وقد أصرت القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة على الدعوة إلى تشكيل لجان الإصلاح ومساعدتها في رسالتها حيث شكلت اللجان في الضفة وغزة لحل المشاكل وعدم اللجوء لمحاكم الاحتلال كما صدر قرار عن المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في عمان بتشكيل لجنة تشرف على تشكيل لجان إصلاح فرعية في الضفة والقطاع حيث استطاعت هذه اللجان أن تكون البديل لمحاكم المحتل الغاصب وشرطته مما كرس سلطة الشعب في مواجهة الاحتلال وأوجد جهاز شعبي وطني حافظ على وحدة وتماسك العائلة الفلسطينية والبنية الاجتماعية. وأشير هنا إلى العديد من هذه اللجان قد تشكل بقرار من القيادة الفلسطينية في تونس ممثلة بشخص الأخ الرئيس ياسر عرفات.



أما في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية فقد اختلف الأمر واختلفت طبيعة القضاء بالعرف فمن النادر الآن اللجوء إلى التقاضي بالعرف خاصة بعد تشكيل المحاكم النظامية ومباشرتها لعملها وصدور بعض القوانين الفلسطينية التي تنظم حياة المواطن وعلاقته بالدولة.



وازدادت أهمية عمل الإصلاح والمصلحين لمساعدة السلطة في استقرار الأمن والأمان وما يتم الآن من قضاء عرفي هو مصالحات بين أطراف الخصومة أو لجوء إلى التحكيم الذي هو مقر بحكم القانون برضا من طرفي الخصومة وتكون معظم قرارات لجان الإصلاح رضائية وتقريبية، ونؤكد هنا على أن عمل الإصلاح ينصب على معالجة آثار المشكلة وإزالة الأثر النفسي الباقي في نفوس أهل المجني عليه وعائلته وعشيرته.



فالقانون يأخذ مجراه في إيقاع العقوبة على الجاني ولجان الإصلاح تعالج أثر هذا الاعتداء والمساعدة في نزع فتيل الفتنة وإنهاء الخلاف.



فمنذ تاريخ 14/9/1994 ومع دخول السلطة الفلسطينية وعودتها إلى أرض الوطن أعيد تشكيل إدارة شؤون العشائر بمرسوم رئاسي نشر في جريدة الوقائع الفلسطينية الرسمية، حيث صدر قرار السيد الرئيس بتاريخ 9/11/1994 بإنشاء إدارة شؤون العشائر حيث تكون تابعة لمكتب الرئيس وجزءاً منه وجهاز من أجهزة السلطة الفلسطينية وقد قام الدكتور غيث أبو غيث مستشار الرئيس لشؤون العشائر بوضع هيكلية الإدارة وحدد طبيعة عملها ومهامها بما يتناسب مع الدور الكبير الذي ستؤديه والذي لا يقف عند عمل الإصلاح والإشراف عليه بل يتجاوزه إلى مراعاة شؤون العشائر الفلسطينية في الوطن والشتات، ومع بداية مباشرة الإدارة لمهامها قامت بعقد مؤتمر للقضاء بالعرف والإصلاح تحت رعاية الأخ الرئيس خرج بعده توصيات منها:



1ـ إعادة النظر في الأحكام والقضايا العرفية والإصلاح وإلغاء بعض الشوائب التي شابت عمل الإصلاح كمفهوم الرزقة مثلاً.

2ـ اقتصار الترحيل في قضايا القتل على شخص الجاني ومن اشترك معه فعلاً في جريمته استناداً لمبدأ فردية المسؤولية الجنائية والقاعدة الشرعية (لا تزر وازرةً وزر أخرى) وعدم ترحيل عائلة الجاني إلا في حالات الضرورة القصوى وفي ظروف معينة كأن يتجاور مسكني الجاني والمجني عليه ويكون الترحيل لفترة وجيزة لحين هدوء الأمر.

3ـ رفع مذكرة للمجلس التشريعي حول القضاء بالعرف والإصلاح للأخذ به كرافد من روافد القانون ودعامة من دعامات استتباب الأمن.

4ـ التشديد على أن الإصلاح والقضاء العرفي هو مساند ومساعد للقانون والمحاكم وليس بديلا عنه.

5ـ الدعوة لفلسطنة القوانين مع الأخذ بعين الاعتبار العرف الفلسطيني والعادات كمصدر رئيس من مصادر القانون الفلسطيني.

6ـ التأكيد على دور رجالات الإصلاح والقضاء العرفي في إحلال الأمن والأمان وإصلاح ذات البين دون تلقي أي رسوم على ذلك فالأصل في الإصلاح أنه ابتغاء لوجه الله.

7ـ مناشدة الأخ الرئيس بضرورة مساعدة رجال الإصلاح وتوفير مبالغ رمزية للبعض منهم لمساعدتهم في تأدية عملهم.

8ـ التأكيد على التعاون الوثيق بين رجال الإصلاح والشرطة وتسهيل عملها في إلقاء القبض على الجناة وفرض الأمن والمحافظة على سلامة المواطنين.



هذا وقد قامت إدارة شؤون العشائر بافتتاح العديد من المقرات لها حيث تنتشر مقارها وتغطي جميع محافظات الوطن من جنين شمالاً إلى رفح جنوباً إضافة لأماكن تواجد لجان الإصلاح ومكاتبها الفرعية حيث قامت الإدارة بإعداد النماذج الخاصة بعمل لجان الإصلاح وروعي في هذه النماذج عدم معارضتها للشريعة الإسلامية الغراء وعدم منافاتها للقانون حيث أعدت بالتعاون مع رجال القانون وفقهاء الشريعة ويتم توزيع هذه النماذج على اللجان المعتمدة في الإدارة ولا تأخذ هذه القرارات صفة الإلزامية إلا بعد اعتمادها من قبل إدارة شؤون العشائر حيث يقوم المستشار القانوني بمراجعتها وتكييفها من ناحية قانونية.



كما أعيدت هيكلة لجان الإصلاح وتنظيمها وإعادة ربطها بإدارة شؤون العشائر بصفتها الجهة الرسمية المخولة بذلك وتفعيل لجان الإصلاح والقيام بدورات لتطوير هذه اللجان، وقد قامت الإدارة أيضاً بتشكيل لجنة تنسيق عليا للإصلاح إحداها في المحافظات الشمالية والأخرى في المحافظات الجنوبية بالإضافة للجان مركزية للإصلاح في كل محافظة يتبعها لجان فرعية، تنتشر في جميع تجمعات أبناء شعبنا حيث بلغ العدد الإجمالي لرجال الإصلاح المعتمدين لدينا أكثر من 650 رجل إصلاح معظمهم يعملون تطوعاً وقد روعي حين اعتمادهم إجراءات معينة وشروط يجب توافرها فيهم وبعد ذلك الحصول على الإجازة الأمنية من الأجهزة الأمنية المختصة وبالتنسيق والتعاون مع الأجهزة والجهات الرسمية خاصة الشرطة وبعد جمع المعلومات بين أبناء المجتمع وعند أفراد عائلته، ورجال الإصلاح وقضاة العرف هم رسل محبة وسلام ورسل إصلاح بين الناس لنشر الوئام والأمان بينهم وإحلاله محل الخصام والنزاع والخوف.