تمهيد:
تعاني المجتمعاتمن ظاهرتين أولاهما: زيادة عدد الجرائم، وثانيهما: ظاهرة الحفظ بلا تحقيق أوبالأحرى الحفظ الإداري للواقعة"Calsses Sans Suite"(1)، وهذا ما حدا بالبعضللقول وبحق بأن العدالة الجنائية المرفق الذي ينصف الآخرين قد أصبح في حاجة لمنينصفه(2)، وعليه طغى إلى سطح المجتمعات ما يُعرف بأزمة العدالة الجنائية"La crise de la Justice pénale"، وبالرغم من الجهودوالمحاولات المضنية المبذولة من قبل الحكومات لتخفيف العبء عن كاهل القضاة عن طريقزيادة أعدادهم، فإن هذه الزيادة لا تتناسب البتة مع الزيادة المتضاعفة لكم القضاياالتي تعرض على المحاكم كل عام(3).

ولا أعتقد أن أي زيادة في عدد القضاة يمكنأن تواكب هذا الكم الهائل من المشكلات والخلافات(4)، بالإضافة إلى أن توفير العدد اللازم أمرفي حكم المستحيل، لأنه يتطلب أعباء مالية كبيرة لا تتمكن الدولة من توفيرها في ظلظروفها الاقتصادية الراهنة، وليت الأمر يتوقف على تذليل الصعوبات الاقتصادية وحدهابل أن الأمر يتطلب أكثر من ذلك لأن توفير رجل العدالة يتطلب توافر شروط معينة فيمنيسند إليه القيام بتلك المهمة الجليلة سواءً من الناحية العملية أو القانونية أوالأخلاقية وهذه الأمور ليست باليسيرة(5).
أولاً- أزمة العدالةالجنائية (الأسباب و النتائج:
إن القضايا في تزايدمستمر وتأجيل نظرها إلى جلسات متعددة أصبحت السمة الغالبة على عمل الجهاز القضائي،فأصبح عاجزاً عن القيام بدوره في تحقيق العدالة الجنائية، ولذلك أسبابه نورد منهاظاهرة التضخم التشريعيinflation pénaleوأزمة العقوبة، وظاهرة الحبس قصيرة المدة،وظهور نماذج إجرائية متعددة، وفشل السجن في دوره الإصلاحي، وارتفاع تكلفة الجريمة،وسياسة الإغراق في الشكليات الإجرائية، فقد فعالية أجهزة العدالة الجنائية وكانلتلك الأزمة نتائجها الخطيرة وعلى مسرح العدالة الجنائية، فكان البطء في الإجراءاتالجنائية وحفظ الملفات والإخلال بمبدأ المساواة والحد من قدرة الجهاز القضائي علىمواجهة الجريمة وإدانة الأبرياء.