المطلب الثاني
تقويم
فكرة بيع المعلومات

في الواقع أنه لا يمكن تطبيق أحكام عقد البيع على عقد البحث العلمي في ظل اختلاف البناء القانوني لكل عقد إذ يرتكز عقد البحث العلمي على عناصر لا مثيل لها في عقد البيع. كما أن وضع هذا التكييف موضع التطبيق غير ممكن للأسباب الآتية:-
1-
أن تصوير
المعلومات على أنها تصلح محلاً لعقد البيع
يعني أن البائع مالك الشيء موجود قبل البيع، في حين أن القاعدة هي أن المعلومات ملك للجميع، وأما إذا تم تخصيصها لتقتصر فائدتها على شخص معين فأن ذلك لا يستلزم بالضرورة أن يكون لهذا الشخص حق ملكية، إذ أن هذا الحق يستلزم على الأقل ترخيصاً بموجب القانون كأن تكون له براءة اختراع(1).
2-لا يمكن
الربط بين القيمة الاقتصادية وفكرة الأموال، إذ أن الصلة لا تكون حتمية بينهما، فهناك من القيم الاقتصادية ما لا تعتبر من الأموال(2). وقد لا تعبر القيمة الاقتصادية تعبيراً حقيقياً عن محتوى الأفكار المطروحة في البحث العلمي. ولا يستلزم في البحث العلمي أن يكون ذات قيمة أو بعد اقتصادي. فالصلة ليست حتمية، ولعل ما يؤكد هذا أن البحث العلمي القانوني أو السياسي مثلاً لا يكون ذات بعد اقتصادي.
3-إن عقد البيع يفترض انتقال شيء من شخص لأخر ، وهذا لا يمكن تحققه بالنسبة للمعلومات . ذلك لأنها تنطوي على أفكار ، فإذا انتقلت الفكرة من شخص لأخر صارت الفكرة لدى كليهما.(3)
4-تترتب على عقد البحث العلمي
التزامات تتعدى مرحلة تنفيذ
العقد وتستمر
إلى ما بعد انتهاء الرابطة القانونية بين الباحث والمستفيد ، وخصوصاً في ما يتعلق بالالتزام بالسرية ، وهذا الأمر لا يستقيم مع ما تقرره أحكام القانون بخصوص عقد البيع (4)
.

1.
أنظر في عرض
هذا التقويم رأي كل من
(MAGNIN Et CARBONNIER ) المشار إليه في بحث أستاذنا د. صبري حمد خاطر، المصدر السابق، ص118.
2.
ومن قبيل ذلك
المعلومات الاسمية الشخصية. للتوسع أنظر : د. سليم عبد الله احمد ، مصدر سابق ،
ص84.
3.
وذلك مثل
الكتاب ، كما يقول فولتير الذي هو كالنار أستطيع أن استفيد منها وأعطي للجار والجار الأخر وتبقى النار كما هي من دون نقص . نقلاً عن الأستاذ
(Lucas) الذي
أشار إليه في بحث أستاذنا د. صبري حميد خاطر ، مصدر سابق
، ص125هـ9.
4.
ويعد الالتزام
بالسرية من الالتزامات ذات الطبيعة الخاصة التي تترتب بذمة الباحث في عقد البحث
العلمي .
5-لا يستطيع
المستفيد أن يلجأ إلى قواعد التنفيذ الجبري عند امتناع الباحث عن إعداد البحث ، وذلك للارتباط الوثيق بين البحث العلمي (كمحل للعقد) و بين الباحث صاحب المعرفة والتخصص . ويقتصر حق المستفيد في المطالبة بإنهاء الرابطة التعاقدية والتعويض أن كان له مقتضى (1) وهذا الأمر يختلف عن ما تقرره القواعد الخاصة بعقد البيع عند إخلال البائع بالتزاماته في عقد البيع (2)
6-لا يمكن الركون إلى نية الطرفين في
تحديد الطبيعة القانونية لعقدهما وخصوصاً في عقد
البحث العلمي الذي يتميز بأنه ينطوي على علاقة
غير متوازنة بين طرفين احدهما قوي اقتصادياً بما يملكه من تخصص ومعرفة علمية والأخر ضعيف لا يملك التخصص والمعرفة العلمية في المجال الذي تعاقد فيه وهو البحث العلمي.

هذه الصعوبات
في جملتها كانت وراء محاولة بحثنا عن فكرة أخرى تحاول
تكييف عقد البحث العلمي بين الباحث والمستفيد
إلى عقد وكالة . وكما هو موضح في المبحث القادم
.



1.
انظر :- د.
احمد محمود سعد ، مصدر سابق ، ص313
.2.
انظر المادة
248/2من القانون المدني العراقي



المبحث
الثاني
عقد
البحث العلمي عقد وكالة
يعرفالقانون المدني العراقي الوكالة بأنها : ((عقد يقيم به شخص غيره مقام نفسهفي تصرف جائز معلوم )) (1) فالملتزم فيه وهو الوكيل ينوب عن الدائن وهوالموكل بالقيام بعمل قانوني باسمه ولحسابه (2) والوكالة كما هو معروف منالعقود الواردة على العمل (3)
بيد انه يتميز
عن سائر العقود الواردة
على عمل كعقود
المقاولة وعقد العمل بسمتين أساسيتين لهما نتائجهما على عقد
الوكالة في الاحتفاظ بذاتيته الخاصة به
:-
1-
الوكيل يمثل
الموكل أمام الغير ، إذ يقوم بإبرام التصرف باسمه ولحسابه
.2-
محل عقد الوكيل
هو القيام بتصرفات قانونية لحساب الوكيل

.
ولماكان بحثنا ينصرف إلى التعرف على الطبيعة القانونية لعقد البحث العلمي فانهوفي ضوء تلك الخصائص المميزة لعقد الوكالة ، هل يمكن القول أن عقد البحثالعلمي هو احد تطبيقات عقد الوكالة ؟ وللإجابة عن ذلك فإننا نقسم هذاالمبحث على مطلبين ، الأول لعرض الفكرة والثاني لتقويمها و ذلك كالأتي :-1.انظر نص المادة (927) من القانون
المدني العراقي
.2.نظرأستاذنا
د. حسن علي الذنون ، النظرية العامة للالتزام ، النظرية العامة
للالتزام ،بغداد ،1976 ، ص51ومابعدها وانظر نص المادة (699) من القانونالمدني المصري .3.إذ تناولهما القانون المدني العراقي
ضمن الباب الثالث (العقود الواردة على العمل) من الكتاب الثاني منه
.المطلب
الأول
عرض
فكرة عقد الوكالة
لماكان الباحث يقوم بإعداد البحث العلمي ، بالإضافة إلى أنه في بعض الأحيانيقدم المساعدة الفنية اللازمة عند تنفيذ البحث العلمي. إلا أنه في هذهالأعمال لا يقوم بعمل قانوني، حتى يمكن القول بأن محل عقده هو عين محل عقدالوكالة .ولا يقدح في ذلك كونه يقوم بأداء هذا العمل لمصلحة رب العمل، حيثكما سبق الذكر، الوكالة تقتضي القيام بالتصرفات القانونية، بأسم ولحسابالموكل.وعلى الرغم من
هذه الحقيقة، إلا أن هناك بعض السمات التي تثير
الشك
إلى أن الباحث في علاقته بالمستفيد هي علاقة وكيل بموكله، ومن ثم
يمكن القول أن الرابطة القانونية بينهما ترتدي ثوب عقد الوكالة، وما يترتبعلى ذلك من نتائج، أسوة بما هو متبع بصدد بعض عقود المهن الحرة، كالعقدالطبي، وعقد المحامي مع عميله، وهذا هو ما كان معمولاً به أبان القانونالروماني في التمييز بين الأعمال المادية، والأعمال الذهنية، حيث كان يخضعهذا الأخير لأحكام عقد الوكالة(1).ويمكن مما تقدم
أن نستند إلى الحجج الآتية في تكييف العلاقة بين الباحث والمستفيد أنها عقد
الوكالة
:-1-
أن عمل الباحث
تغلب عليه الصفة العقلية أو الذهنية، فلا يمكن أن يكون
محلاً
لعقد مربح، لذا فأنه يخضع لعقد الوكالة حتى لا يوضع العمل العقلي في
مستوى العمل اليدوي، ولا ينحط العلم ليكون وسيلة للتجارة(2).2-
يعدالالتزام بالتبصير أو الأعلام من أهم الالتزامات الناشئة في عقد البحثالعلمي(3) وهو ذات الالتزام الذي يقع على عاتق الوكيل، الذي يلتزم بتبصيرموكله وإعطائه1.
في هذا الرأي
ونقده أنظر:- د. محمد لبيب شنب، شرح
أحكام
عقد المقاولة، القاهرة ،1962، ص29 وما بعدهما. وأنظر:- د. محمد عبد
الظاهر حسين، المسؤولية المدنية للمحامي تجاه العميل، دار النهضةالعربية،1993،ص77.2.
وقد أشار جانب
من الفقه بإخراج الروابط القائمة
على
الصفة الذهنية من نطاق الروابط القانونية وإلحاقها بالروابط التي
تحكمها مبادئ الأخلاق لأن الشخص الذي يعتمد على النشاط الذهني أو العقلييسمو بنفسه عن الاعتبارات المادية ولا ينبغي من وراء نشاطه هذا تحقيق أيربح أنظر في هذا المعنى:- محمد علي عرفة، أهم العقود المدنية، الكتابالأول، في العقود الصغيرة، مصر، 1954، ص10.
AUBRY
et RAU Droit Civil Francais,Tome.V, 6eme Edition, 1947, par. Esmien. P.388.
3.
إذ يلتزم
الباحث بأعلام المستفيد عن نتائج البحث العلمي

.
المعلوماتاللازمة والحالة التي وصل إليها في تنفيذ الوكالة(1). وتنشأ مسؤوليةالوكيل في حالة تأخره في تبصير موكله في الوقت المناسب(2).3-
لا يقتصرالتزام الباحث على أعداد البحث العلمي، بل يلزم كذلك بإتباع كافة الوسائلالتي تمهد القيام بهذا الالتزام مما يقرب عمله من عمل الوكيل. 4-
أن الأجر المتفق
عليه في عقد البحث العلمي، يكون خاضعاً لتقدير المحكمة(3)، أسوة بما هو مقرر في
عقد الوكالة(4
).5-
يقوم عقد البحث
العلمي على عنصر رئيسي هو وجود ثقة بشخص الباحث وخبرته
وكفاءته(5)،
وهذه السمة موجودة أيضاً في عقد الوكالة الذي يتميز بتغلب
الاعتبار الشخصي(6).6-
عقد البحث
العلمي، كعقد الوكالة(7)، يتميز بأنه
عقد
غير لازم، إذ يجوز كقاعدة عامة أن يعزل الباحث، وللباحث أن يتنحى عن
البحث العلمي. 1.
انظر نص المادة
(936) من القانون المدني العراقي

.
2.
انظر :- د.
سهير منتصر ، الالتزام بالتبصير ، القاهرة ، بدون سنة طبع ، ص79
.3.
في حالة عدم
الاتفاق ابتداءاً على الأجر في العقد

.
4.
انظر نص المادة
(940/2) من القانون المدني العراقي

.
5.
يعتمد اختيار
المستفيد للباحث على الاعتبار الشخصي

.
6.
انظر الأستاذ
السنهوري ، الوسيط ، ج7، مج1، بيروت ، 1973، ص374
.7.
المصدر السابق
، ص375
.


المطلب الثانيتقويم
فكرة عقد الوكالة
لميسلم هذا التكييف لعقد البحث العلمي من إعادة تقويمه مرة أخرى . وذلك ،انه ينبغي أن يطابق التكييف للعقد الطبيعية الخاصة لأداء الباحث . وفي ضوءذلك يمكن ان نشير للاعتبارات آلاتية
:-
1-يتميز عقد الوكالة بان محله الأصلي
يكون دائماً تصرفاً قانونياً ، ولايمكن بأي حال من الأحوال عد البحث العلمي تصرفاً
قانونياً
.2-أن الوكيل لا يسأل ألاعن بذل
العناية اللازمة في إنجاز العمل الموكل إليه (1
)بينما يلتزم
الباحث بتحقيق نتيجة تتمثل في إنجاز البحث وتسليمه للمستفيد
. 3-أنالقول
بان العمل العقلي لا يصلح أن يكون محلاً لعقد مربح قول يناقض الواقع
فالمعروف إن أصحاب المهن الحرة ، التي تعتمد اغلبها على الطابع الذهني ،يبرمون مع عملائهم عقوداً يبغون من ورائها الربح ، ولا تعاب سمعتهم أنقاموا بإجارة عملهم (2) 4-أن لجوء المحكمة إلى أحكام عقد
الوكالة
للوصول إلى تعديل الأجر المتفق عليه
بين الباحث والمستفيد ليس بحجة قاطعة
لثبوت
هذا التكييف لعقد البحث العلمي ، لأن تدخل القاضي في هذه الحالة هو
تدخل استثنائي الهدف منه التخفيف من المغالاة في الجور وإعادة التوازن بينطرفي العقد (3).5-يتصرف الوكيل باسم الموكل ولحسابه
(4) ، وأما الباحث
فان عمله يصدر باسمه ولحسابه الخاص
حتى
في الحالة التي يكون فيها الباحثوكيلاً عن المستفيد (5) لذلك فانه إذا اختلطت الوكالة بعقد أخر ((كعقدالبحث العلمي )) ينبغي في الأصل تطبيق كل قواعد الوكالة وقواعد العقدالأخر مادام لا يوجد تعارض بين العقدين
.
وفي ضوء هذا
التقويم نحن
مدعون إلى محاولة البحث عن تكييف
أخر لعقد البحث العلمي بين الباحث
والمستفيد
، وهذا ما دعانا إلى تصوره بأنه عقد عمل . وكما هو موضح في
المبحث القادم .1.انظر نص المادة (934) من القانون
المدني العراقي
.2.أنظر الأستاذ السنهوري، الوسيط، ج7،
مصدر سابق، ص16، هـ2
.3.انظر قريب من هذا المعنى :- د. احمد
محمود سعد ، مصدر سابق ، ص321
. 4.
الأستاذ
السنهوري ، ج7، مصدر سابق ، ص373
.5.
كأن يعهد
المستفيد للباحث بإنجاز عمل معين أو تنفيذ نتائج البحث العلمي
. وهذا يعني إننا إزاء عقد أخر مستقل عن عقد
البحث العلمي . كأن يكون عقد
عمل أو عقد
وكالة أو أي عقد أخر
.