حِينَ تُسْقِطُ أَوْرَاقَهَا الأَشْجَارُ


عَلَى غَيْرِ هُدَىً يَحْمِلُ عَبْدُ الْعَزِيزِ قَدَمَيْهِ الْمُتْعَبَتَيْنِ فَوْقَ رَأْسِهِ الثَّقِيلِ ، مُتَنَقِّلاً مِنْ مَمَرٍّ إِلَى مَمَرٍّ دَاخِلَ الْمُسْتَشْفَى ، مُقَاوِمًا رَغْبَتَهُ فِي التَّقَيُّؤِ كُلَّمَا هَبَطَ السَّلالِمَ الْقَدِيمَةَ غَيْرَ مُتَجَاوِزٍ ـ فِي كُلِّ مَرَّةٍ ـ تِلْكَ الْعَتَبَةَ الْمَكْسُورَةَ ، سَاقِطًا يَتَدَحْرَجُ كَكُرَةٍ مُنْتَفِخَةٍ ، مُحَاوِلاً أَنْ يُمْسِكَ فِي الْجُدْرَانِ الْمَشْرُوخَةِ ، مُلْتَصِقًا أَنْفُهُ بِأَوْسَاخِ الْعَتَبَاتِ فِي ذُهُولٍ 000
يَنْهَضُ فِي لَحْظَةٍ ، يَلُمُّ كِبْرِيَاءَهُ الْمُبَعْثَرَ ، مُنَفِّضًا ثِيَابَهُ الْمُمَزَّقَةَ قَبْلَ أَنْ يَلْحَظَهُ أَحَدٌ ، مُسْرِعًا نَحْوَ الأَشْجَارِ الْكَثِيفَةِ ، مُسْتَسْلِمًا لِلْجُلُوسِ أَمَامَ شَجَرَةِ كَافُورٍ ، مُسْنِدًا ظَهْرَهُ السَّاخِنَ إِلَى جِذْعِهَا 000
الْمَمَرَّاتُ الطَّوِيلَةُ ضَيِّقَةٌ مُظْلِمَةٌ مِنْ جَنَاحٍ إِلَى جَنَاحٍ 000
تَمْلأُ رَائِحَةُ الْمَوْتَى الطُّرُقَاتِ ، زَاحِفَةً نَحْوَ أَنْفِهِ النَّازِفِ 000
تُطَارِدُهُ الأَشْبَاحُ السَّاكِنَةُ فُرُوعَ السَّنْطِ 000
تُفْزِعُهُ الأَوْرَاقُ الْمُتَسَاقِطَةُ مِنْ فَوْقِ الأَغْصَانِ ، تَدْفَعُهَا رِيحٌ عَاصِفَةٌ 000
مُتَّكِئًا عَلَى أَوْجَاعِهِ يَجْرِي مَذْعُورًا نَحْوَ بَقَايَا نُورٍ يَتَسَلَّلُ خَافِتًا فِي آخِرِ الطَّرِيقِ 000
يَصْطَدِمُ مُرْتَعِشًا بِالْوَاقِفِ خَلْفَ الْبَابِ 000
ـ نَعَمْ يَا أُسْتَاذُ ؟
تَزْدَادُ نَبَضَاتُ الْقَلْبِ ، مُنْتَفِضًا بَيْنَ ضُلُوعِهِ كَعُصْفُورٍ فَرَّ مِنْ طَلَقَاتِ الصَّيَّادِ الْمَاكِرِ 000
ـ اهْدَأْ يَا أُسْتَاذُ !
مَا بَيْنَ الشَّهِيقِ وَالزَّفِيرِ يَلْتَقِطُ ـ مَخْنُوقًا ـ رُوحَهُ الْهَارِبَةَ 000
ـ مَاذَا تُرِيدُ يَا أُسْتَاذُ ؟
ـ أَبْحَثُ عَنِ الْعَمِّ نَادِرٍ 000
ـ فِي أَيِّ قِسْمٍ يَا أُسْتَاذُ ؟
ـ لا أَدْرِي 000
ـ طَيِّبٌ ، مَتَى دَخَلَ الْمُسْتَشْفَى ؟
ـ مِنْ سَاعَتَيْنِ 000
ـ مَا حَالَتُهُ ؟
ـ نَزِيفٌ حَضْرَتَكَ 000
ـ تَقْصِدُ هَذَا الرَّجُلَ الأَسْمَرَ الطَّوِيلَ ذَا اللِّحْيَةِ الْبَيْضَاءِ ؟
ـ نَعَمْ هُوَ 000
ـ اطْمَئِنَّ ! لا يَزَالُ فِي انْتِظَارِ الطَّبِيبِ 000سَيَأْتِي بَعْدَ قَلِيلٍ 000 اتَّصَلُوا بِهِ 000 سَوْفَ يَأْتِي 000
مُسْتَسْلِمًا لِمَخَاوِفِهِ الْقَدِيمَةِ ، يَجْلِسُ الْقُرْفُصَاءَ سَانِدًا ظَهْرَهُ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ ، مُخَبِّئًا وَجْهَهُ الْمُجْهَدَ بَيْنَ كَفَّيْهِ فِي انْتِظَارِ الطَّبِيبِ الَّذِي لا يَجِيءُ 000
يَتَكَوَّمُ فِي تَرَقُّبٍ 000
تَتَعَالَى صَرَخَاتُ الْمَرْضَى الْمُرْتَقِبِينَ 000
يَتَوَجَّعُونَ فِي غَيْرِ صَمْتٍ 000
يَتَأَوَّهُ الْعَمُّ نَادِرٌ 000
تَبْكِي الْمَرْأَةُ خَلْفَ الْبَابِ 000
تَمُوءُ الْقِطَطُ الْخَائِفَةُ وَرَاءَ الْجُدْرَانِ 000
تَنْبَحُ الْكِلابُ فِي سُعَارٍ 000
لا تَمُرُّ الدَّقَائِقُ فَوْقَ عَقَارِبِ السَّاعَةِ 000
ـ الرَّجُلُ الَّذِي سَأَلَ عَنِ الْعَمِّ نَادِرٍ ، أَيْنَ هُوَ ؟
ـ أَنَا هُنَا 000 هُنَا 000
ـ الْبَقَاءُ ِللهِ !!
ـ مَاتَ ؟ هَلْ مَاتَ الْعَمُّ نَادِرٌ ؟ لا إِلَهَ إِلا اللهُ ، إِنَّا ِللهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ 000
000000
000000
000000
يَجْرِي مَفْزُوعًا بَيْنَ الطُّرُقَاتِ ، يَحْمِلُ فَوْقَ ظَهْرِهِ الرَّصِيفَ 000
يَتَعَثَّرُ فِي الأَحْجَارِ 000
يَنْهَضُ مُهَرْوِلاً نَحْوَ أَشْجَارِ السَّنْطِ 000
تُسْقِطُ أَوْرَاقَهَا الأَشْجَارُ 000
تَطُلُّ بِرُؤُوسِهَا الأَشْبَاحُ 000
تَبْكِي الْمَرْأَةُ خَلْفَ الْبَابِ 000
صَارِخَةً تَلْطِمُ خَدَّيْهَا 000
يَهْرَبُ الْمَرْضَى مَذْعُورِينَ ، حَامِلِينَ أَسِرَّتَهُمُ الْبَيْضَاءَ فَوْقَ ظُهُورِهِمْ 000
يَتَدَافَعُونَ فِي الطُّرُقَاتِ 000
يَشْتَدُّ الزِّحَامُ 000
يَفِرُّونَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ مَلاكُ الْمَوْتِ الرَّحِيمُ 000
يَعْبُرُونَ الأَسْوَارَ 000
يَقْتَحِمُونَ الأَبْوَابَ 000
يُسْرِعُونَ خَارِجًا 000
يَسْتَنْشِقُونَ رَذَاذَ الأَمْطَارِ الطَّازَجَةِ 000
يَتَّجِهُونَ نَحْوَ الْحُقُولِ الْخَضْرَاءِ 000
يَخْتَبِئُونَ بَيْنَ أَشْجَارِ اللَّيْمُونِ فِي سَلامٍ 0