تميز البصمة الوراثية عن مثيلاتها

تميز البصمة الوراثية عن مثيلاتها

تتباين الخلايا الوراثية البشرية وتختلف ُكلياً من شخص إلى آخر ، وإن ُوجد تطابق أو احتمال تطابق بين شخصين فسوف يكون بنسبة واحد إلى 300 مليون ، وهو عدد يفوق عدد سكان العالم بكثير ، وبالتالى سوف تكون نسبة التطابق معدومة باستثناء التوأمين اللذين انقسما من بويضة واحدة ُملقحة بحيوان منوى واحد ، لذلك أصبحت البصمة الوراثية للخلايا البشرية واحدة من أقوى التقنيات فى العلم الجنائى الحديث[1].

والملاحظ عند تحليل الـ DNA أننا نستطيع الكشف عن النمط الوراثى للحمض النووى ، ولكن بالمقارنة مع الاختبارات البيولوجية الأخرى والتى تعتمد على تحديد العلامات البيولوجية نستطيع معها كشف الاختلاف فقط ، لأن التشابه فى العلامات منتشر بين الناس ، فعلى سبيل المثال نجد أن الكثير من الناس يحملون فصيلة الدم (O) ولكون خيارتها مبنية على أساس النفى فقط ، بينما البصمة الوراثية تكون مبنية على أساس النفى والإثبات بشكل قاطع ، فإذا تطابقت عينتان فى نفس المقاطع الوراثية استنتجنا بأنهما من مصدر واحد ، ولهذا السبب استخدمت هذه التقنية الحديثة فى مجال القضايا الجنائية[2].
وُيجزم البعض أنه يمكن التعرف من خلال البصمة الوراثية على هوية شخص واحد بين مجتمع العالم بأسره ، كما أن الفحوصات البيولوجية العادية تعتمد على حجم وعمر الأثر والحالة الموجودة عليها ، بينما تكمن قوة تحليل الـ ( DNA ) بخصائصها الجوهرية حيث لا يلزم لهذا الفحص إلا كميات قليلة فقط ، كما أن إمكانية تزويره تصبح مستحيلة.

ولهذه الأسباب تم تعميم الأخذ بهذه التحاليل لقوتها ، وقد تأيد ذلك بالتجربة التى أجراها عدد من علماء الأحياء ، حيث قاموا بنزع بعض الخلايا من جلد مومياء يبلغ عمرها (2500) سنة ، ثم قاموا بزرع هذه الخلايا فى حقل من البكتريا فعادت خصائصها الذاتية الشخصية إلى الظهور وأصبحت هوية المومياء قابلة للتحديد[3].

وهكذا فالبصمة الوراثية لها خصائص تميزها تتحصل فى الاتى :
1-أن تسلسل القواعد النيتروجينية يختلف من شخص إلى آخر ، ولا يتشابه فيه شخصان على وجه الارض إلا فى حالة التوائم المتماثلة ، والتى أصلها بويضة واحدة وحيوان منوى واحد ، ورغم كثرة عدد القواعد النيتروجينية فى الحمض النووى ، فإن احتمال تطابق تسلسلها فى شخصين غير وارد ، لذلك تعتبر البصمة الوراثية هى قرينة نفى واثبات قوية ولا تقبل الشك ، حيث أن نسبة الخطأ فى اسلوب التحليل باستخدام البصمة الوراثية تكاد تبلغ فرصة واحدة لكل 30 مليار من الحالات[4].

2-أظهرت الدراسات العلمية الحديثة مقدرة الحمض النووى DNA على تحمل الظروف الجوية السيئة المحيطة ، وخصوصاً ارتفاع درجات الحرارة حيث ُيمكن عمل البصمة الوراثية من التلوثات النووى أو الدموية الجافة والتى مضى وقت طويل عليها ، ويمكن عملها كذلك من بقايا العظام ، وخصوصاً عظام الأسنان ، هذا بجانب أية تلوثات بيولوجية مرفوعة من مكان الحادث مثل الشعر والجلد والدم والتلوثات المنوية[5].

3-النتيجة النهائية لعمل البصمة الوراثية تكون على صورة خطوط عرضية تختلف فى السمك والمسافة نتيجة الاختلاف من شخص إلى آخر ، لكونها صفة ُتميزه عن الآخر ، وهذه النتيجة سهل قراءتها وحفظها وتخزينها على الحاسب الآلى لحين الحاجة اليها لعمل المقارنة.

4-أصبحت بصمة الحمض النووى أو البصمة الوراثية قرينة نفى وإثبات قوية لا تقبل الشك ، حيث أصبحت وسيلة ُمعترف بها فى جميع محاكم أوربا وأمريكا فى جرائم القتل والاغتصاب واللواط ، والجرائم الجنسية وجرائم السرقة ، لأن الجانى فى الغالب يترك مخلفات آدمية فى مسرح الجريمة أو على جسم المجنى عليه فى صورة تلوثات دموية نتيجة لجرح بسبب العنف أو عند محاولته الهرب ، أو تلوثات منوية لعابية على أعقاب السجائر أو الأكواب أو بقايا مأكولات أو آثار شعر آدمى أو جلد بشرى تحت أظافر المجنى عليه أو الجانى[6].

5-ومن مميزات بصمة الحامض النووى كذلك مقاومتها لعوامل التحلل والتعفن ، كما يمكن عملها من الدم السائل والجاف حتى لو مضى عليها شهوراً ، هذا بجانب أن لكل إنسان على وجه الارض صفاته الوراثية الخاصة به منذ نشأته وتبقى معه حتى مماته ، ولا يتشابه مطلقاً مع أى شخص آخر حتى لو كان أخاه ( ما عدا التوأم المتماثلة من بويضة واحدة ) ، وبذلك يمكن اختبار تطابق البصمة الوراثية حتى لأجدادنا الذين فى القبور[7].
ومن هذه الآثار جميعاً يمكن عمل بصمة الحمض النووى ، ويمكن الربط بين المتهم والجريمة بواسطة هذه الآثار ، حيث أن قرينة الحمض النووى هى قرينة نفى وإثبات قوية ، لأن فرصة التشابه فى بصمة الحمض النووى بين الافراد غير واردة ، وهذا هو السر فى قوة البصمة الوراثية[8].

[1] د.عبد الباسط محمد الجمل ، مروان عادل عبده ، موسوعة تكنولوجيا الحامض النووى فى مجال الجريمة ، المرجع السابق ، ص76 وما بعدها.

[2] وقد ساعدت البصمة الوراثية فى التعرف على بعض الجثث المتفحمة لبعض السعوديين الذين قتلوا فى مخيم نهر البارد بلبنان عن طريق اجراء تحليل الـ DNA لأسرهم .صحيفة عكاظ السعودية ، الاربعاء 26جمادى الآخرة 1428 هـ الموافق 11يوليو 2007م ، السنة التاسعة والأربعون ، العدد 14928 ، ص11.

[3] عز الدين وهدان ، البصمات الجسدية ، مجلة الشرطة ، وزارة الداخلية بدولة الإمارات العربية المتحدة ، العدد 206 ، 1988م ، ص31 ، د.إبراهيم بن ناصر الحمود ، العلامات الوراثية وحجيتها فى الإثبات ، المرجع السابق ، ص23.

[4] د.غنام محمد غنام ، دور البصمة الوراثية فى الإثبات ، مؤتمر الهندسة الوراثية بين الشريعة والقانون ، كلية الشريعة والقانون ، 5-7 مايو 2002م ، المجلد الثانى ، ص 471 وما بعدها.

[5] د.أحمد مستجير ، الشفرة الوراثية للإنسان ، القضايا العلمية الاجتماعية لمشروع الجينوم البشرى ، سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب ، عالم المعرفة ، الكويت ، ص212 وما بعدها ، وانظر قضية العدد ، مجلة معهد القضاء بدولة الكويت ، السنة الثانية ، العدد الخامس ، 2003م ، ص8،7.

[6] إذا كان للبصمة الوراثية حجيتها فى الإدانة فى دول مثل أمريكا وإنجلترا ، فقد كان لها من باب أولى حجيتها فى إظهار براءة المتهم ، فقد قامت شركة " سل مارك " الأمريكية ، بتحليل البصمة الوراثية فى تهمة جريمة قتل (O.J) سمبسون ( لاعب الرياضة الأمريكى الشهير ) ، الذى اتهم بقتل زوجته البيضاء ، فحللت الشركة آثار الجريمة ، وانتهت المحكمة إلى براءته بناء على تقرير الشركة بعدم مطابقة بصمته الوراثية لآثار الجريمة.
Mark Beneck : review : DNA in today,s forensic medicine and criminal investigations. Available in : http ://www.penecke.com/natwiss.html.

[7] د.خالد حمد محمد الحمادى ، الثورة البيولوجية ودورها فى الكشف عن الجريمة ، 2005م، ص35 وما بعدها.

[8] بدر خالد الخليفة ، توظيف العلوم الجنائية لخدمة العدالة ، بدون سنة نشر ، بدون دار نشر ، الكويت ، 1996م ، ص188 ،189 ، وابراهيم صادق الجندى ، الطب الشرعى فى التحقيقات الجنائية ، أكاديمية نايف العربية للعلوم الامنية ، الرياض ، 2000م ، ص 223 ، 224 .
وقد تم التعرف على جثة أحد المشتبه فى قيامهم بتفجيرات الأزهر بالقاهرة عن طريق الحامض النووى ، والذي أوقع ثلاثة قتلى بين السياح ، حيث صرحت وزارة الداخلية فى بيان لها إلى أن منفذ اعتداء الازهر لطالب في كلية هندسة الزقازيق وأنها تعرفت على شخصيته من خلال مقارنة نتائج تحليل البصمة الوراثية (الحمض النووى) لجثته بالحمض النووى لكل من والدته وعمه اذ ان والده متوف.
www.alqanat.com/news 9/1/2007