القسم الثاني : سقوط خلافات ودول شرقية

الأمويون - أصحاب دولة الفتوحات - يسقطون

* سقوط الدولة الطولونية في مصر

* الصفاريون ، وقصة سقوطهم

* الإخشيديون على خطى الطولونيين

* سقوط السامانيين في فارس

* البويهيون الذين سطوا على الخلافة ‏.‏‏.‏ يسقطون

* سقوط الانفصاليين في طبرستان

* وقصة سقوط الحمدانيين

* السلاجقة ‏.‏ منقذو الخلافة ‏.‏ يسقطون

* سقوط دولة الفاطميين

* سقوط دولة صلاح الدين

* من عوامل سقوط العباسيين

* المماليك ‏.‏‏.‏ أبطال عين جالوت يسقطون


.................................................. ...

الدولة الأموية - دولة الفتوحات - ‏.‏‏.‏ تسقط ‏!‏‏!

في عام ‏(‏41 هـ - 661م ‏)‏ ويسمى عام الجماعة - تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، عن حرب معاوية بن أبي سفيان ، الذي كان واليا على الشام منذ عهد عمر بن الخطاب ، والذي رفض مبايعة علي بن أبي طالب - رابع الخلفاء الراشدين - متذرعا بأن عليا قد فرط في الثأر من قتلة عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين ‏.‏‏.‏‏.‏ رضي الله عنهم جميعا ‏.‏

وبتنازل الحسن استقر الأمر لمعاوية فأصبح خليفة المسلمين ، وقامت دولة بني أمية التي تنتسب إلى أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، فحكمت نحو تسعين عاما ‏(‏ 41 - 132هـ ‏)‏ ‏(‏ 661 - 750م ‏)‏ ونقلت عاصمة الحكم من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجاز إلى دمشق بالشام ‏.‏

كان نظام الحكم في عهد بني أمية عائليا ، وقد تداول الحكم أربع عشرة خليفة أولهم معاوية وآخرهم مروان بن محمد الذي قتله العباسيون في ‏"‏ أبو صير ‏"‏ من حلوان مصر ‏.‏‏.‏

الخلفاء الأمويون ‏:‏

1 - كان معاوية أول الخلفاء الأمويين ومؤسس دولتهم ، وكان مولده بالخيف من منى قبل الهجرة بخمس عشرة سنة وأمه هند بنت عتبة، وأبوه أبو سفيان ، وقد أسلموا جميعا في فتح مكة ‏.‏

وأصبح معاوية من كتاب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، واشترك في حروب الردة مع أخيه وأبيه ، ثم ولاه عمر جزءا من بلاد الشام ، فلما جاء عثمان رضي الله عنه جمع الشام كلها تحت حكمه ‏.‏

2 - وبموت معاوية سنة 60هـ بايع المسلمون ابنه يزيد ، ما عدا الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر ، وقد وقف الأولان منه موقف العداء ، وقتل في عهده الحسين ، في كربلاء ، وحكم ثلاث سنوات ثم مات سنة 64هـ ، وعمره ثمانية وثلاثون عاما ‏.‏

3 - ثم تولى معاوية بن يزيد ، بوصاية أبيه ، لكنه كان ورعا زاهدا فتنازل عن الخلافة بعد ثلاثة أشهر ‏.‏

4 - وقد وقعت حروب انتهت في ‏(‏ مرج راهط ‏)‏ بين الأمويين وعبد الله بن الزبير ، وأصبح مروان بن الحكم خليفة على الشام وحدها ، وبقي ابن الزبير خليفة على سائر الأمصار ، حتى ظهر عبد الملك بن مروان ، فتمكن من توحيد العالم الإسلامي الشرقي تحت إمرته ، ولذا اعتبر المؤسس الثاني للدولة الأموية ‏.‏

5 - وكانت لعبد الملك أياد عظيمة ، فقد عرب الدواوين وضرب العملة ، وبقي في الحكم اثنين وعشرين عاما ، وتوفي سنة 86هـ ، فتولى بعده ابنه الوليد بن عبد الملك ، الذي حكم عشرة أعوام ، وتمت في عهده إصلاحات داخلية عظيمة وفتوحات إسلامية كبرى على يد قادة عظام مثل محمد بن القاسم الثقفي فاتح السند، وموسى بن نصير فاتح الأندلس ‏.‏

6 - ثم جاء بعده أخوه سليمان بن عبد الملك فحكم ثلاثة أعوام لم تتقدم فيها الدولة شيئا ، لا من الداخل ولا من الخارج ، ومات سنة 99هـ ، فوسد الأمر لأعظم شخصية في تاريخ بني أمية ، على الرغم من أنه لم يحكم إلا عامين ، وهو عمر بن عبد العزيز ، الذي اعتبره البعض ‏(‏خامس الخلفاء الراشدين ‏)‏ لكثرة ما عمل من إصلاحات خلال الفترة الوجيزة التي حكم فيها ‏.‏

لقد راقب عمر الولاة بحذر ، وأخذ على أيديهم وطرد القساة منهم ، وانتشر الإسلام في عهده انتشارا كبيرا لأنه وضع الجزية عمن يعتنق الإسلام ، وكان ولاة السوء لا يفعلون ذلك ، ويروي ابن عبد الحكم ، ملخصا عهد عمر بن عبد العزيز ، في قوله الوجيز ‏"‏ إنما ولي عمر بن عبد العزيز سنتين ونصفا فذلك ثلاثون شهرا ، فما مات حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول ‏:‏ اجعلوا هذا حيث ترون في الفقراء ، فما يبرح حتى يرجع بماله يتذكر من يضعه فيهم فلا يجده ، فقد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس ‏"‏ ‏.‏

7 - ثم ولي الأمر بعده يزيد بن عبد الملك ، بعهد من أخيه سليمان بعد ابن عمه عمر بن عبد العزيز ، وهو ابن تسع وعشرين سنة ‏.‏ فدامت خلافته أربع سنوات وشهرا ، ثم مات بعدها دون أن يترك أثرا ذا بال اللهم إلا إخماده لفتنة يزيد بن المهلب ‏.‏

8 - وولي بعده هشام بن عبد الملك ، فمكث في الخلافة عشرين عاما حاول فيها تقليد عمر بن عبد العزيز ، ولم ينجح في ذلك نجاحا كبيرا ، وإن كانت الدولة قد اتسعت في عهده ، ففتحت قيسارية وبلاد الخزر ، وأرمينية ، وشمال آسيا الصغرى ، وجزءا كبيرا من بلاد الروم ‏.‏

لكن الأحوال الداخلية لم تكن مستقرة على عهده وتوفي في عام 125هـ ، وترك الحكم للوليد بن يزيد بن عبد الملك الذي يعتبر عهده - الذي لم يدم أكثر من عام إلا قليلا - من أسوأ عهود الدولة الأموية ، ظلما وانتقاما من أبناء سلفه هشام فضلا عن عنصريته وخلاعته ‏.‏

9 - ولم يكن للخليفتين اللذين وليا بعده يزيد بن الوليد بن عبد الملك ، وإبراهيم ابن الوليد أثر يذكر ، ولم يدم حكم كل منهما إلا ثلاثة أشهر ، ولم تستقم لهما الأمور ، وكانت أيامهما ، وأيام سابقهما الوليد بن يزيد ، فرصة ذهبية نجح فيها العباسيون في تعبئة النفوس وتنظيم الصفوف ، للانقضاض على الدولة ‏.‏

10 - فلما آلت الخلافة لمروان بن محمد - آخر خلفاء بني أمية في المشرق لم يستطع أن يقر قواعد الدولة ، على الرغم من أنه ‏"‏ كان أشجع بني أمية وأقدرهم على تحمل الأخطار ‏"‏ ‏.‏‏.‏ فسقطت الدولة في عهده ، بعد فتنة واضطرابات دامت خمس سنوات ، وكان سقوطها في سنة 132هـ ‏.‏

وكانت دولة بني أمية دولة عربية تتعصب للعرب وللتقاليد العربية ، وللغة العربية ، ولم يستطع معظم خلفائها أن يرتفعوا على مستوى المساواة والعدل في الإسلام ‏.‏

لكن مع ذلك كان لهذه الدولة أياد طولى على المسلمين لعل من أهمها جهودها العظيمة في مجال الفتوحات الإسلامية ‏.‏

فتوحات الدولة الأموية ‏:‏

اتسعت فتوحات الدولة الأموية اتساعا عظيما ، منذ عهد معاوية الذي لم تكد تستقر له الأوضاع حتى جهز الجيوش وأنشأ الأساطيل ، وأرسل قواده إلى أطراف الدولة لتثبيت دعائمها ، بعد أن حاول الفرس والروم استغلال فترة الفتنة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما ‏.‏

*وقد أخضعت هذه الجيوش ثورة فارسية هدفت إلى الامتناع عن دفع الجزية ‏.‏ ثم توغلت جيوشه شرقا ، فعبرت نهر جيحون ، وفتحت بخارى وسمرقند وترمذ ‏.‏

*ومن الجهة الرومانية ، كان الرومان قد أكثروا من الغارات على حدود الدولة الإسلامية في الناحية الشمالية الغربية ، فأعد معاوية لهم الجيوش ، وانتصر عليهم في مواقع كثيرة ‏.‏

وبأسطوله الذي بلغت عدته ‏(‏1700‏)‏ سفينة ، استولى على قبرص ورودس وغيرهما من جزر الروم - كما قام بالمحاولة الأولى لفتح القسطنطينية عاصمة الدولة الرومانية الشرقية سنة 48هـ ، فأرسل جيشا بإمرة ابنه يزيد ، وجعل تحت إمرته عددا من خيرة الصحابة كعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر وأبي أيوب الأنصاري ، لكن المحاولة لم تنجح ‏!‏‏!‏

ومن الشمال الإفريقي ‏(‏ تونس والجزائر والمغرب الأقصى ‏)‏ امتد الفتح الإسلامي، فأرسل ‏(‏معاوية ‏)‏ عقبة بن ابن نافع سنة ‏(‏50هـ‏)‏ في عشرة آلاف مقاتل ، لتثبيت فتحها، وقد عمل عقبة على نشر الإسلام بين البربر ثم بنى مدينة القيروان ، وفي عهد ابنه الخليفة ‏(‏يزيد‏)‏ وصل عقبة في اكتساحه للشمال الإفريقي حتى المحيط الأطلسي غربا ، وقال هناك كلمته المأثورة ‏"‏ والله لولا هذا البحر لمضيت في سبيل الله مجاهدا ‏"‏ ‏.‏

وفي الشرق اتجهت جيوش عبد الملك بن مروان - الخليفة الأموي الخامس - إلى التوسع في بلاد ما وراء النهر ، وكانت القيادة في هذا الركن للمهلب بن أبي صفرة وليزيد بن عبد الملك ‏.‏ وكان من أبرز الفتوحات في عهد الوليد بن عبد الملك فتح بلخ ، والصفد ، ومرو ، وبخارى ، وسمرقند ، وذلك كله على يدي قتيبة بن مسلم ‏.‏

أما محمد بن القاسم الثقفي فقد فتح السند ‏(‏ باكستان ‏)‏ ‏.‏ وفتح مسلمة بن عبد الملك فتوحات كثيرة في آسيا الصغرى ، منها فتحه لحصن طوالة وحصن عمورية ، وهرقلة ، وسبيطة ، وقمونية ، وطرسوس ‏.‏‏.‏ كما حاصر القسطنطينية أيام سليمان بن عبد الملك ‏.‏

وفي أوربا فتح موسى بن نصير الأندلس ، وبقيت في حوزة المسلمين ثمانية قرون ‏(‏ 92-898 ‏.‏‏.‏ هـ ‏)‏ وكان جزاؤه من بني أمية جزاء سنمار ‏!‏‏!‏

وقد حاول عنبسة بن سحيم الكلبي غزو جنوب فرنسا وفتح سبتماية ، وبرغونية ، وليون - ونجح المسلمون في ذلك نجاحا مؤقتا ، حتى انتهت هذه المحاولات بعيد موقعة بلاط الشهداء التي قادها عبد الرحمن الغافقي - بقليل ‏.‏ ولم يكن لهذه الفتوحات صدى حقيقي ، لأنها كانت أشبه بحملات جهادية فردية ‏.‏

ولماذا سقط هؤلاء العظماء ‏؟‏

كان معاوية رضي الله عنه - بلا ريب - أحد دهاة العرب القلائل ، وكان رجل دولة وخبير سياسة بمعنى الكلمة ‏.‏‏.‏ بيد أنه كانت هناك حقيقة حضارية ينبغي عليه إدراكها وهي ‏:‏ أن الحضارة حين ينفصل جسدها عن دماغها لا يمكن أن تكون قابلة للبقاء ‏.‏‏.‏ حين يحدث انشقاق بين روح الأمة وجهاز عملها المادي تحدث الآلية القاتلة وتسير القافلة بلا روح ‏.‏‏.‏ تماما كما يسير الذي قطع رأسه من جسده‏.‏‏.‏ إنه لا بد من أن يسقط بعد خطوات ‏!‏‏!‏

ومنذ قامت الدولة الأموية ، واعتمد فيها نظام وراثة الخلافة كرها عن الأمة ‏.‏‏.‏

منذ هذا الحدث وثمة انفصال بين جسد الأمة وروحها ذاقت منه الأمة الإسلامية مر الأهوال ‏.‏‏.‏وكان أحد الأسباب ، بل أهم الأسباب في سقوط الدولة الأموية ‏.‏

لقد تشكلت طبقة تعطي نفسها امتيازا جنسيا غريب الشكل ‏.‏‏.‏ فهي لمجرد أنها من البيت الأموي ، حتى ولو افتقدت كل صلاحيات الوجود والحكم بعد ذلك ، لا بد أن تقف في الصف الأول ‏.‏‏.‏ وأن تقود وتحكم ‏.‏‏.‏ ‏!‏‏!‏ والأدهى من ذلك أن هذه الدولة اعتمدت العنصرية العربية المستعلية حقا تتكئ عليه في سيادتها ‏.‏‏.‏ وظلمها ‏!‏‏!‏

وهذه الظاهرة ‏.‏‏.‏ تلد أمراضا حضارية خبيثة كلها شؤم وبلاء ‏.‏‏.‏ فإن هذه الطبقة سرعان ما يحاول كل واحد منها الحصول على حق ‏.‏‏.‏ أكثر شرعية جنسية ‏.‏‏.‏ لكي يصل إلى الحكم ، وبالتالي يلجأ إلى الدس والخديعة والقتل والاغتيال ويسود الطبقة الحاكمة جو من الصراع الداخلي يمنعها عن أن تؤدي للأمة أي شيء ، ويكون كل هم الحاكمين أن يحافظوا على الموقع الذي يقفون فيه ‏.‏‏.‏ هكذا كان الأمر بين الأمويين ولا سيما في الأيام الأخيرة من عمرهم ‏.‏‏.‏ أيام الوليد بن يزيد، ومروان بن محمد ‏.‏

ومن الأمراض الخطيرة التي تلدها ظاهرة الانفصام المشئومة استعانة هؤلاء الحاكمين بطبقة تتولى هي في الحقيقة الأمر ، وتستبد بالأمة ، وحين تستغيث الأمة لا تجد من يغيثها ، إذ يكون الحكام في واد آخر بعيد عنها ، بل إن هؤلاء الحكام يعتقدون أنهم بوجودهم في مراكز السلطة مدينون لهؤلاء العمال أو الولاة الغاشمين الظالمين ‏.‏

وقد زخرت صفحات التاريخ بعديد من هؤلاء الجبابرة الذين أساءوا إلى المسلمين والإسلام إساءات بالغة كالحجاج بن يوسف الثقفي في المشرق ، والوالي عبد الله ابن الحبحاب في المغرب ‏.‏

ولقد أساءت هذه الطبقة المصطنعة العازلة إلى تاريخ الأمويين نفسه أيما إساءة ، وزينت للخلفاء الأمويين كل جور ، وعملت في المسلمين عمل كسرى وقيصر في شعبيهما ‏.‏‏.‏ وكانت - يعلم الله - بلاء على المسلمين أي بلاء ‏!‏‏!‏ وقد كانت سببا في نجاح الخوارج ، وفي إشعال ثورات بربرية ، في ساحة الأندلس والمغرب ‏.‏

وبتأثير الطغيان الذي ساس به الولاة جماهير المسلمين ، انصرف الناس إلى أمورهم ، تاركين أمور الدولة في يد الفئة الحاكمة بل انصرفوا إلى الاندماج في كل حركات الخروج على الدولة ‏.‏‏.‏ وقد تمخض كل ذلك عن ميلاد تنظيم من أدق التنظيمات في تاريخ الانقلابات السياسية ، وهو التنظيم العباسي الذي رفع الراية العلوية ‏(‏ الرضا من آل البيت ‏)‏ أيام سريته ‏.‏‏.‏ إلى أن وصل إلى الحكم ‏.‏

ولم يك هذا التنظيم لينجح ويجد المناخ والعناصر الصالحة إلا نتيجة سياسة الولاة الغريبة عن روح الإسلام ‏.‏

وقد اختلف المؤرخون في سقوط هذه الدولة العظيمة ‏.‏‏.‏ دولة الفتوحات ‏.‏‏.‏ وقد رأى بعضهم ، وهم محقون ، أنه النزاع بين المضرية واليمانية ، الذي ابتدأ منذ أيام مؤسس الدولة الأموية معاوية ، قد أدى إلى ضياع بني أمية ‏.‏

ويرى بعضهم أن مصرع الحسين بن علي في كربلاء كان الداء القاتل الذي تفاقم حتى قضى عليها ‏.‏