شفهية
المرافعة أمام القضاء الجنائي


المرافعة
الشفهية أمام القضاء الجنائي قاعدة رئيسية من قواعد النظام الإتهامي الذي ظفرت به الإنسانية
منذ الثورة الفرنسية .



أنواع
الطلبات والد فوع



الدفوع
التي قد يتقدم بها الدفاع عن الخصوم قد تكون موضوعية ،وهذه من الأصوب أن نطلق
عليها أوجه ودفاع وقد تكون قانونية وهذه هي التي يصح أن تحمل بالأدق وصف دفوع .



وأوجه
الدفاع الموضوعية لا حصر لها وتختلف من دعوي إلي أخري ،وتدور كلها أما حول عدم
ثبوت الواقعة وإما عدم صحتها وغم عدم صحة إسنادها إلي المتهم وقد تدور حول عدم أهميتها
ـ أذا أريد بها التأثير في تقدير العقوبة فحسب إما الدفوع القانونية فهي تلك تستند
إلي نصوص خاصة في قانون العقوبات أو في قانون الإجراءات ، وهذه قد يمكن حصرها ،
ولكنها تعد مع ذلك في حكم أوجه الدفاع الموضوعية ـوتلحق بها ـ مادامت تقتضي
تحقيقاً في موضوع الدعوي ، فلا يجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض فمن الدفوع
الموضوعية الجوهرية ـ أو أوجه الدفاع الموضوعية الدفع بعدم توافر ركن من أركان
الجريمة أيا كان نوعه : مثل الفعل المادي ، أو العمد ، أو القصد الخاص إذا كان مطلوباً
فيها أو السببية بين الفعل والنتيجة المعاقب عليها .....



والدفع
كذلك بعدم ثبوت أي ركن منها في حق المتهم أو بعد إسناده إليه أو بالأقل بقيام شك
في هذا الإسناد بما يستوجب الحكم ببراءة المتهم ، ومثله الدفع بعدم ثبوت ظرف مشدد
قانوني من الظروف التي طلبت النيابة تطبيقها علي الواقعة أو بعدم تحقيقه بحسب وقائع
الدعوي .



وينبغي
التمييز بين نوعين مختلفين من الدفوع القانونية :



أولهما
:

يمثل تلك التي تستند إلي نصوص القانون الموضوعي أي قانون العقوبات .



ثانيهما
:
يمثل تلك التي تستند إلي نصوص الإجراءات الجنائية .




التعرف بالدفوع وأنواعها :



يطلق
اصطلاح الدفع بمعناه العام علي جميع وسائل الدفاع التي يجوز للخصم إن يستعين بها
ليجيب علي دعوي خصمه ، بقصد تفادي الحكم لخصمه بما يدعيه .



والوسائل
التي يستعين بها الخصم ويطعن بمقتضاه في صحة إجراءات الخصومة دون أن يتعرض لأصل
الحق الذي يزعمه خصمه فيتفادى بها مؤقتاً الحكم عليه بمطلوب خصمه كأن يجيب بان
الدعوي قد رفعت إلي محكمة غير مختصة أو رفعت بإجراء باطل .ووسائل الدفاع هذه تعرف
بالدفوع الشكلية وأشار إليها قانون المرافعات السابق بعبارة (الدفوع الجائز إبدائها
قبل التعرض لموضوع الدعوي ).



أما
وسائل الدفاع المتعلقة بأصل الحق ، أي التي توجه إلي ذات الحق المدعي به ، كان
ينكر وجودة أو يزعم انقضاءه ،فهي تعرف بالدفوع الموضوعية .



وإما
وسائل التي ينكر بها الخصم سلطة خصمه في استعمال الدعوي كان يزعم مثلاً انقضاء صفة
الخصم أو سبق صدور حكم في الموضوع فهي تعرف بالدفوع بعدم القبول .



فللمدعي
عليه أن يجيب علي ما يدعيه خصمه بدفع لا يتصور أن يوجه إلا للخصومة فيكون شكلياً ،
أو لأصل الحق الذي يدعيه خصمه فيكون موضوعياً ، أو للدعوي فيكون دفعاً بعدم القبول
.




أهمية التفرقة بين الدفوع الشكلية والموضوعية :



تشترك
الدفوع الشكلية في صفات خاصة تتميز بها الدفوع الموضوعية ،



وفيما
يلي ما تتميز به :



أولاً
:
أنها
تبدي قبل التكلم في موضع الدعوي : أي في بدء النزاع وإلا سقط الحق في الإدلاء بها
علي اعتبار أن صاحب الحق فيها قد تنازل عنها .



وهذه
القاعدة تتمشي مع المنطلق السليم ،إذ من الطبيعي إلا يسمح للمدعي عليه بالتراخي في
إبداء هذه الدفوع التي لا تمس أصل الحق بعد التكلم في الموضوع ، وذلك منعاً من تأخير
الفصل في الدعوي.



هذا
بالنسبة للدفوع التي لا تتعلق بالنظام العام ،أما الدفوع المتعلقة بالنظام العام
فيجوز إبداؤها في أية حالة تكون عليها الدعوي ، كالدفع بعدم اختصاص المحكمة
المتعلق بالوظيفة أو بنوع القضية .



ثانياً
:
أن المشرع في القانون المصري يوجب إبداء جميع الدفوع الشكلية معاً وبأسبابها قبل
التكلم في الموضوع ، وغلا سقط الحق فيما لم يبد منها ، ما لم يتصل بالنظام العام ،
وعلي ذلك يعتبر تنازلاً عن الدفع الشكلي مجرد تقديم دفع أخر عليه ، إما في الدفوع الموضوعية
فلا يعتبر تنازلاً عن الدفع الموضوعي مجرد تقديم دفع أخر عليه .



ثالثاً
:
أن المحكمة كقاعدة عامة تقضي في الدفع الشكلي قبل البحث في الموضوع لان الفصل في الدفع
الشكلي قد يغنيها عن التعرض للموضوع ، إذ يترتب علي قبوله انقضاء الخصومة إمامها ،
ومع ذلك يجوز للمحكمة إن تضم الدفع يستلزم ببحث الموضوع وفي هذه الحالة تصدر فيها حكماً
واحداً بشرط أن تبين في حكمها ما قضت به في كل منهما .



وللمحكمة
علي الرغم من قرار الضم ، أن تحكم بعدئذ في الدفع الشكلي وحدة بقبوله ، وعندئذ قد
يغنيها هذا الحكم عن نظر الموضوع.



وعند
تعدد الدفوع الشكلية ، يجب علاي المحكمة أن تقضي أولا في الدفع بعدم الاختصاص ـ أيا
كان نوعه ـ ثم تتدرج بعدئذ لباقي الدفوع والدفع بعدم القبول إذا كانت قد قضت باختصاصها
بنظر الدعوي ، ولان المحكمة لا ولاية لها في القضاء في باقي الدفوع الشكلية ما لم
تكن مختصة بنظر النزاع .



رابعاً
:
أن الحكم الصادر بقبول الدفع الشكلي لا يمس أصل الحق ، وبالتالي لا يترتب عليه إنهاء
النزاع وإنما يترتب عليه انقضاء الخصومة أمام المحكمة ، كما هو الحال بالنسبة
للحكم الصادر بقبول الدفع بعدم الاختصاص أو ببطلان ورقة التكليف بالحضور ، ويجوز
تجديد الخصومة بمراعاة الإجراءات الصحيحة إذا لم يكن الحق قد سقط لسبب من الأسباب
.



إما
الحكم الصادر بقبول الدفع الموضوعي فيترتب عليه إنهاء النزاع علي أصل الحق المدعي
به ، وهذا الحكم يجوز حجية الشيء المحكوم به فلا يجوز تجديد النزاع إمام المحكمة التي
أصدرت الحكم أو أية محكمة أخري .




الدفوع الموضوعية :



الدفع
الموضوعي يوجه إلي ذات الحق المدعي به كأن ينكر وجودة أو يزعم سقوطه أو انقضاؤه
كالدفع ببطلان سند الدين أو بتزويره ، والدفع بانقضاء الدين بالوفاء .



فالدفوع
الموضوعية إذن تشتمل كل دفع يترتب علي قبوله رفض طلب المدعي ، ولهذا لا يتصور
حصرها .



والدفوع
الموضوعية يجوز إبداؤها في أية حالة تكون عليها الدعوي وليس هناك ترتيب خاص فيما بينها
، ولا يعتبر تنازلا عن الدفع الموضعي تقديم دفع أخر عليه ، وبهذا تختلف عن الدفوع الشكلية
.




الدفع بعدم القبول :



الدفع
بعدم القبول لا يوجه إلي إجراءات الخصومة ، ولا يوجه إلي ذات الحق المدعي به بل يرمي
إلي إنكار سلطة المدعي في استعمال الدعوي إلي إنكار سلطة المدعي في استعمال الدعوي
، فهو يوجه إلي الوسيلة التي يحمي بها صاحب الحق حقه وما إذا كان من الجائز استعمالها
، أم أن شرط الاستعمال غير جائز لعدم توافر شرط من الشروط العامة التي يتعين أن تتوافر
لقبول الدعوي ، أو لعدم توافر شرط خاص من الشروط المتعلقة بذات الدعوي المرفوعة .



أولاً
: الاستعداد للدفاع



ثانياً
: المرافعة أمام محكمة الجنايات



أولاً
: الاستعـــداد للدفـــاع



عند
الحديث عن الاستعداد للدفاع لابد من التعرض لعدة عناصر هي:



ـ
قراءة ملف القضية .



ـ
القراءة للقضية أو الجناية



بداية
بأن الاستعداد للدفاع يعني البحث والتنقيب في الأوراق للتوصل إلي الثغرات
القانونية كالتعارضات والتناقضات بين أحداث القضية وبين أقوال أشخاصها والتناقض
بين عناصرها وأدلتها .




قراءة ملف القضية قراءة جيدة :



ويقصد
بقراءة ملف الجناية .. القراءة المتأنية .. القراءة الدقيقة .. وبعناية وتركيز
سديدين .. وذلك لعدة مرات لاستخراج المتناقضات والسقطات والمخالفات القانونية التي
وقعت فيها الإجراءات التي اتخذت في القضية حتى تقديمها إلي المحاكمة .



مثل
التناقض بين الدليلين ألقولي والفني وكذا عدم جدية التحريات ، وانتفاء حالة التلبس
وبطلان التفتيش .



فالدفع
ببطلان التفتيش مثلاً إنما شرع للمحافظة علي حرمة المكان ،ومن ثم فإن التمسك
ببطلان التفتيش مثلاً إنما شرع للمحافظة علي حرمة المكان ،ومن ثم فإن التمسك
ببطلان تفتيشه لا يقبل من غير حائزة فإن لم يثره فليس لغيره أن يبديه ولو كان يستفيد
منه ،لان هذه الفائدة لا تلحق إلا عن طريق التبعية وحدها .



وقراءة
ملف الجناية ... يجب لان يبدأ بحسب الترتيب التاريخي والزمني للأحداث .. حيث أن
محضر التحريات هو أول ورقة تحرر في أوراق القضية .. وبعد ذلك تتلاحق الأحداث من استصدار
إذن بالضبط والتفتيش : وتنفيذ إذن النيابة بالضبط علي المتحري عنهم وتفتيشهم
وتفتيش مساكنهم وسؤالهم عن التهمة وإحالتهم للنيابة للتحقيق معهم وهكذا فإذا أردت
أن تبدأ في قراءة ملف الجناية أو القضية فأقرأ بداية من حضر التحريات .. حتى ولو سبق
هذا المحضر أوراق أخري ... مثل محضر الضبط أو غيرة




القراءة للقضية المعروضة عليك :
من الخطأ
الكبير الاكتفاء بقراءة ملف القضية أو الجناية فقط ... ولكن ولابد أن يتم الإطلاع
علي المراجع الخاصة بموضوع القضية المعروضة عليك ..



فإذا
كانت القضية المعروضة هي جناية حيازة وإحراز مواد مخدرة بقصد الاتجار في غير الأحوال
المصرح بها قانوناً ... مثلاً ... فعليك القراءة في الموضوعات التي شملها قرار الاتهام
المشار إليه وهي:



القراءة
عن الحيازة والإحراز ..؟



القراءة
عن المواد المخدرة : التعرف علي المادة المخدرة موضوع القضية ... فإذا كانت مثلاً
مادة لحشيش المخدرة ... علينا أن نقف علي تعريف هذه المادة وخصائصها وعما إذا كانت
مادة مخلقة (مصنعه ) أم نبات أم مادة طبيعية .. وكذا شكلها ولونها : الخ .



القراءة
عن قصد الاتجار : معرفة قصد الاتجار ... وشروطه ومظاهره ... وهل هناك مقصود أخري بخلاف
قصد الاتجار ...؟ والقراءة أخيراً عن الأحوال التي يجوز فيها للشخص أن يكون حائزاً
مشروعه للمواد المخدرة .. أو بمعني أكثر تحديداً معرفة الأحوال التي يصرح فيها
للشخص بحيازة مواد مخدرة .



وبعد
قراءة ملف القضية أو الجناية قراءة جيدة متأنية وكذا قراءة المراجع القانونية
الخاصة بالقضية المعروضة أصبح الأستاذ المحامي مستعداً استعدادا جيداً لخوض معركة
الدفاع عن المهم أو المتهمين المدافع عنهم فضلا علي أن هذا الاستعداد الجيد يزيد
ثقته في نفسه أمام المحكمة ...ويصبح واقفاً علي ارض صلبة لأنة أصبح قارئاً وفاهماً
وواعياً ومثقفاً .. وبالتالي فلن يأتيه الاهتزاز من إمامه أو من خلفه : وهكذا يجب
أن يكون دائما المحامي المدافع أمام محكمة الجنايات .... أو المحكمة الجنائية .



أما
ما نراه اليوم من قلة لا تراعي الله في أعمالها نجدهم حينما تسلم إليهم أمانه
الدفاع في قضية أمام محكمة الجنايات .



أما
ما نراه اليوم من قلة لا تراعي الله في أعمالها نجدهم حينما تسلم إليهم أمانة
الدفاع في قضية أمام محكمة الجنايات ... لا يسلكوا الطريق الصحيح للاستعداد الجيد
للمرافعة والدفاع ....



وإنما
نجد البعض من هذه القلة يتفحص ملف الجناية لأول مرة في قاعة المحكمة قبل انعقاد
المحاكمة بدقائق معدودة .. ونراه يلهث متسرعاً ... يقلب في صفحات الجناية لعلة
يخرج منها بشئ في هذه الدقائق القليلة .. تساعده في الوقوف أمام المحكمة لعدة
دقائق ... حتى يرضي المتهم القابع وراء القفص الذي أودعوه أمانة ابنهم لدفع التهمة
عنه ، ولكن للأسف تظل هيئة المحكمة علي يقين أن مثل هذا الدفاع الواهن ... الضعيف
لا يفيد المتهم ويظل علي هيئة المحكمة أن تبحث بنفسها عن أسباب البراءة للمتهم في
الأوراق ...



وأخيراً
لا أجدني قد خرجت عن الأمر الطبيعي المألوف إذا قلت أنه يجب علي الأستاذ المحامي الذي
يجد في نفسه القدرة والرغبة للعمل في مجال العلوم الجنائية أو التعامل أمام محاكم
الجنايات يجب علية أن يقرأ كثيراً في الكتب الأدبية والفنية والسياسية والعلمية
والدينية ..



وغيرها
لان هذه الكتب تصقل ثقافة الأستاذ المحامي ، وتعطيه القدرة علي التصور والتخيل وهو
ما يجعله يكتسب إمكانية تصوير كيفية حدوث الواقعة أمام المحكمة المنظورة إمامها القضية
.



وهنا
سنجد أنفسنا أمام محام أديب مثقف ويؤكد هذا القول أننا نجد أن بعض كبار الأساتذة
المحامين المشهود لهم بالكفاءة والشهرة أمام محاكم الجنايات أدباء ..بل نجد البعض
منهم يكتب للسينما وللإذاعة والتليفزيون فالقراءة كما هي للروح هي أيضاً غذاء
للعقل .



فالأستاذ
العامل أمام محاكم الجنايات ...



المحامي
المثقف سواء الثقافة القانونية أو الثقافة العامة لدية القدرة علي التصوير والتحليل
للإحداث والوقائع أمام المحكمة .



وكل
ذلك سيكون له مردود حسن علي المحامين ومهنة المحاماة