المطلب الثاني
اركان التزوير المعلوماتي
كما هو معلوم بأن التزوير المعلوماتي شأنه شان بقية الجرائم يتكون من ركنين هما الركن المادي والركن المعنوي ولكنه يختلف عنهما من حيث انه يشترط لتحققه أن يتوفر ركن ثالث خاص هو الضرر حتى يتم معاقبة فاعله وهذا ما سيتم بحثه في هذا المطلب الذي قسم الى ثلاثة فروع خصص الفرع الاول للركن المادي المتمثل بتغيير الحقيقة، والثاني للركن المعنوي المتمثل بالقصد الجنائي، خصص للضرر الذي يحدث يترتب من جراء فعل التزوير.

الفرع الأول
الركن المادي
لتحقق الركن المادي في جريمة التزوير المعلوماتي لابد من تغيير الحقيقة في سند او محرر او وثيقة بأي طريقة يقرها القانون وبأستخدام الحاسب الألي ومن هذا يتضح ان الركن المادي في الجريمة محل البحث يتكون من ثلاثة عناصر:
1- تغيير الحقيقة بأي طريقة يقرها القانون.
2- سند او وثيقة او محرر.
3- استخدام جهاز اليكتروني (الحاسب الآلي).

فتغيير الحقيقة هو ابدالها بغيرها وتغيير الحقيقة في التزوير المعلوماتي يتم بأي طريقة يقرها القانون المعالج لهذه الجريمة كأدخال بعض البيانات أو المعلومات الى برنامج من خلال استغلال الاخطاء والعيوب المنطقية التي يحويها هذا البرنامج والتي لايمكن اكتشافها إلا عند استخدامه عن طريق المداخلة المميزة لتلك البرامج والتي هي في حقيقتها عبارة عن ممرات خالية ومتروكة في البرناج ويمكن استغلال هذه المحررات المعيبة فنياً بإضافة أي معلومات أليها ، واخيراً أن من يقوم بتغيير الحقيقة بواسطة هذه الطريقة يكون هو سيد النظام المعلوماتي.
ويتم تغيير الحقيقة بمحو بعض أو كل البيانات الوارد ذكرها في البرنامج من خلال الحذف او الشطب يحدث يجعلها يمكن قراتها وبالتالي غير صالحة للاحتجاج بها او الانتفاع منها كم هو الحال بالنسبة للشخص الذي دخل على برنامج سجلات الشرطة وقام بحذف بعض أسماء المجرمين المطلوبين للعدالة وذلك في عام 1979 ويتحقق تغير الحقيقة ايضاً بأتلاف كل أو بعض البيانات ولكن لايعد تزويراً إذ وقع الاتلاف على البرنامج الذي تحويه تلك البيانات او المعلومات لأننا هنا لا نكون بصدد جريمة التزوير المعلوماتي وانما نكون اما جريمة اخرى (جريمة اتلاف المعلومات) (18).
ويتم تغيير الحقيقة بتحوير المعطيات والبيانات التي تمت معالجتها بأتباع اجراءات اليكترونية معينة ويتم هذا التحوير في المعطيات من خلال استخدام الحاسبات الالية لطبع فواتير مصطنعة او فواتير ذات قيمة كبيرة ويقوم العملاء بتسديدها منخدعين في الثقة التامة التي يتوسمونها في تلك الحاسبات. ومثال ذلك أيضاً العاملين في شركة تأمين بولاية لوس أنجلوس الامريكية والتي اختلقت بفعل حاسبها الألي وبمعاونة مبرمجيها عدداً وهمياً من المؤمن عليهم بملغ حوالي 64 الف وبثقة تأمين وقد تقاضت تلك الشركة من اتحاد الشركات التأمين في الولايات المتحدة عمولة نظيرا اجمالي لتلك الوثائق في حين اقتصر دورها فقط على ادارة الحسابات، وامعاناً في الغش ولغرض اعطاء العقود الوهمية مظرهاً مشابهاً للحقيقة فقد قامت الشركة المذكورة بتفعيل الملفات المختلفة عن طريق تغيير الوطن والوظيفة وبعض البيانات الاخرى(19).
ومما تجدر الاشارة اليه أن التزوير المعلوماتي يتم من قبل مشغل الحاسب الألي فحسب وانما يمكن ان يقع من شخص عادي ليس له أي دراية بتشغيل الكومبيوتر ولا يتمتع بأي قدر من الكفاءات والمهارات الفنية او العلمية لتشغيل هذا الجهاز الأليكتروني ومع ذلك يرتكب التزوير المعلوماتي كما هو الحال بالنسبة للشخص الذي يقوم بادلاء بمعلومات او بيانات الى مبرمج الحاسب الألي غير صحيحة مع علمه بتزويرها كما هو الحال بالنسبة للشخص الذي يعمد الى فتح حساب جاري فيقوم بأستعمال أسم شخص اخر او الأتصاف بصفة ليست له او بتقرير وقائع كاذبة او أي امر من شان المستند المبرمج أثباته(20).
كما ويتم تغيير الحقيقة بنشاط ايجابي فأنه يمكن ان يتحقق بنشاط سلبي الترك وذلك إذا ترتب على الترك تغييراً جوهرياً سبب ضئيلاً للغير لأن الترك يعتبر تغيير للحقيقة وبالتالي يعد تزويراً معلوماتي لاسيما إذا كان الترك متعمداً وليس على سبيل الخطأ أو السهو.
وعليه فأن تغير الحقيقة كعنصر من عناصر الركن المادي لجريمة التزوير المعلوماتي تقع على البيانات والمعلومات بأي لغة كانت وبأي طريقة وجدت حيث لايهم المادة التي كانت عليها ولايهم شكلها سواء كانت صوراً ام رموز ام علامات ويستوي ان يكون التغير مادياً ومعنوياً اذا لم يشترط في تغيير الحقيقة التقليدية ان تكون بطريقة معينة فانه يشترط في تغير الحقيقة التزوير المعلوماتي ان تتم بأستخدام الحاسب الألي لغرض تمييزها عن جريمة التزوير التقليدية فالحاسب الالي هو جهاز اليكتروني يقوم باداء العمليات الحسابية والمنطقية للتعليمات المعطاة له بسرعة كبيرة تصل الى عشرات الملايين من العمليات الحسابية في الثانية الواحدة، كما بأستطاعته حفظ وتخزين كمية كبيرة من المعلومات والبيانات وأستعمالها وقت الأقتضاء فهذه المميزات هي التي تميز الحاسب الالي عن غيره من الاجهزة الاخرى التي لها القدرة على معالجة البيانات والمعلومات آليا، بعبارة أدق له القدرة والامكانية في ادخال معلومات وبيانات ويتم معالجتها بصورة آلية وهاتين العمليتين يطلق عليهما بالأدخال والمعالجة حيث تعد من ابرز العمليات التي يقوم بها الحاسب الألي ويسهل استخراج نتائج تلك المعلومات واستعادتها وتخزينها لكي يتم الرجوع اليه متى دعت الحاجة مستقبلاً وعليه اضيفت الى العمليتين السابقتين عملية ثالثة لاتقل اهمية عن سابقتها ويطلق عليها بعملية التخزين ولكن يشترط في الجهاز الاليكتروني لكي يسمى حاسب ألي ان يكون من حجم واحد فقد تعددت احجامها بالاضافة الى ذلك لايستلزم ان يعمل بطريقة معينة على وجه الخصوص ولا يستوجب ان يكون مخصص او مصمم لغرض معين وانما يسمى الجهاز حاسب اليكترونيً او كومبيوتر او حاسوب متى ما قام بوظائفه الثلاث (الادخال، التخزين، المعالجة) للمعلومات والبيانات الواردة في البرامجيات(21).
وعليه اصبح التزوير المعلوماتي يكتسب اهمية خاصة نظراً لاعتباره من أبرز جرائم تكنولوجيا الحاسبات ولكي يتحقق الركن المادي له بعناصره الثلاثة ثار تساؤل حول طبيعة السند او المحرر أو الوثيقة التي يقع عليها فعل التزوير، هل ينصب على المحرر بمفهومه المتعارف عليه عند الناس؟ ام انه يقع على محرر له مفهوم خاص لاسيما واننا في اطار جريمة لاتنطبق عليها النصوص التقليدية لجريمة التزوير ألا في بعض الحالات من هذا التساؤل.
يتبين بان هناك نوعين من المحررات، محررات عادية متعارف عليها عند جمهور الناس، ومحررات ظهرت بظهور ثورة تكنولوجيا الحاسبات وهي ما يطلق عليها بالمحررات الاليكترونية، فيراد بالأول هو كل مسطور يحوي علامات او كلمات ينتقل بها الفكر او المعنى من شخص الى اخر بمجرد النظر اليه ويتسم المحرر العادي بثلاث سمات ان يكون متخذاً شكلاً كتابياً طالما هو محرر لابد من ان يكون مكتوباً وبأي لغة تكون محلية او اجنبية ولاعبرة بالمادة التي سطرت عليها الكتابة فقد تكون ورقة او خشب او جلد والقالب المحرر يكون بخط اليد ولكن يمكن ان يكون بالألة الكاتبة او الطابعة كله او بعضه كما يجب ادراك مضمون المحرر بالنظر اليه او لمسه كما ويشترط بأن تكون الكتابة منسوبة لشخص معين معروف او يمكن معرفته كما انه يتسلزم ان يحدث أثر قانوني يتحقق بأستبدال الحقيقة بغيرها بالتحريف او الاصطناع(22).
اما المحررات الاليكترونية فهي سجل أو مستند الكتروني يتم انشاءه او تخزينه او استخراجه او نسخه او ارساله او ابلاغه او أستلامه بوسيلة الكترونية على وسيط ملموس او على أي وسيط اليكتروني اخر ويكون قابلاً للاسترجاع بشكل يمكن فهمه وابراز هذه المحررات الألكترونية الاقراص اللينة والمضغوطة او اية وسائط اليكترونية اخرى.
ونحن بدورنا نرى بان هذا التعريف بين نوعين من المحررات هو خطوة حسنة لتمييز فعل التزوير التقليدي عن فعل التزوير المعلوماتي وعليه يشترط التحقق العنصر الثالث من عناصر الركن المادي لجريمة التزوير المعلوماتي الذي يتم بتغير الحقيقة في محررات ذات صفة اليكترونية على اعتبار ان التزوير التقليدي يختلف عن التزوير المعلوماتي باعتبار أن الاول جريمة عادية والثاني جريمة اليكترونية يشترط لأرتكابها استخدام الحاسب الألي استخدام غير مشروع ولكن هذا لا يمنع من امكانية ان يتم تغيير الحقيقة في التزوير المعلوماتي على محررات عادية إذا كان للحاسب الالي دور فيه حتى وان كان له دور ضئيل.


الفصل الثاني
الركن المعنوي
ويتمثل في الإرادة التي يصدر عنها الفعل فهي ارادة آثمة طالما انها أتجهت الى ارتكاب السلوك المجرم وسواء تجسدت في صورة القصد الجنائي في الجرائم العمدية او تجسدت في صورة الخطا في الجرائم غير العمدية.
ومما تجدر الإشارة اليه ان التزوير المعلوماتي هو من الجرائم العمدية التي يشترط لقيامها توفر القصد الجنائي الذي عرفه المشرع العراقي في المادة / 33 منه بقولها هو توجيه الفاعل ارادته الى ارتكاب الفعل المكون للجريمة هادفاً نتيجة الجريمة التي وقعت او اية نتيجة جريمة اخرى(23).
يتضح من النص المتقدم بأن القصد الجنائي يستلزم لتحققه توفر عنصران هما العلم والارادة بعبارة اخرى ان يكون الجاني عالماً بانه يرتكب فعل جرم او سلوك غير مشروع معاقب عليه في التشريعات العقابية ومع ذلك أقدم على ارتكابه، بمعنى يجب ان يكون عالماً بأن ادخال المعلومات والبيانات الى مضمون المحررات او محو تلك المعلومات أو تحويرها أو اتلافها او القيام بأية افعال اخرى من شانها ان تؤدي الى التاثير على المجرى الطبيعي لمعالجة البيانات ولايكفي هذا بل لابد من ان تكون ارادته متوجهة الى احداث النتيجة الجرمية من جراء سلوكه غير المشروع وهي الاضرار بالغير سواء كان اضرار معنوياً ام مادياً ام اجتماعياً ... الخ من الاضرار التي تصيب المصلحة العامة او بمصلحة شخص من الاشخاص.
وعليه إذا كان جاهلاً بأن الفعل الذي يرتكبه غير مشروع فلا يتحقق لديه القصد الجرمي وكذلك الحال إذا انتفى علم الجاني بأي ركن من اركان الجريمة فلا يترتب عليه توافر القصد الجنائي لأنه يفترض بالفاعل ان يكون عالماً بكافة اركان جريمته كما قد لا يتحقق القصد الجنائي اذا كان الفعل الذي يقوم به الجاني غير واضح بصورة صريحة كما هو الحال بالنسبة لأنتحال صفة الغير او الاتصاف بصفة غير صحيحة فقد يقوم مبرمج بيانات بتغيير الحقيقة في المحررات ولكنه غير عالماً بهمة التغيير ، كما ينتفي القصد الجنائي اذا اهمل المبرمج القائم بتحرير المحرر تغيير بيانات معينة دون قصد فأن الأهمال وعدم الاحتياط لايحقق العلم في القصد الجرمي هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى يستوجب قيام القصد الجنائي في التزوير المعلوماتي ان تكون ارادة الجاني متجهة الى احداث النتيجة الجرمية التي وقعت او اية نتيجة جرمية اخرى وهي الاضرار بالأخرين حتى وان كان هذا الاضرار محتمل الوقوع وعليه فان الركن المعنوي يتحقق في جريمة التزوير المعلوماتي بعلم القائم بفعل التزوير بان الادخال او الاتلاف او المحو أو التحوير للبيانات والبرامجيات المعالجة آلياً يؤدي الى التأثير على المجرى الطبيعي لتلك البيانات او المعلومات وانه قد وقع فعله(25).

الفرع الثالث
الركن الخاص
الضرر
يعتبر الضرر ركناً اساسياً في جريمة التزوير المعلوماتي ويشكل ضلعاً ثالثاً من أضلع اركان التزوير وبالتالي فلا بد من الوقوف على هذا الركن إذا لا يكفي جريمة التزوير المعلوماتي بتغيير الحقيقة في محرر او سند او وثيقة بأحدى الطرق التي يقرها القانون دونما يتريث على ذلك التغير ضرراً سواء كان هذا الضرر مادياً ام ادبياً ام اجتماعياً وسواء كان ينصب على المصلحة العامة ام على مصلحة شخص من الاشخاص وسواء كان ضرر واقع في الحال او محتمل الوقوع، كما ويشترك في هذا الضرر ان لايكون محدداً بعبارة ادق ان يمس شخص معين بالذات بل يعتبر متحققاً متى ما مس أي فرد من افراد المجتمع غير معين بالذات لأن من شان كل ذلك أن يسبب الاضرار بحقوق الغير أياً كانت صفة ذلك الغير اعتبارية ام طبيعية – شخص معنوي ام شخص طبيعي، ولقد اتفق غالبية الفقه على ان الضرر الذي يكفي لفرض العقاب في جريمة التزوير سواء كانت تقليدية ام معلوماتية هو الضرر المادي فهو يمثل اذى يصيب الغير من جراء المساس بمحتوياته او بمصلحة مشروعه جديرة بالحماية من قبل المشرع مساس جوهري يغير حال ذلك الغير بان يجعله بحال اسوأ مما كان عليه قبل وقوع الاعتداء.

المبحث الثاني
الجزاء الجنائي لجريمة التزوير المعلوماتي
ان الجزاء الجنائي نوعين في قانون العقوبات هو العقوبات والتدابير الاحترازية ومن هنا نرى تقسيم هذا المبحث الى مطلبان نخصص الأول للعقوبات والثاني للتدابير الاحترازية.



المطلب الاول
العقوبات
كما هو معروف بان العقوبة لها دور فعال في اثبات المسؤولية الجزائية، إذ بدون العقوبة لاقيام لهذه المسؤولية وعليه فالعقوبة هي الجزاء الذي يقرره القانون باسم الجماعة ولصالحها ضد من ثبتت مسؤوليته عن جريمة من الجرائم التي ينص عليها القانون وهو جزاء يوضع تنفيذاً لحكم قضائي.
إذن يجب على القاضي ان يحكم بها عند ثبوت ادانة المتهم بحيث لا يمكن تنفيذها عليه إلا إذا نص عليها القاضي في حكمه ويمكن ان يقتصر عليها الحكم لأنها جزاء مفروض في القانون للجرائم لتحقيق اهداف العقاب وهي بذلك جزاء أصيل بعبارة اخرى انها توقيعها غير معلق على الحكم بعقوبة اخرى(26). على عدة انواع بسيطة غير مقترنة بظرف او مشدمه أي مقترنة بظرف أو ظروف مشددة وهي بهذا التغيير طبيعة الجريمة من جريمة الى اخرى فاذا كانت صفة اصبحت جناية إذن نقسم هذا المطلب الى فرعين نتناول في الفرع الاول العقوبة البسيطة (جنح التزوير) وفي الثاني العقوبة المقترنة بظرف او ظروف مشددة (جنايات التزوير) (27).