المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الْفَأْرَةُ تُفَضِّلُ الْمَصْيَدَةَ أَحْيَانًا ، قصة للشاعر الدكتور/ عزت سراج



هيثم الفقى
01-25-2011, 03:29 PM
الْفَأْرَةُ تُفَضِّلُ الْمَصْيَدَةَ أَحْيَانًا

قصة قصيرة من مجموعة

لَيْلَى تَعْرِفُ الطَّرِيقَ إِلَى بَيْتِهَا

للشاعر الدكتور / عزت سراج

ـــــــــــــ

فِي دَهْشَةٍ ظَلَّتْ لَيْلَى مُخْتَبِئَةً تُرَاقِبُ مِنْ بَيْنِ قُضْبَانِ النَّافِذَةِ تِلْكَ الْفَأْرَةَ التَّعِيسَةَ الَّتِي دَخَلَتِ الْمَصْيَدَةَ رَاضِيَةً فِرَارًا مِنْ تِلْكَ الْقِطَطِ الْمُطَارِدَةِ قَفْزًا وَرَاءَها فَوْقَ الْجُدْرَانِ وَتَحْتَ الْكَرَاسِيِّ الْمُتَنَاثِرَةِ فِي أَنْحَاءِ الْحُجْرَةِ 000

تَلْتَقِطُ الْفَأْرَةُ أَنْفَاسَهَا الْمُتَسَارِعَةَ فِي ارْتِيَاحٍ بَعْدَ أَنْ أُغْلِقَ بَابُ الْمَصْيَدَةِ ، وَأَصْبَحَتْ فِي أَمَانٍ بَعِيدًا عَنْ مَخَالِبِ الْقِطَطِ الْجَائِعَةِ الَّتِي لا تَرْحَمُ ضَعْفَهَا 000

قَانِعَةً بِالسَّاعَاتِ الْمُتَبَقِّيَةِ دَاخِلَ الْمَصْيَدَةِ تُحَرِّكُ ذَيْلَهَا فِي فَرَحٍ تَغِيظُ الْقِطَطَ الْمُتَرَبِّصَةَ فِي انْتِظَارِ خُرُوجِهَا ثَانِيَةً 000

فِي يَأْسٍ تَدْفَعُ الْقِطَطُ بِالْمَصْيَدَةِ بَيْنَ أَرْجُلِهَا تُحَاوِلُ الْوُصُولَ لِلْفَأْرَةِ الَّتِي تَرْمُقُهَا بِعَيْنَيْنِ مَاكِرَتَيْنِ تَضْحَكَانِ فِي زَهْوٍ ظَافِرَةً بِالنَّجَاةِ مُحَقِّقَةً بِحِيلَتِهَا نَصْرًا غَالِيًا عَلَى تِلْكَ الْقِطَطِ الْمَهْزُومَةِ هَذِهِ الْمَرَّةَ 000

فِي سُخْرِيَةٍ تَرْقُبُهَا الْقِطَطُ حَانِقَةً تَعَضُّ بِأَنْيَابِهَا أَسْلاكَ الْمَصْيَدَةِ دُونَ جَدْوَى 000

000000

000000

000000

ـ مَاذَا تَصْنَعِينَ يَا امْرَأَةُ ؟

ـ أُرَاقِبُ الْفَأْرَةَ دَاخِلَ الْمَصْيَدَةِ يَا حَسَنُ 000 حَمْدًا ِللهِ عَلَى سَلامَتِكَ 000

ـ أَلَيْسَ لَدَيْكِ مَا تَصْنَعِينَ يَا بِنْتَ الْـ 000 ؟

ـ لِمَاذَا تَشْتِمُنِي الآنَ ؟ وَمَاذَا صَنَعَتْ لَكَ أُمِّي؟

ـ وَتَرُدِّينَ عَلَيَّ يَا بِنْتَ الْـ 000 ؟

ـ رَبُّنَا يُسَامِحُكَ يَا حَسَنُ !!

ـ اخْرَسِي يَا فَاجِرَةُ !!

ـ حَاضِرٌ يَا حَسَنُ ، خَرَسْتُ 000

ـ أَحْضِرِي الْعَشَاءَ يَا امْرَأَةُ !!

ـ حَاضِرٌ حَاضِرٌ ، فِي الْحَالِ يَا حَسَنُ 000

فِي ارْتِبَاكٍ تَجُرُّ قَدَمَيْهَا الثَّقِيلَتَيْنِ دَاخِلَ الْمَطْبَخِ ، تُشْعِلُ الْمَوْقِدَ مُسْتَسْلِمَةً لِلْبُكَاءِ 000

تَشْدُو أُمُّ كُلْثُومٍ فِي الْبَيْتِ الْمُجَاوِرِ { آهِ مِنْ قَيْدِكَ أَدْمَى مِعْصَمِي } 000

رَائِحَةُ الثَّوْمِ الْمَقْطُوعِ تَمْلأُ أَنْفَهَا ، وَرَذَاذُ الْبَصَلِ الْمَبْشُورِ يُلْهِبُ عَيْنَيْهَا الدَّامِعَتَيْنِ فَوْقَ خَدَّيْهَا 000

عَاطِسَةً تَمْسَحُ دُمُوعَهَا مُشَمِّرَةً يَدَيْهَا ، تُسْرِعُ غَاسِلَةً أَعْوَادَ الْجَرْجِيرِ الطَّازَجِ 000

ـ بِسُرْعَةٍ يَا بِنْتَ الْـ 000 !!

ـ حَاضِرٌ ، دَقِيقَةً وَاحِدَةً فَقَطْ 000

فِي تَأَفُّفٍ يَحْمِلُ الْمَصْيَدَةَ خَارِجَ الْحُجْرَةِ صَاعِدًا فَوْقَ السَّطْحِ تَارِكًا الْفَأْرَةَ دَاخِلَهَا لِتَلْفَظَ أَنْفَاسَهَا الأَخِيرَةَ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ 000

خَالِعًا مَلابِسَهُ يُلْقِي بِجَسَدِهِ الْمُتَرَهِّلِ فَوْقَ السَّرِيرِ 000

ـ جَهَزَ الْعَشَاءُ يَا حَسَنُ ، هَيَّا ، كُلْ لُقْمَةً !!

ـ فُولٌ يَا بِنْتَ الْـ 000 ؟

ـ نِعْمَةٌ وَالْحَمْدُ ِللهِ !!

ـ أَيَّةُ نِعْمَةٍ وَأَنْتِ مَعِي يَا بِنْتَ الْـ 000 ؟

بِرَكْلَةٍ وَاحِدَةٍ يُبَعْثِرُ الأَطْبَاقَ بِقَدَمَيْهِ مُمْسِكًا بِشَعْرِهَا لاطِمًا وَجْهَهَا ضَارِبًا بَطْنَهَا مُلْقِيًا بِجَسَدِهَا النَّحِيلِ تَحْتَ رِجْلَيْهِ 000

صَارِخَةً تَسْتَغِيثُ بِصِغَارِهَا الْخَائِفِِينَ فِي الْحُجْرَةِ الْمُجَاوِرَةِ دَافِعَةً رَكَلاتِهِ الْعَنِيفَةَ بِيَدَيْهَا الرَّقِيقَتَيْنِ 000

يَحُولُ الصِّغَارُ بَيْنَهُمَا فِي بُكَاءٍ ، يَتَوَسَّلُونَ إِلَيْهِ أَنْ يَكُفَّ مُبْتَعِدًا عَنْهَا 000

ـ بِكَمْ جُنَيْهٍ عَمِلْتِ الْيَوْمَ يَا بِنْتَ الْـ 000 ؟

ـ هَذِهِ عِشْرُونَ جُنَيْهًا ، خُذْهَا يَا حَسَنُ !! رَبُّنَا يَهْدِيكَ 000

بَاصِقًا فِي وَجْهِهَا يَشُدُّ الْجُنَيْهَاتِ مِنْ صَدْرِهَا مُنْسَحِبًا لِلْخَارِجِ بَاحِثًا فِي قَلَقٍ عَنْ رِفَاقِهِ دَاخِلَ الْمَقْهَى 000

000000

000000

000000

تَحْتَضِنُ لَيْلَى صِغَارَهَا فِي رِفْقٍ تُحَاوِلُ أَنْ تَهْدَأَ قَلِيلاً 000

تَقْتَرِبُ فِي انْكِسَارٍ تَخْتَلِطُ دُمُوعُهَا بِابْتِسَامَتِهَا الْهَارِبَةِ 000

ـ لا بَأْسَ يَا أَوْلادُ ، سَيَهْدَأُ حِينَ يَعُودُ 000

ـ وَلِمَاذَا تَصْبِرِينَ يَا أُمِّي عَلَى هَذِهِ الْحَيَاةِ ؟

ـ مِنْ أَجْلِكُمْ يَا أَحْبَابِي أَصْبِرُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ !

ـ أَنْتِ عَظِيمَةٌ يَا أُمِّي !!

ـ الْمُهِمُّ أَنْ تَتَفَوَّقُوا وَتَنْتَصِرُوا عَلَى هَذِهِ الظُّرُوفِ 000

ـ حَاضِرٌ يَا أُمِّي 000

فِي عَطْفٍ يُقَبِّلُونَ جَبِينَهَا جَالِسِينَ حَوْلَهَا يُذَاكِرُونَ دُرُوسَهُمْ ، يُوَاصِلُونَ الإِجَابَةَ عَنِ الأَسْئِلَةِ الَّتِي لا تَنْتَهِي 000

000000

000000

تَرْكِنُ ظَهْرَهَا بَيْنَهُمْ فَوْقَ الأَرْضِ سَانِدَةً رَأْسَهَا بِكَفَّيْهَا مُسْتَسْلِمَةً لِذِكْرَيَاتِهَا أَوَّلَ يَوْمٍ قَابَلَهَا فِيهِ وَدَفَعَ لَهَا مُقَابِلَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ الَّتِي قَضَتْهَا فِي فِرَاشِهِ 000

فِي الْيَوْمِ التَّالِي تَزَوَّجَهَا بَعْدَ أَنْ أَقْسَمَتْ أَنْ تَظَلَّ مُخْلِصَةً لَهُ وَلا تَعُودَ لِلرَّصِيفِ ثَانِيَةً 000

فِي وَفَاءٍ ظَلَّتْ مُحِبَّةً لَهُ صَادِقَةً لا تَنْسَى فَضْلَهُ عَلَيْهَا 000

فِي الصَّبَاحِ تَتَنَقَّلُ فِي إِبَاءٍ خَادِمَةً بَيْنَ الْبُيُوتِ مُقْسِمَةً أَنْ تَظَلَّ عَفِيفَةً بَعْدَ أَنْ ذَاقَتْ حَلاوَةَ الْحَلالِ 000

وَبَعْدَ الْعَصْرِ تُتُابِعُ الصِّغَارَ فِي شَغَفٍ دُونَ مَا كَلَلٍ 000

تَرْجُو أَنْ يَكْبَرُوا سَرِيعًا مُخَفِّفِِينَ عَنْهَا بَعْضَ الأَلَمِ ، وَتُحَلِّقَ الْعَصَافِيرُ فَوْقَ عُشِّهَا مِنْ جَدِيدٍ خَافِضَةً أَجْنِحَتَهَا دَافِئَةً بِالْحَيَاةِ 000

وَفِي الْمَسَاءِ تَتَحَمَّلُ قَسْوَتَهُ الَّتِي لا تَلِينُ لَعَلَّهُ يَحِنُّ إِلَيْهَا ثَانِيَةً 000

000000

000000

000000

فِي غَيْرِ تَرَدُّدٍ قَافِزَةً سَلالِمَ الْبَيْتِ تَصْعَدُ إِلَى السَّطْحِ 000

مُرْتَجِفَةً عَلَى غَيْرِ هُدًى تَفْتَحُ ـ فِي إِصْرَارٍ ـ بَابَ الْمَصْيَدَةِ 000

تُهَرْوِلُ الْفَأْرَةُ بَعِيدًا نَحْوَ جُحْرِهَا قَبْلَ أَنْ تَعُودَ الْقِطَطُ السَّمِينَةُ 000

فِي فَزَعٍ يَصْعَدُ الصِّغَارُ إِلَيْهَا يُعَانِقُونَ صَدْرَهَا مُرْتَعِشِينَ بَيْنَ ذِرَاعَيْهَا 000

كَنَسْمَةِ الرَّبِيعِ تَضُمُّ ضُلُوعَهَا مُلْتَصِقِيْنَ بِقَلْبِهَا النَّابِضِ كَطَاحُونَةٍ 000

يَهْبِطُونَ سَلالِمَ الْبَيْتِ فَرِحِينَ يَتَفَادَوْنَ الْعَتَبَةَ الْمَكْسُورَةَ 000

فِي انْتِظَارِ عَوْدَةِ حَسَنٍ تَضَعُ ـ فِي حُنُوٍّ ـ جَسَدَهَا تَحْتَ الْمَاءِ الدَّافِئِ غَاسِلَةً شَعْرَهَا ، تُزِيلُ بَقَايَا الْعَرَقِ 000

تَرْتَدِي أَجْمَلَ ثِيَابِهَا بَاسِمَةً كَنَبْقَةٍ مُثْمِرَةٍ 000

تُمَدِّدُ أَعْضَاءَهَا فَوْقَ السَّرِيرِ فِي اسْتِرْخَاءٍ 000

مُسْتَسْلِمَةً لِضَعْفِهَا رَاضِيَةً بِأَحْلامِهَا الصَّغِيرَةِ تُدَاعِبُ أَطْفَالَهَا 000

يَنْعَسُونَ كَيَمَامَاتٍ بَرِّيَّةٍ عَلَى كَتِفَيْهَا آمِنِينَ فِي سَلامٍ 000

شَارِدَةً يُشْرِقُ وَجْهُهَا كَمَلاكٍ يُرَاوِغُهَا ضَوْءُ الْمِصْبَاحِ تَدَلَّى مِنْ أَعْلَى السَّقْفِ 000

تَفُكُّ ضَفِيرَتَهَا تُرْسِلُ شَعْرَهَا فِي انْسِيَابٍ خَلْفَ ظَهْرِهَا 000

تَنْحَنِي هَادِئَةً فِي انْتِشَاءٍ ، تُدْرِكُ لِمَاذَا تُفَضِّلُ الْفَأْرَةُ الْمَصْيَدَةَ أَحْيَانًا 0

ــــــــــــ

هدي السماك
01-25-2011, 03:54 PM
اشكر الاستاذ هيثم على اختياره لهذه القصه ويالها من قصه جميله هادفه سلمت يداك ياسراجنا المنير مره ثانيه وثالثه .........وعاشره اشكرك من كل قلبى الملئ لك بكل حب وعرفان وتقديرلك منى اجمل الامانى الرقيقه