حكايات زورك نيميسيس ..وقصص عن الجن والعفاريت ...يمنع الدخول للأطفال
من حكايات زورك نيميسيس .. حكاية مطعم اللحوم البشرية
ليس مهما أن أرحب بكم .. وليس ضروريا أن تستقبلوني بترحاب .. دعونا نتفق على ما سيحدث .. أنا هنا لأكتب .. وأنتم هنا للقراءة .. ليس من الضروري أن يعجبكم ما سأقول .. وليس من الضروري أن أصدع رأسي بتحملكم .. لذا لنبتعد عن المجاملات .. أنا شيخ مسن من النوع الذي لا يروق لأحد .. وأنتم مجموعة شباب فضوليين من النوع الذي لا يروق لي .. هكذا نكون قد ابتعدنا عن الرسميات البغيضة التي يصر البشر على استخدامها فيما بينهم .. اسمي ليس مهما .. لكني سأدعكم تنادونني باسم زورك .. ولا أود سماع كلمة واحدة عن معنى هذا الاسم .
أنتم هنا للبحث عن متعة الرعب .. فإني أرى للأسف أنه قد أصبح موضة ممتعة في هذا الزمن .. في زماننا كانت أبداننا تقشعر إذا أتى أحدهم على ذكر السحرة أو السحر الأسود أو الشياطين ونبسمل و نحوقل ، بينما أرى اليوم قوما يخصصون أياما من السنة للاحتفال بالجن و السحرة ويقلدون طقوسهم .. وهم يفعلون هذا في استمتاع يثير الغيظ .. ماذا يعرف هؤلاء عن السحر وعن العوالم الأخرى التي يمتليء بها كوكبنا حتى أصيب بالتخمة ... هل يعرفون كيف بدأ السحر في الدنيا و من هو أول ساحر؟ لو علموا نصف ما علمت في حياتي لتعاملوا مع الموضوع بتهذيب أكثر .. أنا لست هنا لتقديم تلك المتعة الزائفة لكم .. أنا هنا لأخبركم أن القبور تكتظ بأمثالكم من الذين ظنوا أن الرعب متعة جميلة .. ثم ماتوا وفي أعينهم نظرة ملتاعة عندما عرفوا الحقيقة ..
سأتيح لكم الفرصة لمعرفة أكثر .. لكن ليس مني فأنا مصاب بداء الملل السريع .. ستسمعون كل شيء منهم .. بألسنتهم ... إذا كان لهم ألسنة ....هم يعرفون كل شيء .. لأنهم رأوه رأي العين .. لا تسألوني من أنا .. ولا تسألوني عن علاقتي بهم ولا كيف يحدثونكم .....لن تحتاجون أن تسألوا من هم ... لأنهم سيتحدثون عن أنفسهم بأنفسهم ...تذكروا أنكم هنا لتسمعوا .. لا لتسألوا ... وإن لم يعجبكم ما سمعتموه فاذهبوا وفجروا رؤوسكم .. لن يحدث فارقا عندي .. تماما كما أنه لو انتزعت روحي مني في أحد نوبات الصرع الذي ابتليت به فلن يحدث فارقا لديكم ... هكذا اتفقنا ..
للقاء اليوم سيكون مع دكتور جوزيف ليستر من نيويورك .. توفي هذا الرجل منذ عامين فقط .. كيف يحدثنا طالما توفي ؟ ألم نتفق منذ البداية على منع الأسئلة السخيفة ؟ إن دكتور جوزيف لديه قصة مروعة يقول أنها تهم كل شخص يعيش في هذا العالم الكبير .. دكتور جوزيف .. القلم معك .
حكاية مطعم اللحوم البشرية
" إنهم يأكلون البشر بالشوكة و السكين .. بتلك المناديل على صدورهم .. وتلك الابتسامة على ثغورهم "
لا أدري كيف يمكنني أن أبدأ قصة كهذه .. لطالما أردت أن أحكيها و أنا حي .. لكن ما باليد حيلة .. هل أبدأ الحكاية منذ طفولتي حتى آخر ثواني حياتي و أسردها كقصة سخيفة ؟ أم أقفز مباشرة إلى الجزء الهام من القصة .. لا أدري .. سأبدأ في الكلام بغض النظر عن الترتيب .. سأقول ما يأتي على ذهني .... ياللهول لقد كانت قصة مروعة فعلا .. سأستجمع أنفاسي و أتكلم .. اسمعوني جيدا من فضلكم .
سأحكي لكم في البداية عن رجل اسمه تشارلز لوسيانو أو كما يدعونه لوسيانو المحظوظ .. أحد العبقريات الإجرامية التي كافحت الشرطة طويلا حتى تظفر به في سجون نيويورك .. كان هذا الرجل هو الأب الروحي للمافيا الأمريكية كلها .. وكلمة عبقرية إجرامية لو تجسدت شخصا لكونت هذا الرجل دون غيره من الرجال .
إن اسم لوسيانو المحظوظ جاء من حادثة مشهورة حدثت له في شبابه .. حيث أمسك به ثلاثة من الرجال و ألقوه داخل سيارة ليموزين تمهيدا لإطلاق النار عليه .. و أطلقوا النار عليه فعلا .. و كان مع أحدهم خنجر ضربه به في وجهه .. ورغم كل هذا فقد نجا لوسيانو ولم يمت .. لكن ضربة الخنجر في وجهه لازالت باقية إلى يومنا هذا ... من هنا جاء اسم لوسيانو المحظوظ .
هذا الرجل هو صاحب فكرة إجرامية رهيبة تم تطبيقها فعليا منذ عام 1950 .. فكرة زادت بها أرباح المافيا المهولة أضعافا مضاعفة .. عمل إجرامي تخصصت فيه المافيا الأمريكية دون غيرها ... وتخصص فيه الزعيم لوسيانو دون غيره .. وبالمناسبة ، الناس لا يعلمون شيئا عن هذا العمل الإجرامي حتى يومنا هذا .. وربما يظلون هكذا حتى نهاية الدنيا .
إن المافيا كما يعلم الكل أو لا يعلم الكل تدخل في كل شيء بلا استثناء .. منظمة جبارة غاية في التنظيم .. تشارك في أعمال القمار في الكازينوهات تجارة المخدرات بكل أنواعها .. تجارة الأسلحة ... و أخيرا وليس بآخر ... طبخ اللحوم البشرية .
نعم اللحوم البشرية .. وهي الفكرة الإجرامية الجديدة التي تبناها الزعيم تشارلز لوسيانو و نفذها و نجحت نجاحا هائلا ... نجاح لم يمكنه هو نفسه أن يتخيله ... ترى كيف يمكن شرح هذه الفكرة بالضبط ؟ دعوني أشرحها كما فكرت فيها عقلية لوسيانو الإجرامية بالضبط .
إن العجل مثلا يحتوي على حوالي مائة إلى مائة و خمسين كيلوجرام من اللحم .. الجاموس و البقر أيضا كذلك .. الأغنام ربما خمسين كيلوجرام أو أقل ... لكن .. إن شراء هذه الحيوانات يكلف مالا . .. تربيتها تكلف مالا .. علفها يكلف مالا .. مالا رهيبا .. بينما هناك كائن آخر لا يكلفك شيئا و ينتج من اللحم ما يزيد قليلا عن خمسين كيلوجرام .. ليس هذا فقط بل و له طعم شهي يختلف تماما عن باقي اللحوم .. نعم أنا أتحدث عن الإنسان .
لوسيانو المحظوظ كان يفكر بطريقة مختلفة نوعا ما .. إن معدل القتلى الذين يقتلون شهريا ضحية أعمال المافيا الإجرامية في ولاية واحدة من ولايات أمريكا يتراوح بين مائة إلى مائتي شخص .. عادة المافيا لا تكون لديها مشكلة إخفاء جثث القتلى .. المافيا في الدول الأخرى تترك الجثث و ترحل و تتكلف أموالا زائدة في رشوة الشرطة و القضاة و المحققين .. أما لوسيانو فكان يأخذ الجثث ... ويحولها إلى أموال .. أقصد إلى لحوم .
من أنا ؟ أنا طبيب أمريكي أدعى جوزيف لستر .. متخصص في أمراض الدم .. و أنا أعمل تحت إمرة المافيا .. تحت إمرة لوسيانو المحظوظ .. أين أعمل ؟ يمكنك أن تقول أنني أعمل في مذبح ... مذبح متطور مخفى بمهارة شديدة في قلب نيويورك ... مذبح من المذابح التي جعلت أفكار الزعيم لوسيانو تتحول إلى حقيقة واقعة .. مذبح للحوم البشرية .
هذا المذبح موجود بداخل نادي كبير تديره المافيا ..وهو عبارة عن مبنى في منتصف النادي .. مبنى يبدو عاديا .. لكن لا يدخله إلا المصرح لهم .. عادة لا يعرف أحد من هم المصرح لهم .. أو ماهو هذا المبنى بالضبط .. هذا المبنى هو مقر عملي .
كل صباح تأتي إليً مجموعة من الجثث الموضوعة في أكياس سوداء ...ويكون عليً أنا و مجموعة من الأطباء و مختصي التحاليل أن نفحص الجثث جيدا ونأخذ كل التحاليل اللازمة للتأكد أن الجثة يمكنها الدخول إلى المذبح .. فلو كان الميت مريضا بمرض ما تعتبر الجثة مرفوضة .. ولو كان سليما يتم نقل جثته إلى الخطوة الثانية و الأكثر أهمية في هذه العملية كلها وهي طبعا .. المسلخة .
في المسلخة طبعا حيث يتم سلخ الجلد بطريقة احترافية وباستخدام أحدث الطرق ... ثم إلى المشرحة حيث يتم تشريح الجثث و نفخها و رمي الأحشاء تماما مثل أي حيوان وبعدها إلى مكائن تقطيع اللحم و ترتيبه ثم في النهاية إلى الثلاجات الكبيرة .. كل هذه الخطوات لا علاقة لي بها بالطبع .. أنا موجود فقط في الخطوة الأولى .. أنا أسمع في بالك سؤالين ... كيف تتم الاستفادة من اللحوم المنتجة و لماذا لم يسمع أحد بعد عن هذا النشاط الإجرامي المروع بعد .. سأؤجل إجابة السؤال الأول قليلا وسأجيب عن الثاني .
أولا يجب أن أخبرك أن كل العاملين في هذا المذبح أو أي مذبح مماثل في أي ولاية أمريكية يأخذ راتبا يزيد عن أعلى حد يمكن أن تتخيله لراتب شخص على ظهر هذا الكوكب .. وبالتالي لا يفكر أحد في الخيانة .. ثانيا العاملين يتم اختيارهم بحرص شديد و دراسة متأنية جدا .. ويكونون مراقبين ومهددين هم وعائلاتهم لو فكروا مجرد تفكير في إفشاء السر .
إن اللحوم البشرية هي بلا منازع أطيب و أطعم أنواع اللحوم كلها .. حتى أنها أكثر حلاوة من اللحوم البحرية للأسماك و غيرها .. لكن كيف كانت فكرة لوسيانو للاستفادة من تلك اللحوم ؟ في بداية المشروع كانت كل اللحوم تذهب للمطاعم الراقية التي تديرها المافيا في أمريكا .. ثم تطور الأمر ليصل إلى الفنادق الراقية .. نعم إلى الفنادق .. بالطبع لا يعلم أي من هذه الجهات أنه يحصل على لحوم بشرية .. هم يشترونها من أشهر أسماء مزارع العجول و الأغنام في أمريكا .. وهذه وكما لا يعلم البعض .. تسيطر عليها المافيا أيضا .
أرباب هذه المزارع أنفسهم لا يشكون في تلك الأكياس المحتوية على لحوم حمراء و مكتوب عليها عبارة خاص ... باختصار أقول الكل يتم خداعه واستغفاله .. لأنه ليس هناك أحد يمكنه أن يشك لحظة أن لحوم البشر يمكن أن يفعل بها هذا .... لم يكتف لوسيانو بهذا الحد .. لقد كان ينظر لأهداف أبعد من هذا بكثير ... و لقد تحقق له ما أراد كما أراد بل و زيادة .
كان لوسيانو يود تصدير اللحوم إلى أربعة أسماء تحديدا ... كل اسم منهم عبارة عن سلسلة مطاعم أمريكية Fast Food شهيرة تفرعت ودخلت كل مدن العالم بلا استثناء ... كان هذا سيعني أرباحا لا مثيل لها و لم يحلم بها شخص حي .. لكن كان هذا سيعني أيضا لو نجح الأمر .. أن معدل الجريمة و نسبة القتلى من أعمال المافيا يجب أن تتضاعف .. وهذا لم يكن مشكلة بالنسبة لزعيم المافيا الأمريكية .. فقتل الناس لا يوجد ما هو أسهل منه .
بعد فترة من الزمن حقق لوسيانو حلمه .. و دخلت لحومه إلى الأربعة أسماء الكبيرة .. أكبر أربعة سلاسل مطاعم أمريكية عالمية ... ليس هذا فقط .. بل إن هذه الأسماء الأربعة أصبحت مع مرور الزمن لا تستورد إلا من مزارع لوسيانو وحده ... ذلك لأنها لاحظت أن تلك اللحوم مختلفة جدا .. وبسبب هذه اللحوم فإن الزبائن تزداد و شهرة هذه الأسماء تزداد حتى أصبحت اليوم أشهر سلاسل مطاعم في العالم و المدينة التي تخلو منها في أي مكان في العالم تصبح مدينة بدائية و مملة جدا … نعم فكل زبون يأكل لحوم هذه المحلات يشعر باختلاف واضح جدا بينها و بين أي لحوم أخرى مصنوعة بنفس الطريقة … إن الخلطة السرية التي وراء هذا كله هي لوسيانو .. تشارلز لوسيانو .
أنا لا أمزح هنا يا سادة ... ليس من أحد منا إلا و يتردد على هذه الأسماء مرة في الشهر على أقل تقدير ... نعم أقولها و أعني كل حرف فيها ... نحن كلنا منهم .. كلنا في الحقيقة آكلي لحوم بشر بدون أن نشعر أو يشعر أي شخص .. و أنا هنا لأوقظكم من هذه المهزلة قبل فوات الأوان .
لقد عملت في هذه المهنة ما يزيد عن عشر سنوات كاملة .. حتى أتى عليً اليوم الذي لم أستطع أن أتحمل ... فنسبة الجريمة زادت كثيرا بطريقة لا يمكن السكوت عنها .. لكن كما نعرف فالمافيا دائما تسكت الأفواه .. ترشي كل من يمكن أن يسهل لها عملها أو يتظاهر بأنه لا يرى .. و الرشوة تكون بالمال أو بأي طريقة أخرى .. لقد جعل لوسيانو من جريمته المروعة جريمة كاملة .. كاملة إلى درجة أن شخصا لم يفهم حتى الآن .. دقته الشديدة في كل خطوة حالت تماما دون أن يفهم أي شخص أي شيء ... لم أستطع التحمل أكثر ...كان لابد أن أفشي السر الذي أثقل كاهلي كل هذه السنين .
في يوم بعد أن أنهيت عملي في المذبح إياه توجهت بسيارتي بسرعة جنونية إلى مبنى الشرطة الفدرالية الأمريكية FBI في نيويورك .. ودخلته و أنا في حالة يرثى لها وطلبت مقابة المدير لأن لدي أمر هام لا يمكن تأجيله .. أمر يتحدث عن البشرية المخدوعة .. عن مهزلة يجب إيقافها بأي شكل .. ظللت أنتظر قليلا حتى دخلت عليه .. مدير الشرطة الفدرالية بنفسه .
كان الرجل مبهورا تماما بما أحكيه ... وظل مبهورا هكذا حتى انتهيت من قصتي .... نزل من جبينه عرق أظنه عرق المفاجأة من هول ما سمع ... قلت له أنني مراقب أنا وكل العاملين في تلك المنشأة و كل المنشآت المماثلة التي يديرها لوسيانو في أمريكا ... ولن أخرج من هذا المكان حتى يتم القبض عليه .. لأنني لو خرجت من هنا قبل ذلك فسيكون غالبا إلى القبر .
كان الرجل متفهما جدا و استمع إلى كل كلمة قلتها بحرص شديد .. ثم إنه غاب عني ما يقرب من عشرين دقيقة ثم عاد إلىً و قال أنني يجب أن أخرج معه إلى المذبح بنفسي .. و سأكون تحت حراسة الشرطة الفيدرالية ... ثم إنه أجرى اتصالا أمر فيه أن تتواجد قوة من الشرطة الفدرالية عند المذبح الذي أعمل فيه .. أكملت طريقي معه حتى وصلنا إلى المذبح ... لكن أين تلك القوة التي طلبها ؟ دخلنا معا رغما عن الكل .. فهذا مدير الشرطة الفدرالية شخصيا ... ثم إنه دخل معي إلى مكتبي في داخل المبنى .
انتظرنا ... ماذا ننتظر ؟ لا أدري .. قال إن لديه خطة أمر رجاله بتنفيذها حتى يقبض على لوسيانو متلبسا.... مرت أكثر من ساعة .. سمعت صوت ضجة في الخارج ... فجأة انفتح باب المكتب و دخل عليً آخر مجموعة من البشر أتوقع رؤيتهم في هذه اللحظة .
عائلتي ... زوجتي سامنثا ... ابنتي الصغيرة مارجريت .. والدتي .. عماتي .... كل من يعيش من عائلتي في نيويورك .. ليس هذا فقط ... بل رأيت أصدقائي أيضا ... لم أفهم شيئا في الوهلة الأولى .. لكنني فهمت كل شيء في الوهلة الثانية .
لقد كانوا مقيدين ومكممين ... نظرت إلى مدير الشرطة باستغراب .. كان يبتسم ساخرا ... وسرعان ما تحولت ابتسامته إلى شراسة مفاجئة فأمسكني من ذراعني و جذبني معه إلى خارج الغرفة ... وظل يمشي بي حتى أصبحنا في منتصف قاعة الاستقبال في المبنى .. ثم ألقاني أرضا بقسوة ... كان هناك تجمع من العاملين المندهشين ... رأيت رجال المافيا يدفعون عائلتي و أصدقائي المقيدين المكممين إلى القاعة بجانبي .
لا يلمني أحدكم .. لأنه ليس من المتوقع مطلقا أن يكون رجل الأمن الأول في نيويورك تابعا للمافيا .. إن المافيا لا تمزح في هذا الأمر بالذات .. لا تمزح مطلقا .. لن يكتفوا بقتلي ... بل سيقتلون كل من أعرفه و يحتمل أن أكون قد أخبرته أو نوهت له عن الأمر ... يريدون إخفائي من الوجود تماما .. بكيت .. بكيت كما لم أبك في حياتي .. أنا لم أخبر أحدا من هؤلاء عن شيء ... لكن من يسمعك .. كان لوسيانو مجرما ... مجرما حقيقيا .
لم أصدق عيناي ... فجأة أصابتني طلقة من مسدس كاتم للصوت في صدري فجثوت على الأرض في ألم .. كانت عيناي تبكي دما .. تمنيت ألا أرى ما أراه .. كنت أرى كل عائلتي يقتلون واحدا واحدا .. يا إلهي .. اتركوا ابنتي الصغيرة ذات السنوات العشر فهي لا تفقه من الأمر شيئا ... لكنك تحدث المافيا هنا .. و أنت لن تدرك معنى كلمة مافيا حتى تتعامل معهم .... متٌ أقسى موتة يمكن أن يموتها إنسان .. و أظنني أستحق هذا إلى حد ما .. فمجرد قبولي لهذه الوظيفة الإجرامية منذ البداية كان خطأ مقززا أستحق عليه الموت ألف مرة .
في اليوم التالي اجتمع لوسيانو بكل زعماء المافيا في أمريكا ... كان اجتماعا كبيرا من اجتماعاته الشهرية ... أولئك المجرمين الذين يرتدون أفخر أنواع البزات الإيطالية و يدخنون التوسكانيللو ببرود ... أولئك المجرمين الذين جلسوا على مائدة كبيرة فيها كل ما يمكنك أن تتخيله من طعام ... وطبعا مادام لوسيانو هو المضيف فإن اللحوم ستكون من نوع خاص ... نوع بشري .
لقد كانوا يلتهمون جوزيف ليستر ... وزوجة جوزيف ليستر .. و اينة جوزيف ليستر .. و عائلة و أصدقاء جوزيف ليستر .. ذلك الطبيب الغبي الذي ضحى بالمعيشة الراقية التي كان يعيشها و التي لا يحلم بها أكبر طبيب في أمريكا .. ضحى بكل هذا لأجل أن ضميره قد استيقظ فجأة .
كانوا يلتهمون جوزيف ليستر و يضحكون .. و ترتفع أصوات الشوكات و السكاكين على مائدتهم .. كم تمنيت لو خرج صوتي للعالم ... ليعلم الناس أنه لست أنا فقط الذي أؤكل على هذه المائدة الفاخرة ... بل إن هناك غيري الكثير جدا يأكل غيري على موائد أخرى .. لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه .
إن لوسيانو لا يزال حيا حتى هذه اللحظة ... لكن في سجن نيويورك .. بالطبع كانت لديه ألف تهمة استحق القبض عليه بها .. لكن أحدا لم يعرف بأمر مذابحه الخاصة أبدا ... و يوم إعدامي أنا وعائلتي أمام كل عاملي المذبح كان درسا ... تم تدريسه لكل العاملين في هذا المذبح و كل المذابح البشرية الأخرى .
إن مجلة التايمز الأمريكية وضعت اسم تشارلز لوسيانو ضمن أكثر عشرين شخصية إجرامية غيرت مجرى التاريخ .. فله أعمال إجرامية أخرى كثيرة لا علاقة لها باللحوم البشرية .. سترون لوسيانوا في الكثير من أفلام المافيا .. وستقرأون عنه في الإنترنت ... لكن أحدا لن يخبركم بسره الخاص .. سر اللحوم البشرية
من حكايات زورك نيميسيس .. حكاية صرخة الرعب
حكاية صرخة الرعب
" هناك فرق .. بين الفتاة تصرخ لما ترى صرصارا .. وبين الفتاة تصرخ لما ترى شيطانا "
كان يا مكان .. فيما انقضى من الزمان .. كان هناك حي حديث بالقاهرة .... حديث جدا .. و هاديء جدا .. اقتربت الكاميرا ببطء لتصور لك مشهد عمارة حديثة في هذا الحي ... متوسطة الطول.. عالية المستوى جدا .. ودارت الكاميرا يمينا ثم شمالا بحركات سينيمائية .. حي مصري حديث عادي جدا .. عواميد نور.. اسفلت من المستوى الأول .. شاب و فتاة يمشيانن و يتحدثان في أمور لا أهمية لها .. حارس العمارة يجلس على كرسي خشبي بجلبابه الرمادي و يدخن .. حي راق كما يصفه الناس .. تعود الكاميرا لتركز على العمارة .. و تقترب من شرفة مضيئة في الدور الأول . اقتربت أكثر .. هناك جلسة نسائية عائلية فيما يبدو .. آنسات يثرثرن في أمر ما .. و بدأت الكاميرا تركز على فتاة واحدة .. وعلى طريقة الأنمي الياباني .. ظهر اسمها بخط أبيض على الشاشة .. كان اسمها زهرة شرف الدين.. بفتح الزال .. لها ملامح الحور العين بالضبط لو كنت تعرف أوصافهن .. كانت تتحدث و تبتسم ثم تتحدث .. هذا طراز الجلسات العائلية دائما .. أطنان من الابتسامات و المجاملات .
مرحبا .. أدعى زهرة .. في السابعة عشرة من عمري .. إن خالتي إكرام تملك عمارة كاملة في التجمع الخامس بالقاهرة .. تلك العمارة أكرهها رغم جمالها ... حكايتي معها لن تمحى من ذاكرتي ولو فقدتها .. حكاية شيطانية .. دعوني أبدأ مباشرة .. تبدأ حكايتي عندما كنت جالسة في الشرفة في بيت خالتي في الدور الأول من تلك العمارة ... كانت معي أختى الكبرى أسماء .. و ابنة خالتي مي .. نتحدث كلنا في أمر ما .. وللحظة خيل إلي أنني سمعت صوت ساحرة تحترق .. بل جنية تذبح .. بل طفلة تتمزق .. كانت صرخة .. صرخة سمعتها في قلبي وارتجفت .. صرخة أنثى .
انتفضت أنا و أختي من مكانينا .. لكن مي بقيت كما هي و رسمت على وجهها تعبير( أوه - ليس - مرة - أخرى ) وبادرتنا قائلة بسرعة : هذه هي الفتاة التي أخبرتكما عنها من قبل .. كانت مي قد حكت لنا السنة الماضية عن وجود فتاة مريضة نفسيا في العمارة المجاورة لهم ... وهذه الفتاة المريضة تصرخ كل يوم صراخا مريعا حتى أصبح الأمر عاديا عند أهل الحي ..أذكر من حكايتها أن أهلها كانوا يحبسونها في قبو العمارة ويغلقون بابه بالمفتاح ... لكن هيهات .. الأمر يختلف تماما عندما تسمع عنه و عندما تعيشه بنفسك ... كيف أصف الأمر لمخيلتك ... إنها بدت لي وكأنها صرخة أنثى لدغها ألف ثعبان .
استأذنتنا مي وذهبت لفعل شيء ما .. بقيت أنا و أسماء مرتعبتين جدا .. كنا نرتجف .. وجدنا نفسينا نقرأ المعوذتين و آية الكرسي معا بصوت عال حتى تطمئن قلوبنا ... وحتى أفيق من أثرتلك الصرخة أترك خالتي إكرام تحكي لك ما حكته لنا لما جلسنا معها في جلسة الشاي بالداخل... تفضلي يا خالتي ..
لقد قررت أنا وزوجي بعد سنين من العناء أن نبني عمارة في حي من الأحياء الحديثة بالقاهرة تكون سكنا لنا و لأولادنا .. يتزوجون فيها و نكون فيها كلنا معا .. وبدأنا فعلا في أمر البناء الذي استغرق وقتا لا بأس به .. وكنا نتابعه كل سنة حتى اكتمل .. ثم بدأ العمل على تجهيز الحوائط و الأرضيات من الداخل .. ثم بدأ العمل في تجهيز الشقق نفسها ... ثم بدأنا في فرشها ... كان الأمر مكلفا جدا .. نقود و ديون و عناء نفسي حتى شارفنا على الانتهاء منها .
وذات مرة ذهبت مع زوجي للعمارة لأضع بعض الأشياء في الشقة بالدور الأول و المفترض أنها ستكون شقتي أنا و هو .. وبينما أنا أرتب الأغراض هنا وهناك سألته عن الجيران .. قال أنهم كلهم طيبون ومسالمون ... لكن جارتنا في العمارة المجاورة لديها ابنة مريضة ... ظننت أنه يعني أنها معوقة مثلا أو شيء من هذ القبيل .. دعوت الله أن يشفيها ... ويصبر أهلها .
ثم توضأت و بدأت أصلي الظهر .. وفجأة انتفضت .. سمعت صرخة عالية جدا و أليمة جدا تأتي من مكان قريب جدا ... خرجت من الصلاة مفزوعة و نظرت إلى الشارع .. لا شيء .. كل شيء هاديء .. حتى الناس يمشون ويضحكون بشكل طبيعي جدا .. وكأن الصرخة جاءت إلى أذني انا وحدي ... هرعت إلى زوجي الذي بدا طبيعيا هو الآخر ... قال لي : لا تقلقي .. إنها الفتاة المريضة التي أخبرتك عنها .. إنها مريضة بالتوحد .. كما أن لديها ضمور في المخ .. لكنني لم أسمع باقي الكلام .. قلت له بحزم ... اسمع يا عزيزي .. لا يمكنني أن أعيش هنا .
بعد أيام أتت أختى و زوجها لزيارتي... كنت أبكي بحرقة .. للأسف لا يمكننا الانتقال من هنا ، لقد بذلنا كل ما لدينا في أمر هذه العمارة ... ولكن لا يمكنني العيش هنا وسماع هذه الصرخة الرهيبة كل يوم .. إن الصرخة تؤلم .. وكأنها تجرح روحك ذاتها بخنجر ملتهب .. كان رأي زوج أختي أن أهدأ تماما و أن أحمد الله أنه لم يكن في أحد أولادي ... وأن أدعو لها بالشفاء ... ثم قال لي أنه يجب أن أكلم والدة الفتاة و أتعرف عليها لأعرف منها الحكاية كلها .
وجدت نفسي ذات يوم أطرق باب الدور الأرضي في العمارة التي تجاورنا .. فتحت لي الباب سيدة في الثلاثينات نظرت لي بتساؤل .. بعد مرور ساعة من هذا المشهد خرجت من ذلك البيت مندهشة و أضرب كفا في كف .. و أسأل نفسي بصوت عال عن العالم الذي فقد معنى الإحساس .
لما جلست مع المرأة وفاتحتها في أمر تلك الصرخة الرهيبة ... قالت لي بدهشة :
- ماهذا ؟ أيصلكم الصوت حقا ؟
يبدو أن هذه السيدة تهذي ... إن كل من في الشارع يسمعه ... قالت السيدة :
- لقد أتيت من مدينة نصر خصيصا إلى هنا بسبب هذه البنت ... صوتها كان يصم آذان الجيران ... قلت أنني سأنتقل لحي واسع في الصحراء حتى لا يؤذي الناس صوت ابنتي المريضة .
قالت هذا ثم قامت لتحضر كوبين من الشاي ...
بصراحة أصبح قلبي أقوى من ناحية الفتاة لما جالست هذه المرأة .... كانت تتحدث و تسخر و تضحك بين الكلمة و الكلمة و حتى أنها تسخر على ابنتها نفسها ... كنت مندهشة جدا لكنني سألتها :
- لماذا لم تذهبي بها إلى مستشفى ؟
ردت بسرعة :
- تعرفين ما تفعله المستشفيات في المساكين أمثالنا .. تحاليل و استغلال .. والنهاية مخيبة للآمال و مضيعة للنقود
قلت لها بإصرار:
- ولماذا لم تحضروا لها طبيبا في البيت؟
قالت بلهجة عتاب :
- من قال أننا لم نحضر لها طبيبا ؟ لقد أحضرنا لها طبيبا و أعطاها علاجا منوما ... وقال لي أن الجلوس معها لا يفيدها ولا يضرها ... لأنه مثلها مثل هذا الكرسي لن يفرق معها .
كرسي ؟ هذه المرأة تستخدم مصطلحات قاسية نوعا ما على ابنتها ... أكملت المرأة قائلة :
- لكنني لا أعطيها الدواء
سألتها باندهاش جزع :
- لماذا ؟ لماذا لا تعطينها العلاج ؟
قالت بهدوء :
- لأنني أريد أن أتركها تلعب و تعيش حياتها طبيعية .. لا أريدها أن تقضي بقية حياتها في النوم
قلت لها باستنكار :
- أنت يجب عليك الالتزام بتعاليم الطبيب .. هذا يمكن أن يؤذيها .. كيف تتجاهلين تعليماته هكذا لآراء شخصية قد تكون خاطئة .
قالت بلهجة غير محببة :
-أنت تقولين هذا لأن صوتها يضايقك .. لكن لا تقلقي .. سأعطيها الدواء المنوم بانتظام .. أعدك .
شعرت بالغضب و قلت :
- لا تفهميني بالعكس من فضلك .. إني مشفقة عليها جدا .
ثم قلت و كأنني تذكرت شيئا :
- ثم إن هذا سيكون أفضل مثلا لو أتى عريس لأخواتها ... سيخاف ويقلق جدا لو سمع هذا الصراخ
قالت المرأة باندفاع :
- فليذهب في ستين داهية .. يأتي غيره ألف عريس... ولو أتى عريس أصلا سأجعلها هي أول من يسلم عليه .
شعرت أنني ضايقتها ..ربما لمست وترا حساسا ... سألتها محاولة تغيير مجرى الحديث :
- لماذا لا تشغلين عليها القرآن ؟ ربما تهدأ
قالت المرأة باستنكار :
- قرآن ؟ ولماذا ؟ تريدينني أن أؤذيها ؟ لماذا ؟ ماذا عملت لك هذه المسكينة ؟
قلت باندهاش غاضب :
- ماذا تقصدين ... كل الناس تحتاج لسماع القرآن ... كل الناس الصحيح منهم و السقيم
شعرت أن المرأة ليست مرتاحة من وجودي في الكون .. قالت لي :
- دعك من هذا الأمر ... أخبريني كيف كان شعورك لما سمعت الصرخة لأول مرة ؟
إن هذه المرأة مختلة ... هذا مؤكد .. قلت لها :
- ماذا تعني بهذا السؤال ؟ طبعا شعرت بالذعر الشديد لما سمعتها لأول مرة .. وكأن هناك فتاة تحترق ...تتعذب ... كنت أريد أن أطلب الشرطة لولا أن زوجي أخبرني بحقيقة الأمر .
هكذا انتهت كلمات خالتي .. كانت حكاية عجيبة جدا ... وبات واضحا أن هناك شيئا ليس على ما يرام في الموضوع .. لا أدري أين .. لكن هناك شيء غريب .. قررت أنا و أسماء أن نذهب من هنا ... استأذنا خالتي و قمنا .. نزلنا إلى الشارع وفي ذهنينا مئات الأفكار ... وفجأة انطلقت الصرخة للمرة الثانية ... وياللألم الروحي الذي يصاحب سماعها .
غبت أسبوعا انشغلت فيه بأمور حياتي ... ثم صدف أن زرنا خالتي مرة ثانية .. كنا جلوس لديها في غرفة المعيشة ... وبين أطراف الحديث سألتها عن الفتاة التي تصرخ .. قالت أنها سمعت أنها تأخذ دواءها بانتظام ثم إنها كـ .... جاءها التكذيب في صورة حية تذبح بخنجر قديم ... صرخة هزت أرجاء الوجود حتى جعلنا أصابعنا في آذاننا جميعا .. إن الصرخة ليس صاخبة لكنها تخترق روحك فتشعر أنك أنت الذي تصرخ .. مرت دقائق من الصمت حتى قالت مي :
- هذه أول مرة أسمعها تصرخ منذ فترة طويلة .. هذا حظكما
دقائق أخرى و سمعنا صوت ضربات يبدو من صوتها أنها تضرب على سطح معدني سميك ... سألت مي فقالت لي أن الفتاة اعتادت أن ترمي بالحجارة على باب القبو ... لم أجد وقتا للاستغراب حيث شقت الهواء فجأة صرخة مكتومة .. صرخة تصرخها و شفتاك مغلقتان ... وهذه ذات تأثير روحي جارح جدا لو سمعتها .. قلت لمي :
- هي الفتاة أيضا ؟
أومأت برأسها أن نعم .. ثم قالت:
- أقترح أن نقوم كلنا الآن و ونذهب من هنا .. حتى يمكننا النوم على الأقل .
إن التأثير المرعب لهذه الصرخة يمتد معك لساعات طويلة ... وقصة الفتاة ووالدتها غريبة الأطوار يجعلاني أفكرفي احتمالات شريرة كثيرة .. فكرت مثلا أن هذه ليست أمها ... أمها الحقيقية ماتت منذ زمن وما هذه إلا واحدة من عبدة الشيطان تحاول تقديم البنت قربانا له ... ولهذا ترفض القرآن و تقول أنه ربما يؤذيها .. فكرت أيضا في احتمالات أن تكون الأم ساحرة فودو .. لكن لا أظن .. إن هذا البيت تعيش فيه الأم و ابنتها و أخوات البنت .. عائلة عادية فيها عضو مريض نفسيا ... ضمور في المخ .. توحد ... هذه الأمور تحدث .. أنا أهول الأمور ليس إلا .
مرت الأيام و الليالي وانشغل كل ذي شغل بشغله و كل ذي لهو بلهوه .. كنا في إجازة آخر العام ... سافرنا إلى الإسكندرية و عدنا .. و أخذت أيامي الأنثوية العادية تنقضي بين تسوق و تلفاز و ثرثرة و Facebook .... لا أدري من قال أن الدراسة مملة و الإجازة ليست كذلك ؟... كلاهما له روتين ممل خاص به ...وكانت هذه الإجازة رتيبة حتى أتت أسماء و قالت لي :
- زهرة .. نحن مدعوون لعيد ميلاد نسرين .
- وما نسرين ؟
- هي تلك الفتاة التي تصرخ ليل نهار بجوار بيت خالتي .
عمارة حديثة في التجمع الخامس .. الكاميرا تقترب منها في هدوء مقلق .. ثم تلتفت الكاميرا و تحيد عن تلك العمارة و تقترب مسرعة من عمارة مجاورة .. ليست أقل حداثة .. لكن يبدو أن فيها احتفال ما .. يمكنك أن ترى باب العمارة و أبواب الشقق مفتوحة و الأنوار مضاءة و كذلك النوافذ ... تتوقع أن تدخل بك الكاميرا إلى ذلك الحفل لكنها تحيد مرة أخرى فجأة و تتجه مسرعة إلى القبو .. كان بابه مفتوح على مصراعيه .. ثم تدخل بك لترى المشهد بالداخل .
كأن إعصارا كان ينام في هذا المكان .. كل قطعة تدخل تحت بند الأثاث تراها مقلوبة .. أو محطمة .. وهناك كثير من العرائس مخلوعة الرأس أو اليدين ترتمي هنا و هناك ... ألعاب محطمة ... دماء .. مياه .. فرش مبعثرة على سرير حديدي .. الصورة التي تتكون في ذهنك فورا هي أن هذه زنزانة .. ليست أي زنزانة.. إنها زنزانة شيطان ... شيطان طفل .
نعم وافقت على الذهاب إلى حفل عيد الميلاد ... قالت لي أختي أسماء أنهم أعطوها كمية لا بأس بها من العقاقير المهدئة .. حتى أنها ستبدو كالهرة الوليدة طوال الحفل .. وأنه لا خوف مطلقا .. وأن الحفل سيكون فيه حضور كثير منهم رجال .. فلا داعي للخوف ... فلسنا نحضرعيد ميلاد المينوطور هنا .. ما هي إلا ابنة ما يزيد قليلا عن العشر سنوات .
ازدحام من ذوي الطبقة المتوسطة الأقرب للعلو .. أكواب كركديه .. الكثير من النساء .. يمكنك أن تعد خمسة أو ستة منهن مألوفات ... هناك رجلين أو ثلاثة ينظرون إلى ساعاتهم كل ثلاث دقائق .. تدور بك الكاميرا حول كل تلك الوجوه ثم تمر من بين الأجساد لتركز معك على فتاة واحدة صغيرة تعطيك ظهرها .. شعر أسود ناعم .. فستان أبيض و أحمر .. جسم هزيل .. تقرر الفتاة فجأة أن تستدير إليك .. نعم إنها هي .. نسرين ... صاحبة الصرخة .
شقت الأجواء أسهم من نار استقرت في قلوب كل الحضور فأسقطتها عند أقدامهم .. بل هي صرخة واحدة اعتلت الأجواء فتهدمت لها كل الأفئدة .. والتفت الكل بأعين متسعة إلى المصدر ... وليتها اكتفت بصرخة واحدة .. بل ليتها اكتفت بالصراخ وحده .
كانت ستبدو للخبراء وكأنها نوبة صرع عادية من طراز Grand mal Epilepsy و لغير الخبراء ستبدو وكأنها شيطان مجنون تهيأ على هيئة فتاة في العاشرة .. لم تكتف نسرين بالصراخ .. بل إنها تحركت ناحية المائدة و هي تصنع تلك الصرخة المكتومة .. ثم أخذت كوبين من الكركديه و ألقتهما بقوة رهيبة ناحية أحدى النساء .. اصطدم أحد الأكواب بكتف المرأة وسقط الكوبان و انكسرا على الأرض ... واستمر الصراخ المؤلم .
ومثل ذئبة صغيرة تحركت إلى الباب الرئيسي و وأوصدته بسرعة ... ونظرت إلى الكل بغل واضح .. هذا ليس صرعا .. هذا عفريت من الجن يبدو كطفلة .. إن من أكثر المناظر رعبا لما ترى ملامح الطفل البريئة تتوحش كالشياطين .. إن حالنا لا يخفى عليك يا عزيزي .. بعضنا سقط مغشيا عليه و ارتاح .. و بعضنا الثاني احتضن بعضنا الآخر في جزع .. لم يكن هذا كل شيء ... فقد قررت تلك الذئبة أن تطفيء الأنوار .. و بضغطة من يدها الصغيرة أظلمت الأجواء ... و أظلمت قلوبنا من الرعب .
وهنا أفاق رجلين من غيبوبتهما و تحركا بعنف .. كانا يمضيان في الظلام بغير هدى .. سمعت فحيحها الصارخ مرة أخرى .. ثم سمعت صوت رجل يطلق سبة بذيئة .. دقائق و ضغط أحد الرجلين زر النور فعادت الرؤية تتضح .. كانت الفتاة تتصارع مع الرجل الآخر .. نظرت إلى حجم المتصارعين و رأيت أن الطفلة قد أنشبت أسنانها في يده .. ثم إنها تلقت صفعتين رهيبتين من يد متورمة غاضبة فسقطت على الأرض وهي تزوم .
أطلقت تلك الصرخة المكتومة التي تحمل الكثير من معاني الغيظ و البغض ثم قامت .. تبدو و كأنها ميدوسا بهذا الشعر الثائر .. كانت تضغط على أسنانها و تهمهم بكلمات ما .... أيما كان ما تقوله فقد كان مرعبا جدا .. إن حالنا لا يخفى عليك يا عزيزي .
ثم تحركت بسرعة خارقة ناحية كعكة عيد الميلاد .. و أخذت السكين الذي كان يفترض أن نقطع به الكعكة .. لكن يبدو أنها قررت أن تقطع به أشياء أخرى .. أشياء بشرية .. صرخت صرخة أخرى .. يبدو أن حديثها الصراخ .. إنها لا تصرخ صرخات ألم .. بل صرخات حديث .. كل صرخة لها مغزى معين و طريقة معينة .. صرخة تهديد .. أو صرخة غيظ .. أو صرخة غضب .. أيا كان نوع صرختها هذه المرة فقد أمسكت بالسكين و ركضت بسرعة ناحية خالتي .
يستحيل أن تجاري سرعتها .. ورغم أنها طفلة إلا أنه من الصعب أن تجد في نفسك الشجاعة للوقوف أمامها و هي بهذه الحالة .. تراجعت خالتي في رعب و كعادة الذين يتراجعون في رعب تعثرت في شيء ما ووقعت على ظهرها ... وبدا أنها النهاية في أبشع صورها .
وفجأة نظرت الشيطانة للأعلى و اتسعت عيناها بشكل مرعب جدا و بدا على وجهها علامات ألم قاس .. ثم تحولت نظرة الألم إلى نظرة ذهول بذات العين المتسعة ... فتحول الذهول إلى دموع ... و الدموع إلى بكاء ... بكاء طفلة .. أخذت الفتاة تبكي و تبكي ثم سقطت على الأرض ... وذهل الحضور .. وهنا تحركت أمها .. و تحرك من وراءها عدة نسوة في حذر .. دفنت الأم الفتاة في صدرها و احتضنتها .. و أخذت تميل للأمام و تعود و تربت على رأس الفتاة .. ثم فجأة علا صوت الحضور و كأنك كنت ضاغطا زر الـ Mute .. احتجاج .. مواساة ... حوقلة .. بكاء .. كانت لوحة جديرة بدافينشي أشد تأثيرا من لوحة العشاء الأخير .
لم أفهم شيئا .. ولم يفهم أحد شيئا .. ولم تفهم الأم شيئا .. لكني فهمت بعد حين .. و بعد استشارات عديدة ... طبعا وبلا شك كان ما يحدث لهذه الفتاة أمر شيطاني بحت ... لكن لغز ليلة عيد الميلاد يكمن حله في توقيت الاحتفال الذي وافق آخر يوم في شعبان .. حيث بدأ الحفل قبل المغرب بقليل .. واستمر ما يقرب من الساعة عانينا فيها أقسى مشاعر الخوف ثم غربت شمس ذلك اليوم ودخل الليل .. وفور حدوث هذا ..
حكايات زورك نيميسيس .. حكاية نداء الشيطان
حكاية نداء الشيطان
"عندما تحاول جنية أن تتقرب للزواج منك فهذا عادي .. أما أن يطلبك للزواج شيطان رجل فلتقل على الدنيا السلام "
"سارعي .. للمجد والعلياء ........ ....... ....... ....... ........ عاش المليك .. للعلم .. و الوطن " .. نظرت إلى من كان يقف بجواري ... كائن مغمض العينين .. فاغر الفاه ... تأملته قليلا بتمعن ثم رفعت عيني إلى ساحة المدرسة .. كائنات مغمضة العينين .. فاغرة الأفواه .. تتململ بتثاقل كأفراس النهر في انتظار انتهاء النشيد الوطني .. إنهم هنا يشغلونه في الطابور عبر كاسيت أمامه مايكروفون .. اختراع صممه الأستاذ دعبس بعد اليأس التام من أن تنشد أفراس الـنهر ... رحم الله أيام اسطنبول حيث كان الكل يقف كالعواميد يصرخون بتحية العلم بجنون وكأنه فيلم القلب الشجاع .
بعد انتهاء الطابور وفي الطريق المتململ إلى الفصول .. وكعادته الأزلية ، كان يجب أن يخرجني المدير ليلسعني لسعتين بالعصا لعدم ارتدائي الزي الرسمي السعودي .. هذا يحدث كل يوم لأنني لم أكن ألتزم به أبدا .. المشكلة أنهم هنا يصفون كل من لا يرتديه بأنه (منهم ) .. يعنون الكفار .. لأنه ببساطة من تشبه بقوم فهو منهم .. أذكر أنهم كانوا يعلقون ورقة بهذا على الجدران ... لا يبدو أنني سأحب حياتي في هذه المدرسة خاصة و أنه تبقى لي ثلاث سنوات لأنهيها .
دخلت إلى الفصل متأخرا قليلا بعد اللسعتين .. لم يكن الأستاذ قد جاء بعد .. اتجهت إلى مقعدي في الصف الأول لا شعوريا .. و بالمناسبة فإن هناك شـ.......... دووووف .... دووووف .... دوووف ... ثم سكوت ... ثم دووووف ....ثم بشكل أسرع قليلا .... دووف دووف دوووف دوووف دووف ... الصوت يحدثه الطلاب كلهم في نفس واحد ... ألم تعرف بعد لم يفعلون هذا ؟ تنظر إلى ما ينظرون لتجد جسدا ضخما جدا جدا كبضعة أفيال موضوعين في ثوب سعودي واحد ... كان هذا هو الدمنهوري ... فتى مغربي غاية في البدانة.. وهو كلما يخطو خطوة داخل الفصل يجب أن يحدث الطلاب هذا الصوت .. و أخيرا لما يصل إلى مقعده ليجلس تسمع .. تِششششششششش .
وفجأة سكن الكل .. وانتظموا في جلستهم .. رأيت الباب يفتح بقوة شديدة .. توقعت أن أراه ... هرقل .. ابن ملك الالهة و صاحب مدينة الأفاعي .. لكن من دخل لم يكن هو ...بل كان رجلا ممتلئا قليلا .. يرتدي ثوبا و طاقية بيضاء سعودية .. ذو لحية سوداء متوسطة الحجم تبدأ مباشرة من تحت عينيه.. تلك العينين التي اتسعت في تهديد واضح .. كان يمسك عصا متوسطة الطول في يده اليمنى . .. أعرفك .. هذا هو الأستاذ فوزي ... مدرس المواد الدينية وهي خمسة مواد هنا في السعودية .. وهذا يعني أنك سترى هذا الوحش كل يوم .. هذا الأستاذ مصري الجنسية ... لو أردت تخيله أكثر .. تخيل واحدا من عصابة القناع الأسود نمت له لحية سوداء متوسطة الطول .
كانت حصة في آخر أيام العام الدراسي .. وقد فضل الأستاذ فوزي أن يجعلها حصة حفظ .. أي أن يستغلها الطلاب في حفظ ما تقرر عليهم من القرآن .. ويستغلها هو في إراحة كرشه على الكرسي على ألا يسمع همسا في الفصل ... دقائق و قام طالب يدعى حسن .. أبيض الوجه ، جميل الملامح ، أسود الشعر ناعمه ، ممتليء الجسم قليلا ... قام على استحياء و اتجه إلى الأستاذ فوزي الذي نظر له راسما على وجهه أعتى تعابير الصرامة .
اقترب حسن من أذن الأستاذ فوزي و همس ببضع كلمات فرسم الأستاذ فوزي على وجهه تعبير المتفهم العالم ببواطن الأمور .. ثم أخذ حسن كرسيا من مكان ما ووضعه بجانب الأستاذ فوزي و جلس عليه معطيا ظهره للفصل .. و مال إلى الأستاذ فوزي وبدأ يتكلم بصوت منخفض حتى لا يسمعه أحد .. وفي كل دقيقة ينظر إلى الفصل في قلق ... تحولت نظرة المتفهم إلى نظرة المندهش ... ثم إلى نظرة أفراس النهر فاغرة الفاه ... ثم بدأ يجفف عرقا وهميا ... لم أستطع منع نفسي من الاشتياق لسماع ما يقولون .. يبدو أنه أمر جلل .. لا أحد يجروء على الجلوس إلى الأستاذ فوزي و التحدث معه هكذا .. ثم إن حسن هذا شخص ضعيف الشخصية جدا .. عدت أحاول سماع أي شيء لكن بلا فائدة.
المشكلة أنه هذه الجلسة بين أستاذ فوزي و حسن أصبحت تتكرر في معظم الحصص الدينية التالية .. و أصبحا يتقابلان فيما بين الحصص و في وقت الفسحة ... فيما بعد عرفت الموضوع بأكمله من حسن الذي رواه لي بعد أن تخرجنا من المدرسة بعشر سنوات في جلسة رائقة ممتلئة بدخان الشيشة .. وظللت مندهشا من حكايته حتى لحظة كتابة هذه السطور بعد مرور عشر سنوات على سماعي لها .. لن أحك لك شيئا منها بالطبع .. سأمارس عادتي المحببة.. وأدعه يحكي بنفسه ما حدث له.
مر.... مرحبا .. أدعى حسن خاشـ ... لا .. لا يمكنني الإفصاح عن اسم العائلة .. أنا سعودي في الصف الأول الثانوي .. في مدرسة المنارات في المدينة المنورة ... على قدر من الجمال .. أقـ .. أقصد .. احم .. أعني ... .. المهم .. بدأت قصتي على السرير .. في إحدى الليالي الحارة .. ومكيف غرفتي يضيف مشكلة الإزعاح إلى مشكلة الحر .. فضلت أن أخلع ملابسي لأكون عاري الصدر .. أحاول الحصول على النوم .. أتفلب على جميع الجهات ... أقكر في كل شيء ممل يدعو إلى النعاس ... بلا فائدة .. لازلت يقظا وكأني في مسبح بارد .. قررت أن أجرب أحد طرقي الشهيرة للحصول على النوم .. التفكير في الجنس .
زاد هذا حالي سوءا لأنه أضاف مشكلة التعرق إلى المشكلتين السابقتين ... لم يبد أن النوم سيأتي اليوم ولا في أي يوم آخر ... وبينما أنا وسط حبات عرقي حدث ما جعلني أنتفض من رقادي و أجلس ملتصقا بالحائط كما يحدث في أفلام الكرتون ... طبعا غرفتي مظلمة .. ومن مكاني على السرير أرى باب غرفتي المفتوح .. وأرى السيب المظلم .. غرفتي في منتصف السيب .. فلما أقول أنني أرى السيب يعني أنني أرى فقط حائط السيب المواجه لباب الغرفة .. ما جمد الدم في عروقي هو أنني رأيت ما يبدو مثل النور يقترب في السيب .. وهذا النور ينعكس على حائط السيب بشكل يستفزك قائلا .. نعم إنني نور .. ونور جدا أيضا .. و أنت لا تهلوس ... ولم تهلوس قط في حياتك .
المرعب أن النوركان يقترب بسرعة ... هذا نور لا يضيع وقته ... لا ينوي أن يدع لي فرصة لأخذ حقي الطبيعي في الارتعاب ... وفجأة اتضح لي ما كان يصنع النور ... رأيته لثانية ثم فقدت الوعي من الرعب في الثانية الأخرى .. استيقظت فجأة .. ما هذا الحر ؟ جبيني متعرق جدا .. نظرت إلى الساعة ذات العقارب الفسفورية .. إنها الثالثة بعد منتصف الليل .... نظرت لباب الغرفة ... رأيت نورا غريبا يقترب بسرعة .. ثم إنه كـ ... وهنا تذكرت كل شيء .. وصرخت بقوة ..
أين من يعيش معي في هذا المنزل ؟ لايعيش معي أحد حاليا سوى أمي .. المشكلة أنها معتادة على عادة غبية جدا .. وهي تشغيل الراديو بجانبها على أعلى صوت أثناء نومها .. لا أدري إن كانت حالة نفسية ...يقولون أنها تفعل هذا حتى لا تسمع أي صوت من تلك الأصوات التي تجعلك تظنها أشباح.. طقطقة الأثاث .. تحريك الهواء للأبواب .. صفير النوافذ ... المهم أنها لم تسمعني .. صرخت و صرخت .. لكن النور استمر في الاقتراب بسرعة .. ثم ظهر لي للمرة الثانية .
جسد أنثى .. ملفوف بطريقة لا تراها إلا في رسوم الكاريكاتير ... قميص نوم فوق الركبة .. بياض قمري غريب .... وجه فاتن لا تراه إلا في الميثولوجيا الإغريقية .. هالة خفيفة من الضوء تلف كل هذا برقة .. كل هذا كان عند باب غرفتي يتقدم على استحياء .. لازلت ملتصقا بالحائط .. لكن ليس بنفس قوة الالتصاق السابقة .. ثم إن تلك الإغريقية مدت يديها وفردت كفيها الرقيقين نحوي .. بالنسبة لي كان كل هذا أكثر مما يحتمله عقلي .. لذا سقطت فورا مغشيا علي .....ليست نقطة جيدة أن تخيب ظن الإغريقيات الذين يمددن إليك أيديهن في منتصف الليل .
إن ما رأيته ولا شك جنية .. لطالما سمعت عن حكايات الجنيات اللاتي يتزوجن رجالا من البشر .. هذا مرعب .. سمعت عن جنيات مثل شيخة الفلسطينية ابنة الخمسمائة عام .. أو ميمونة التي تزوجت رجلا سعوديا له قصة مشهورة ... و أخرى تزوجت أحدهم ورفضت الطلاق و أخذت تطالب بحقوقها .. هذه الأمور كلها سمعتها و تكفلت المجلات و الصحف الصفراء و غير الصفراء بنشر التفاصيل كاملة .
في ليلتي التالية .. لم أطفيء النور بل فتحت كل أنوار الغرفة و السيب .. و أغلقت باب الغرفة بالمفتاح .. ومرت الليلة بسلام .. مثلها مثل خمس أو ست ليالي تالية استخدمت فيها نفس الطريقة .. لكن كانت لدي مشكلة بسيطة خربت تلك الطريقة الرائعة .. وهي أنني شخص دائم التفكير بالجنس .. مصيبة .. يقولون أن هذا يرجع لسني لكن لا أظن .. فأنا أربط كل شيء في الدنيا بالجنس .. أن تكون جائعا منذ سنين ويأتي شخص يقدم لك مائدة طعام ملكية .. هل سترفضها وتلتصق بالحائط ؟
في الليلة التالية أطفأت كل الأنوار الممكنة .. وفتحت باب الغرفة وانتظرت على السرير .. مهما كان نوع هذه الحسناء فأنا جائع .. لازل جمالها يحضرني ... ومشيتها تحضرني ... و نورها يحضرني .. كنت أعرف أنني وسيم جدا .. لهذا جاءتني أنا بالذات ... ظللت في مكاني أترقب .. حتى خفق قلبي .. خفقة خوف .. كأن تشعر أن قلبك سقط من فوق جبل بسرعة .. ظهر ذلك النور إياه وهو يقترب .. يالغبائي .. هذا أمر جلل الذي أريد أن أرمي نفسي فيه ... ظل قلبي يسقط من جبل إلى جبل ... وعيناي تتسعان حتى ظهرت مرة أخرى على الباب ... وهذه المرة ظلت واقفة ... واقفة مثل الدم الذي تجمد في عروقي .
اقتربت مني .. وجهها كألف امرأة جميلة يزدحمون أمامك .. عينان كالسحر .. بل هما السحر ذاته .. شفتان حمراوتان ترى دقائقهما من بليغ دقتهما .. شعر لم تره في أجمل رسومات الأنمي .. أنثى يكفي وجهها لإشباع كل رغباتك .. فلا داعي للنظر للجسد كما اعتدت أن تفعل عند رؤية أي أنثى أخرى .. وها أنا أقوم من مرقدي .. الظلام دامس هنا .. ونورها لا يبدد الظلام و إنما يبدو كجزء منه .. لا أعرف كيف أقرب الأمر لتفكيرك .. لكن تلك الحسناء استدارت ببطء .. وتحدثت .. وليتها ما تحدثت .
إن لاله ميرة يريدك أيها الإنسي الجميل .. ببركة استقراء المكنون .. لاله ميرة أحبك .. وبه ستملك أمر دنياك الفانية .. وله ستبذل روحك الغالية .. وعنده ستكون أيامك كلها .. ولياليك حتى بزوغ فجرها .. وفيه ستكون ببركة استقراء المكنون .. لاله ميرة هـ .... وسقطت مغشيا علي .
بعد حوالي يومين ذهبت إلى المدرسة .. كنت في حالة مزرية .. .. طبعا لن يصدقني أحد لو ذكرت لأحد ما حدث ... وسيرسلونني لمستشفى الأمراض العقلية و أضطر لمواجهة طبيب نفسي مصري يلعن اليوم الذي أتى فيه إلى هذا المكان .. لكنني فعلت الحل المنطقي الوحيد ... قررت أن أستشير شيخا .. الشيخ الوحيد الذي أعرفه هو مدرس الدين الخاص بنا ... الأستاذ فوزي .. هو شديد جدا ولا أدري إن كان رجلا صالحا أم لا ... لكن قوة شخصيته أغرتني بأن ألجأ إليه .
ذهبت في أحد الحصص الفارغة واستشرته .. اندهش في البداية ثم قال لي أنه خبير في هذه الأمور .. وأنه سيساعدني بنفسه... وأن له عدة قصص مع جنيات يظهرن على باب غرفته ... و أن إحداهن أخبرته أنها على استعداد بأن تحقق له أي أمنية لو تزوجها ... الأكثر من ذلك أنه أخذ يحكي قصة عن نفسه - وهذه حكاها للفصل كله ليس لي وحدي – قصة رأى فيها أحد الشياطين يدخل غرفته وهو نائم ... ولأنه كان متعبا و لا يريد القيام لضرب الشيطان فقد أشار لملكين رآهما في أحد زوايا الغرفة أن يضربا الشيطان ... فتحركا بعصبية ناحية الشيطان بأسلحتهما التي كانا يحملانها ... باختصار كان الأستاذ فوزي تعريف كلمة نصاب .
" لاله ميرة أحبك "
علمني الأستاذ فوزي الكثير من الطرق لطرد الجن و الكثير من الأذكار .. كتبتها كلها .. وكنت أنفذها كل ليلة .. قال لي أنه لو رضخت لما تريد مني الجنية فهي نهايتي .. فهي مثل المسيح الدجال جنته نار و ناره جنة .. وبالفعل ظللت حوالي شهرا كاملا أداوم على الأذكار .. وفعلا طوال الشهر لم يحدث شيء ... هذا يثبت أنني نجحت في طردها .. رائع .. يبدو أني تسرعت في الحكم عليك يا أستاذ فوزي .
كل شيء كان يمضي بخير .. أمضي أيامي و لياليً في هدوء ... حتى أصابتني تلك الحالة الجنسية إياها ... أول شيء فعلته هو أنني مزقت تلك الكراسة التي كتبت فيها الأذكار .. و أخرجت كل المصاحف و الكتب الدينية من غرفتي .. ثم أنني تعمدت أن أترك الصلوات كلها بلا استثناء ... و أصبحت أقضي معظم الوقت في غرفتي ... وذات ليلة كنت أرقد على سريري مطفئا النور... بدأ النوم يداعبني .. يروح و يأتي ... حتى لمحتها عيناي .. لمحت حبيبتي .
كان ظهورها هذه المرة مرعبا بحق ... في البداية لمحت نورها الأبيض من تحت الباب .. ثم بدا لي و كأن النور دخان أبيض ناعم أخذ يدخل من تحت الباب لداخل الغرفة و تهيأ على هيئتها .. هذه المرة كانت لا ترتدي أي شيء على جسدها .. اقتربت مني برقة مرعبة .. عيناي اتسعتا في لذة .. هل تعرف كيف يمكن أن تتسع عيناك في لذة ؟
" إن لاله ميرة يريدك أيها الإنسي الجميل "
احتضنتني بقوة بين ذراعيها الجميلتين...وبدأت هالة الضوء الخفيفة التي تحيط بها تتحول لشكل دخان مضيء أبيض .. مهما كانت هذه الحسناء فسأكون معها بخير .. قالت لي أنني بما أفعل الآن أفتح على أبواب سخاء لا ينقطع ... ونعيم أبدي .. و أنها الآن ستعطيني أكبر عطاء يمكن أن يحصل عليه إنسي ... وفجأة شعرت ببرودة شديدة في جلدي و كأنه أحيط بماء بارد جدا .. أخذت أنتقض و هي تحتضنني و أرى دخانها المضيء حولها إلى أن شعرت أنها تضمحل ... حجمها ينقص ... ولما فطنت للحقيقة كانت قد اختفت كليا .. الحقيقة أن هذه الإغريقية دخلت تحت جلدي .
بعدها كنت أشعر دائما أنني لست على ما يرام ... تلك الجنية لم تأتني مجددا لكنني كنت أشعر أنها موجودة في مكان ما بداخلي .. ثم بدا لي و كأنها تأتي معي أينما ذهبت .. تعرفت على مجموعة من الشاب .. كانوا من المغرب و قائدهم طالب معي في الفصل يدعى الدمنهوري .. وهو ولد لن تصدق ضخامته مالم ترها بنفسك .. لكنه ظريف و طيب القلب جدا .. كما أنه يحبني جدا .
ذات يوم جاءني صديقي الدمنهوري .. كنا في أول أيام الإجازة ... قال لي أنه جهز استراحة جميلة ومعه مجموعة من الشباب خفيفي الظل.. وأنهم ينوون قضاء الليل في لعب الورق و الشيشة و مشاهدة الأفلام و السباحة الرقص .. و أنه سيحب أن أكون معهم ... أعجبتني الفكرة جدا... وفعلا ذهبت معهم في تلك الليلة .. و ليتني ما ذهبت .
استراحة جميلة .. مسبح نظيف .. شباب معظمهم من المغاربة خفيفي الدم فعلا جدا .. رأيت الدمنهوري يرتدي الشورت و التي شيرت ... كان يبدو ظريفا عليه جدا .. كنت قد اعتدت منظره بالثوب السعودي .... كان الشباب كلهم يجلسون في غرفة واسعة على طراز المجلس العربي .. و الدمنهوري يحاول ضبط الكاسيت و يوصله بسماعات كبيرة .
سألني الدمنهوري إذا كنت أحب الأغاني المغربية .. قلت له أنني أحب الألحان لكن لا أفهم الكلمات عادة ... قال لي أن الكلمات لا يفهمها سوى المغاربة فقط ... ثم سأل صديقه أن يحضر له شريطا مغربيا له اسم غريب .. تحمس الفتى و أخذ يبحث وسط أغراضه حتى أخرج الشريط ... أخذه الدمنهوري ووضعه في الكاسيت ثم ضغط زر التشغيل .
بدأ اللحن ... يبدو محببا و ظريفا جدا ... لكنني لازلت أشعر أنني لست على ما يرام ... شعرت بدوخة بسيطة ... بدأت الألحان تتخذ طابعا حماسيا .. و بدأت أنا أتفاعل معها ... ثم فجأة قمت من مكاني و أخذت أرقص بجنون ... شعرت أنني فقدت السيطرة على نفسي ...كل حركاتي المتحمسة لم يكن يوافقها أي حماس داخلي مني .. لكنني كنت أفعلها ... ثم أننني سقطت أتمرغ في الأرض طالبا بعض الحلوى رأيتها في أحد الصحون القريبة... حتى أتي أحد هؤلاء المغاربة وأعطاني تلك الحلوى الجميلة ... أخذت ألتهمها بشراهة ... لا أذكر شيئا بعدها غير أن هناك بعض الناس ذوي لحى اقتحموا علينا المكان و معهم قوة أمنية ...
احم .. مرحبا أنا أحمد مجددا .. معذرة فلندع حسن في شأن نفسه .فحكايته انتهت من على لسانه تقريبا... إن قصة حسن هذه بحثت فيها مطولا و تأكدت أنها لم تكن مزحة .. قرأت تصنيف البوني الذي يدعى "منبع أصول الحكمة " ويحكي فيه عن ملوك الجن وتصنيفهم .. وفيه جاء " ويحصر ملوك الجان في ( المذهب ، مرة ، الاحمر، برقان ، شمهورش ، الابيض ، ميمون ) وفيما عدا اسمي شمهورش ومرة الغريبين عن النطق العربي والأمازيغي ، فإن الأسماء الخمسة الأخرى معروفة ومتداولة في المجتمع بكثرة كأسماء الأفراد . وقد عرف اسم ملك الجان (مرة) تحريفا متواليا طال . حتى جنسه الذي تحول حسب الأسطورة من الذكورة الى الأنوثة ... فإن اسمه كان الحارث بن مرة لكننا نجده تحول إلى (ميرة) . إن (لاله) لفظ تشريف يسبق عادة أسماء النسوة ذوات النسب المتحدر في أعلى الشجرة من الدوحة النبوية الشريفة. وحسب المعتقد فإن (لاله ميرة) تنال في توزيع الادوار بين ملوك الجان السبعة بركة استقراء مكنون النفس البشرية الغامضة وكل ما يرتبط بعالم الغيب. ولذلك تقام لتلك الملكة المهابة الذكر حفلات خاصة كي تحضر وتدخل في جسد وتسرع في كشف أسرار النسوة المحيطات بها "
" وبه ستملك أمر دنياك الفانية .. وله ستبذل روحك الغالية "
جاء أيضا في كتاب يتحدث عن السحر لكاتب مغربي شهير " والموسيقى التي تعزف ليلة الدربة ليست مجرد إيقاعات راقصة قوية، كما قد يبدو لغير العارف بخبايا كناوة، بل إن المقاطع الراقصة تتوزع وفق نسق يجعل الفرقة الكناوية تعزف تباعا الإيقاعات الخاصة بملوك الجان السبعة الذين يقدسهم أفراد الطائفة، بحيث يستطيع الممسوسون من الجان أن يجدوا ضالتهم في أحدها, فإذا كانت إحداهن ممسوسة بأذى «الملكة ميرة»، مثلا، فان الفرقة ما إن تعزف لحن تلك الملكة حتى تنهض الممسوسة، كما لو أنها مدفوعة من قوة خفية، فتشرع في إطلاق ضحكات هستيرية مخيفة، ثم تبدأ في الجذب المحموم مع الصراخ والتمرغ على الأرض, وتطلب من المحيطنين بها أن يعطوها «قاقة» التي تعني في لغة الأطفال الحلوى، فيسرعون إلى مناولتها شيئا حلوا، لأن الملكة هي التي طلبته في الحقيقة "
دعني أخبرك بسرين صغيرين ربما تفهم منهما كل شيء بلا داعي لشروح مطولة .. السر الأول هو أن حسن دخل سجن المدينة المنورة بعد أن تم ضبطه في حالة شذوذ مع مجموعة من المغاربة في أحد الاستراحات .. وظل في السجن فترة حتى أخرجه والده بعد جهد رهيب ... هذا هو السر الأول .
السر الثاني هو في مارد من الجن يدعى لاله ميرة ... رجل في الأصل .. أنثى في الهيئة و الرغبة ... جن شاذ .. يندمج في جسد من يختارهم من الرجال و يجعلهم يمارسون الجنس مع رجال أمثالهم وكأنهم مارسوها مع الجني .. وبهذا يحقق الجني شهوته .. وهو ملك من ملوك الجن ... اتصاله بالبشر يكون إما بالتلبس أو بالتجلي - كما حدث لحسن - وبعد تلبسه في الإنسان يمكن إيقاظه فور سماع بعض الألحان التي يعرفها المغاربة دون غيرهم .. وهي ألحان منتشرة في أغانيهم ويستمتع الناس بها لكن لا يعرف إلا القليل حقيقة تأثيرها .
" وفيه ستكون ببركة استقراء المكنون "
إن لاله ميرة له عدة أدوار أخرى غير الشذوذ الذي يتخذه هواية .. أدوار مهمة مثل الفضيحة .. و يفعلها عن طريق ميزة يتميز بها دون غيره من ملوك الجن و تدعى استقراء مكنون النفس البشرية الغامضة .. فيمكنه أن يجعل النفس أن تبوح بكل أسرارها لمن حولها مهما كانت النفس ترفض ذلك ... ومهما كان من حولها من أعدائها .. ولاله ميرة هو ملك الجن الوحيد القادر على استراق السمع هو و أتباعه.. و لذا فإن أتباعه يرجمون في السماء كل ليلة لما يسترقون السمع .
" وعنده ستكون أيامك كلها .. ولياليك حتى بزوغ فجرها "
حكايات زورك نيميسيس .. حكاية صراخ الديناصورات
حكاية صراخ الديناصورات
" أما نحن فكنا نمتطي الميمينشيوصور و نصيد التريسيراتوبس ونستخدم التيروصور في المراسلة "
رغم مرور مئة مليون سنة على تلك الأحداث إلا أني أذكرها بتفاصيلها و كأنها حدثت البارحة ... لازلت أذكر طفولتي أيضا .. عندما كنت أجري مع أصدقائي على صفحة مياه المحيط الهادي الذي كان بنصف حجمه الحالي ومن حين لآخر تحوم حولنا طيور الأونيثاكاروس العملاقة ذات العيون الزرقاء واضعة مناقيرها في الماء في محاولة لالتقاط أي كائن حي يقابل أسنانها الحادة المتشابكة ... مهلا مهلا .. معذرة لقد نسيت أنني أحدث بشريا هنا.. ربما وضعت في مخيلتك الآن أنني أقيم في مستشفى للأمراض العقلية .. لا عليك .. فهو خطأي ... سأحدثك بمفاهيمك حتى تتمكن من استيعاب كلماتي جيدا .
لا أعرف لنفسي اسما .. ففي عالمي لا نستخدم الأسماء مطلقا للتعريف .. وبالمناسبة فجنس الإنسان فقط هو الذي يستخدم الأسماء ... أنا من جنس الجان .. الجان العلوي وليس السفلي ... معذرة ثانية لم أنتبه إلى أنك لا تفقه حرفا عن الجان ... سأبسط الأمر جدا .. الجان مثلهم مثل أي شعبة من الكائنات الحية ينقسمون إلى فصائل ثم إلى رتب ومن ثم إلى عائلات .. إن هناك حوالي ثلاثمئة نوع من أنواع الجن .. لكن الكل يندرجون تحت شعبتين رئيسيتين .. الجن العلوي الذين أنتمي إليهم والجن السفلي وهم الشياطين .
الإنسان من المخلوقات التي تأتي في نهايات السلسلة الحيوية وبالتالي لا تندرج تحته أي تقسيمات.. وهو المسيطر على العالم الآن بلا أي منازع آخر .. يعجبني جنس الإنسان جدا لأنه مخلوق بدأ بأدوات بدائية جدا طورها الآن إلى حد بعيد فسهلت عليه حياته و تمكن بالعلم وحده من معرفة أمور من تاريخ الأرض لم يعاصرها بنفسه ولازال يتطور و يتطور حتى يأذن الله للدنيا أن تنحسر لتبدأ الحياة الأبدية الآخرة .
لا تفزع عندما أقول لك إن عمري يتجاوز الـمئتي مليون سنة ولازال عمري مستمرا حتى تنتهي الأرض .. نحن جنس معين من أجناس الجن لا نهرم ولا نموت .. أعرف أن الأمر صعب الاستيعاب بالنسبة إليك لكنك لا تعرف أنك أيضا أيها الإنسان لا تهرم ولا تموت ... جسدك فقط هو الذي يفعل .. بينما روحك باقية أبد الدهر ... نحن أرواحنا قد وضعت في أطوار لا تهرم ولا تشيخ .. ليست مثل جسدك الضعيف الفاني .
أنا من الشخصيات التي رأت كل شيء حدث على الأرض و تابعت تطور الإنسان العلمي باندهاش من سرعته ... لكنني اندهشت أكثر من شيء واحد ... الإنسان في تطوره في العلم يفصل تماما بين العلوم التطبيقية و العلم الديني السماوي .... مع أنه لو ربط بينهما لقفز قفزات علمية هائلة لم يكن يحلم بها .. سأحكي لك مثالا بسيطا جدا .
دراسة الإنسان الرائعة لعلم الجيولوجيا مكنته من وصف و رسم معظم المخلوقات التي سادت الأرض في الزمن السحيق ومنها الديناصورات و العديد من المخلوقات البحرية الأخرى و الحشرات العملاقة التي وصفها ورسمها بدقة .. ليس هذا فقط و إنما وصف حياتها بالتفاصيل و توصل لكل أنواعها تقريبا .
الشيء الذي يحيرني هو عدم اطلاع العلماء من الإنسان جيدا على العلوم السماوية والتي تخبرهم بوضوح أن الأرض قبل نزول آدم أبو البشر إليها كانت عامرة بالجن ... وأنهم – الجن - لما أكثروا من سفك الدماء في الأرض جعلهم الله مخلوقات ثانوية ... الشيء الذي لم ينتبه إليه الإنسان هو أن الجن كانوا يسكنون الأرض في نفس الفترة التي كانت تسكنها الديناصورات بالضبط .
إن الله قد سخر لكم الحيوانات بكل فصائلها و أنواعها لخدمتكم يا جنس الإنسان ... أما نحن فالله قد سخر لنا مخلوقات أخرى عملاقة لخدمتنا ... منها الديناصورات .. ولما كانت طبيعة الإنسان لن تتكيف حتما مع هذه المخلوقات العملاقة فقد قضى الله عليها كلها قبل نزوله إلى الأرض و بدلها بمخلوقات تناسبه .
أرى أنكم أطلقتم أسماء لاتينية على كل شيء اكتشفتموه .. هناك أسماء لاتينية للعصور التي مرت بها الأرض أو للمخلوقات التي عاشت عليها ... حتى الحيوانات و الكائنات البدائية سميتموها بأسماء لاتينية وهذا طبعا لأن لغاتكم كثيرة جدا فأردتم استخدام أسماء موحدة تتفق عليها كل اللغات .. خطوة عبقرية أهنئكم عليها .. وسأستخدم هذه الأسماء في حكايتي هذه .. بالطبع كانت لدينا أسماء أخرى تماما .. لكننا اتفقنا أن أحدثك بمفاهيمك .
في منتصف العصر الجوراسي .. قبل حوالي مئة مليون سنة ، كانت هناك قارة وحيدة موجودة على الأرض سميتموها في كتبكم بقارة بانجايا .. في العصر الجوراسي كانت هذه القارة قد بدأت تتكسر و تتصدع سامحة للعديد من الأنهار أن تتكون و للعديد من غابات الصنوبر أن تظهر .. دخل على الأرض وقتها عصر من الارتواء و الخضرة بعد العصر الجاف الذي كنا نعيش فيه و استمر 50 مليون سنة قبل العصر الجوراسي و الذي سميتموه بالعصر الترياسي .
كانت الديناصورات طاغية تماما على غيرها من الحيوانات في العصر الجوراسي. إن معاملتكم للحيوانات معاملة راقية جدا رغم وجود بعض التجاوزات ... لكن معاملتنا للديناصورات كانت بشعة جدا ... ربما أنتم تخافون الديناصورات وتهابونها و تصورونها على أنها مخلوقات مفترسة .. لكنها لم تكن مفترسة أبدا بالنسبة لنا .. الديناصورات المفترسة التي تتحدثون عنها كانت فقط آكلات لحوم .. و أنت تعلم أننا لسنا بلحوم .. فنحن لم نخلق من صلصال مثلكم .. بل قد خلقنا من مارج من نار .
العصر الجوراسي كان عصرا ذهبيا لنا ... فنحن أيضا آكلي لحوم .. وربما سيدهشك أننا كنا نتغذى على لحوم الديناصورات .. الجميل في الأمر أنه كانت هناك ديناصورات بوزن 10 أطنان أو أكثر مما كان يوفر لنا غذاء دائما لا ينقطع ..
طعامنا المفضل كان الستيجوصور .. ذلك الديناصور آكل العشب ذو الألواح الظهرية الذي كنا نستخدمه في الرعي كما تستخدمون أنتم الأبقار والجاموس الآن .. لكن الستيجوصور يكون عدوانيا جدا عندما يحين موعد ذبحه ... فألواحه الظهرية الغنية بالأوعية الدموية تتورد لتعطي لونا أحمرا ممزوجا بالبنفسجي بشكل مقلق ...إن الأبقار والجمال تبدو مسالمة جدا بالنسبة له عند ذبحها . أيضا من الديناصورات ذات اللحم الجميل هو التريسيراتوبس ذو القرنين و الآذان العريضة .. وكما كان غذاء مفضلا لنا فقد كان غذاء مفضلا لغيره من الديناصورات آكلة اللحوم .
هناك ديناصور ذو عنق طويل يدعى الديبلوديكس .. هذا لم يكن لحمه يؤكل .. رغم أنه تطور فيما بعد ليصبح براكيوصور الذي كان أضخم ، ثم إلى ميمينشيوصور وهذا هو أضخم الكائنات التي مشت على ظهر الخليقة ... هؤلاء كنا نستخدمهم في التنزه .. نمتطي ظهورهم ونرافقهم في رحلاتهم النهرية للتغذي على قمم الأشجار ... كان علينا حماية الديبلوديكس و الستيجوصور و التريسيراتوبس دائما من هجوم الألوصورات المفترسة ... و الألوصور هو ذلك الديناصور المفترس صغير الحجم سريع الحركة .. وهو من أوائل الديناصورات التي وجدت على ظهر الأرض واستطاعت العيش في العصر الترياسي الجاف ... هو من آكلي اللحوم الشرهين جدا و الخبثاء جدا فمهما ننصب له من كمائن كان يجتازها ليهاجم الفرائس التي يريد .
الأنكليوصور كنا نستخدمه في الحروب ... فهو مدرع .. و لديه سلاح فتاك عبارة عن شيء يشبه الهراوة المدرعة في نهاية ذيله يدافع بها عن نفسه و كان قادرا بواسطتها على كسر أقوى الحصون ..أما البتروصورات التي هي الديناصورات الطائرة كانت أنواعها عديدة لكننا كنا نستخدم أهمها وهو الأركيوبتركس في المراسلة .. فرحلات هذا الديناصور الطائر تكون عبر آلاف الأميال وهو مثل الحمام الزاجل لديه أماكن معروفة يهبط فيها .
أما البتروصورات الأخرى مثل الأونيثاكاروس العملاق ذو العيون الزرقاء فلم تكن لنا علاقة مفيدة بهم .. لكنني أحب النظر إليهم دائما لأن أسلوب حياتهم طريف جدا ...خاصة في طريقة مشيتهم ... أنا أسمي الأونيثاكاروس بصاحب العباءة ... فهو يضع جناحيه المخلوقين من جلد رفيع بجانبه عندما يمشي فيظهران عليه وكأنه يرتدي عباءة ويمشي بها ... الأطرف هو ما نشاهده في في موسم تزاوجه حيث يتجمع ذكور الأنوثاكاروس على صخرة واحدة وينادون الإناث .. أقوى الذكور هم الذين يكونون في منتصف التجمع وهم الذين تنجذب لهم الإناث .. أما المساكين على الأطراف فربما يقضون حياتهم كلها أملا في التزاوج ولا يستطيعون .
أعرف أن أشهر ديناصور بالنسبة للإنسان هو التيرانوصور ريكس ...كان هذا هو الديناصور الأكثر إزعاجا بالنسبة لنا ... فلا أدري لماذا يكون الأنثى و الذكر منه منفصلين تماما ... أشد اللحظات إزعاجا هي عندما تنادي الأنثى الذكر ... تظل تناديه أسابيع طويلة كل يوم بصوت مزعج جدا ... وفي الغالب نقتلها لنرتاح من صوتها إلى الأبد .
يجب أن أخبرك أيضا أنني مسلم ... جني مسلم .. أنت تعرف أن الجن منهم المسلم ومنهم الكافر ... الجن السفلي ليس منهم مسلمون .. الإسلام ينتشر بين الجن العلوي فقط .. هل تتساءل عن الطريقة التي عرفنا بها الإسلام ؟ هل لنا أنبياء من الجن ؟ أم أن أنبياؤكم هم أنبياؤنا ؟ من الذي يعلمنا ويوجهنا لطريق الله ؟ كيف هي صلاتنا أو صيامنا ؟ هذه أسئلة لا يمكنني إجابتها مطلقا لأنه لا يسمح لبني الإنسان أن يطلعوا عليها حتى قيام الساعة ... لكن يكفيكم يا بني الإنسان أن سيد الخلق أجمعين محمد هو منكم .
كانت حياتنا مع الديناصورات حافلة ... كنا نستخدمها أسوأ استخدام ممكن و نقتلها كثيرا لمجرد اللهو ... حتى أتى العصر الذي تسمونه بالعصر الطباشيري ... منذ حوالي 65 مليون سنة تقريبا ... تغير مناخ الأرض تغيرا ملحوظا .. الطقس أصبح أكثر حرارة وقشرة الأرض بدأت في التحرك بعصبية لتولد الكثير من البراكين و الكثير من الزلازل بشكل مخيف ....نحن لا تؤثر فينا الحرارة لكن البرودة تقتلنا ...بينما الحرارة كانت تقتل الديناصورات ... لكن ما كان يقتلهم أكثر هو الغازات السامة التي تخلفها البراكين ... انقرضت سلالات كاملة من الديناصورات الأضعف في تلك الحقبة .... ظلت هذه الحقبة السوداء على الأرض فترة من الزمن طويلة.... حتى رأينا شيئا في السماء ... رأينا نذر الهلاك فجأة .
كل ليلة كانت سماء الليل تلمع بالعديد من الشهب المتتابعة ... الرعد و البرق أصبحا يحدثان تقريبا كل يوم ... هذا نذير كارثة ما آتية لا ريب .... لم نكن متطورين علميا مثل الإنسان حتى نعرف الحقيقة ... كانت هناك حقيقة مفزعة لم نكن نعرفها وقتها .... كان هناك نيزك هائل الحجم يقترب من الأرض بسرعة كبيرة منذ شهور .
حدث كل شيء فجأة .... اصطدم النيزك الضخم بالأرض .. تحديدا عند خليج المكسيك ... اصطدم محدثا انفجارا رهيبا لا تصفه ملايين الكلمات ... لكنني لأقرب الصورة إلى ذهنك سأقول أن هذا الانفجار كانت قوته تعادل عشرة بلايين ضعف قوة قنبلة هيروشيما النووية ... بل أكثر من هذا... كان الانفجار يمتد من جنوب الكرة الأرضية إلى شمالها بسرعة متوسطة... ماسحا في طريقه كل آثار الحياة على وجه الكرة الأرضية .
لقد أثبتم علميا بالآثار و الدراسات و الأرقام حدوث هذا الانفجار منذ 50 مليون سنة لكنكم لم تعلموا ماذا فعل الانفجار بنا نحن الجان .... بالطبع قتل هذا الانفجار بل أباد الكثير من الأجناس منا ... لكن معظم أجناس الجن العلوي و السفلي لم تتأثر ... الحقبة التي عشناها بعد الانفجار كانت أشد الفترات صعوبة في حياتنا ... وأشد الفترات صعوبة في تاريخ الأرض كلها .
ربما تتحدث كتب الدين عن أن الجان عاثوا في الأرض فسادا و سفكوا الدماء قبل ظهور الإنسان ... هذا صحيح تماما لكن أكثر فترة من الفساد و سفك الدماء كانت هي تلك الفترة بعد الانفجار ... لاحظ أن مصدر الغذاء الأساسي بالنسبة لجنسنا قد اختفى تماما... تخيل أن تأتي كارثة ما تقتل كل الحيوانات على وجه الأرض .
زادت الحروب بطريقة بشعة بسبب أنه كانت هناك أماكن محددة من الأرض تعيش عليها كائنات حية لم يقتلها الانفجار ... ليست كائنات حية عادية .. أنا أتحدث عن أضخم كائن حي خلقه الله على هذه الأرض ... كائن كان يقضي معظم أوقاته في أعماق المحيطات وقد كتبت له النجاة من الانفجار العظيم .... أتحدث عن اللايبلوريدون ... البرمائي المفترس الذي عاش على الأرض منذ خمسين مليون سنة .
وزن هذا المخلوق كان مئة وخمسون طنا .... مئة وخمسون طنا من اللحم ... كنز ثمين جدا في تلك الحقبة من الزمن ... هذا المخلوق هو صاحب أكبر فك على مستوى جميع مخلوقات الكرة الأرضية وكان يتغذى على الديناصورات التي يلقيها حظها العاثر على الساحل بالقرب من منطقته . كان متركزا في بقاع معينة فقط من الأرض ..... هل تخيلت ما حدث أم لا ؟ حروب ضارية جدا بين ملوك الجن ... حروب استمرت ملايين السنين .... نعم كانت هناك ممالك من الجن ولكل مملكة ملك عظيم .... ووجود كتلة اللحم التي تدعى اللايبلوريدون في ممالك دون سواها خلق هجوما ضاريا من الممالك على بعضها بطريقة لم تحدث من قبل و لا حدثت من بعد .
حروب الجن ليست كحروب البشر ... إننا أجناس و أنواع ... ولكل جنس منا أسلحته ... حروبنا مدمرة نادر فيها الصلح أو الهدنة ... إن منا أجناسا كاملة انقرضت في تلك الحروب .. مرت السنين تلو السنين و الحروب في ازدياد خاصة مع تناقص أعداد اللايبلوريدون بشكل رهيب .
فيما أتى من الزمن لاحظنا نمو كائنات حية أخرى صغيرة الحجم ... بدأت بالأسماك ثم تطورت شيئا فشيئا لتصبح برمائيات تشبه الأسماك ... ثم برمائيات تشبه الحيوانات لكنها تمشي على أربع زعانف ... ثم إلى ثديات تمشي على أربع .. لاحظنا أن كل الأجيال التي خلقت من الحيوانات صغيرة الحجم جدا بالنسبة إلى أجدادها السابقون... حتى الحشرات التي كانت عملاقة فيما مضى في العصر الجوراسي أصبحت الآن صغيرة جدا ... لم نكن نفهم الأمر بشكل كامل وقتها .
تناثرت قارة بانجايا إلى ثمان قطع أحدها غرقت في الأعماق تسمونها عادة في كتبكم بقارة أتلانتس .. اخضرت الأرض وأصبحت مليئة بالأنهار و الشلالات و الغابات و النخيل ... ظهرت أنواع جديدة كليا من النباتات و الثمرات .. بدا و كأن الأرض تتزين أحلى زينة لديها ... لم نكن نفهم ... لقد كانت الأرض تتزين من أجلك .
منذ عشرين ألف سنة فقط سمعنا بنبأ قدومك .... ومنذ عشرين ألف سنة فقط نزل إلى الأرض أبو البشر آدم .. كان يتصرف عن علم تام بكل شيء و كأنه كان يعيش فيها طيلة حياته ... منذ عشرين ألف سنة فقط حكم علينا بالاختفاء ... أصبحنا نراكم ولا ترونا .. نعيش بينكم ولا تشعرون بنا ... يأكل بعضنا معكم و يأكل بعضنا من بقايا طعامكم ولا تلاحظون .
أتيت أيها الإنسان منذ عشرين ألف سنة ... الحق أقول لك أنك أجمل المخلوقات التي خلقها ربي ... إن أجمل جنس لدينا يبدو أبشع ألف مرة من إنسان مشوه .. أنت ترى جمالك و تشعر به عندما تقارن نفسك ببقية المخلوقات التي تراها عينك ... أنا أخبرك أنك أيضا أجمل من المخلوقات التي لم ترها عينك ... وقد صدق ربك عندما قال لك أنه خلقك في أحسن تقويم .
هذا قبس من حكاية جنسنا الطويلة ... هناك تفاصيل بالطبع لا يسمح لنا بإخراجها ولا يسمح لك بمعرفتها بحكم الحاجز الطبيعي بين جنسينا .... لكن أود أن أخبرك أن هناك طوائف من الجن تحبك .. ربما يكون لك فرصة اللقاء بها في الحياة الآخرة ... فقط أردتك أن تعرف أنه ليس كل الجن أشقياء ... الحقيقة أن معظمهم فقط كتبوا على أنفسهم أن يكونوا أشقياء لكن ليس الكل يا صديقي ... ليس الكل