ومما يجدر ذكره أن منصبًا قضائيًا آخر يحمل هذا اللقب نفسه (أرخيديكاستس) قد بقى في مصر تحت حكم الرومان لمساعدة الوالي وكان يشغله مواطن روماني من طبقة الفرسان أيضًا، لكن يبدو من الوثائق أن هذا المنصب أصبح مرتبطًا كل الارتباط بمدينة الإسكندرية. وكان يفضل أن يكون صاحبه من مواطني هذه المدينة الذين حصلوا على حق المواطنة الرومانية، كما يبدو أنه كان موظفًا تنفيذيًا موكولاً إليه تنفيذ الأحكام مشرفًا على دار الوثائق العامة (المحفوظات) Katalogeion بمدينة الإسكندرية.

2- الشئون المالية: (المتصرف المالي. ومدير الحساب الخاص)


أما في الشئون المالية التي كانت تشكل جانبًا كبيرًا بل أساسيًا من اختصاص الوالي فقد عين لمساعدته موظفان كبيران حمل أحدهما لقب Dioeketes ونستطيع أن نطلق عليه المتصرف المالي وحمل الثاني لقب Idios Iogos ونستطيع أن نطلق عليه "مدير الحساب الخاص". ومن الواضح أن كلاً من هاتين الوظيفيتين كانت معروفة في نظم البطالمة. غير أنه طرأ على اختصاصات كل منهما في الفترة الرومانية بعض التغيير الذي اقتضاه تغير الأوضاع. ففي العصر البطلمي كان الديويكتيس على رأس الإدارة المالية (أو وزير المالية)، ولعلنا نذكر ممن شغلوا هذه الوظيفة مثالاً هو أبولونيوس وزير مالية بطليموس الثاني (فيلادلفوس). وقد كان الأديوس لوجوس في العصر البطلمي أحد مرءوسي الديويكتيس ويختص بجانب من الشئون المالية. لكنه مع اعتبار والي مصر في العصر الروماني رئيسًا أعلى للإدارة المالية (أي وزيرًأ للمالية) فإن مرتبة وظيفة الديويكتيس هبطت وأصبحت في الأغلب مساوية لوظيفة الإدريوس لجوس. غير أن من الصعب تحديد اختصاصات وظيفة المتصرف المالي في العصر الروماني أو تحديد علاقتها بالوظيفة الثانية المذكورة. وقد كان يراعى في اختيار شاغلها أن يكون من المواطنين الرومان وكن من المستحسن بالطبع أن يكون من هيئة الفرسان المتمرسة بالشئون المالية.


والواقع أن معلوماتنا عن وظيفة الأديوس لوجوس (مدير الحساب الخاص) أوفر بكثير، وذلك بفضل تلك الوثيقة المهمة التي أشرنا إليها من قبل أكثر من مرة وهي بردية P. Gnomon التي تتضمن القواعد والأحكام الإدارية الخاصة بهذه الوظيفة في مصر في العصر الروماني، حيث يبدو واضحًا أن هذه الوظيفة اكتسبت عندئذ أهمية زائدة. وكان الإمبراطور يعين فيها مواطنًا رومانيًا من هيئة الفرسان أيضًا. ونستطيع أن نقول على وجه الإجمال إن مدير الحساب الخاص كان مختصًا بالإشراف على موارد الدخل غير المنتظمة أو غير العادية، وبخاصة تلك المتحصلة من الأملاك المصادرة أو التي لا صاحب لها، إلى جانب جميع أنواع الغرامات الموقعة على مخالفي القواعد المالية. كذلك كان يختص بالفصل في قضايا الخزانة العامة، وإدارة الأراضي التي تؤول إلى الدولة حتى يتم بيعها. وأسند إليه أيضًا الإشراف على أراضي المعابد ودخلها، ومن أجل هذا حمل لقب كبير كهنة مصر بالرغم من أنه كان موظفًا مدنيًا أبعد ما يكون عن الشئون الدينية.


وقد كان يعاون هذين الموظفين الماليين الكبيرين عدد من الموظفين والاتباع يتولون الإشراف على إدارات فرعية ويحملون لقب وكيل (Procurator باللاتينية Epitropos باليونانية). ومن أهم هؤلاء المشرف على مخازن الغلال بالإسكندرية وكان يقوم على جمع الغلال من أقاليم مصر وإرسالها إلى الإسكندرية لشحنها إلى روما، ومنهم أيضًا المشرف على أملاك الإمبراطور الخاصة Procurator Usiacus وكانت هذه الأملاك تضم مساحات كبيرة من أرض مصر وكان الإمبراطور يوليها اهتمامًا خاصًا. وقد كان هذان الموظفان يعينان في العادة من عتقاء الإمبراطور Iiberti (أي من عبيده المحررين) وهم الذين كان الإمبراطور يثق فيهم ثقة كبيرة ولذلك استخدمهم في إدارة كثير من المرافق الاقتصادية في ولايات شتى في الإمبراطورية.


نظام الإدارة المحلية:


تيسيرًا للإدارة العامة للبلاد قسمت مصر إلى ثلاث مناطق إدارية كبرى عين على كل منها حاكمًا يحمل لقب أبيستراتيجوس Epistrategos (ومعناها الأصلي في اليونانية قائد عام) وكانت هذه المناطق هي:
1- الدلتا
2- الأقاليم السبعة وأرسينوي Heptanomia et Arsinoe
3- طيبة Thebaid
وهذه الأقسام الثلاثة تقابل بالتقريب الدلتا ومصر الوسطى والصعيد. وقد ضم كل قسم منها عددًا من الأقاليم أو المديريات Nomoi وقد كان شاغلو هذه الوظيفة (الأبيستراتيجوس) من المواطنين الرومان ومن هيئة الفرسان في العادة. وقد سبق أن أشرنا من قبل إلى أنه في أواخر عصر البطالمة عينت الحكومة البطلمية على إقليم طيبة موظفًا يحمل لقب أبيستراتيجوس ويتمتع بسلطات مدنية وعسكرية واسعة جعلته بمثابة نائب الملك على هذا الإقليم وكان الهدف من ذلك هو تدعيم سيطرة الدولة في تلك المنطقة النائية التي كانت معقل الثورات المصرية الوطنية وكادت تنفصل عن السلطة البطلمية انفصالاً. وقد اقتبس أوغسطس هذا النظام البطلمي وعممه بتقسيم البلاد إلى مناطق ثلاث ولعله أراد أن يكون الابستراتيجوس حلقة الوصل بين الإدارة المركزية في الإسكندرية حيث كان يقيم هو وبين الإدارة المحلية في الأقاليم فقدت غير أن هذه الوظيفة في العصر الروماني فقدت كل صفة عسكرية كانت لها في العصر البطلمي، لأن السلطة العسكرية في مصر أصبحت مركزة كما سبق أن ذكرنا في يد الوالي وحده بصفته قائدًا أعلى الجيش الروماني في مصر.