كيفية
الاستعداد للمرافعة


وإعداد الدفاع
في الجنايات


للأستاذ / عبدالعزيز
الشرقاوي المحامي بالنقض


ـــــــــــــــــــــــــــــ


قانون الإجراءات الجنائية


القانون الجنائي والعلوم الجنائية :


تهدف
العلوم الجنائية إلي غاية واحدة هي مكافحة الإجرام ،ومن ثم كان اتفاقها في موضوعات
دراستها وهي الجريمة والمجرم والجزاء.



والقانون
الجنائي يمثل الجانب الفقهي في هذه المجموعة ، إذ يشمل القوانين التي تصدرها
الدولة وفقاً لأوضاعها الدستورية لتنظم بها استعمال حقها في العقاب .



ويشتمل
القانون الجنائي علي نوعين من القواعد تنتظم عادة في مجموعتين مستقلين من القوانين
،ويطلق الشارع المصري علي إحداهما (قانون العقوبات ) وعلي الثانية (قانون
الإجراءات الجنائية )



يبين قانون الإجراءات الجنائية :


الإجراءات
التي تتخذ عند وقوع الجريمة بقصد ضبطها وتحقيقها والحكم علي فاعلها وتنفيذ العقوبات
عليه وكذا السلطات المختصة باتخاذ هذه الإجراءات .



ويرمي
تشريع الإجراءات الجنائية إلي الوصول إلي الحقيقة ، فمن الخطأ أن ينظر إليه علي
انه وضع للمجرمين دون غيرهم ، إذ كثيراً ما يؤخذ برئ بشبهات تدفعه إلي قفص الاتهام
أن المجتمع ينشد الحقيقة فلا يرغب في إفلات مجرم من العقاب وتأذي من الحكم ظلماً علي
برئ .



عن
أهميــة حـق الدفاع :



لا
ريب أنة مع مضي الوقت ابتدأت تظهر أهمية وظيفة الدفاع وجلالها ولزومها للوصول
بسفينة الحق إلي بر الأمان والاطمئنان فلم تعد مجرد ترف أو تزيد أو مظهر لشكل
الدعوي بل أصبحت تقع في الصميم من حسن أداء القضاء لوظيفته الخطيرة تقع في الصميم
من حسن أداء القضاء لوظيفته الخطيرة في إحقاق الحق وإزهاق الباطل وذلك منذ أن تكون
الدعوي مجرد تحقيق لا يزال مفتوحاً إلي أن يفصل فيها بحكم نهائي حائز حجية الشئ
المقضي .



بعد
أقوال في أهميته :



وفي
هذا الشأن يكتب فقيد المحاماة المرحوم الأستاذ /
مرقس فهمي ـ في
مذكرة له إلي محكمة النقض عن علاقة المحامي بالقاضي :



(أن
المحامي ـ حتى إذا تنكب العدل وضل الطريق في مرافعته فان هذه الضلالة بذاتها إرشاد
للقاضي وإظهار لطريق العدل وتثبيت لعدالة القاضي ـ إذ يري أمامه جهودا تبذل لناحية
معينة ثم يري هذه الجهود عاجزة عن إسناد حجتها وتبرير موقفها فيكون هذا المظهر
بذاته تنبيهاً إلي عدالة الناحية الثانية عملاً بقاعدة ((وبضدها تتميز الأشياء ))



فموقف
المحامي ـ سواء أخطأ أم صواب ـ موقف إرشاد لمن يتبصر ويتعظ .



(انه
ملك الإنقاذ من الهاوية !! وانك لا تنفذ من الهاوية إلا إذا ألقيت بنفسك في ظلماتها
تعالج حالات قلب دفعه البؤس إلي قراراها ،



وأنه
من أكبر واجبات المنقذ أن يكون شفوياً ـ ولولا هذه النزعة ـ نزعة المروءة والنجدة
لما عرفت المحاماة ..............)



من
أجل هذا كان علي المحامي إذا وقف أن يرتدي السواد لأنه في موقف أحزان تحاصره من كل
ناحية ـ فحزم لمن ظلم وحزن لمن ظلم ، وحزن لضعف الإنسان ـ واحتمال خطأ العدالة ـ
وهو وحدة الذي يحمل هذه الأحزان مجتمعه ، فهو ضحية النظام القضائي يتعذب به ولأجلله
علي الدوام والاستمرار )



وانه
لمن الجلي أن توزيع المأمورية بين أثنين :القاضي والمحامي لا يقبل تفاضلاً بينهما
، فلا القاضي يستطيع أن يفهم لنفسه جلالاً بدون المحامي المشخص لحق الدفاع وعملية قداسة
الأحكام ، ولا المحامي يستطيع أن يتصور لمأموريته شرفاً بدون القاضي الذي يحقق هذا
الشرف ويعطيه صيغته النهائية الملزمة للناس ) وفي نفس هذا الاتجاه يقرر جان أبلتون
المحامي والأستاذ بكلية الحقوق ـ جامعة ليون :



(
لقد كان الأقدمون علي حق حين قرروا انه لا يكفي أن يعشق المحامي مهنته بل انه يتعين
عليه أن يتيه بها فخراً ، ويتحدث عن إشراقها دهراً لأنه ليس كثيراً عليه ، مادام
وهو يمارس عملة يجمع إلي مجد الطبيب وفنه ، وشمائل الكاهن فيما يقدمه من بلسم العزاء
).



وقد
وضع الأديب الفرنسي جامتا ـ دستور المحاماة الراقية وهو يصف أحد كبار المحامين وهو
الأستاذ /
لاشو
فيقول عنه
:


(كان
يستمع إلي الرصاص يطلقه ممثل الاتهام إلي صدر موكلة وكأنه يتحدث عن إنسان لا يعنيه
أمرة ، حتى إذا ما وقف ليؤدي واجب الدفاع أدركت انه في غفوته كان يجمع الرصاص
والسهام ليردها في قوة إلي جسد الاتهام الذي لا يلبث أن يخر صريعاً تحت طلقات صوته
العذب الذي يشبه الغناء حيناً ويشبه هز الرعد حيناً أخر ، كان ينفعل بحق موكلة ، وبظروفه
وآلامه ، ولكنة لم يكن يصرفه الغضب ، ولا يخرج عن وأبه لحظة واحدة ، فان الذي يبكي
ويثير الإشفاق ، والذي يجذب الأسماع ويأخذ بلب القضاة لا يغضب ولا يخرج عن صوابه ،
وإنما يظل طوال ساعات مرافعته ممسكاً بأوتار أعصابة ، مستيقظ العقل ، عف اللسان ).



حق
الدفاع في الجنايات :



أوجب
القانون تعين مدافع لكل متم بجناية تحال بالدفاع عنه ، والحكمة من إيجاب حضور محام
مع كل متهم في جناية محالة إلي خطورتها الخاصة ويثير في النفس اضطرابا ينال حتما
من قدرة المتهم علي الدفاع عن نفسه حتى ولو كان هذا المتهم هو نفسه محامياً.



شروط المدافع الذي يترافع في الجنايات :


يجب
أن يكون المدافع مقبولا أمام محكمة الجنايات



نصت المادة (377) إجراءات علي أن :


(
المحامين المقبولين للمرافعة أمام محاكم الاستئناف أو المحاكم الابتدائية يكونون
مختصين دون غيرهم بالمرافعة أمام محكمة الجنايات ) .



فان
كان المحامي الذي ندبته المحكمة غير مقبول للمرافعة أمام المحاكم الابتدائية فان ذلك
فيه إخلال بحق الدفاع يستوجب بطلان الإجراءات وبطلان الحكم المترتب عليه تبعاً
لذلك ولا تختلف الحال عن ذلك شيئاً بالنسبة للمحامي في هذا الشأن ، فالمحكمة في الحالتين
تكون قد وقعت باطلة .



الطريقة التي يؤدي
الدفاع بها واجبة



ضرورة
حضوره جميع الإجراءات :ـ



قلنا
أن الهدف من إيجاد حضور محام مع المتهم بجناية مقدمة إلي محكمة الجنايات هو كفالة
الدفاع الحقيقي له لا مجرد دفاع شكلي .



واستعداد
المدافع عن المتهم أو عدم استعداده أمر موكلي إلي تقديره هو حسبما يوحي به ضميره واجتهاد
وتقاليد مهنته وفيما عدا ما تقدم فللمدافع أن يسلك السبيل الذي يراه أكثر من غيرة
محققا رسالة الدفاع علي الوجه الذي يرضيه والطريقة التي يختارها وحسبما يهديه إليه
تقديره للأمور أو علي حد تعبير محكمة النقض انه وان كان القانون قد أوجب أن يكون
بجانب كل متهم بجناية محام يتولي الدفاع عنه أمام محكمة الجنايات ، إلا انه يوجب
علي المحامي أن يسلك في كل طرف خطة مرسومة ، بل ترك له اعتمادا علي شرف مهنة المحاماة
وقبل أغراضها ـ أمر الدفاع يتصرف فيه بما يرضي ضميره ،وعلي حسب ما تهدية خبرته في
القانون .



علي
انه إذا استظهرت محكمة النقض من الحكم المطعون فيه او من محضر النقض من الحكم المطعون
فيه أو من محضر الجلسة أن ضالة الدفاع بلغت الحد الذي إعدام أثرة فأنة يتعين القول
ببطلان المحاكمة .



فحضور
محام مع المتهم بجناية مقدمة إلي محكمة الجنايات ضمان رئيسي كما قلنا وليس مجردا إجراء
شكلي ، فإذا فرض أن المحامي موكلاً كان إن منتدياً ـ لم يقم بواجبة علي النحو الذي
تريده هي من أن يكون مرضياً اجتهاده وتقاليد مهنته فما ذنب المتهم حينئذ ؟ وكيف
يسوغ القول بأنة قد استوفي دفاعه ، وتحقق من التشريع حكمة وحكمته ؟



والخصم
في الدعوي هو الأصيل فيها ، أما المحامي فمجرد نائب عنه وحضور محامي مع الخصم لا ينفي
حق الأخير في أن يتقدم بما يعن له من دفاع أو من طلبات ، وعلي المحكمة أن تستمع إليه
ولو تعارض ما يبديه الخصم مع وجهة نظر محامية .



ولا
يتغير الحال عن ذلك شيئاً إذا حصل العكس بأن تمسك المحامي بطلب معين ، لكن تنازل
عنه المتهم وهو الأصيل في الدعوي كما قلنا فالعبرة يتنازل الأصيل لا بإصرار الوكيل
علي الطلب .



والمحامي
ليس مقيد مثلاُ بطريقة الدفاع التي رسمها المتهم لنفسه بل أن له أن يرتب الدفاع
كما يراه هو في مصلحة المتهم فإذا رأي ثبوت التهمة عليه من اعترافه بها أو قيام أدلة
أخري كان له أن يبني دفاعه علي التسليم بصحة نسبة الواقعة إليه مكتفياً ببيان أوجه
الرأفة التي يطلبها له . وما دامت خطة الدفاع متروكة لرأي المحامي خطة الدفاع
متروكة لرأي المحامي وتقديره وحدة فلا يجوز للمحكمة أن تستند إلي شيء من أقواله في
إدانة المتهم .



فان
المحامي موكول في أداء واجبة إلي ذمته وهو لا يكلف بخلق أوجه الدفاع من العدم ،
فانه لم يجد ما يدفع به إلا طلب الرأفة من العدم فانه لم يجد ما يدفع به إلا طلب
الرأفة فقد أدي واجبة ولا سبيل للمتهم إلي الاعتراض عليه .










المدخل في كتابة المذكرات وأصول المرافعة للأستاذ /
ذكريا إدريس ـ المحامي .







مقال للدكتور / احمد
فتحي سرور في مجلة
القانون والاقتصاد ـ عدد ديسمبر سنة 1962 ص 479ـ 500 .










مبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصري ـ للدكتور / رؤوف عبيد ـ الطبعة الحادية
عشر ـ عام 1976 ص 621 ـ634 .