المطلب الثالث

جريمة غسيل الاموال في التشريع العراقي

وعلى الرغم من المآخذ الكثيرة التي أشرت على القانون والتي يمكن حصره بمآخذ لغوية منها ((عدم تمييز الفاعل من المفعول، في عبارة (لحماية الذين يديرون النشاط الغير قانوني من الملاحقة القضائية) وأنَّ الفعل يديرون، من الأفعال الخمسة يُرفع بثبوت النون ويجزم وينصب بحذفها، نحو قوله تعالى(فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) والفاعل ضمير مستتر تقديره هم، والنشاط مفعول به، فكانَ الصحيح أن تأتي العبارة هكذا( يديرون نشاطاً غير قانونياً من الملاحقة القضائية)لأنَّ نشاطاً مفعول به، وغير قانونياً، نعت للمفعول به))[15]. ومآخذ قانونية سنشرحها لاحقا إلا أن القانون يعد بحد ذاته خطوة جيدة في طريق مواكبة التقدم الذي لحق بمكافحة هذه الجريمة .كونه يعد بداية وان كانت متعثرة في الاتجاه الصحيح لوضع هذه الجريمة موضع التجريم وإدخال مفهوم غسيل الأموال ضمن مفهوم التجريم القانوني ومن ثم يمكن تقويم القانون أو حتى استبداله بما يتلاءم وحجم هذه الجريمة أن من أهم المبادئ التي جاء بها قانون غسيل الأموال رقم 93 لسنة 2004 هي:-

1-الالتزام بتحديد هوية العميل الزم القانون المؤسسات المصرفية بالتحري عن هوية العميل وقد نصت المادة 15 بفقرتها الأولى ((– عند فتح حساب أو اجراء تعامل أو سلسلة من التعاملات المتصلة المحتملة والتي قيمتها تساوي أو تزيد على خمسة مليون دينار عراقي لزبون سواء كان فرداً أو شخصاً قانونياً , فان على المؤسسة المالية أن تحصل وتسجل حيثما يكون نافذاً الاسم القانوني للزبون , وأي أسماء أخرى مستعملة , والعنوان الدائم الصحيح بضمنه عنوان الشارع الكامل , ورقم الهاتف ورقم الفاكس وعنوان البريد الإلكتروني وتاريخ ومحل الولادة , وبالنسبة إلى الشخص القانوني صفة أو أي وثيقة تأسيس أخرى , الجنسية , المكان , تحكم الوظيفة العامة , و / أو اسم الموظف ورقم الهوية الشخصية الرسمية أو أي تعريف أخر منفرد وارد في وثيقة رسمية نافذة مثل جواز سفر , هوية تعريف , إقامة دائمة , رخصة قيادة تحمل صورة شخص الزبون , نوع الحساب وطبيعة العلاقة المصرفية والتوقيع . وتقوم المؤسسة المالية بالتحقق من كل المعلومات)) وفي هذا الخصوص أرى انه كان من الأجدى بالنص أن يكون معيار الإلزام بالتحري عن هوية الزبون طبقا لحجم تعاملات الزبون أي كونه زبوناً دائماً للمصرف أو زبوناً عادياً متفقاً مع ما ذهبت إليه أغلب التشريعات الحديثة ومنها ما ذهب إليه قانون غسيل الأموال الفرنسي رقم 614 لسنة 1990 فقد نصت المادة 12 من هذا القانون على انه يميز في التعامل بين العملاء الذبن يقومون بفتح حسابات جديدة والعملاء غير الدائمين الذين سماهم القانون ب(العملاء الطارئين) والعملاء بالنيابة.[16]وتأسيساً على ما جاء بالقانون العراقي لغسيل الأموال فقد اصدر مكتب غسيل الأموال تعميماً إلى كافة المؤسسات المصرفية نصه في المنشور رقم 1 لسنة 2007 ضمنه ما جاء في نص المادة 15 من القانون من البيانات الواجب أدراجها في أي معاملة مصرفية تزيد قيمة التعامل فيها عن خمسة ملايين دينار وميز هذا التعميم بين أن يكون صاحب المعاملة شخصاً طبيعياً وبين أن يكون شخصاً معنوياً من حيث طبيعة المعلومات الواجب التحري عنها لاكمال المعاملة المصرفية .

2-الالتزام بالتبليغ عن مبالغ أو تعاملات معينة نصت المادة 19 من قانون غسيل الأموال ((تعلم المؤسسة المالية مكتب الإبلاغ عن غسيل الأموال إذا كان لديه سبب للاعتقاد بان تعاملا مشبوه قد حصل , سواء تم أجراءه من قبل الزبون أو من قبل شخص أخر , وعندما تكون القيمة الكلية للتعامل او سلسلة التعاملات المتصلة المحتملة مساوية او اكثر من 2 مليون دينار عراقي او في حالة التعاملات المركبة المشبوهة لتفادي ضرورات الابلاغ , ويتضمن هذا الإبلاغ كل الوقائع والظروف . يتم عمل هذا الاخبار حالما يكون ممكناً بصورة معقولة لكن ليس بعد 14 يوم من تاريخ حصول الحدث المسبب للاشتباه اوإعطاء سبب الاشتباه . ولن تصرح المؤسسة التي تقوم بالابلاغ بموجب هذه الفقرة بذلك الى الزبون او الى طرف ثالث اخر)) . وان كان هذا النص يحوي بعضاً من عدم الترابط في الفاظه الا ان تفسير النص ضمن السياق العام للقانون يشير الى الزام المؤسسات المالية بتبليغ السلطات المختصة عن المعاملات المالية المشتبه بها وخلال فترة 14 يوما من تاريخ ورود المعاملة واقترح في هذا السياق ان يصار الى تقييد الجهة المختصة بتلقي هذا الاخبار بفترة كان تكون 14 يوما لاتخاذ القرار في ايقاف المعاملة او التصريح باكمالها .وفي هذا الخصوص وبغية إلزام المؤسسات المالية فقد اصدر مكتب غسيل الاموال تعميماً لكافة المصارف تلتزم المصارف بمؤداه ان تقدم كشفاً نصف شهري بالمعاملات المصرفية التي تضطلع بها .

3- الالتزام بتدقيق المعاملات المالية تنص المادة 18 من قانون غسيل الاموال ((تحري اضافي عن غرض وطبيعة التعاملات 1 – تتحقق المؤسسة المالية في الحال من مصدر المبالغ والغرض والطبيعة المقصودة للتعامل او علاقة العمل , اذا كان هناك سبب للاشتباه بان الموجودات هي عائدات جريمة , او ان القصد منها تمويل جريمة , او ان التنظيم الاجرامي له سلطة التصرف بها .
2 – تعلم المؤسسة المالية التي لديها سبب للاعتقاد بان التعامل المقترح او سلسلة التعاملات هي / تعاملات مشتبه بها في الحال مكتب الاخبار عن غسيل الاموال وتطلب منه الارشاد والتوجيه . اي مؤسسة مالية او اي شخص اخر يقوم بعمل هذا الابلاغ سيكون مشمولا بالحماية المقررة في المادة 22 فقرة 1 من هذا القانون .)) ولغرض تطبيق هذا الالتزام فانه يتوجب على كل المؤسسات المعنية اجراء تدقيق معين بشان كل التعاملات الكبيرة التي تستوفي الشروط الاتية:-

أ- يجب ان لا تكون المعاملة مشمولة بالزام الابلاغ عنها الوارد بنص المادة 15 وكما بينا سابقا .

ب - ان يرافق التعامل ظروف تدعو للشك في مصدره او الغرض منه.

ج- عدم وجود مبرر اقتصادي او مشروع له.

4 – الالتزام بحفظ السجلات اوجب قانون غسيل الاموال على المؤسسات المالية بحفظ نوعين من السجلات النوع الاول يتمثل بالسجلات الخاصة بهوية العملاء والنوع الثاني يتمثل بالسجلات الخاصة بتدقيق المعاملات حيث نصت المادة 22 ((التزام عمل وحفظ السجلات
1 – تحتفظ المؤسسة المالية بالسجلات المطلوبة بموجب هذا القانون , وتعمل وتحفظ سجل لكل مزاولة تحقيق او استفسار لمكتب الابلاغ عن غسيل الاموال لمدة خمس سنوات بعد غلق الحساب او انتهاء علاقة الزبون , تحفظ المعلومات المجموعة فقط لاغراض التعامل او سلسلة التعاملات لمدة على الاقل 5 سنوات بعد اخر تعامل .)) اذ يتوجب على المؤسسات المالية حفظ وادامة سجلات مخصصة لهوية اصحاب الحسابات لديها والمعاملات ولمدة خمس سنوات من تاريخ غلق حساب اولئك العملاء او تاريخ نهاية علاقة المؤسسة المالية بهم.
تعد البلدان النامية والمتخلفة مسرحاً مهماً وبيئة مناسبة لعمليات غسيل الاموال لما تتصف به هذه البلدان من ضعف في القوانين وهشاشة في الرقابة القانونية وتدن واضح في مستوى العمليات الاحصائية والحسابية وتخلف معرفي فيما وصلت اليه البلدان المتقدمة من وسائل وتقنيات حديثة في الاجراءات الضبطية في قياس حجم الاموال والتشدد في عمليات تحويلها.
ويكاد العراق ان يكون مرشحا لأن يكون بيئة مناسبة لمثل هذه العمليات بالرغم من عدم وجود احصاءات رسمية عن حجم عمليات غسيل الاموال فيه.
وتعود اسباب ترشيح العراق الى اسباب عديدة ابرزها[17]:
1. انتشار العمليات الارهابية وما يصاحبها من عمليات خطف يحصل الخاطفون من ورائها على اموال ضخمة كفدية للافراج عن المخطوفين وكذلك السطو على المصارف والبنوك او مصادرة الاموال الضخمة المحمولة في سيارات هذه المصارف بقوة السلاح، وغير ذلك من العمليات وهي عمليات تؤدي الى تولد كميات ضخمة من الاموال القذرة التي تتطلب غسيلها لاحقا لاضفاء الشرعية القانونية عليها وجعلها قابلة للتوظيف والتداول والاستثمار من جديد بكل يسر وسهولة.
2. انتشار الفساد المالي والاداري وارتفاع معدلات عمليات الاستحواذ على المال العام بطرق واساليب مختلفة يقابله تلكؤ واضح من قبل السلطات التنفيذية في القبض على المفسدين وتقديمهم للقضاء العادل ويصاحب ذلك انعدام التشريعات القانونية او عدم تفعيلها بما يتناسب مع حجم هذه الجرائم او اتساعها وتغلغلها في مختلف دوائر ومؤسسات الدولة.
3. وجود الاموال العراقية المنهوبة من قبل عناصر النظام السابق ومن غيرهم التي هربت الى خارج العراق او بقيت مخبأة على شكل عملات اجنبية او موظفة في مشاريع ذات واجهات شرعية يمكن اعادة غسيلها واعادة توظيفها في مشاريع اقتصادية جديدة.
4. انتشار وتوسع الصراعات السياسية والعرقية والطائفية وبروز الجماعات المسلحة المختلفة وتصاعد صراعاتها العسكرية والاعلامية، وهذا ما يتطلب الحصول على اموال ضخمة لادامة الصراع من اجل البقاء.
5. ضعف الرقابة على الحدود الدولية وعدم توفر الدعم المادي والمعنوي للقوات المشرفة على نقاط التفتيش والسيطرة فضلا عن عدم توفر الاجهزة والمعدات التقنية الحديثة التي يمكن من خلالها اجراء التفتيش الدقيق للاشخاص والسلع والبضائع ذهابا وأيابا.
6. تدني مستويات التعاون والمشاركة في الانشطة الاقليمية والدولية للحد من تداعيات الجريمة المنظمة بشكل عام وجرائم غسل الاموال بشكل خاص، ما يقتضي تفعيل المشاركة في هذه النشاطات وارسال العديد من المتدربين الى خارج العراق للحصول على خبرات حقيقية في هذا المجال.[18]