المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحمض النووي سلاح فعال لكشف غموض الجرائم



هيثم الفقى
12-01-2010, 10:24 AM
ظل البحث الجنائي لسنوات طويلة يعتمد على
الطرق التقليدية المختلفة والأدلة الجنائية المتداولة
في التحقيقات للكشف عن غموض الجرائم والحوادث بأنواعها وعمليات الثأر والأعمال الإرهابية التي قد يتأذى من نتيجتها أناس ليس لهم علاقة بالموضوع إلى جانب الأشخاص المستهدفين.

ومن أبرز الأدلة بصمات الأصابع
التي ظلت حتى عهد قريب أكثر الأدلة الجنائية مساهمة ودقة في كشف وتحديد شخصيات مرتكبي الأعمال الإجرامية والضحايا في حالات التشوه الشديد، ثم تأتي بعد ذلك زمرة الدم وتركيبه الكيميائي والشعر والجلد والخلايا والبقايا التي يخلفها الفاعل على مسرح الجريمة أو على جسد الضحية وآثار الأسلحة وأدوات الجريمة المستخدمة وبقاياها مثل الطلقات والفوارغ وما إلى ذلك.
وبالرغم من أن الطب الشرعي والأدلة الجنائية توصلت إلى اكتشاف مرتكبي جرائم كبرى وعمليات سطو وتهريب خطيرة وفككت عصابات مارست كل أشكال الجريمة والتخريب التي تهدد بتدمير المجتمع، وسجلت بذلك انتصارات هامة وكبيرة على عالم الجريمة،
إلا أن الاكتشاف الأهم كان على يد عالم الوراثة الدكتور إليك جيفري عام 1984م الذي كشف عن التسلسل العجيب للقواعد النيتروجينية المكونة لجزيئ الحمض النووي d n a

الذي عرف أيضا بالبصمة الوراثية،

. لذلك صار الدليل الأوحد للكشف عن هوية الأشخاص بدقة متناهية سواء كانوا من المجرمين أو الضحايا في الأعمال الجنائية، وللتأكد من صحة نسب الأبناء في قضايا الفصل في تنازع البنوة في حالات إنكار الشخص أبوته لطفل غير شرعي نتيجة الاغتصاب أو الزنا، أو ادعاء امرأة بأن طفلا لها يخص شخصا معينا لإجباره على الزواج منها، أو طمعا في ميراث، وفي قضايا تبادل المواليد في المستشفيات خطأ أو عمداً، ومهمة الطب الشرعي تحديد النتائج الصحيحة والأشخاص الحقيقيين في مختلف هذه القضايا.
لأن كل أسرار الخلية والإنسان توضع على هذا الحمض الضئيل الحجم فهو مسؤول عن نقل الصفات الوراثية المبرمجة عليه عبر الأجيال بكل أمانة محققا التفرد والتميز لكل جنس من الأجناس البشرية،
بل وكل إنسان على حدة ببصمته الخاصة التي لا تتشابه أبدا مع أي إنسان آخر، ذلك أن الحمض النووي يوجد في أنوية الخلايا في صورة كروموزومات مشكلا وحدة البناء الأساس لها، والمعلومات أو الصفات الوراثية الخاصة بكل كائن حي مستقرة على جزيئ الحمض بصورة شفرية مبرمجة ومقدرة منذ بداية تكوين كل كائن حي.
.
يتميز الحمض النووي (البصمة الوراثية) بأنه دليل إثبات ونفي قاطع بنسبة مائة بالمائة إذا تم تحليل الحمض بطريقة سليمة،
حيث إن احتمال التشابه بين البشر في الحمض النووي غير وارد بعكس فصائل الدم التي تعتبر وسيلة نفي فقط لاحتمال التشابه بين البشر في هذه الفصائل، ويمكن أخذ البصمة من أي مخلفات آدمية سائلة (دم، لعاب، مني) أو أنسجة (لحم، عظم، جلد، شعر) وهذه الميزة تغني عن عدم وجود آثار لبصمات الأصابع للمجرمين في مسرح الجريمة، وهو يقاوم عوامل التحلل والتعفن والعوامل المناخية المختلفة من حرارة وبرودة ورطوبة وجفاف لفترات طويلة، حتى إنه يمكن الحصول على البصمة من الآثار القديمة والحديثة، ويذكر هنا أن المعلومات التي تم الحصول عليها عن إنسان النايندال الذي وجدت جثته محفوظة في الثلج منذ حوالي تسعة آلاف سنة جاءت عن طريق تحليل البصمة الوراثية في الحمض النووي.
ومن الميزات الهامة أن بصمة الحمض النووي تظهر على شكل خطوط عرضية تسهل قراءتها والتعرف عليها وحفظها وتخزينها في الحاسب الآلي للمقارنة عند الحاجة إلى ذلك بعكس بصمات الأصابع التي لا يمكن حفظها في الحاسب لفترات طويلة.
ومن هذا المنطلق ومن أجل توفير ملفات أمنية متكاملة تتيح الحصول على المعلومات في مختلف الأوقات وحل تعقيدات الجرائم التي تحدث بدأت العديد من الدول في إنشاء بنوك لقواعد معلومات تستند على الحمض النووي كأساس للتعريف لجميع مواطنيها، مع إنشاء قسم خاص في البنك للمشتبه بهم في مختلف القضايا ليكون دليلا للعودة إليه عند حدوث حالة اشتباه.
ومع التوسع الكبير في استخدام البصمة الوراثية للحمض النووي في العديد من القضايا أخذ الاهتمام بهذا الجانب يتطور بسرعة للحصول على أفضل النتائج في أقصر وقت، بحيث لا يتاح للمجرمين الفرصة للابتعاد كثيرا عن مسرح الجريمة أو الهروب، مع أن البصمة الوراثية لا تترك مجالا لعدم معرفة الجاني عند توفر قاعدة معلومات تحتوي على البصمات الوراثية للمشبوهين
.
ومن القضايا التي وجدت حلولا شافية لها بواسطة البصمة الوراثية للحمض النووي قضايا التعرف على المجرم من خلال تحديد شخصية صاحب الدم في جرائم القتل، وصاحب المني والشعر والجلد في جرائم الاغتصاب والاعتداء الجنسي، وصاحب اللعاب على بقايا المأكولات وأعقاب السجائر في جرائم السرقة، والموجودة على أغلفة الرسائل وطوابع البريد في جرائم التهديد والابتزاز والطرود الملغومة والاختطاف، كما يمكن استخدام الأسنان والعظام للتعرف على الأشخاص،
ومن مجمل المخلفات التي ذكرناها يمكن التعرف على نوعية الجاني إن كان ذكرا أو أنثى، وهذا بحد ذاته يعتبر تحولا هاما في مجال الأدلة الجنائية وكشف الجرائم، إضافة إلى الاستفادة منه في تحديد شخصية المجرم
حيث بدأ العلماء في دراسة إمكان تحديد طبيعة الشخصية وميولها وما يمكن أن يعانيه من اضطرابات من خلال التركيز على بعض الجوانب في تحليل الحمض النووي، وهذا يفتح الأبواب واسعة أمام تقدم علمي كبير في هذا المجال يساهم في تحقيق الأمن وتوفير السلامة في المجتمعات الإنسانية.
وعندما يتحدث البعض عن عيوب البصمة الوراثية
فإنما يشيرون إلى أن ذلك يحدث عندما لا يكون التحليل دقيقا بالكامل، وعندما يتم فحص عينات مختلفة على طاولة واحدة في المعمل نفسه، أو عند تلوث العينة المأخوذة بسبب ما.
في كل الأحوال لا يمكن الشك مطلقا في مدى نجاعة الاعتماد على الحمض النووي كوسيلة سليمة ومضمونة النتائج للوصول إلى حل للكثير من الجرائم المعقدة من خلال التعرف على شخصيات مرتكبيها والمجنى عليهم وأيضاً إلى معرفة أصحاب الجثث المتحللة ومجهولي الهوية