فالمؤسسات الدينية ليس لها أي وظيفة هنا. فكل إنسان عليه أن يفكر بنفسه ، فمسؤولية كل ما يتعلق بدينه تقع عليه ، وليس على القسيس ، أو الكاهن ، أو الشيخ.

وعلى الرغم من عدم وجود أي قيود على الحرية الدينية ، فإن هناك قيد واحد على السلطة الدينية يحول دون جعلها سلطة لإخضاع عقول الناس. وهذا المبدأ هو مبدأ عدم التكسب من وراء الدين. فالحرية الدينية الحقة لا يمكن تحقيقها سوى لو وضعنا مبدأ التكسب المالي بعيدا عن تلك المعادلة. وهذا يبدو واضحا في الآيات التالية :

وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ [2:41]

فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ [ 2:79]

إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [ 2:174]

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ [4:44]

إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [ 5:44]

اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [9:9]

ومن الواضح ، حسب القرآن ، وحسب ما نسمعه عن تاريخ الأديان ، أن الطبقة الفاسدة من رجال الدين التي تصد عن الحرية الدينية ، تظهر كنتيجة مباشرة للكتسب من وراء الدين:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [ 9:34]

ففي الدولة الفطرية يعتبر تكسب الأفراد من وراء مهنة رجال الدين شيئا غير قانوني ، حيث أن الدين لا يباع. ويتبع ذلك أن الدولة أيضا غير مسموح لها بتمويل رجال الدين مهما كان الدين الذي ينتمون إليه. وهذا سوف يضمن ألا تستغل الدولة رجال الدين للدعاية لها وتسويق أفكارها. وهذا سوف يضمن أيضا عدم ظهور أي طبقة من رجال الدين الفاسدين الذين يسعون للسيطرة على الناس ، واستعباد عقولهم. وبالتالي سوف تنتعش الحرية الدينية الحقيقية.

الناس أحرار في أن يقوموا بالعمل في مجال الدين ، سواء كأفراد ، أم كمجموعات ، ولكن هذا يجب أن يكون فقط على سبيل التطوع ، دون قبول أن مكسب ، أو أجر(مثلما يحدث الآن على هذا الموقع على الإنترنيت). وبالطبع لن يرضى المنافقون الذين يتكسبون من الدين عن مثل هذا المانع. أما الناس الذين يجدون مكسبا أكبر في القيم الدينية فسوف يرتاحون لذلك.

وكما رآينا آنفا أن الدين، حسب ما ينص عليه القرآن ، هو النظام الطبيعي للحكم في هذه الحياة. ومن هذا المنطلق فإن أستئجار ناس ليعملون في مجال الدين هو شيء بلا معنى. فهذا سوف يكون مثل استئجار أناس كي يقومون بالأعمال اليومية الطبيعية ، على سبيل المثال ، كعملية التنفس. ومن جانب آخر فإن هذا سوف يعنى أن المتاجرين بالدين سوف يضطرون إلى البحث عن سبل أخرى للتكسب.

عدا رجال الدين المزيفين سوف يتمكن الناس ، من جميع الأديان ، من أن يتبعوا النظام الإلهي الطبيعي بسهولة. و التعليمات الأخرى الموجودة في القرآن مثل الصلاة وعبادة الله وحده موجهة لكل فرد كي ينجى بنفسه ، ويجد ملجأ في رحمة الله ، ويجب عدم فرضها بالقوة على المجتمع ككل. ومثال آخر هو مثال الخمر والميسر. فقد ترك أمر الإجراءات التي تتخذ للحد منهما ، ومنعهما لكل مجتمع حسب ظروفه (مثال على ذلك القوانين التي تمنع الناس من قيادة السيارات وهم في حالة سكر).



المبدأ الثاني عشر: جوهر نظام الحكم


إن النظام الطبيعي الذي وضعه الله غير قابل للتغيير سواء بواسطة الحكومات ، أم بواسطة الشعوب ، بل يجب أن يلتزم كل منهما به. فاحكومة يجب أن تكون حكومة يتعاون فيها الجميع على تحقيق الخير لمخلوقات الله. فهي يجب أن تكون أداة بناءة لا تقوم بالعنف والجريمة.

... وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [5:2]



المبدأ الثالث عشر : الحكومة المفتوحة

إن تحقيق مصالح الشعب ، والتعاون البناء من أجل مصلحة الإنسانية جمعاء ، يتطلبان ألا تكون هناك أي سرية في تعاملات الحكومة ، أواجتماعاتها ، أو اتصالاتها. كما تنص بذلك الآيات التالية:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُون [58:9]َ

إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [58:10]

ومن أجل أن نضمن ذلك يجب أن تكون اجتماعات الحكومة مفتوحة أمام كل من يريد أن يستمع إلى فحواها. ولا يمكن أن نقبل في زمن لإنترنيت ، والتليفزيون ، أي عذر بسبب ضيق المكان. وهذا هو ما تنص عليه الآية 58:11.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [58:11]

وهذا المبدأ يشمل جميع أمور الحكم. وعلى تلك الحكومة المفتوحة أن تضمن حرية وسائل الإعلام ، وحق كل فرد في أن يحصل على معلومات عن الحكومة ، وأن ينقلها. ولكن الله يحذرنا في القرآن من أن ننساق وراء الشك دون أن التحقق من مصداقية ما نقوله ، وما ننقله. وهذا له أهمية كبيرة خاصة في هذا الزمن الذي تكون وسائل الإعلام فيه أحيانا منحازة ، أو مستغلة دعائيا.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [ 49:6]



المبدأ الرابع عشر: ممثلوا الحكومة

ليس من حق أي حاكم مستبد ، أو مجموعة من الناس أن تغير من المبادئ التي نص عليها الله في القرآن ، سواء كان التغيير بأغلبية الأصوت ، حتى بالإجماع ، أوبقرار من الحكومة. ويجب أن يخضع اختيار من سوف يقومون بالحكم للإنتخاب ، حيث أنهم نقباء عن الشعب . وهذا منصوص عليه في الآية 5:12.

وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا...[5:12]

يجب أن تحقيق التوازن لنظام الحكم. فهذا سوف يضمن أن ألا تستبد مجموعة من الحكومة دون أخرى بالحكم ، ويقى الشعب شر الاستبداد ، والمستبدين.

الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [ 22:40]