم المسالة الواحدة لذا وكون قانون مكافحة الارهاب قد صدر في عام 2005 وقانون غسيل الاموال قد صدر بتاريخ 2004 واعمالا للقواعد العامة التي تصدت لهذه المسالة فان جريمة غسيل الاموال تكون محكومة بقواعد قانون الارهاب الا ان المسالة تحتاج الى وقفة عند طرح الفرض الاتي بان ترتكب جريمة تمويل الارهاب من حصيلة اموال تم غسيلها أي استعمال العوائد الناجمة عن غسيل الاموال في تمويل جريمة ارهابية وفي هذه الحالة فارى ان النص الموجود في قانون غسيل الاموال يجد حضورا في المعاقبة على غسيل الاموال دون جريمة تمويل الارهاب ويكون نص المادة 4 بفقرتها الثانية معطلا بوجود نص المادة الثانية من قانون مكافحة الارهاب التي تعاقب عن جريمة تمويل الارهاب كنشاط ارهابي يمثل نشاطاً اجرامياً كعنصر من عناصر الركن المادي في الجريمة الارهابية ولكن ارى انه من الاجدى بالمشرع ان يخصص لجريمة تمويل الارهاب نظاماً قانونياً يكفل مكافحتها بان يضمن ايقاع الجزاء الوارد في قانون غسيل الاموال كون العقوبة تكون من *** الفعل الجرمي وان تتبنى العقوبة الورادة في قانون مكافحة الارهاب وهي الاعدام لما تمثله هذه الجريمة من خطر يهدد حياة الابرياء واموالهم

اما معيار التفرقة بين الجريمتين وان كان واضحا وجليا الا ان المسالة قد تدق عندما تتبنى الجماعات الارهابية جريمة غسيل الاموال في سبيل الحصول على موارد تغطي نشاطاتها الارهابية وتمولها فهل نكون امام جريمتين تتمثلان بغسيل الاموال وتمويل ارهاب ام جريمة واحدة هي جريمة ارهابية ؟ ارى ان الجواب هنا هي مشمولة باحكام المادة 132 من قانون اصول المحاكمات الجزائية أي ان تعدد الافعال الجرمية يجمع بينها وحدة الغرض أي ان الغرض من جريمة غسيل الاموال كان الحصول على عائدات بقصد توظيفها في تمويل عمليات ارهابية ويعاقب الجناة حينئذ عن جريمة ارهابية ولكن يسال كل من المساهمين في هذه الجريمة عن فعله اذا لم يكن يعلم بالقصد الجرمي المشترك لباقي المساهمين وبالتالي فان الموظف المصرفي الذي يقصر بذل العناية اللازمة في التحري عن الاموال المودعة والوارد بنص المادة الرابعة من قانون غسيل الاموال بقصد المساهمة في جريمة غسيل الاموال دون أي يعلم بان هذا المال سيستخدم بعد ذلك في تمويل جريمة ارهابية فلا يسال الا عن جريمة غسيل الاموال دون الجريمة الارهابية اما اذا توافرت لدى الموظف نية المساهمة الجنائية في الجريمة الارهابية عند قيامه باي نشاط بغية تسهيل امام عملية غسيل الاموال فيسال هنا عن الجريمة الارهابية المرتكبة بصفة شريك لقيامه بعمل من الاعمال المكملة واذا حضر مسرح الجريمة عد فاعلاً اصلياً.