من روائع الشاعر الكبير والقاص الدكتور عزت سراج " لحظة ضعف أولى "
لَحْظَةُ ضَعْفٍ أُولَى
فِي الرَّابِعَةِ صَبَاحًا ، وَالنَّاسُ غَافِلُونَ يَغُطُّونَ فِي سُبَاتٍ عَمِيقٍ ـ يَأْتِي صَوْتُهُا الرَّقِيقُ عَبْرَ
أَسْلاكِ الْهَاتِفِ نَاعِمًا كَفَرَاشَةٍ تَتْبَعُ سِرْبًا فَوْقَ
شَجَرَةِ بُرْتُقَالٍ ، دَافِئًا كَرِيشِ يَمَامَةٍ حَلَّقَتْ فَوْقَ أَجْرَانِ الْقَمْحِ ، سَاحِرًا كَتَعْوِيذَةِ غَجَرِيٍّ يَسْكُنُ أَطْرَافَ الْقَرْيَةِ 0
كَلِمَاتُهَا مُنْتَقَاةٌ كَعِبَارَةِ صُوفِيٍّ عَارِفٍ أَرَادَ
أَنْ يَبُوحَ بَعْدَمَا ذَاقَ حَلاوَةَ الْوِصَالِ ،
تَتَدَفَّقُ مِنْ جَانِبِ الْمُحِيطِ الْغَرْبِيِّ إِلَى أُذُنَيْهِ
مُسْتَسْلِمًا لِدَغْدَغَةٍ تُذِيبُ ثَلِيجَ أَرْبَعِينَ سَنَةً مَضَتْ
فَوْقَ جَانِبِ الْمُحِيطِ الشَّرْقِيِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْرِفَ
لِلْبَوْحِ طَرِيقًا 0
تَفْصِلُ بَيْنَهُمَا الأمْيَالُ ، وَتَجْمَعُهُمَا لَحْظَةٌ فَرَّتْ هَارِبَةً مِنْ بَيْنِ عَقَارِبِ السَّاعَةِ 0
000000
000000
000000
الْمَسَافَاتُ تَتَقَارَبُ ، تَذُوبُ فَوْقَ لَهِيبِ آَهَةٍ مَمْطُوطَةٍ قَالَتْهَا فِي غُنْجٍ بَالِغٍ 0
كَوَتَرٍ فِي عُودٍ تُرْكِيٍّ قَدِيمٍ عَلَى مَقْهَىً فِي
حَيِّ الْحُسَيْنِ ـ تَتَأَوَّهُ فِي أَلَمٍ لَذِيذٍ يَنْفُضُ رَمَادَ
سَنَوَاتٍ عَابِثَةٍ كَطِفْلَةٍ تَقْفِزُ سَلالِمَ خَشَبِيَّةً
مُتَجَاوِزَةً الْعَتَبَةَ الْمَكْسُورَةَ دُونَ أَنْ تَشْعُرَ بِالْعَتَبَةِ التَّالِيَةِ 0
تَتَلَوَّى كَقِطَّةٍ تَرْفَعُ رِجْلَيْهَا الْمُمْتَلِئَتَيْنِ نَضَارَةً مُدَاعِبَةً ظِلَّهَا الْمُتَوَهِّجَ فَوْقَ الْجِدَارِ 000
تَتَثَنَّى كَصَفْحَةِ جَدْوَلٍ رَقْرَاقٍ يَمُرُّ مِنْ حَقْلٍ إِلَى حَقْلٍ يَرْوِي ظَمَأَ الْيَاسَمِينِ الْمُنَوِّرِ عَلَى حَوَاشِي
الْغِيطَانِ 000
فِي اسْتِسْلامٍ كَامِلٍ يَدْفَعَانِ بُرُودَةَ الشِّتَاءِ خَارِجَ مَفَاصِلِ اللَّحْظَةِ الْحَاسِمَةِ 000
يَتَدَاخَلانِ كَصَوْتَيْنِ امْتَزَجَا فِي إِيقَاعٍ مُتَنَاغِمٍ
حَزِينٍ 000
يَتَوَحَّدَانِ كَشَمْعَةٍ ذَائِبَةٍ فِي طَاقِ حَائِطٍ طِينِيٍّ
قَدِيمٍ 000
يُشْعِلانِ مَا انْطَفَأَ مِنْ جَمَرَاتِ
كَانُونٍ يَحْمِلُ ـ فَوْقَ حِجَارَةِ جُدْرَانِهِ ـ تَارِيخَهُ
السِّرِّيَّ السَّحِيقَ 0
يُطَقْطِقَانِ كَكَوْمَةِ قَشٍّ أُشْعِلَتْ وَرَاءَ حَقْلِ
ذُرَةٍ 0
تَتَشَمَّمُ شَعْرَ صَدْرِهِ الْكَثِيفَ قَاطِفًا عُنْقُودًا تَدَلَّى
مِنْ تَكْعِيبَةِ عِنَبٍ فِي مَدْخَلِ دَوَّارِ
الْعُمْدَةِ 000
تَتَمَاسَكُ فِي شَجَرَةِ مَوْزٍ وَارِفَةٍ 0
فِي خُشُوعٍ كَامِلٍ ـ تَنْحَنِي لِلأَمَامِ ، قَابِضَةً عَلَى سِكِّينٍ يَخْرُجُ مِنْ قِطْعَةِ زُبْدٍ ذَائِبَةٍ 0
تَتَسَاقَطُ أَمْطَارٌ صَيْفِيَّةٌ 000
يَبْتَهِجُ رَصِيفٌ نَسِيَ مَلامِحَهُ 000
تَنْفُضُ الأَشْجَارُ أَوْرَاقَهَا ، تَسْتَقْبِلُ ـ مُنْتَشِيَةً ـ قَطَرَاتٍ بَارِدَةً كَفَوَّارٍ فِي كُوبٍ سَاخِنٍ 0
000000
000000
000000
تَضُمُّهُ مُرْتَجِفًا إِلَى سِرْبِ الْعَصَافِيرِ الْمُحَلِّقَةِ فَوْقَ حَبَّةِ مَنْجُو طَازِجَةٍ 0
فِي لُطْفٍ بَالِغٍ ـ تَمْسَحُ مَا تَسَاقَطَ مِنْ عَرَقِ
جَبِينِهِ 000
تَضْغَطُ عَلَى ظَهْرِهِ الْمُتْعَبِِ 000
يَطْبَعُ قُبْلَةً فَوْقَ جَبِينِهِا الرَّقِيقِ 000
شَامِخَيْنِ ـ يَقْبِضَانِ عَلَى لَحْظَةِ ضَعْفٍ كَأَبْيَاتِ قَصِيدَةٍ هَارِبَةٍ 000
يَرْتَفِعَانِ كَنَسْرَيْنِ انْقَضَّا عَلَى أَرْنَبٍ تَائِهٍ فِي
الْبَرَارِي 000
يَهْدَأُ صَوْتُهَا رُوَيْدًا رُوَيْدًا 000
يَتَدَاخَلُ مُبْتَعِدًا 000
يَتَلاشَى فِي صَوْتِ أَذَانٍ 0
