البنية المتغيرة للقانون الدولي..
تحول السيادة

بقلم : ديفيدهيلد
ترجمة: عماد شيحة

**************



السيادة التقليدية
تطور مذهب السيادة في بعدينمتميزين:
اهتم الأول بالمظاهر "الداخلية" للسيادة أما الثاني فبمظاهرها "الخارجية
".
يتضمن البعد الأول مطلب أن الشخص أو الهيئة السياسية تأسست كعاهل يمارس عن حق "ولاية عليا" على مجتمع بعينه.
أما الحكومة – سواء أكانت ملكية أم ارستقراطية أم
ديمقراطية – فعليها أن تنعم بـ "سلطة مطلقة ونهائية" ضمن الإقليم المفترض. أماالبعد الثاني فيتضمن التأكيد على عدم وجود سلطة مطلقة ونهائية داخل وخارج الدولةذات السيادة.
يتوجب النظر إلى الدول بوصفها مستقلة في كل قضايا السياسة الداخلية
ولها أن تكون من حيث المبدأ حرة في تحديد مصيرها ضمن هذا الإطار.
أما السيادة
الخارجية فهي ميزة تحوزها المجتمعات السياسية في علاقاتها المتبادلة، ويصاحبها طموح المشاركة بتعيين وجهتها وسياستها دون تدخل غير مشروع من القوىالأخرى.

أصبح نظام الدول ذات السيادة مطوقاً بجملة قواعد تطورت منذ القرن السابع عشر، لصيانة مفهوم نظام الدول بوصفه مجتمعاً دولياً من دول ذات سيادة.
كما ترافق ظهور "مجتمع" الدول، أولاً في أوروبا ولاحقاً في عموم الكوكب، مع مفهوم جديد لقانون دولي يكون مرجعاً
مثل "النظام الوستفالي"
(بعد معاهدات السلام في
وستفاليا العام 1648)،
وهو ما يشار إليه ببساطة على أنه النظام التقليدي
للسيادة.
يغطي ذلك النظام عصر القانون الدولي وتنظيمه من العام 1648 وحتى مطلعالقرن العشرين
(رغم أن عناصره، وهو أمر قابل للنقاش، لا تزال مطبقة حتى اليوم).
لم
تكن كل سماته مقترنة بتسوية وستفاليا، بل تشكلت بالأحرى خلال مسار معياري لقانوندولي لم يصل إلى منطوقة الكامل إلا في نهاية القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر، حين أصبحت السيادة الإقليمية والمساواة الرسمية بين الدول وعدم التدخل بالشؤون الداخلية للبلدان الأخرى قاعدة للالتزام القانوني دولياً، وصارت تشكل المبادئ الجوهرية للمجتمع الدولي.


يلقي النظام التقليدي للسيادة الضوء على نظام عالمي تكون الدول فيه حرة ومتساوية اسمياً، وتتمتع بسلطة عليا على رعاياها ورعايا الإقليم المفترض، كما تصيغ قرارات سياسية منفصلة ومستقلة وفق مصالحها الخاصة، ولا تعلوها سلطة دنيوية أخرى، كذلك تقوم بمبادرات دبلوماسية، ضمن مقاييس تعاون محدودة، وتنظر إلى العمليات عبر الحدود كـ "شأن خاص"، وتقبل مبدأ الفعالية أي المبدأ الذي يشرعن الاستيلاء في عالم الدول.
التأكيد على تطور النظام التقليدي للسيادة، لا ينكر بطبيعة الحال أن حقيقته غالباً ما كانت مشحونة ومليئة بالفوضى والتسويات. لكن الاعتراف بتعقد الواقع التاريخي ينبغي ألا يقود إلى تجاهل التبدل المنظومي والهيكلي الذي حل منذ نهاية القرن التاسع عشر في المبادئ التي يتضمنها النظام السياسي، وحقائقها الدموية.
كافحت الدول لاحتواء السكان والأراضي والموارد، وإدارتهايتمثل هذا المسار بتشكل دول أوروبية في القرنين السابع عشر والثامن عشر، واقتسام القوى الأوروبية للمستعمرات في القرن التاسع عشر.
يتوجب التأكيد على الدلالات الهامة لتطور النظام التقليدي للسيادة.
أولاً:
منح تبلور القانون الدولي بوصفه قانوناً بين الدول، رؤساء الدول والحكومات قدرة الانضمام إلى معاهدات مع ممثلي دول أخرى بمعزل عن الوضعية الدستورية لأولئك الأشخاص، أي بمعزل عن كون رؤساء الدول مخولين وفق إجراءات قانونية محلية محددة بإلزام الدولة بحقوق وواجبات معاهدة معينة.
ثانياً:
لم يكن قانون ما بين الدول معنياً بالهيئة السياسية الوطنية. لكنه قبل مقاربة واقعية للدولة والحكومة/ مقاربة تلي حقائق السلطة السياسية وتضع بضعة تساؤلات عن كيفية نشوء تلك السلطة. تم اعتبار الأنظمة المطلقة والملكيات الدستورية والدول الاستبدادية والدول الديمقراطية الحرة على قدم المساواة بوصفها أنظمة حكم شرعية.
ثالثاً:
إقامة نقاط اتصال بين المبادئ المنظمة للشؤون القومية والدولية. تباعدت القواعد السياسية والأخلاقية التي تحكم هذين المجالين في المبدأ والتطبيق. ترسخت ببطء الدول /الأمم الديمقراطية في الغرب، لكن عالم السياسة الذي أجاز الديمقراطية في الدولة/ الأمة رسخ علاقات لاديمقراطية بين الدول، ومثلما رسخ شرعيةً ديمقراطيةً خاضعةً للمحاسبة داخل حدود الدولة أجاز ملاحقة متطلبات الدولة (والمصالح السياسية العليا) خارج تلك الحدود، وفي مقابل حقوق مواطنة وديمقراطية لمن هم من "الداخل"، تنكر متكرر لها حين يتعلق الأمر بمن يعيشون خارج تلك الحدود، كان الفصل بين المثالية السياسية والواقعية السياسية أمراً بدهياً.
رابعاً:
تركيز القانون الدولي على الجماعات والفاعلين غير الحكوميين الساعين للتنافس على حدود إقليمية ذات عواقب متناقضة. أمام تفكك القوى الاستعمارية والمصالح المهيمنة للمواطن والأقاليم التقليدية، لم يكن أمام تلك الجماعات بدائل سوى اللجوء إلى الإكراه أو القوة المسلحة بغرض تأكيد مطالبها بتحرير أوطانها. لكن، كان عليها أيضاً تأسيس "سيطرة فعالة" على المنطقة التي تسعى لإعلانها وطناً في حال توجهها لنيل الاعتراف الدولي.
تراجع الإمبراطوريات الأوروبية وهزائمها من نهاية القرن التاسع عشر، وانتشار الأفكار الديمقراطية في كافة أنحاء العالم في القرن العشرين، وتأسيس أشكال جديدة لمنظمات وأنشطة متعددة الأطراف ومتعدية القومية خلال الأعوام المئة الأخيرة عدل المشهد السياسي والقانوني. وطرح السؤالين التاليين: هل تأسس إطار جديد للقانون الدولي؟ هل تغير التوازن بين متطلبات نظام الدول ومتطلبات الأوضاع السياسية والمعيارية البديلة؟