الاتجار في البشر



إعداد
هشام بشير
المستشار الإعلامي
للجمعية المصرية لمكافحة جرائم الإنترنت


المصدر

§ مقدمة
لا زال الرق وتجارته موجوداً في بعض أنحاء العالم، وكذلك ثمة ممارسات أخرى تشبه الرق مثل تجارة النساء واستخدامهن في ممارسة الدعارة – الرق الأبيض – وعلى ذلك فهذا عيب على جبين الإنسانية، ومأساة من مآسيها.
ويزيد من هذه المأساة ظهور ممارسات إجرامية ضد الأطفال، تمثلت في خطفهم وبيعهم وإجبارهم على الدعارة وما هو أخطر من ذلك، حيث شاعت تجارة أعضاء جسم الإنسان وثبتت حالات عديدة استخرج فيها من الأطفال أجزاء من جسدهم لبيعها لمن يريدون استبدال أعضاء بشرية([1])، فإذا كان الرق شائعاً عند الشعوب القديمة، فكان ذلك بسبب كثرة الغزوات والحروب وبالتالي استرقاق الأسرى نتيجة هذه الغزوات والحروب، أما في العصر الحالي فسبب الاتجار بالبشر هو ماثل([2]) في الظروف الاقتصادية الرديئة التي تمر بالأشخاص محل التجارة بالبشر وأيضاً بسبب ممارسة هذه التجارة من جانب عصابات الإجرام المنظم بالإضافة إلى ذوبان الحدود السياسية للدول وبالتالي جعل ذلك الوضح أيضاً ثمة ممارسة لهذه التجارة من جانب عصابات الجريمة المنظمة عبر الوطنية.
هذا وقد كان الرق معروفاً في الشرائع البابلية واليونانية والعربية الجاهلية، وكان للرقيق – آنذاك – تجارة داخلية وخارجية مشهورة ومن أمثلتها التاريخية الأخيرة السباء الجماعي لزنوج أفريقيا وتهجيرهم إلى أمريكا([3]).
وجاءت الشريعة الإسلامية بنظام محكم – وأن لم يأتي بنص حاسم وصريح يحرم الرق([4]) لمكافحة الرق وذلك عن طريق وجوب حسن معاملة الرقيق وأيضاً ضيقت الشريعة الإسلامية الخالدة من أسباب الاسترقاق وشجعت تحرير الأشخاص محل الرق عن طريق العتق والتدبير والكتابة وبمرور الزمن كان لهذا النظام دور لا ينكر في محاربة الرق وتجارته، هذا وقد أكد مجمع البحوث الإسلامية بعدم وجود الرق في أي جزء من أجزاء العالم يقره الإسلام([5]).
هذا وقد حرمت جميع المواثيق الدولية ممارسة الرق بكل أنواعه وأشكاله فقد جاء في المادة الرابعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن "لا يجوز استرقاق أو استبعاد أي شخص ويحظر الاسترقاق أو استعباد أي شخص ويحظر الاسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعها".
وجاءت المادة الثامنة من الاتفاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أن "لا يجوز استرقاق أحد" وكذلك حرمت الرق الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان([6]) وأيضاً الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان([7]).
ولا شك أن أول ما سوف نقوم ببحثه في موضح الاتجار بالبشر هو التعريف بهذه التجارة وأيضاً أنواعها ثم بعض موضوعات عدة تتعلق بهذا الموضوع لينقسم هذا البحث إلى ثلاثة مباحث كالأتي:
§ المبحث الأول: مفهوم الاتجار بالبشر.
§ المبحث الثالث: الإجرام المنظم والاتجار بالبشر عبر الانترنت.
§ المبحث الثاني: أنواع الاتجار بالبشر.




المبحث الأول
مفهوم الاتجار بالبشر

عطفا على ماسبق فإن الاتجار بالإشخاص يمثل ثالث أكثر تجارة غير مشروعة مربحة في العالم، ولا يسبقها سوى بيع المخدرات والأسلحة غير المشروعة، وكل عام يتم الاتجار بعدد كبير من الأشخاص – معظمهم من النساء والأطفال- عبر الحدود الوطنية، هذا فضلا عمن يتم الاتجار بهم في داخل بلدانهم، لأغراض الدعارة أو العمل القسري، وهذه التجارة بطبيعتها، تهدر كرامة الإنسان وتستغل أوضاع الفقر العالمي، وقد أصبحت نوعا من الاسترقاق المعاصر لضحايا أجبروا أو أوقع بهم أو أكرهوا على العمل أو الاستغلال الجنسي، ويشك الاتجار بالبشر تهديدا متعدد الأبعاد؛ إذ يحرم الضحايا من حقوقهم الإنسانية وحرياتهم، والأهم من ذلك أن هذه التجارة تشكل خطرا صحيا عالميا وتزيد من نمو الجريمة المنظمة([8]).
ولكي نبين مفهوم الاتجاه بالبشر لابد وأن نعرض لتعريف الاتجار بالبشر ثم نبين عناصره، وبالتالي سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين نخصص الأول للتعريف والثاني لبيان العناصر.
· المطلب الأول : التعريف بالاتجار بالبشر.
· المطلب الثاني: عناصر الاتجار بالبشر.

المطلب الأول
التعريف بالاتجار بالبشر

تتعلق التجارة – في الغالب الأعم – بسلع مادية بحيث يمكن بيعها وشراؤها في نظير مقابل مادي محدد وهذه السلع يمكن مصادرتها في أحوال معينة – فالتداول يتم في السوق وفقاً للتعبير الاقتصادي، أما الحديث عن تجارة البشر، وبالتالي يكون الإنسان نفسه هو محل هذه التجارة يكون هو السلعة التي تباع وتتباع والإنسان كرمه الله عز وجل وفضله على سائر المخلوقات، وعلى ذلك يمكن القول بأن هذا النوع من التجارة يختلف من حيث محله – الإنسان - عن التجارة بمفهومها الاقتصادي.
وعرف الفقه هذا الاتجار بأنه – كما يقول البعض ([9]) –"هي كافة التصرفات المشروعة وغير المشروعة، التي تحيل الإنسان إلى مجرد سلعة أو ضحية يتم التصرف فيها فيه بواسطة وسطاء ومحترفين عبر الحدود الوطنية بقصد استغلاله في أعمال ذات أجر متدن أو في أعمال جنسية أو ما شابه ذلك، وسواء تم هذا التصرف بإرادة الضحية أو قسراً عنه أو بأي صورة أخرى من صور العبودية".
وتنص المادة 7 من الاتفاقية التكيملية لإلغاء الرق، والاتجار بالرقيق والأنظمة والممارسات المشابهة للرق (1956) على أنه يقصد بالاتجار بالرقيق: " كل فعل بالقبض على أو اكتساب أو التنازل عن شخص من أجل جعهل رقيقا؛ كل فعل اكتساب عبد لبيعه أو لمبادلته؛ كل تنازل بالبيع أو التبادل لشخص في حوزة الشخص من أجل بيعه أو تبادله، وكذلك –بصفة عامة- كل عمل تجارة أو نقل للعبيد، مهما كانت وسيلة النقل المستخدمة"(م 7/ج) ([10]).
وثمة تعريفات أخرى([11]) لهذه التجارة جاءت في بروتوكول منع وقمع الاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال، المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية الصادر من الأمم المتحدة سنة 2000) حيث جاءت المادة الثالثة:
‌أ- تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو أيواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو إساءة استعمال السلطة أو إساءة استغلال حالة استضعاف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال ويشمل الاستغلال كحد أدني ، استغلال دعارة الغير أو وسائل أشكال الاستغلال ****** أو السخرة أو الخدمة قسراً أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستبعاد أو نزع الأعضاء.
‌ب- لا تكون موافقة ضحية الاتجار بالأشخاص على الاستغلال المقصود والمبين في الفقرة (أ) محل اعتبار في الحالات التي يكون قد استخدم فيها أي من الوسائل المبينة في الفقرة (أ).
‌ج- يعتبر تجنيد طفل أو نقله أو تنقيله أو إيواؤه أو استقباله لغرض الاستغلال "اتجار الأشخاص" حتى لو لم ينطو على استعمال أي من الوسائل المبينة في الفقرة (أ).
‌د- يقصد بتعبير "طفل" أي شخص دون الثامن عشر من العمر.
ومما تجدر الإشارة إليه أن هذا التعريف –الفقرة الأولى من المادة الثالثة بروتوكول منع وقمع الاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال - ينقسم إلى ثلاثة عناصر، هي([12]):
§ الأفعال: أفعال تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيوائهم أو استقبالهم.
§ الوسائل المستخدمة لارتكاب تلك الأفعال: بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو إساءة استعمال السلطة أو إساءة استغلال حالة استضعاف أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على الضحية.
§ لأغراض الاستغلال: الذي يشمل استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال ****** أو السخرة أو الخدمة قسرا أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستبعاد أو نزع الأعضاء.

ومن الجدير بالذكر أن المادة 3 من ذات البروتوكول تضيف أمرين مهمين، هما([13]):
§ الأول: لا تكون موافقة ضحية الاتجار بالأشخاص على الاستغلال المقصود المبين في الفقرة (أ) محل اعتبار في الحالات التي يكون قد استخدم فيها أي من الوسائل المذكورة فيها (القسر أو الاختطاف .... الخ) أي أن الرضا هنا لا يجوز أو يصبح نافذا.
§ الثاني: يعتبر تجنيد الطفل ( الذي يقل سنه عن ثمانية عشر عاما) أو نقله أو ترحيله أو إيواؤه أو استقباله لغرض الاستغلال "اتجار بالأشخاص"، حتى إذا لم ينطو على استعمال أي من الوسائل المبينة في الفقرة (أ)، أي أن الاتجار بالطفل، ونظرا لقلة إدراكه ووعيه، يمكن أن يتوافر حتى ولو كان ذلك برضائه.

§ الفرق بين الاتجار بالأشخاص والهجرة غير الشرعية:
جدول (1) يوضح أوجه الشبه بين الاتجار بالأشخاص والهجرة غير الشرعية([14])
م
الاتجار بالأشخاص
الهجرة غير الشرعية
1
جريمة
جريمة
2
هجرة: أن الاتجار بالأشخاص يشكل –في حد ذاته- نوعا من الهجرة إذا تم انتقال الشخص من دولة إلى أخرى
هجرة
3
يهدف إلى تحقيق الربح أو الكسب المادي
يهدف إلى تحقيق الربح أو الكسب المادي
جدول (2) يوضح أوجه الاختلاف بين الاتجار بالأشخاص والهجرة غير الشرعية([15])
م
الاتجار بالأشخاص
الهجرة غير الشرعية
1
يفترض الاتجاراللجوء إلى القوة أو الجبر أو الخديعة أو الاختطاف طوال عملية الاتجار أو خلال جزء أو مرحلة منها
لا يتطلب ذلك
2
الاتجار يفترض توافر قصد الاستغلال في الدعارة، نقل الأعضاء ...الخ.
لا يتوافر ذلك أساسا في الهجرة وإنما قد يتوافر تبعا
3
في حالة الاتجار يكون الفريسة في حالة سخرة بعد عبورهم الحدود
في حالة التهريب يكون للمهاجرين حرية الإرادة بعد عبورهم الحدود
4
ليس بالضرورة أن يتم الاتجار في الأفراد عبر الحدود إذ يمكن أن يحدث داخل حدود الدولة الواحدة ما دامت عناصره متوافره
يتم تهريب المهاجرين من دولة لأخرى فقط حيث أن التهريب دائما ينطوي على طابع عابر للحدود الوطنية، أما الاتجار فقد يكون وقد لا يكون كذلك
5
مصدر الربح الرئيسي الذي يعود على مرتكبي الجرم في الاتجار بالبشر هو العوائد التي تتأتي من استغلال الضحايا في البغاء أو السخرة أو بأي طرق أخرى
في تهريب المهاجرين تكون أجرة التهريب التي دفعها المهاجر غير القانوني هي مصدر الربح الرئيسي
6
قد تستمر العلاقة بين مرتكبي الجرم والضحية
لا توجد عادة أي علاقة مستمرة بين مرتكبي الجرم والمهاجر، بعد أن يكون ذلك المهاجر قد وصل إلى وجهته المقصودة

ونخلص مما سبق أن الاتجار بالبشر هو تجارة تمثل السلع فيها أشخاص يمكن تجنيدهم أو تنقلهم أو تنقيلهم أو استقبالهم بواسطة تاجر يقوم بعملية النقل والتنقيل وغيره بين دولة طالبة لهذه السلع – الأشخاص- أو دول أخرى عارضة لهذه السلع.