اختبار العدالة الدولية للقضاء البلجيكي


بقلم مرعي أحمد ناصر




في تطور وسبق تشريعيين هامين والتزاما باتفاقية منع جرائم الابادة الجماعية؛ اصدرت الجمعية الملكية في بلجيكا بتاريخ 16 حزيران 1993 القانون المتعلق بالمسؤولية الجنائية عن انتهاكات القانون الدولي الانساني وعن جرائم الابادة الجماعية.
الا انه لم يكن يخطر على بال المشرع البلجيكي ان أول امتحان للعدالة في بلجيكا سيكون في حضرة ضحايا مجزرة العصر
صبرا وشاتيلا؛ وان يكون من بين المتهمين أمامها رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون بالذات؛ فها هم الضحايا شاهدهم وشهيدهم ينصبون قوس العدالة في عاصمة الاتحاد الاوروبي بروكسل ومقر حلف شمال الاطلسي الذي كان جزء من قواته أثناء انسحاب المقاتلين الفلسطينيين من بيروت أعقاب الاجتياح الاسرائيلي عام 1982؛ شاهدا على تنفيذ اتفاقية سحب القوات التي أبرمت برعاية اميركية بشخص فيليب حبيب؛ وبالتالي فقواته كانت مسؤولة عن تأمين انسحاب المقاتلين الفلسطينيين بسلام والحفاظ على أمنها أثناء التجمع والمغادرة في رحلة التشرد الجديد؛ ومن ثم ضمان حماية السكان المدنيين وفق ما تعهدت بذلك الولايات المتحدة الاميركية والقوات المتعددة الجنسيات في نص المادة السادسة من هذا الاتفاق الذي نص على تشكيل القوات المتعددة الجنسيات من فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة لتساعد الجيش اللبناني في تحمل مسؤولياته التي منها: <<توفير الضمانات الامنية لجميع الاشخاص الآخرين في منطقة بيروت بعد تأمين مغادرة العاملين بمنظمة التحرير الفلسطينية>>.
ويتضح من نصوص اتفاقية سحب المقاتلين الفلسطينيين ان للقوات المتعددة الجنسيات دورا أساسيا في وقوع المجزرة تمثل في مسؤولية سلبية وهي عدم ضمان سلامة السكان المدنيين في المخيمين كالتزام قانوني نصت عليه اتفاقية 21/8/1982. وانسحابها فور خروج المقاتلين الفلسطينيين من بيروت برغم الادراك والوعي التامين لاحتمال حصول أعمال عدائية ضد سكان المخيمات. وهذا ما نصت عليه المادة الرابعة من الاتفاقية بوجوب اتخاذ تدابير وقائية لم تجد للتنفيذ سبيلا.
واعترافا بالمسؤولية التقصيرية للقوات المتعددة الجنسيات عن توفير الحماية الدولية للاجئين الفلسطينيين في مخيمات بيروت عادت هذه القوات الى لبنان فور انتشار خبر وأهوال المجزرة في مخيمي
صبرا وشاتيلا كنوع من الاقرار الضمني عن الاخلال بواجبها القانوني الذي التزمت به؛ ونوع من عذاب او نوبة ضمير سرعان ما تعافت منها السياسة الاميركية.
وبرغم ان المسؤولية التقصيرية عن الحماية الدولية للاجئين الفلسطينيين في مخيمي
صبرا وشاتيلا ليست مسؤولية اميركية او متعددة الجنسيات او لبنانية فقط؛ بل انها مسؤولية دولية يتحمل مسؤوليتها المجتمع الدولي باعتبار ان مخيمات اللاجئين أساسا انشأتها الأمم المتحدة والأسرة الدولية وبالتالي لها خصوصية الحماية الدولية برغم وجودها على اراض لبنانية مستأجَرة من قبل منظمة الاونروا التابعة للامم المتحدة؛ الا ان هذين الامن والأمان لم يشعر بهما سكان المخيمات لحظة واحدة خلال وأعقاب الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 او بعد مغادرة مقاتلي م.ت.ف. للعاصمة اللبنانية.
الجريمة: تُعتبر مجزرة
صبرا وشاتيلا وفق اتفاقية منع جريمة الابادة الجماعية؛ جريمة من جرائم الابادة الجماعية التي عرفتها بأنها الأفعال التي <<تتكون من خرق التزامات الغرض منها هو حماية أهم المصالح الاساسية للانسان اي المصالح التي تعبر عن احتياجات الانسان واهتماماته الاساسية والتي يتوقف عليها حفظ الجنس البشري؛ وهذه المصالح تشمل صون السلم وحماية حقوق الانسان الاساسية والحفاظ على حق الشعوب في تقرير المصير وصون البنية البشرية وحفظها>>.
اضافة الى التعريف السابق لجرائم الابادة الجماعية كانت معاهدة نورنبرغ بشأن جرائم الحرب كما صاغتها لجنة القانون الدولي عام 1950 قد اعتبرت في مادتها السادسة جرائم معاقَبا عليها بموجب القانون الدولي:
... الجرائمَ ضد الانسانية كاغتيال اي سكان مدنيين او إبادتهم او استرقاقهم او نفيهم او اي أعمال غير انسانية ترتكب ضدهم؛ او ممارسات الاضطهاد على أسس سياسية او عنصرية او دينية؛ اذا ما ارتكبت مثل هذه الافعال او مورس مثل هذا الاضطهاد في سياق تنفيذ اي جريمة ضد الانسانية او اي جريمة حرب او بصددهما>>.