المبحث الخامس
( مؤيدات تفرضها )
( مبادئ وقواعد القانون الجنائي الدولي )
إن المبادىء العامة التي يقوم عليها القانون الجنائي تقتضي تحقيق المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي وإجراء محاكمة مرتكبي جرائم معلوماتية دولية أمام محاكم دولية . على غرار محكمة روما 1998 :

أولاً ـ إن تعدد المحاكم الناظرة بالجرائم الدولية يخالف المبادىء العامة القانون الجنائي:
جرى أن القانون الجنائي الدولي خلال بعض المعاهدات والاتفاقيات الدولية قضي أن تتم محاكمة المتهمين بارتكاب جرائم دولية أمام جهات قضائية ثلاث هي :

1ـ أمام المحاكم الوطنية للدول : حيث تختص المحاكم الوطنية للدول . بالنظر في جرائم تعتبر دولية . مثال ذلك ما ورد في المادة التاسعة عشر من مؤتمر البحار لعام 1958الذي بموجبه . يجوز لكل دولة حق إلقاء القبض على سفن أو بواخر القرصنة في المياه الحرة ومحاكمة مرتكبي جرائم القرصنة ، والقانون الدولي خول الدول هذا الحق تاركاً أمر محاكمة و تحديد العقوبة ونوعها إلى محاكمها الوطنية ، فالمحكمة الوطنية في هذه الحال تقوم بدور المحكمة الدولية لان القانون الدولي هو الأساس التي ترتكز عليه هذه المحاكمة ومثال ذلك ما جرى في قضية لوتس حيث أيدت محكمة العدل الدولية حق تركيا في تطبيق لقانون الجنائي التركي ضد فرنسيين . وكانت فرنسا قد اعترضت على قرار المحكمة مدعية بأن القانون الدولي لا يسمح لتركيا اتخاذ إجراءات ضد أشخاص أجانب إذا ارتكبوا جرائم خارج الحدود التركية حتى لو كان ضد سفينة تركية 0
وكذلك ترك القانون الدولي أمر محاكمة مرتكبي جرائم تزوير عملة أجنبية – وجرائم الإضرار بالا سلاك التلغرافية في البحار الى المحاكم الوطنية 0للدول صاحبة العلاقة .

2 ـ أمام محاكم دولية جنائية خاصة بجريمة محددة : جرى تشكيل محاكم دولية مؤقتة بموجب معاهدات دولية أو بموجب قرارات من مجلس الأمن الدولي .حيث تنتهي صلاحية المحكمة بانتهاء مهمتها ومثال ذلك محكمة لايبرغ و محكمة نورمبرغ التي أنشأت بمعاهدة دولية.و محاكم يوغسلافيا وراو ندا – ومحكمة اغتيال رفيق الحريري التي أنشأت بموجب الصلاحيات الممنوحة لمجس الأمن الدولي 0
3ـأمام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة روما 1998:التي تختص وبشكل دائم بالنظر في محاكمة مرتكبي جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم ضد السلام وجرائم الإبادة الجماعية ... 0
إن استمرار تعدد المحاكم الناظرة في الجرائم الدولية على النحو السالف ذكره 0
و عدم النص على اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بالنظر في الجرائم المعلوماتية المرتكبة عبر شبكة الانترنت يخالف قواعد ومبادىءالقانون الجنائي الدولي . إذ أن هذه الحال لا تحققالفاعلية فيمكافحة هذا النوع من الجرائم0 إضافة الى أنهاتخالف مبادئ العدل والمساواة للأسباب التالية :

1 ـإن تقرير اختصاص المحاكم الوطنية للدول وتطبيق قانونها الداخلي على بعض الجرائم الدولية 0 يجعل الجرائم المتماثلة تخضع لتشريعات موضوعية وإجرائية مختلفة حيث نجد بعض الدول تقضي بعقوبة الإعدام في حين أن دولاً أخرى لاتحكم به إطلاقاً 0
كما أن بعض الدول تعتبر ارتكاب فعل ما يشكل جريمة على حين أن دولاً أخرى لا تعتبره كذلك . الأمر الذي يؤدي إلى تناقض في الأحكام وفق رغبة ومشيئة كل دولة بما يحقق مآربها 0

2 ـإن رؤية القاضي اذي يطبق أحكام القانون الجنائي الدولي ويعمل ضمنها . تختلف كلياً عن رؤية القاضي الوطني إزاء الجريمة الدولية 0 إذ أن تفسير القاضي الوطني للقانون الدولي ولطبيعة الجريمة الدولية يختلف عن تفسير وتكييف القاضي الدولي لها 0 إذ أن لكل منهم منظوره الخاص 0

3 ـ إن العديد من التشريعات الوطنية للدول تخلو من النصوص القانونية الجنائية التي تعتبر ما اعتبره المجتمع الدولي جرائم دولية 0 كجرائم التمييز العنصري – الإباحية .
لذا فإن بقاء قواعد الاختصاص على هذا النحو يخالف مبدأ المساواة في العقوبة الذي يقضي بــــأن :
(( تكون العقوبة المقررة في القانون للجريمة واحدة بالنسبة لجميع الناس لا فرق بينهم من حيث مركزهم الاجتماعي أو وصفهم الطبقي )) .

ثانياً – إن الحقوق التي يرتبها المجتمع الدولي للفرد يقابلها إيقاع الجزاء من قبل المجتمع الدولي ذاته إن قام بخرق هذه القواعد :
يقول اللورد دينيس لويد في مؤلفه فكرة القانون ص 373 :
(( لقد ذهب الفقهاء إلى أن الحقوق والواجبات ليست فقط مظهراً من مظاهر النظام القانوني 0 بل إن هذين المفهومين نفسيهما مترابطان ترابطاً منطقياً وبطريقة رئيسية 000 ويقال إن الحقوق والواجبات متصلة ومترابطة أي أنهما وببساطة الطرفان المتقابلان لعلاقة قانونية وان هذه العلاقة الثنائية يجب أن توجد )) .

وعلى ذلك فإن الحقوق التي يرتبها المجتمع الدولي للفرد , والذي يعمل على خلق قواعد قانونية دولية لحماية حياته وحماية أمنه وخصوصيته , يجب أن يقابلها واجب مترتب عليه 0 وهو ألا يشكل مصدراً لخرق هذه القواعد القانونية وان فعل ذلك فإن الحق للمجتمع الدولي ذاته بترتيب الجزاء , ومحاكمته , وإيقاع العقوبة وتنفيذها بحقه, لقاء هذا الخرق 0 والوسيلة الوحيدة الكفيلة لتحقيق ذلك هي محاكمته أمام محكمة جنائية دولية دائمة 0



الفصل الرابع
( عوائق تحقيق المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي )
( ومحاكمة مرتكبي الجرائم المعلوماتية أمام )
( محاكم جنائية دولية )
إن فكرة تحقيق المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي تشكل فرعا من فروع القانون الدولي لذلك فان العوائق التي تقف أمام تطور القانون الدولي هي ذاتها التي تقف أمام هذه الفكرة . يضاف لها العوائق المتعلقة بالسمة التكنولوجية لهذه الجرائم من جهة مستلزمات ارتكابها. ومن جهة أخرى مستلزمات الكشف عن مرتكبيها . وبذلك تكون العوائق هي مبدأ السيادة , وعدم وجود الجزاء على صعيد القانون الدولي, والعوائق الناشئة عن الطبيعة التقنية للجرائم المعلوماتية .

المبحث الأول

( العائق الأول )
( مبــدأ الســــــيادة )

إن أول عائق يقف أمام تطور القانون الجنائي الدولي هو تمسك الدول بسيادتها . وتغليب مصالحها الوطنية على مصالح المجتمع الدولي .
للسيادة التي تتمتع بها الدولة مظهران داخلي وخارجي .
فالمظهر الداخلي فيتجلى في بسط سلطان الدولة على اقليمها ومن فيه بحيث تمارس سلطاتها الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية بحرية تامة .
أما المظهر الخارجي يتجلى في سلطة الدولة على تنظيم علاقاتها مع الدول الأخرى على أساس من الاستقلال وعدم التدخل بشؤونها .

ولهذه السيادة خصائص هي :
1 ـ السيادة تخص أعلى عنصر في التسلسل الهرمي لنظام الدولة . فهي تمثل السلطة العليا على كافة المجالات السياسية والقانونية .
2 ـ السيادة تمثل السلطة النهائية في اتخاذ القرارات وتحديد اتجاه الدولة وسياستها القانونية . بحيث لا يوجد مرجع للطعن بها .
3 ـ السيادة تمثل سلطة التأثير بحيث يكون لقراراتها التأثير في مجرى الأحداث .
4 ـ السيادة تمثل الاستقلال وعدم التبعية .
فالسيادة هي حرية الدولة في ادارة شؤونها الداخلية والخارجية حيث لا تعلو سلطتها سلطة أخرى . كما ان حرية الدولة على إقليمها وعلى أفرادها قد تتعارض مع متطلبات استقرار الحياة في المجتمع الدولي .

في ظل القانون الدولي التقليدي كان مبدأ السيادة يعتبر عائقا كبيرا أمام تطور القانون الدولي . أما الآن وبعد التطور التكنولوجي والتقني الجديد خاصة في مجال المواصلات والاتصالات .حيث بدأ العالم ينتقل من مرحلة حكم القوة الى حكم القانون . وأمام زيادة متطلبات حسن سير الحياة الدولية في النواحي الاجتماعية والاقتصادية والفنية والأمنية أصبح من السائغ جدا بل ومن الضروري أن تقبل الدول الخضوع الى قواعد القانون الدولي . وفي هذا الصدد يقول الدكتور بطرس غالي بصفته أمينا عاما للأمم المتحدة بتاريخ 31/1/1992 :
(( ان احترام سيادة الدولة وسلامتها أمر حاسم لتحقيق أي تقدم دولي مشترك . بيد أن زمن السيادة المطلقة الخالصة قد مضى فالنظرية لم تعد تنطبق على الواقع , ومهمة قادة العالم اليوم هي تقديم هذا الأمر وايجاد توازن بين حاجات الحكم الداخلي ومتطلبات عالم يزداد ترابطا يوما بعد يوم , فالاتصالات والأمور البيئية تتعدى الحدود الا دارية .)) .

ومما له علاقة بهذا البحث نستطيع القول ان تفشي الجريمة في العالم ساهم سابقا الى انشاء منظمة الأنتربول .
أما الآن وبعد انتشار جرائم المعلوماتية خاصة تلك التي تتصف بشدة الخطورة بحق المجتمع الدولي . جعل من الضروري أن ينظم المجتمع الدولي نفسه لمكافحتها .وفي هذا المجال قام مجلس أوروبا بابرام المعاهدة المتعلقة بالجرائم السيبيرية بتاريخ 31/11/2001 بغرض توجية الدول الى توحيد النصوص التشريعية الموضوعية والاجرائية وتحقيق التعاون الدولي من أجل تسليم المجرمين وتأمين قنوات اتصال دولية لتبادل المعلومات المتعلقة بالجريمة .
كما أن التطور المعلوماتي القادم الذي لا مناص عنه ,واتجاه الدول الى تكوين الحكومات الالكترونية واعتمادها على شبكة الأنترنت لتبادل المعلومات , يتطلب تعاونا دوليا أكثر تنظيما وتضامنا بحيث لا بد من تنازل الدول عن جزء من سيادتها وحريتها من أجل حياة دولية آمنة ومستقرة .
يقول بيل جيتس في مؤلفه المعلوماتية بعد الأنترنت ( طريق المستقبل ) :
(( الواقع إن كل إنسان على استعداد لتقبل بعض التقييدات في مقابل توافر الاحساس بالأمن )) .
كما سبق وأن قال سيغموند فرويد :
(( الإنسان بادل جزءا من إمكانيات سعادته بنصيب من الأمن )) .

ومثلما كان على الفرد أن يتنازل عن جزء من حريته من أجل أن ينعم بالأمن والسلامة على الصعيد الداخلي للدولة . فانه يجب على الدول أن تتنازل عن جزء من سيادتها مقابل تمتعها بالأمن والسلم الدوليين .




المبحث الثاني


( العائق الثاني )
( عدم وجود آلية جزاء دولية )
إن عدم وجود آلية جزاء دولية تشكل عائقا حقيقيا وهاما أمام تطور القانون الجنائي الدولي .
إن أي نظام قانوني لا يمكن أن يحقق غايته ما لم يملك آلية جزائية تكفل نفاذه .
فعلى الصعيد الدولي نجد أن الدول الضعيفة تلتزم صاغرة أمام الدول القوية بمقتضيات القانون الدولي . حيث أن هذه الأخيرة لا تفعل ذلك مما يقوض استمرار الحياة الدولية .لذا يجب إيجاد آلية دولية جزائية فعالة تكفل نفاذ القواعد القانونية الدولية بحق الدول القوية والضعيفة على حد سواء .
ان المفهوم التقليدي للقانون الدولي كان عبارة عن قانون يسعى الى تحقيق التعايش السلمي بين الدول فهو يكاد يكون مجرد مجموعة من الأوامر والنواهي والقواعد من طبيعتها ألا تحميها الجزاءات الجبرية .
قبل انشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة ( روما عام 1998 ) كان المجتمع الدولي يفتقد الى مثل هذه الآلية . وبالرغم من هذا . وبالرغم من أن الجزاء قد لا يقتصر على انشائها فقط .حيث يلعب الرأي العام الدولي الناتج عن التطور المعاصر للفكر الانساني الذي ساهم في تطوره تقدم وسائل المواصلات والاتصالات , والناتج أيضا عن رسوخ فكرة المصير المشترك للشعوب , دورا هاما كآلية جزاء هامّة في دفع الدول إلى الالتزام بقواعد القانون الدولي . وبالرغم من خطورة الجرائم المعلوماتية على المجتمع الدولي نجد أنها ما زالت غير محمية بآليات جزاء دولية مما يفوت فرص مكافحتها . ولن تتحقق الفاعلية الكافية في أعمال المكافحة إلا بايجاد آلية دولية تكفل تطبيق العدالة على الصعيد الدولي .







المبحث الثالث

( العائق الثالث )
( الطبيعة التقنية للجرائم المعلوماتية )
إن الطبيعة التقنية الخاصة للجرائم المعلوماتية .تشكل عائقا أمام تطور القانون الجنائي الدولي . لأنها تحتاج الى خبرات فنية وتعاون دولي لمكافحة الجرائم المعلوماتية وهو ما لا يتوفر في معظم دول العالم .
حيث أن الوسيلة الرئيسية في ارتكاب الجرائم المعلوماتية هي جهاز الكومبيوتر بدعامته المادية التكنولوجية , والمعنوية المكونة من البرامج وقواعد البيانات .

وباعتبار أن عمل المجرم على الكومبيوتريتطلب منه امتلاك المهارات التقنية العالية في المجال المعلوماتي .
وباعتبار أن الجريمة المعلوماتية تتخطى الحدود السياسية والجغرافية حيث تقترف الأفعال الجرمية في دولة وتقع آثارها في دولة أخرى من قبل أفراد قد ينتمون الى جنسيات مختلفة ضد ضحايا أيضا قد ينتمون الى جنسيات أخرى . الأمر الذي يجعل أمر مكافحتها يستلزم تعاونا دوليا بين الدول ذات العلاقة , في المجال الفني والشرطي والأمني والقضائي , كما يستلزم اتفاقا بشأن تسليم المجرمين . ووجود شبكة اتصال لتأمين المعلومات .
إن مثل هذا التعاون يواجه معوقات وصعوبات فنية لا نجدها في الجرائم التقليدية .
يمكن القول إن المعوقات التي تحول دون تحقيق الفعالية المطلوبة هي :

1 ـ اختلاف التشريعات الموضوعية والاجرائية المحلية للدول المتعلقة بالجرائم المعلوماتية المرتكبة عبر شبكة الأنترنت :
إن النصوص القانونية الجزائية التقليدية لا تشمل الجرائم المستحدثة التي يتطلب ارتكابها والكشف عنها تقنيات فنية . لذا يجب سن تشريعات عقابية موضوعية واجرائية تراعي هذه الجوانب . وما يدعو الى ذلك أن معظم دول العالم لا تجرم مثل هذا النوع من الجرائم . اضافة إلى وجود اختلاف بين تشريعات الدول التي جرمت هذه الأفعال . حيث نجد أن تشريعات بعض الدول تعتير بعض الأفعال جرما يستحق العقاب حين لا تعتبرة كذلك تشريعات دول أخرى .وكذلك هي الحال بالنسبة لقواعد الاثبات المتعلقة بالأدلة والمستخرجات الالكترونية وبالنسبة للقواعد الاجرائية والأمنية حيث تسمح بعض الدول بالمراقبة الالكترونية وحفظ المعلومات المتعلقة بالاتصال وتعمل بمبدأ تسليم المجرمين ........ في حين لا تفعل ذلك دول أخرى.
إن هذا التباين يعود الى اختلاف النظم والأيديولوجيات والمعتقدات الدينية والسياسية للدول مما ينعكس على أنظمتها القانونية.

2 ـ مشكلة تنازع الاختصاص :
إن الطبيعة الخاصة للجرائم المعلوماتية التي تتسم بالعالمية الناتجة عن عدم اعترافها بالحدود السياسية والجغرافية للدول , تثير مشكلة تنازع الاختصاص المكاني حيث ينعقد الاختصاص المكاني للفعل الجرمي الواحد إلى محاكم وطنية لدول متعددة ,إذ ينعقد لمحكمة موقع اقتراف الأفعال الجرمية أو لمحاكم وقوع آثارها أو للمحاكم الوطنية التي ينتمي لها الجاني أو المجني عليه . إن حل مشكلة تنازع الاختصاص المكاني والموضوعي لا يمكن حلّه إلا عبر انشاء محكمة دولية خاصة لمحاكمة مرتكبي الجرائم المعلوماتية الدولية الأشد خطورة .

3 ـ معوقات فنية تقنية برمجية :
باعتبار أن من طبيعة الجرائم المعلوماتية اتسامها بسرعة ارتكابها وسرعة اخفاء آثارها الجرمية . وأن الكشف عن مرتكبيها واستخراج الأدلة القانونية الصالحة للإدانة يحتاج الى خبرات فنية تقنية برمجية تكنولوجية عالية .
وباعتبار أن أعمال التحقيق والضبط والتفتيش قد تحتاج الى القيام بذلك في أكثر من دولة لأنه قد يرتكب الفعل في دولة وآثاره الجرمية قد تقع في دولة أخرى مما يستوجب التعاون بين دولتين أو أكثر.
وحيث أن الدول ليست على سوية واحدة من حيث امتلاك الخبرات والمؤهلات اللازمة حيث يكون من العسير على الدول التي لم تدرب كوادرها الوطنية بشكل كاف من القيام باعمال الضبط والتفتيش ,الأمر الذي يفوت الفرصة على المجتمع الدولي لإكتشاف المجرم .
إن هذه الحال تشكل عائقا فنيا أمام المجتمع الدولي لمكافحة هذا النوع من الجرائم .

4 ـ معوقات فنية تتعلق بعدم تأمين شبكة اتصال دولية :
إن من أهم العوامل التي تساعد على كشف الجريمة المعلوماتية وضبط أدلتها في الوقت المناسب , هو توفر الاتصال بين الدول على مدار الساعة والأسبوع من أجل تأمين المعلومات اللازمة قبل اختفاء الأدلة .
وباعتبار أن المجتمع الدولي يعاني من خلافات أيديولوجية ودينية وعقائدية وسياسية وعنصرية واقتصادية الأمر الذي خلق قطيعة وانعدام تعاون فيما بين البعض منها مما أفقده امكانية إنشاء شبكة اتصال خاصة لتأمين المعلومات والبيانات والأدلة في الشكل والوقت المناسبين . مما يشكل عائقا كبيرا يحول دون تحقيق فاعلية في مكافحة هذا النوع من الجرائم .






الفصل الخامس
( النتائــج والتوصيــات )
أولا ـ النـتـائـج :

نتيجة للحروب والويلات التي عانت منها البشرية خاصة الحربين العالميتين الأولى والثانية في القرن الماضي . حيث ارتكبت أبشع الجرائم بحق الانسانية . سعى رجال الفقه والقانون الى الحد منها , ومعاقبة مرتكبيها أمام محاكم تحقق المسؤولية الجنائية الشخصية الدولية . وقد تكلل ذلك بإنشاء النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية روما 1998 .التي يقتصر اختصاصها على الجرائم التالية : جرائم : الحرب ـ الإبادة الجماعية ـ العدوان المسلح ـ ضد الانسانية ـ ضد السلم الدوليين و ذلك على سبيل الحصر .
إن هذا النظام لا يلبي حاجة المجتمع الدولي لمكافحة كافة الجرائم الدولية التي يمكن أن تهديد الأمن والسلم الدولي أوالتي يمكن أن تنتهك الحياة الإنسانية أوالنظام الدولي بشكل عام .
إن بعض الجرائم المعلوماتية التي ترتكب عبر شبكة الأنترنت , مثل جرائم التمييز العنصري وبعض جرائم الإرهاب الدولي يمكن أن تخلق توترا بين أطراف المجتمع الدولي , مما قد يؤدي الى نشوء حروب اقليمية أو دولية جديدة . كما يمكن أن يؤدي أيضا ارتكاب جرائم اقتصادية إلى تقويض الاقتصاد الوطني لبعض الدول . إضافة الى أن الحرب الالكترونية الجديدة , قد تشل سبل الحياة في الدول لإمكانيتها بتعطيل شبكات المواصلات والمياه والكهرباء والمشافي وأغلب نبض الحياة فيها. خاصة أن الاعتماد على شبكات الكومبيوتر يزداد يوما بعد يوم تطورا وتقنية .
لقد أصبح من الثابت لدى المجتمع الدولي أن بعض الجرائم التي ترتكب عبر شبكة الأنترنت قد تشكل ضررا أشد من الضرر الذي قد تلحقه به بعض الجرائم التي تختص بها المحكمة الجنائية الدولية .
ثبت أن التزام الدول بمحاكمة مواطنيها حيال ارتكابهم جرائم معلوماتية ضد دول أخرى قد لا يحقق نفس المصداقية والعدالة حال محاكمتهم لجرائم ارتكبوها داخل اقليمها . كما ثبت أن بعض الدول العظمى قد تمتنع عن تسليم رعاياها . أو تمتنع عن تقديم المساعدة المعلوماتية لكشف الجريمة .
وتأسيسا على هذه الثوابت فانه لا يمكن تحقيق العدالة والمساواة بين الدول الا بمحاكمة مرتكبي الجرائم المعلوماتية الأشد خطورة أمام محاكمة دولية دائمة . ولن تجري محاكمات دولية عادلة إلا بتحقيق عولمة القانون الجنائي .








ثانيا ـ التوصيات :

أولا ـ على الصعيد السياسي والآيديولوجي والعقائدي :
باعتبار أن تباين النظم القانونية الجزائية للدول يشكل عائقا أمام تطور القانون الدولي خاصة الفرع الجنائي منه المتعلق بالجرائم المعلوماتية . وباعتبار أن سبب هذا التباين يعود الى الاختلاف بينهم من النواحي السياسية والعقائدية والدينية والعرقية والآيديولوجية . لذلك فإن أمر توحيد وتقارب النظم القانونية للدول مرهون بحل الخلافات العالقة بينها لذا نوصي بما يلي :
1 ـ حل المشاكل الدولية العالقة خاصة احتلال أراضي الغير .مع تقرير وجوب مساهمة المجتمع الدولي في حلها بأسرع وقت ممكن وبكافة الوسائل .
2 ـ ايجاد تعريفات دولية لأعمال العدوان والارهاب .
3 ـ تمييز أعمال المقاومة المشروعة والكفاح المسلح للدفاع عن الحقوق المسلوبة ,عن الأعمال الإرهابية العدوانية غير المبررة .
4 ـ عدم اتباع سياسة ازدواجية المعايير والتمييز بين أفراد المجتمع الدولي . الذي يدفع بالدول والجماعات المظلومة الى التطرف لرفع الحيف عنها.
5 ـ عدم تعليق اتخاذ القرارات في مجلس الأمن الدولي أو المنظمات الدولية رهنا بارادة دولة واحدة .
6 ـ اقرار قانون دولي يلزم الدول بترجيح أحكام القانون الدولي على أحكام القانون الوطني وفق نظم وأسس يتفق عليها .

ثانيا ـ على الصعيد الإعلامي والثقافي الدولي :
1 ـ نشر مفهوم التآخي والمساواة بين أفراد المجتمع الدولي على الصعيد الشخصي للأفراد وعلى صعيد الدول .
2 ـ نشر مفهوم المصير المشترك للشعوب . خاصة فيما يتعلق بمكافحة الجرائم والمعلوماتية . كما الأمر في قضايا البيئة والصحة .
3 ـ نشر مفهوم أن تحقيق مصلحة المجتمع الدولي وتقديمها على المصالح الوطنية هو في حقيقته تحقيق للمصالح الوطنية للدول .
4 ـ تعزيز مفهوم تنافس الحضارات في خدمة الإنسان وأمنه ورفاهيته . بدلا من صراع الحضارات .
5 ـ نبذ ومحاربة الأفكار العنصرية والعرقية التي تتبنى أفكار الحقد والكراهية ومعاداة الأجانب. لدى بعض القوميات والأديان والأيديولوجيات .
6 ـ نشر أخلاقيات التعامل مع شبكة الأنترنت .

ثالثا ـ على الصعيد القانوني والإجرائي :
1 ـ اعتماد معاهدة بودابست تاريخ 23/11/2001 الصادرة عن مجلس أوروبا المتعلقة بالجرائم السيبيرية أساسا ومنهجا لتنظيم التشريعات المحلية والعالمية . والعمل على تطويرها بشكل مستمر لتتلائم مع تطور التكنولوجيا ونظم الاتصالات .
2 ـ تحديث التشريعات المحلية الموضوعية والاجرائية بما يتناسب ومصلحة المجتمع الدولي لمكافحة الجرائم المعلوماتية .
3 ـ انشاء شبكة اتصال دولية تعمل بتواضب واستمرار على مدار الساعة والأسبوع لتأمين احتياجات الدول للمعلومات والبيانات والأدلة اللازمة لمكافحة هذه الجرائم .
4 ـ اصدار قانون دولي موحد ومشترك خاص بتنظيم عمل شبكة الأنترنت ومحتواها وتحديد مفاهيمها على مستوى عالمي .
5 ـ تطوير مؤسسة تسليم المجرمين بين الدول .
6 ـ تخصيص قضاء محلي مدرب بشكل جيد . للنظر في جرائم المعلوماتية المحلية.و الدولية الأقل خطورة .

أما بالنسبة للجرائم المعلوماتية الأشد خطورة التي يمكن أن تهدد الأمن والسلم الدوليين .فانه يجب تحقيق عولمة القانون الجنائي بشأنها .
واننا نذهب الى ما ذهب اليه الكثير من رجال الفقه والقانون باتجاه وضع الملامح الأساسية لعولمة القانون الجنائي الدولي وذلك على الشكل التالي :


أولا ـ وضع آلية تشريعية دولية :

تعنى هذه الآلية بسن القوانين الدولية الموضوعية والإجرائية الخاصة بالجرائم المعلوماتية الدولية الأشد خطورة والتي يمكن أن تهدد أمن واستقرار المجتمع الدولي .بحيث يمكن خلال هذه الآلية للمجتمع الدولي تحديد الأفعال الجرمية وتحديد العقوبات المناسبة لها بشكل دائم يتلائم مع تطور الجريمة .

ثانيا ـ وضع آلية قضائية دولية :
تعنى بانشاء محاكم جنائية دولية اقليمية أو قارية خاصة بمحاكمة مرتكبي الجرائم المعلوماتية عبر شبكة الانترنت الأشد خطورة . بغض النظر عن جنسياتهم أو أعراقهم أو معتقادتهم الدينية أو الآيديولوجية . وفقا للنصوص القانونية التي يتفق عليها المجتمع الدولي بموجب الالية التشريعية . مهمتها تحديد الهيكل القضائي بما يتضمن تحديد عدد القضاة ومؤهلاتهم وتعيينهم وكل ما يتعلق بهذه المحاكم ماليا واداريا وفنيا .


ثالثا ـ وضع آلية تنفيذ دولية :
تعنى بتشكيل آلية تكفل تنفيذ مستلزمات أعمال التحقيق وتبادل المعلومات وتسليم المجرمين وإجراء المحاكمة ومن ثم تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة .

إن تحقيق هذه الآليات الثلاث . والتزام أفراد المجتمع الدولي في تنفيذها باخلاص بعيدا عن تأثير قوى الدول العظمى السلبي سيساهم في تحقيق الأمن والسلم الدولي في العالم , وسيحافظ على سلامة النظام الدولي الجديد وسيحد من ارتكاب هذه الجرائم .

إن هذه الآليات يجب أن تحمل في ذاتها امكانيات التجديد والتطوير حتى تواكب الحاجات المستمرة من أجل مكافحة الجرائم المعلوماتية عبر شبكة الأنترنت .
يقول القاضي كردوزو :

(( ان القانون كالمسافر يجب أن يكون مستعدا للغد ))
(( يجب أن يحمل بذرة التطور في ذاته ))
إن قيام المجتمع الدولي بذلك يكون قد وضع لبنة أساسية في بناء الدولة العالمية الواحدة التي تعنى بأمن وسلامة ورفاهية الانسان وسموه .



















المصادر

1 ـ د. محمود مرشحة ـ القانون الدولي العام . جامعة حلب .عام 1994.

6 ـ د . محمد المجذوب ـ الوسيط في القانون الدولي العام الدار الجامعية 1999.
7 ـ د.ابراهيم أحمد شلبي ـ التنظيم الدولي الدار الجامعية 1987.
8 ـ د. محمد عزيز شكري ـ المدخل الى القانون الدولي العام جامعة دمشق1982.
9 ـ د. فؤاد ديبب ـ تنازع القوانين جامعة دمشق 1992 .
10 ـ د. علي عبد القادر قهوجي ـ قانون العقوبات القسم العام .
11 ـ د. يونس العزاوي ـ المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي جامعة بغداد1970 .
12 ـ المحامي اللورد لويس دينيس ـ فكرة القانون ـ سلسلة عالم المعرفة الكويت ـ العدد 47 .
13 ـ د. فرانك كيلش ـ ثورة الإنفوميديا ( المعلوماتية وكيف تغير حياتك ) سلسلة عالم المعرفة الكويت العدد .
14 ـ أ . عبد الحميد جودة السحّار ـ الدستور من القرآن الكريم دار مصر للطباعة .
15 ـ وزارة التربية سوريا الثالث الثانوني التاريخ الحديث والمعاصر بحث العولمة .
16 ـ د. سليمان أحمد فضل ـ المواجهة الأمنية والتشريعية لجرائم الأنترنت ـ دار النهضة العربية عام 2007 .
17 ـ مستشار محمد عيد الكعبي ـ الجرائم الناشئة عن الاستخدام غير المشروع لشبكة الأنترنت ـ دار النهضة العربية .
18 ـ د. أيمن عبد الحفيظ ـ الاتجاهات الفنية والأمنية لمواجهة جرائم المعلوماتيةـ 2005 .
19 ـ د. عبد الله حسين علي محمود ــ سرقة المعلومات المخزنة في الحاسب الآلي ـ دار النهضة العربية 2004 .
20 ـ د. أ عبد الله عبدالكريم ـ جرائم المعلوماتية والأنترنت . منشورات الحلبي 2007 .
21 ـ د. عمر محمد بن يونس ـ الاجراءات الجنائية عبر الأنترنت في القانون الأمريكي . دار النهضة العربية 2006.
22 ـ هنري باتيفول ـ ترجمة د. سموحي فوق العادة ـ فلسفة القانون منشورات عويدات 1984 .
23 ـ د. عمر محمد بن يونس ـ الجرائم الناشئة عن استخدام الأنترنت الأحكام الموضوعية والإجرائية ـ دار النهضة العربية 2004.
24 ـ محاضرات القيت في الندوة التي أقامتها وزارة العدل والخارجية الفرنسية في عمان تاريخ 2 ــ 4 نيسان 2007 .
25 ـ المستشار محمد محمد الألفي رئيس المحكمة و نائب رئيس الجمعية المصرية لمكافحة جرائم الأنترنت ـ جرائم الارهاب عبر الأنترنت .
26 ـ مجموعة من المؤلفين ( من موسوعة بلاكويل للفكر السياسي ) ترجمة د. أنطون حمصي ـ قاموس الفكر السياسي الجزء الأول ـ منشورات وزارة الثقافة السورية 1994
27 ـ د. عاطف النقيب ـ النظرية العامة للمسؤولية الناتجة عن الفعل الشخصي ـ منشورات عويدات 1983 .

ومجموعة من الأبحاث المنشورة على مواقع الأنترنت .


































الفهرس

الفصل الأول

( فصل تمهيدي) الصفحة

المبحث الأول ــ مدخل . .................................................. ........... 2
المبحث الثاني ــ المسؤولية الجنائية .................................................. ... 4

الفصل الثاني
( نشوء وتطور مفهوم المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي )
المبحث الأول ــ دور المعاهدات والمؤتمرات الدولية . ............................... 8
المبحث الثاني ــ دور هيئة الأمم المتحدة ومعاهدة مجلس أوروبا بودابست ............. 10

الفصل الثالث
( مؤيدات تحقيق المسؤولية الجنائية في القانون الدولي )
( في بعض جرائم المعلوماتية )
تمهيد .................................................. .................................. 13
المبحث الأول ــ أساس الالتزام بقواعد القانون الدولي ............................ 14
المبحث الثاني ــ موقف الشريعة الاسلامية . ...................................... 16
المبحث الثالث ــ مؤيدات تفرضها الطبيعة التقنية للجرائم المعلوماتية .............. 19
المبحث الرابع ــ مؤيدات تفرضها قواعد العدل والمساواة في المجتمع الدولي....... 21
المبحث الخامس ــ مؤيدات تفرضها مبادىء القانون الجنائي الدولي .................. 24


الفصل الرابع
( معوقات تحقيق المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي)
( في بعض جرائم الأنترنت)
المبحث الأول ــ مبدأ السيادة .................................................. ... 27
المبحث الثاني ــ عدم وجود آلية جزاء دولية ...................................... 29
المبحث الثالث ــ معوقات ناشئة عن الطبيعة الفنية للجرائم المعلوماتية .............. 30


الفصل الخامس
( النتائج والتوصيات )
ــ النتائج .................................................. .................... 32
ــ التوصيات .................................................. ................... 33
ــ المصادر .................................................. ................... 36
ــ الفهرس .................................................. ....................... 38