وبمقتضى ما كان يملكه الوالي من سلطة قضائية عليا كان يعقد مجلسًا قضائيًا conventus للفصل في القضايا. ونعلم الآن أن هذا المجلس كان يعقد ثلاث مرات في السنة، مرة في بلوزيون (الفرما) للنظر في قضايا أقاليم شرق الدلتا، ومرة في منف للنظر في قضايا أقاليم مصر الوسطى والعليا، ومرة في الإسكندرية للنظر في قضايا أقاليم غرب الدلتا. وكان القصد من ذلك بالطبع هو تجنب أصحاب القضايا مشقة السفر إلى مقر الوالي الدائم بالإسكندرية، ولذلك لم يكن هناك ما يمنع من عقد المجلس في أماكن أخرى من البلاد، غير أن الوالي لم يكن يقتصر في مجلسه على النظر في القضايا، بل كان ينظر أيضًا في مسائل مالية وإدارية كمراجعة التقارير وكشوف الضرائب الخاصة بالأقاليم، ولذلك فإن الكلمة اليونانية التي تشير إلى هذا المجلس وهي dialogismos، ومعناها الأصلي مراجعة الحسابات، هي أبلغ في الدلالة على مهمة هذا المجلس القضائي من الكلمة اللاتينية Conventus.
أما عن المدة التي كان يملكها الوالي في منصبه، فليس في مصادرنا ما ينص على أنها كانت محددة بوقت. لكنه من قوائم أسماء الولاة التي أعدها الدارسون. استنادًا إلى الوثائق نتبين أن متوسط المدة كان ثلاث سنوات وبضعة أشهر، ويبدو أن ثمة سياسة ثابتة كانت لدى الأباطرة وهي ألا يتركوا والي مصر في منصبه أكثر من ذلك الوقت. والقصد من ذلك واضح، وهو ألا تتاح الفرصة لوالي طموح لتوطيد مركزه في البلاد بشكل قد يغريه بالاستقلال بها وبالتالي تهديد مركز الإمبراطور. غير أن هناك قليل من الولاة ظلوا في مناصبهم مدة طويلة نسبيًا.



كبار موظفي السلطة المركزية


(1) الشئون الفضائية (اليوريديكوس. والأخيديكاستس)


إزاد تعدد اختصاصات والي مصر ومهامه، كان محتاجًا بالطبع إلى مجموعة من كبار الموظفين لمعاونته في أداء واجباته المتعددة. ونحن نجد المنصب الثاني الذي يلي منصب الوالي مباشرة في السلطة المركزية في مصر تحت اسم يوريديكوس Iuridicus (وهو يقابل في الوثائق اسم Decaiodotes باليونانية) ولنا أن نطلق على هذا المنصب اسم وزير العدل. وقد كان الإمبراطور هو الذي يعين هذا الموظف الكبير الذي كان لابد من أن يكون مواطنًأ رومانيًأ وكان يختار أيضًا من طبقة الفرسان الرومانية. ولا يستطيع الوالي عزله. ومما يدل على أن هذه الوظيفة كانت تلي وظيفة الوالي مباشرة ما نعلمه من أن صاحبها كان يتولى مؤقتًا منصب الوالي في حالة خلو هذا المنصب فجأة بعزل الوالي أو موته، إلى أن يعين والي جديد. وبالرغم من أننا لا نعلم تفصيلات عن وظيفة اليوريديكوس (وزير العدل) واختصاصاتها، فإن المرجح أن هذا المنصب في مصر كان يقابل منصب المندوب القضائي Iegatus Iuridicus في الولايات الرومانية الأخرى، كما أن من الواضح أن إنشاء هذه الوظيفة التي كانت جديدة على مصر تمامًا كما أن من الواضح أن إنشاء هذه الوظيفة التي كانت جديدة على مصر تمامًا كان يستهدف تزويد الإدارة الرومانية في مصر بالخبرة القانونية، لاسيما أنه كان في البلاد قوانين خاصة بالمصريين وأخرى خاصة باليونان وثالثة خاصة بالرومان. وينبغي أن نتذكر هنا أن الوالي كان يختار من طبقة الفرسان كما قلنا، وهي هيئة لم يشتغل أفرادها في روما بشئون القضاء وإنما اشتغلوا بشئون التجارة والمال وإمدادات الجيوش والإدارة فحسب، وإن كان من بين ولاة مصر من أظهر براعة واضحة في القانون. وحتى لا يؤدي انعدام خبرة الوالي بالشئون القضائية إلى تعارض أحكامه وإجراءاته مع مبادئ القانون الروماني العام، أنشأ أوغسطس هذا المنصب ليكون بمثابة المستشار القانوني للوالي أو ربما ليكون الرقيب على تصرفاته القانونية. وكثيرًا ما كان الوالي ينيب عنه هذا الموظف الكبير في نظر القضايا الكثيرة التي ترفع إليه. ولما كانت سلطة اليوريديكوس تشمل الإسكندرية وعموم مصر، فإننا نستطيع أن نشبه منصبه في هذا المجال بمنصب قاضي القضاة. أرخيديكاستس Archidikastes على أيام البطالمة.