بسم الله الرحمن الرحيم

طارق عبدالله ثابت قائد الحروي،التوازن الاستراتيجي في منطقة (غرب المحيط الهندي) وانعكاساته على مستقبل الأمن القومي العربي، أطروحة دكتوراه(غ.م)، أ.د محمود إسماعيل محمد
(إشراف) ،(جامعة الدول العربية: معهد البحوث والدراسات العربية،2008).
ملخص الأطروحة.
بقلم د.طارق عبدالله ثابت قائد سلام الحروي.
باحث يماني في العلاقات الدولية.
d.tat13@yahoo.com
حصلت هذه الأطروحة على درجة امتياز مع مرتبة الشرف الأولى في العلاقات الدولية، وتكونت لجنة المناقشة والحكم من السادة(أ.د محمود إسماعيل رئيسا ومشرفا( عميد كلية التجارة جامعة 6 أكتوبر، أ.د إسماعيل صبري مقلد عضوا ( عميد كلية التجارة جامعة أسيوط ورئيس قسم السياسة فيها سابقا، أ.د أحمد يوسف أحمد عضوا(عميد معهد البحوث والدراسات العربية ورئيس قسم السياسية فيه)
سعت الدراسة وراء إعادة تشخيص طبيعة واقع المنظومة الإقليمية التي تمثلها منطقة (غرب المحيط الهندي) بأقاليمها الفرعية الثلاثة الرئيسة (الخليج العربي، البحر العربي، البحر الأحمر)، وبعض الأجزاء المتاخمة لها في استراتيجيات القوى الدولية والإقليمية الفاعلة ، من خلال محاولة البحث في طبيعة وواقع الصيغ التوازنيةالرئيسة(القائمة/ المقترحة) بشقها الثنائي ومتعدد الأطراف، التي تربط القوى الفاعلة مع بعضها البعض- بوجه خاص- من جهة- وفيما بينهما وبين القوة الأمريكية - من جهة أخرى- و مدى انعكاس ذلك- في المحصلة النهائية- على محصلة الفعل الاستراتيجي(الإدراكي/ الحركي) للقوي العربية الفاعلة المعنية في المدين القريب والمتوسط، بما يتماشى مع دواعي تحقيق الأمن القومي.
في حين تكمنأهمية الدراسة في عدة اعتبارات- يأتي في مقدمتها- إنها تناولت المنطقة بقواها الفاعلة في دراسة واحدة عالجت جدلية أنماط التفاعلات المعقدة الحاصلة بين أقاليمها الفرعية الثلاثة، من خلال تتبع مسارات تأثير أية حدث يبرز في جزء معين منها على عموم المنطقة، أو أجزاء واسعة منها والأجزاء العربية منها- بوجه خاص- استنادا- لرؤية لدى-الباحث- مفادها " إن القوى الخارجية وفي مقدمتها القوة الأمريكية ما زالت تنظر إلى هذه المنطقة أو أجزاء واسعة منها من منظور واحد- وفقاً- لمصالحها الحيوية المتنامية؛ جراء تنامي سمة الترابط العضوية النسبية وثيقة الصلة بين هذه الأجزاء، وكذا باعتبارها محاولة للتصدي لبعض أهم المعضلات التي تواجه دول المنطقة ـ معضلة الأمن- من خلال إعادة تشخيص وإبراز بعض القضايا الخلافية العالقة التي تمثل محور مجمل الصراعات الدائرة فيها، وخاصة تلك المؤثرة في طبيعة وواقع الصيغ التوازنية (القائمة / المقترحة)؛ نظراً لما لها من تأثير رئيس على طبيعة أية أدوار مستقبلية متوقعة أو محتملة للقوى الفاعلة المعنيةعلى المستويين (الداخلي / الخارجي) .
أما النطاق الزمني للدراسة (1990-2003م)، فقد تزامن مع بدء الإرهاصات الأولى- لمرحلة ما بعد انتهاء (الحرب الباردة) (1986-1991م)- إثر دخول المنطقة مرحلة، لها سماتها الخاصة وسياستها الجديدة، فضلاً عن تناول مدخل تأريخي غطى الفترة الواقعة بين عامي(1945-1985م)، في حين تحدد النطاق المكاني لهذه الدراسة في المجال الجغرافي الذي تشغله منطقة (غرب المحيط الهندي)- بأقاليمها الفرعية الثلاثة الرئيسة(الخليج العربي، البحر العربي، البحر الأحمر) وبعض الأجزاء المتاخمة لها.
واستعان- الباحث- بمنهجي النظام الإقليمي والتحليل المستقبلي (الإستشرافي) في اتجاه مسح الماضي وتشخيص الحاضر واستشراف المستقبل، باعتبارهما الأنسب لموضوع الدراسة، فضلاً عن منهج التحليل التاريخي.
وتقع الدراسة في 690 صفحة، تضمنت قرابة ألـ 550 مرجعاً متنوعاً ، ونظراً لطبيعة موضوع هذه الدراسة، فقد تمت معالجته في مقدمة ومتن؛ تضمنت مدخل تمهيدي وثلاثة أبواب؛ من خلال عشرة فصول، اشتملت على اثنان وثلاثون مبحثاً بـ85 مطلباً، وخاتمه توزعت بين عرض تحليلي لبعض أهم التطورات السياسية- في هذا الشأن- منذ عام 2003م حتى مطلع عام 2007م، وجملة من الاستنتاجات العامة، بالإضافة إلي بعض التوصيات الهامة- في هذا الشأن .
أهتم الفصل التمهيدي بوضع الإطار ألمفاهيمي للدراسة؛ الذي يؤصل للعديد من المفاهيم الرئيسة التي وردت في ثنايا الدراسة، حيث أمكن إعادة بلورتها إلى جزئيين: ركز الأول-على تناول مفهوم التوازن ضمن الإطار السياسي وأخذ صيغة (توازن القوى) على الأغلب آنذاك- بصفة عامة- والتوازن الاستراتيجي على وجه الخصوص، وخلص منه إلى إعادة بلورة تعريف خاص لمفهوم التوازن الاستراتيجي تضمن أبعاداً متعددة أشارت إليها بعض الأدبيات مجتمعة ؛ بغاية توفير الإمكانية اللازمة؛ للتعامل مع الآثار التي أوجدتها مرحلة نهاية (الحرب الباردة) على الأمن القومي لدول المنطقة والدول العربية المعينة- على وجه الخصوص- مفاده " إنه محصلة فعل (إدراكي/حركي)، يعنى بإعادة توجيه الموارد الذاتية (المتاحة/الكامنة) للقوى المؤثرة في النسق الإقليمي- في إطار صيغ (توافقية/تكاملية) متعددة- تأخذ أشكال تكتلات وتحالفات ومحاور قوى (متكافئة/شبة متكافئة)، لبناء أوضاع وترتيبات إقليمية ؛ تتماشى مع المصالح الحيوية لهذه القوى (منفردة/مجتمعة) - بما يضمن لها توافر قدرة احتواء نسبية لمصادر التهديد الرئيسة، وأداة ردع حاسمه، تحول دون بروز أية بوادر حقيقية لهيمنة إقليمية عليها من (داخل/خارج) المنطقة ؛ نظراً لتوافر الأساس الموضوعي لوحدة الخطر المحدق بها، كي تتمكن من خلالها من تحسين آفاق احتمالات الوصول إلى حالة (التماثل/التناظر) سواءً بين عناصر القوة الشاملة داخل كل دولة ومستوى على حده، أو فيما بين بعضها البعض، ومدى انعكاس ذلك على مرونة وحركية مجمل الصيغ التفاعلية القائمة ، من حيث إعادة بناء حالة التكافؤ النسبية في العلاقات المتبادلة فيما بينها..)، فضلاً عن انه ناقش بعض المفاهيم التي وردت في ثنايا هذه الدراسة كـ(النظام الإقليمي، الأمن القومي العربي، المستقبل، القوى الفاعلة، الدور الإقليمي)، في حين إن الجزء الثاني- قد أختص بوضع إطار تعريفي لمنطقة الدراسة؛ من خلال تحديد مصطلح منطقة (غرب المحيط الهندي)، الذي شمل مجمل الحيز الجغرافي المستهدف في هذه الدراسة، الذي يغطي مجمل المساحة المائية للجناح الغربي لمنطقة المحيط الهندي بجزئها الآسيوي والأفريقي، واستناداً إلى المعيار الجغرافي أكثر منه الاستراتيجي الذي تبنته الدراسة في تحديد مكونات المنطقة، فقد خلص منه إلى أنها تضم 29 وحدة سياسية؛ هي(إيران ، العراق ، السعودية ، الكويت ، البحرين ، قطر ، الإمارات ، عمان ، الهند ، باكستان ، اليمن ، الصومال ، كينيا ، تنزانيا ، موزمبيق ، جنوب إفريقيا ، مدغشقر ، موريشيوس ، جزر القمر ، سيشيل ، المالديف ، الأردن ، فلسطين ، إسرائيل ، مصر، السودان ، إرتريا ، إثيوبيا ، جيبوتي )- هذا من جهة- والتعريف العام بخصائص المنطقة الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية- من جهة أخرى.
أما الباب الأول فقد أهتم بمعالجة طبيعة واقع التوازن الاستراتيجي في منطقة (غرب المحيط الهندي) في مرحلة ما بعد انتهاء (الحرب الباردة)، وهدف من وراء ذلك إلى محاولة إعادة قراءة معطيات البيئة الأمنية الدولية للفترة الواقعة بين عامي(1947-2003م)؛ من خلال السعي وراء تقديم عرض دقيق لسياسات القوى الدولية المؤثرة في واقع التوازن على مدار أكثر من أربعة عقود- تبعاً- لمنهاجيه تدريجية استندت إلى تتبع خط سير اتجاهات الأحداث الرئيسة التي ميزت المنطقة، بحيث أعيد بلورة وتصنيف هذه المرحلة إلى ستة فترات رئيسه، وعلى مرحلتين انحصرت في الأعوام (1945-1971م)،(1972-1985م) - هذا أولاً- ثم دراسة بعض المعالم الرئيسةالمحددة للبيئة الدولية الأمنية الجديدة وانعكاساتها على واقع التوازن القائم في المنطقة؛ من خلال عدة مفردات- يأتي في مقدمتها- (تضاءل قدرات الاتحاد السوفيتي ومن ثم انهياره، زيادة الهيمنة الأمريكية على الشأن الدولي ، الدور الأمريكي)- ثانياً- وخلص منه إلى العديد من النتائج الأساسية- يأتي في مقدمتها- ما يلي:-
· إن بعض أهم المعالم الرئيسة للسياسة الدولية في منطقة (غرب المحيط الهندي) لم تخرج عن هذا السياق...،فطبيعة سياسات الاستقطاب الثنائية الحادة، التي تبناها محوري واشنطن – لندن، وواشنطن – بكين في مواجهة محور موسكو – (برلين – هافانا)، قد مثلت المحرك الرئيس الذي تدور حوله مجمل صيغ التفاعلات في هذه المرحلة، وكذا الأداة الرئيسة؛ لضمان بقاء الهيمنة الدولية على شئون المنطقة، والسيطرة على قواها الفاعلة، واحتواء أية اتجاه معادي لهما...، وهو ما تأكد أكثر من خلال نوعية الأساليب التي لجأت إليها القوى الدولية؛ من أجل إحكام سيطرتها على المنطقة وقواها الفاعلة- يأتي في مقدمتها- أولاً-عملية التقسيم الدقيقة للمنطقة إلى مجموعة دول ومناطق نفوذ دولي، والعمل على إبقاء دوله مرتبطة بها، تدور في فلكها على الدوام، وهو الأمر الذي أفقد معظمها وجود أية قدرة حقيقية على تحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي، وبالتالي أبقى قدرات الفعل الاستراتيجية لدولها- على الأغلب- محصورة عند حدود ردود الأفعال، وليس الأفعال نفسها- بصورة أو أخرى..، ثانياً-إغراق المنطقة- بموجة حادة وواسعة من الصراعات والمنافسات، بصورة أدت إلى استنزاف مواردها وقدراتها الضعيفة، وهو الأمر الذي هيئ الفرص أمام هذه القوى؛ لاختراقها تحت شتى الذرائع..، ثالثاً- الاعتماد على منظومة متكاملة من الأدوات- في هذا الشأن- مثل (الوكلاء والحلفاء الإقليمين، التحالفات الإقليمية الثنائية ومتعددة الأطراف، المنظمة الدولية، المساعدات والمعونات، تقديم أو منع المعونات الخارجية للتيارات والحركات السياسية والمسلحة ؛ سواء أكانت في إطار المعارضة السياسية أو السلطة، وكذا الحركات الانفصالية...)، رابعاً- لعبة تبادل الأدوار وتغير التحالفات الإقليمية، التي تناوبت على أدائها القوتين العظميين في المسائل- ذات المساس المباشر- بمصالحهما الحيوية المشتركة.
· أما ما يتعلق- بمنظومة التحالفات الإقليمية، فإن ما شهدته المنطقة من بروز واسع وكثيف لأنماط مختلفة من صيغ التحالفات الإقليمية الثنائية ومتعددة الأطراف طوال مرحلة (الحرب الباردة)، قد أقترن- بشكل وثيق- بواقع سياسة الاستقطاب الثنائية التي قادها المحور الغربي- الأمريكي- على وجه الخصوص- حيث لم يقتصر دوره على مجرد التأثير في شئون المنطقة، بل تعداه إلى محاولة أن تكون له اليد الطولي في إعادة بلورة أو التأسيس للعديد منها، والتي أخذت شكل منظومات أمنية متكاملة من صيغ التحالفات الإقليمية الثنائية ومتعددة الأطراف، مثلت نقطة ارتكاز رئيسة له، أعتمد عليها- بشكل كبير- في إدارة صراعاته الأيديولوجية مع الخصم السوفيتي، الذي ركز بدوره - في مجمل تحركاته- على بناء شبكة واسعة من التحالفات الثنائية- على أقل تقدير- والاكتفاء- بتقديم الدعم والتأييد للاتجاهات المناوئة للمحور الأمريكي- الغربي- في هذا الشأن- بحيث أصبحت تمثل- بمجملها مجرد امتداد للصراع الخفي الدائر بين القوتين العظميين، بصورة أفقدت المنطقة سمة الاستقرار والهدوء المنشودة ، وأخلت- بموازين القوى القائمة بين دولها.
· وأتضح من دراسة المحددات الرئيسة، التي حكمت واقع العلاقات الدولية القائمة منذ النصف الثاني من عقد الثمانينيات، وخاصة في المسائل التي لها علاقة- بالإطار الاستراتيجي الذي ميز حركة القوتين العظميين في البيئتين الدولية والإقليمية، وما طرأ عليها من تغييرات لها علاقة وثيقة الصلة بطبيعة المضامين الفكرية وأبعاد النظرة الجديدة- من جهة- وطبيعة النموذج السياسي الحركي المتبع من ****ما، وانعكاسات ذلك على واقع العلاقات القائمة في المنطقة- من جهة أخرى- ما يأتي :-
- إن دخول القوة الأمريكية- بصورة مباشرة- في تفاعلات المنطقة، باعتبارها طرفاً رئيساً وفاعلاً، قد أفضى إلى إيقاف- نسبي- لحالات التدهور الحادة؛ ومن ثم إلى ترجيح قوي في مواقف محور الدول غير العربية ( إسرائيل، أثيوبيا)، ومن ثم محور الدول الإسلامية (إيران)- تحديداً- على مواقف محور الدول العربية، وهذا- ما بدأ واضحاً- في تأسيس وتطوير شبكة واسعة من العلاقات الثنائية؛ سواء بين الأطراف الفاعلة والطرف الأمريكي، أو فيما بين الأطراف الفاعلة مع بعضها البعض، غطت المنطقة في الفترة بين عامي (1985-1992م)- هذا من جهة- وفي بناء أو إعادة تفعيل صيغ التحالفات متعددة الأطراف التي غطت أجزاء واسعة من المنطقة، وخاصة تلك التي لها علاقة وثيقة- بدواعي الأمن القومي للدول العربية المعنية ؛ مثل (الإعلان عن بدء التمهيد لقيام نظام شرق– أوسطي على أنقاض (جامعة الدول العربية، مجلس التعاون العربى...)، في ضوء نتائج العدوان على العراق، وانعقاد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط...
- إنه على الرغم من إن انتهاء مرحلة (الحرب الباردة)، قد أدى إلى تغيرات جوهرية شملت المعالم الرئيسة للنظام الدولي، الذي برز في أعقابها، إلا أن ذلك لم يؤدي إلى بزوغ نظام دولي جديد بذاته ، بقدر ما أفضى إلى بروز وضع استثنائي جديد (مرحلة انتقالية) تهيمن عليه الإرادة الأمريكية- بشكل غير مسبوق- وفقاً- لآليات وأنساق تفاعلية قديمة، بلغت ذروتها مع التحولات الجوهرية التي اكتنفت سياستها عقب أحداث سبتمبر2001م، التي وفرت لها مزيداً من قوة الدفع لتوجهاتها وفعالياتها- في هذا الشأن- وذلك؛ من خلال دمج العمل السياسي- بالعمليات العسكرية، إلى جانب العمل على استمرار إشاعة أطروحة (التحدي الدائم..)؛ بسبب التغير الحاصل في مفهوم الأمن القومي الأمريكي- من جهة- وطبيعة مصادر تهديد الأمن الدولي والأمريكي- من جهة ثانية- حظيت بموجبها الاعتبارات الاقتصادية- أولاً- ثم الإيديولوجية والعسكرية – الأمنية- ثانياً- على أقصى درجة من الاهتمام المطلوب لدى صانع القرار الأمريكى طوال هذه المرحلة، باعتبار إن النظام الدولي المنشود، هو الذي تضمنه بلاده، بحكم إنها المسئولة لوحدها عن تطبيقه؛ سواء أكان ذلك عبر بوابة الرضا وإشراك القوى الأخرى، أو من خلال العمل بصورة منفردة، إذا ما اقتضت الحاجة ذلك.
وعليه فقد خلصنا إلى إن جهوده الساعية وراء الحفاظ على مركزه المتميز، حتى بعد تقهقر قواه مستقبلاً، قد أخذت السياق الأتي:-